الصحفيون بين الحقيقة والابتزاز

وليد النور
يحكى “أحمد ” صاحب بقالة في حي من أحياء أم درمان القديمة، الذي توجه إلى قريته بريفي الدويم بولاية النيل الأبيض، بعد حرب 15 أبريل أنه استمع إلى نشرة الأخبار بتلفزيون السودان، حيث أكد استقرار الأوضاع وعودتها إلى سابق عهدها فحزم حقائبه واستغل أول حافلة إلى الخرطوم، بيد أنه تفاجأ عند وصوله الى الميناء البري، بوجود ارتكارات وتفتيش دقيق للقادمين، وتم توقيفه في أحد الارتكازات التابعة لقوات الدعم السريع بتهمة الإنتماء إلى القوات المسلحة، وبعد حبس لمدة يوم كامل أفرج عنه، ولكنه لم يصل إلى وجهته إلا بعد ثلاثة أيام .
فكان أحمد أول ضحايا الأخبار المضللة التي يمتد أثرها إلى العديد من الأشخاص،
يقولون أن أول ضحايا الحروب هي الحقيقة، في السودان بدأت المعركة في وسائل الإعلام قبل المدافع.
والحرب العبثية حسب وصف قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ، لم تضيع فيها الحقيقة وحدها وإنما ضاع معها كل شيء، فو سائل الإعلام أصبحت واحد من أهم أدوات المعارك، فكل طرف يدعي أنه حقق انتصارا كبيرا على الطرف الآخر ويعد مادة إعلامية وينشرها ، باعتبارها الحقيقة المطلقة، وبعدها بساعات ينشر الطرف الآخر ما يكذبها على أرض الواقع .
أما الإعلاميين الذين يقع على عاتقهم نقل الحقائق وتبصير المجتمع بمخاطر الحروب، لم يستطيعوا الوصول إلى أرض المعركة، واستخدام الطرفين، الإعلام الحربي وبعض المقربين الذين ينقلون وجهة النظر المؤيدة لهم ، وكثير من الصحفيين الأجانب أصحاب التجارب، في تغطية الحروب عجزوا عن تغطية الحرب العبثية في الخرطوم ، لأنها لم تراعي الجوانب الإنسانية ولاتسمح بوجود اعلاميون مستقلون أو محايدون، على الرغم من أدعاء الطرفين في القنوات الفضائية بأنهم على استعداد لفتح أبوابهم لوسائل الإعلام لنقل الحقائق.
وأصبح الصحفيون أهدافا لكل طرف، من القوتين المتحاربتين مما عرض حياة بعض الصحفيين للخطر بإطلاق الرصاص الحي تجاهم وهم يؤدون واجبهم. وتعرض بعضهم للاذلال والتهديد بالتصفية الجسدية والمضايقات والاعتقال. َ
ورضخ الكثيرون للابتزاز الذي مارسه عليهم بعض السياسيين والناشطين وتصنيفهم بالانتماء للجيش بين داعم للحرب أو رافض لها ومؤيد للدعم السريع،
وإزاء هذا الانقسام انتشر خطاب الكراهية، وأصبح من يزيف الحقائق من أجل إرضاء فريق محدد هو “البطل” الوحيد وتلصق به صفات الشجاعة والوطنية، أما الذي يقول الحقيقة مجردة من دون تزيف أو خوف فهذا في نظر الفريق الآخر عديم الوطنية ويستحق نفيه من البلاد،
بل الأسوأ خروج قوائم باسماء صحفيين ووصفهم زورا بأنهم يساندون قوات الدعم السريع ويجب اعتقالهم ومحاسبتهم ، بعد انتهاء المعركة،
ولكن واجب الصحفيين عدم الاستجابة للابتزاز السياسي والتصنيف والتخوين، من أي جهة كانت، عليهم الاجتهاد بنشر الحقائق كاملة، ومحاربة خطاب الكراهية ومحاصرة الداعمين له وهم كثر بنشر الحقائق كاملة والسرعة المطلوبة لأن دعاة خطاب الكراهية لديهم غرف إعلامية تعمل ليل نهار وتسعى لتحويل الحرب إلى حرب قبيلة، ستقضي على ماتبقى من البلاد.