مقالات وآراء

رسائل ضد الحرب (٧) رساله في بريد الدعم السريع

طلعت محمد الطيب

تعرضت في الرساله السابقه الي ما اسميته بازدواجيه مصادر المعرفه عند الانسان  حيث يتفق العديد من الباحثين في مجال الانسانيات علي ان هناك معرفه عقليه rationality وهي ما زالت ضعيفه وتحتاج الي طاقه وتركيز وروافع scaffolds تساعدها  مثل تراكم المعارف والبناء عليها وضروره توفر المناخ لاجراء حوارات جماعيه  داخل مؤسسات الدوله والمجتمع . بينما هناك معرفه فطريه intuition قويه جدا عند الانسان ارتبطت وتطورت لان الانسان كان قد عاش الالاف  من السنين في مجموعات صغيره وهي معرفه تستند الي عواطف جياشه مثل الغضب والحسد والغيره وكراهيه الآخر  المختلف عن المجموعه ( المشاعر العنصريه ) الخ من عواطف وافكار ساعدت الانسان وقتها والمجموعه التي ينتمي اليها علي مقاومه الظروف والحمايه والتعاون ضد الاعداء.

ولكن مع ظهور المدينه لم تعد تلك المعرفه البدهيه ذات فائده كبيره بل صارت ضاره في بعض الاحيان ، ومع ذلك فقد ظلت في عنفوانها لدرجه ان عالم النفس الامريكي جوناثان هيدت كان قد شبهها ،كما اسلفت ، بفيل ضخم بينما شبه العقل بشخص ضئيل يمتطي ظهره. ولكن العقل يحتاج الي روافع لتوجيه ذلك الفيل الضخم المتجسد في  تلك المعرفه الفطريه او  البدهيه لانها تلقائيه وسريعه وقويه ،  وقد ظل ذلك الفيل للاسف هو من يسير ويوجه راكبه الضئيل ، اي يوجه العقل ، وليس العكس ، وكلنا نذكر ما حدث لاديبنا الراحل التيجاني يوسف بشير الذي تم طرده من المعهد العلمي بسبب الغيره والحسد من بعض زملائه  ممن استخدموا حجه الدين وتهم التكفير ضده . يمكن التعرض للعديد من الامثله والنماذج  التي تحاول فيها العاطفه الفطريه استخدام المنطق والعقل لتبرير افعالها واخفاء دوافعها الحقيقيه وهنا يمكن الاستعانه بتصريحات الاستاذ عثمان ميرغني الصحفي المعروف حين حاول  الصاق تهمه اندلاع الحرب الي بعض قاده الحريه والتغيير – المركزي بعد تآمرهم مع الدعم السريع ويبدو ان ارتباطات الرجل السابقه بالحركه الاسلاميه قد غلبت عليه وهو المعروف بمواقف شجاعه وقفها ضد ظلم وفساد الانقاذ .

وعمليه توظيف العاطفه للعقل  ظلت تحدث  يوميا، ليس في بلادنا فقط ، ولكن في كل المنطقه العربيه والافريقية ، ونجد ذلك بصوره اوضح في التنافس السياسي ومحاولات الهيمنه داخل احزابنا السياسيه خاصه الايديولوجية منها يسارها ويمينها .

والعنصريه احدي بنات المعرفه البدهيه  ففي السعوديه والخليج يمكن ان تفني زهره شبابك في العمل هناك بينما لايجد الابناء مقعدا في جامعاتهم ! بينما يمكن ان تتحصل علي جنسيه ” الفرنجه”  في سنوات قليله بعد الإقامه فيها وتتمتع بكل حقوق المواطنه.

سياسه او فلسفه الهويه هي الاخري إبنه شرعيه لهذه المعرفه الفطريه وهي ضاره جدا بحقوق المواطنه خاصه حينما تستند الي منظور واحد او ايديولوجية واحده وتهمل تعدد المناظير في رؤيه الاشياء والظواهر . ولهذا السبب  فانني احمل مشروع ” السودان الجديد ” الذي جاءت به الحركه الشعبيه ، بعض المسؤوليه في انفصال الجنوب حيث ظل ولفتره طويله هاشتاق ” الماندكورو الشرير ” هو السائد وسط جنودها .

ما يحدث الان هو ان كلمه ” جلابي ” وضروره هدم دوله ٥٦ هي ما حل محل الماندكورو  وقد بدأت  تسود وتنتشر في صفوف قوات الدعم السريع وهي التي يمكن ان تفسر العنف والكراهيه والجلافه التي  ظهرت في انتهاك حرمات المنازل وممتلكات المواطنين في عاصمه البلاد التي هجرها ساكنوها بفعل العنف والقتل والقذف العشوائي والنهب من قبل الجيش والدعم السريع .

وحتي لا نلقي التهم جزافا حول حقيقه ان الخطاب السياسي السائد يستند الي المعرفه الفطريه او ” الفيل” حسب توصيف جوناثان اعلاه، اسجل بعض ملاحظات من الحديث الذي يدلي به اعلامي من الدعم السريع وهو ربيع  عبد المنعم من بريطانيا الذي وصف احدي داعمات الجيش في حربه ضد الدعم السريع بالفاظ مفرطه في الذكوريه والايحاءات الجنسيه  فقط لانها وفي معرض تعليقها علي ظهور الفريق شمس الدين كباشي وصفته بانه ” فحل” والمقصود هنا طبعا انها تحاول الصاق صفات مثل الجرأه والشجاعه بالكباشي ولكنها لم تسلم من لسان الرجل وغمزه ولمزه. كذلك ظل الرجل يصدر صكوك الوطنيه التي يعيبها علي خصومه فقد وصف احدهم بانه ليس من حقه الخوض في الشؤون السودانيه لان اسمه او سحنته تدل علي ان جدوده ليسوا من السودان !
وقد وصلت عنصريه الرجل وانعدم شرف الخصوم عنده بانه كان قد وصف علي عثمان محمد طه في احد تسجيلاته بانه ” عب شايقيه  ساكت !”
ولكن الاخطر من ذلك هو الخطاب العنصري الاقصائي اذ ظل الرجل يطالب قياده الدعم السريع باخذ امر المفاوضات بيدها في محاوله لاقصاء الحريه والتغيير من المشهد السياسي وذلك بدلا عن تقديم النقد المفيد مثل ضروره ان تسعي  الحريه والتغيير الي التحلي بالصبر والمرونه من اجل توسيع قاعدتها المدنيه لكنه آثر تبني  خطاب الفلول في تبرير الكراهيه ومحاولات اقصاء الحريه والتغيير . وبسعي الرجل في خطابه الي ما يفيد باحلال عناصر الدعم السريع واهل الهامش عموما محل الاخرين من ابناء ” الاحجار الكريمه” حسب وصفه، وذلك في عنصريه  وميول للاقصاء لا تخفي علي احد  .

إن الدعوه الي هدم دوله ٥٦ التي منحت امتيازات لابناء مناطق بعينها لايعني شتم وتحقير اهل الشمال والوسط النيلي ، فاذا كانت دوله القانون والمواطنة هي الهدف المرتجي فان تحقيقها لايتم بالخطاب العنصري المضاد Discrimination Reverse ذلك ان الغايات النبيله لايمكن الوصول اليها الا بالوسائل المشروعه ،٠.

وليت اعلام الدعم السريع الذي يمثله ربيع عبد المنعم يعي ان الوطن مفهوم ثقافي وليس عرقي او جغرافي ولا اعتقد ان وقف هذه  الحرب اللعينه يمكن ان يتم فقط بكسر عظام الفلول بالرغم من انهم قد ظلوا يمثلون الشر الذي يتوشح بالقداسة طوال اكثر من ثلاثه عقود بيد ان الاحداث قد اكدت بما لا يدع مجالا للشك في انهم غير مؤهلين لاجراء مساومه من اجل شراء المستقبل ، ومع ذلك فإن  نبذ خطاب العنف والعنصريه والكراهيه من أجل بناء دوله الحقوق والمواطنة هو الاهم وهو الاكثر فاعليه وديمومة .

ان بناء تلك الدوله هو ما يقود الي تاسيس روافع العقلانيه وبقدر ما استطعنا ان نمكن العقل الجمعي من رسم السياسات العامه وتنفيذها بقدر ما اقتربنا من بناء تلك الدوله التي ننشدها والسلام الذي نسعي اليه وفي ذات الوقت فإن  قدرتنا علي النجاح يمكن قياسها بمدي ابتعادنا من طرائق التفكير الفطريه البدائيه وإصدار الأحكام السريعه والانطباعية.
طلعت محمد الطيب

‫2 تعليقات

  1. نحييك استاذ طلعت على هذه الروح والوعي والعقلانية ، ليتكم تكوين (مجموعة وعي) لقيادة المرحلة القادمة توعية وتثقيف و استنارة الناس ، بعد سيطرة وتأثير الغوغاء والعنصريين و الدراويش و انصاف المتعلمين والمؤدلجين على عقول المواطنيين و دفعهم لحتفهم وللحالة المزرية التي نعيشها والتي في الأخير كان نتيجتها جلب الحرب وهذا الغثاء والسفاهه تملأ الاسافير نتانة وتردي مخجل .. وسايقين الناس بالخلا .. دون وازع وطني او اخلاقي او ديني ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..