مقالات سياسية

الكارثة التي ألمت بالسودان ! هل ثمة مخرج ؟؟

الفاضل عباس محمد علي

لقد وصلت لنفس الحالة من الحزن الدائم والاحباط الكاتم الذي وصل إليه حبيبنا أبو الجعافر، مع نفس وهن العظم وتضعضع الصحة وغياب النوم، زد علي ذلك أنني أكبره بسنتين؛ وقد كسرت قلمي وفقدت الرغبة في الكتابة، خاصة ونحن في ظروف (السيًف أصدق أنباءا من الكتب)؛ وعموما، مع قعقعة السلاح ، من يقرأ ومن يسمع؟

غير أنك لو (عملت نايم)، ولذت بصمت القبور وبلادنا تمر بأحرج ظروف في تاريخها، فإنك تتساوي مع السياسيين الأفندية الانتهازيين الذين أكثروا الظهور الإعلامي علي مدي الأربع سنوات المنصرمه، حينما كانوا يتسيدون المشهد السياسي، ثم (كرسوا) حاليا ودخلوا في بيات شتوي، كأنما علي رؤوسهم الطير، ليس توبة أو زهدا أو حكمة أسبغتها عليهم الخطوب التوالي، ولكنها الانتهازية والمكر الذي جعلهم ينتظرون العواصف حتي تستهلك نفسها وتصل لمستقر تتضح معه الصورة: لمن الغلبة ومن الأقرب لسنام السلطة؟ حينئذ سينسلون نحوه ويتعلقون (يتشعبطون) بأهدابه دون خجل، ويقولون في خصومه ما لم يقل مالك في الخمر. وبكل أسف هذا هو مسلك معظم مكونات الحركة السياسية السودانية منذ تأسيسها في مطلع أربعينات القرن العشرين. ولقد ساهم التاريخ بمكره (وهو أشد الماكرين)، فجعل الصورة ضبابية لدرجة تربك عباقرة المحللين الاستراتيجيين، ودهاة المراقبين، ودهاقنة السياسيين المعتقين وسماسرتهم. فانظر يارعاك الله لهذا المشهد المعقد المربك المرتبك:

(١): حتي عشية الخامس عشر من ابريل كانت القوي المتحدثة باسم ثورة ديسمبر المجيدة – باستثناء الشيوعيين وجماعة الحل الجذري – تصطف خلف الاتفاق الإطاًري، ويعتبرون أنفسهم واقفين علي الحانب الصحيح من التاريخ، ومن خالف هذا المسار فهو فلول أو كوز أو رجعي يستحق العزل والموت. وكان الدعم السريع جزءا لا يتجزأ من هذا المعسكر، والجواد الأسود الذي يراهن الجميع عليه، علي الرغم من تحديه للجيش قولا وفعلا، ورفضه للدمج (الا بعد عشر سنوات)، واستفزازاته المستمرة لقيادة الجيش (من تبخيس وسخرية وتطاول وقطيعه).
(٢) أين كانت الفلول، أي الاخوان المسلمون وتوابعهم؟ كانوا يقومون بدور جنيات الجنرال ماكبث the Three Witches اللائي حرضنه علي قتل ابن عمه الملك دنكان الذي سوف يزوره في قلعته ليكرمه علي نجاحاته في الحرب، وراقت الفكرة الإجرامية الخسيسة لزوجه الشريرة Lady Macbeth التي رسمت سيناريو الذبح والصاق التهمة بالحرس.

فكان الإخوان يحرضون الجيش علي التخلص من الدعم السريع، ليس حرصا علي التحول الديمقراطي، ولكن انتقاما من الدعم السريع الذي لعب دورا مفصليا في ١١ ابريل ٢٠١٩ برفضه تعليمات البشير بقتل نصف الشعب ليحكم الباقي ( وفق الفتوي التي اسعفه بها عبد الحي كبير الجنيات)، وباعتقال البشير وقيادات نظامه وايداعهم سجن كوبر.

فلقد راهن الفلول علي الفتنة بين الجيش والدعم السريع، وما سوف يحدثه ذلك من عتمة وفوضي يستطيعون ان يخرجوا منها (كالبعاتي) لاعتلاء الحكم مرة أخري، امتدادا للثلاثين عاما التي نهبوا فيها ثروات البلاد وبطشوا بأهلها وشردوا قادتها ومفكريها وأدباءها في أركان الدنيا الأربع.

(٣) ًً نشبت الحرب في الخامس عشر من ابريل، وبغض النظر عن البادئ بالعدوان، فقد دخلً الطرفان، الجيش والدعم السريع، في العدائيات بكل ثقلهما، دون ذرة من تحفظ أو بصيص من خطوط الرجعه، وبدا من أول لحظة أنها معركة صفرية لا مفر من أن ينتصر أحد فريقيها ويقضي علي خصمه قضاءا مبرما ويمسحه من الوجود. وبسرعه فائقه وضح للطرفين ان (ألمي الحرب حار، ما لعب قعونج، ) ، وأن الضوء غير موجود في آخر النفق، وان المسألة قد تأخذ شهورا، بل سنين طويلة كالنزاع اليمني والليبي والسوري. وهنا ظهرت حسابات جديدة، واختلط الحابل بالنابل:
فمن افرازات الحرب اتضح أن الدعم السريع يتكون من جنود جهلاء قرويين منفلتين ومنغلقين علي اثنيتهم وثقافتهم المناطقية القرونوسطيه، ولا يعرفون الأخلاق والانسانيه كما يتعاطي بها المجتمع، فانطلقوا في أركان العاصمة المثلثة كجيش يزيد بن معاوية في مكة حينما غزاها، وكجيش هولاكو في بغداد مبتدرا تدمير آخر ما تبقي من الدولة العباسية،؛فهم يقتلون المدنيين ويسبون الحرائر ويسرقون المنازل والسيارات بالجمله، حتي أفرغت العاصمة المثلثة من مقتنياتها ومواردها، وتم سحق سكانها المدنيين وإذلالهم وطرد من نجي من الموت العشوائي الكثيف. واتضح إن جنود الدعم السريع يتصرفون بهدف واحد وهو أن يجمع كل واحد منهم ما استطاع من ثروة، وشحنها علي ثاشرات مضمونة ومعبأة بالنفط، ثم الفرار نحو الغرب؛ فقد أحست قرون استشعارهم أنها معركة خاسرة في نهاية اليوم، ولا مفر من التعريد كما فعل الخليفه عبد الله عام ١٨٩٩، ف(الرحيل عز العرب).

ومن إفرازات الحرب في شهرها الرابع أن القوي التي كانت تتسيد المشهد السياسي حتي عشيتها آثرت الصمت والمسكنه والانزواء الهادئ في المقاهي النائية بتلافيف القاهرة واسطنبول، تفتك بهم الحيرة والحسرة والخسران. فما عادت فزاعة( الإخوان هم من اشعلوا الحرب، وهم من يقود الجيش) تقنع أحدا، فقد وجد أهل العاصمة وجنوب وغرب دارفور أنفسهم وجها لوجه مع الجنجويد، تماما كما كان الحال عام ٢٠٠٣: فظائع وتطهير عرقي وسلب ونهب واغتصاب وحرق لما تبقي من البنيه التحتيه.

ومن افرازات الحرب أن الاخوان المسلمين مهمومون بالتنصل مما يجري ، (aka فتوي علي عثمان بتوفير وادخار الطاقة)، لأنهم أحسوا بأن الوعي الشعبي لا زال رقما واضحا في المعادلة، وذلك الوعي لن يستسيغ الإخوان مرة أخري، ولن بنسي فض الاعتصام وغيرها من المجازر التي ولغت فيها كتائب ومليشيا الإخوان المسلين عبر الأربع وثلاثين عاما المنصرمه، ولا بد من القصاص ولو طال السفر كما يقول العلامة فتحي الضو في ذيل مقالاته.

ومن افرازات الحرب أن الكرة الآن في ملعب الجيش والبرهان ورفاقه، وهم علي بعد خطوات من النصر المؤزر، ولكن……لكي يخرجوا بمعادلة سياسية صحيحة لا تخر ماءا هذه المرة، علي القيادة أن تتخذ هذه الإجراءات:

اولا: ضرورة إعادة تشكيل مجلس السيادة بتقليل عدده وحصره في الثلاثة فرقاء برهان وكباشي وعطا، بالإضافه لمالك عقار، ( وكان اختياره لهذا المنصب ضربة معلم موفقه)، زائدا العضو الخامس الذي هو في نفس الوقت رئيس الوزراء.

ثانيا: تعيين رئيسا للوزراء تكنوغراطيا وطنيا ليس به شبهة تلوث مع الاخوان المسلمين، وتكليفه بتعيين حكومة رشيقة من خمس عشرة حقيبة فقط، من التكنوغراط النظيفين مثله، وهم كثر.
ثالثا: ًًيكلف مجلس السيادة والوزراء بالسلطات التشريعيه الي حين تعيين مجلس من مائة حكيم سوداني، علي طريقة (اللويا جيرقا) الذي عينه الرئيس حامد كرزاي عندما تسنم السلطه في افغانستان بعد خروج الروس.

رابعا: ًلا بد ان يعلن الجيش موقفا رافضا لخط ومخططات الاخوان المسلمين الرامية لسرقة نصر الجيش، وذلك بإعادة الضباط وضباط الشرطة المفصولين من قبل نطام البشير، ولا بد من إعادة قادة نظام البشير الهاربين من سجن كوبر، وإرسال الثلاثة المعروفين- البشير وعبد الرحيم واحمد هارون – فورا الي المحكمه الجنائية بلاهاي. علي ان يتم تشكيل محاكم عسكرية إيجازية لقادة النظام البائد ومعهم من تبقي حيا من قادة الجنحويد.

وهكذا، وبهذا الحسم الثوري الناجز يكون البرهان ورهطه قد ارتفعوا لمستوي الموقف، استيعابا لروح الشارع وترجمة عملية لشعارات ثورة ديسمبر اامجيدة؛
حريه سلام وعدالة

ولا نامت أعين الجبناء.

‫7 تعليقات

  1. احلام زلوط .البرهان قاتل الثوار واللى معاه وناس حدس ما حدس .والغريبه ختمت مقالك بشعار ثورة ديسمبر حريه سلام وعدالة .

  2. لا حياة لمن تنادي، البرهان ومجموعته يأتمرون الان بأوامر علي كرتي. هذه الحقيقة تسقط كل ما ينبني عليه مقالك.

  3. لو كنت فاكر إنه برهان حاجة غير الكيزان تكون غلطان
    أعد كتابة مقالة بإفتراض إنه برهان هو عميل الكيزان والمصريين وكل الناس البتكره السودان

  4. خسئت يا رجل. المشكلة ليست في الكيزان بل في الجيش السوداني نفسه الذي حكمنا طيلة ٥٦ عاما وتركنا على ما نحن عليه الآن من هوان. المقاربة بين الجيش والدعم السريع مقاربة خاطئة، الدعم السريع قوة طارئة وإلى زوال انشأها الجيش نفسه قبل عقد من الزمان وهو يتحمل وزر أعمالها، فدعونا من تدليس عبد الله علي ابراهيم والواثق كمير ومحمد جلال هاشم والاخيران حاربا نفس الجيش عندما كانا عضوين في الحركة الشعبية. فهل صار الجيش احسن الآن؟

  5. حديث خيالي، البرهان وكباشي والعطا، هذا الثالوث يتنفس الكذب والمراوغة والغدر، في 11 ابريل توسم فيهم الناس خيرا ان يكون بهم شيئ من الرشد والوطنية، فكان ان دبروا مع الحركة الاسلامية مجزرة فض الاعتصام وخرج البرهان يومها ببيان يضع السلطة خالصة للجيش مع الوعد بانتخابات صورية تاتي بنفس الحركة الاسلامية، وخرج كباشي بخطاب حدس ما حدس، بعد ضغوط حميدتي الذي شعر انهم استحمروه وورطوه في المجزرة. بعد مسيرات الثلاثين من يونيو، انحني الثالوث للعاصفة واضمروا تعويق عمل الحكومة الانتقالية، لياتي وقت تسلم المدنيين قيادة مجلس السيادة لينقلبوا مرة اخرى على الحكومة المدنية ويزهقوا ارواح اكثر من مائة وثلاثين من الثوار والثائرات. اشخاص بهذا التاريخ هل يمكن ان ترجو منهم خيرا؟ اعتقد ان عامل السن والتفكير الرغبوي يدفعان الانسان في عمر معين ان يرى الامور كما يحب لا كما هي على ارض الواقع.

  6. المثقفون السودانيون (بما في ذلك كثير من مثقفي اليسار والعلمانية )
    حريصون جدا علي سودن ٥٦ وفي قلب ذلك مركزية الثقافة العربية الإسلامية والسودان النيلي
    والتبعية الذليلة لمصر
    أها لو الجيش كرب
    طبعا أول حاجة ما حيتخلي ليكم عن الكيزان كما تحلمون
    تاني حاجة مافي معارضة ولا يحزنون
    ألف بيت أشباح في إنتظاركم
    فالحل الوحيد ليكم
    تبقوا حناح تقدمي في حزب الكيزان
    وبتلقوا ليكم منظرين يلايقوا ليكم ماركس مع حسن البنا ونقد مع الترابي

    حذرناكم كثيرا من ثورية الغردوناب
    لكن من يسمع

  7. MAN يقول: (لياتي وقت تسلم المدنيين قيادة مجلس السيادة)
    من هم المدنيون الذين جاء وقت تسليم السلطة لهم يا رجل؟
    من فوضهم لإستلام السلطة؟
    وما الفرق بين إستلام صعاليك قحط للسلطة وبين أي إنقلاب مستقوي بالدبابات أو بالسفارات والضغوط الخارجية أو مستقوي باستغفال الشارع المشحون بمشاعر الحقد والتشفي والإنتقام؟
    المدنيون الذين يحق لهم إستلام السلطة هم من يفوضهم الشعب عبر صناديق الإنتخابات فقط. أم هؤلاء فالشعب السوداني وابجديات الديمقراطية يعتبرهم مجرد لصوص، فدعونا من قصة المدنيين دي بالله، تحدثوا عن (المنتخبين ديمقراطيا).
    قال مدنيين قال!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..