
الحرب الدائرة حالياً ستنتهي بالتفاوض كما انتهت جميع الحروب على أرض السودان ، وعلينا أن نتعلم منها الدروس والعبر. شئنا أو أبينا كنا خلال الفترة الماضية نساق بجهل وغباء كما يساق قطيع الغنم إلى وكر الذئاب . لأننا شعب عقله معطل وتحركه العواطف والشعارات والخطب الرنانة . أول الدروس هي أن ليس كل ما يقال من كلام فيه خير لنا ولوطننا ، مهما أعجبنا وأفرحنا وأطربنا هذا الكلام . من الآن يجب أن يكون لنا ميزان نقيس به قيمة كل كلام نشاهده أو نسمعه أو نسمع به أو ينقل إلينا في الميديا أو غيرها من الوسائل وهو ما فائدته لأمن بلادنا وسلامها ووحدتها ونموها وإزدهارها . كل كلام جميل وراءه مصلحة شخصية أو أطماع حزبية أو طائفية أو فئوية نحن لسنا أنصاره. نحن أنصار من يعملون لمصلحة بلدنا فقط.
الوطن لا يحتمل المزيد من الخراب . علينا أن نتوحد كأمة ، لأننا لن تقوم لنا قائمة إلا بوحدتنا . علينا الكف عن شيطنة بعضنا البعض ، علينا التوقف عن اتهام بعضنا بعضاً بالخيانة والعمالة . أكثرنا جهلاً وغباءً هو من أطلق الطلقة الأولى وأعلن بداية الحرب العبثية الخبيثة . فانقسمنا إلى ثلاثة فرق . فرقة داعمة للجيش وفرقة داعمة للدعم السريع وفرقة على الحياد . فلما حمي الوطيس وبلغت القلوب الحناجر إنقسمنا لقسمين . قسم مع الحرب حتى القضاء التام على كل الجنجويد ، وقسم ضد الحرب ومع التفاوض . إذا كنت مع القسم الأول فأنت مصنف كوز خائن وفلول تسعى للعودة للسلطة عبر الجيش والحرب ، أما إذا كنت من القسم الثاني فأنت دعامي أو قحاتي خائن للوطن ولا مكان لك في السودان. يقول كبارنا: (العديل رأي والأعوج رأي) ويقصدون أن يتسع الصدر لاختلاف الآراء مهما كانت شاذة ومشاترة ، ومن أجل ذلك عاشوا في سلام ووئام ، ثم خلفنا نحن من بعدهم وتعلمنا (بعض العلم) -وهو أخطر من الجهل- فأصبحنا لا نحتمل بعضنا بعضاً وصارت حياتنا قاسية ومعقدة وعيشتنا عيشةً ضنكاً . وكما قال الإمام الشافعي: (رأيى صواب يحتمل الخطأ ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب) . الدول المتقدمة متصالحة مع نفسها وشعوبها لأنها تعلمت كامل العلم وليس بعض العلم الذي أوردنا المهالك.
اشتعلت الحرب في 15 أبريل بين الجيش والدعم السريع وما زالت مشتعلة. أهداف حميدتي المعلنة من الحرب هو أن يعيد الديموقراطية للسودان ويسلم السلطة للمدنيين وذلك بالقبض على البرهان وكباشي وياسر العطا ومحكامتهم أو قتلهم لأنهم تنكروا للاتفاق الاطاري ووقفوا ضد التحول المدني الديموقراطي وكنكشوا في السلطة . في عز مجده وقوته وسطوته فشل حميدتي في تحقيق أهدافه المعلنة وهو حالياً أضعف بكثير عن تحقيقها. ثم تحولت الحرب إلى حرب ضد المدنيين وسلب ونهب واغتصاب وتدمير ، فسقط الدعم السريع أخلاقياً كما سقط عسكرياً. في المقابل عجز الجيش لاعتبارات متفرقة عن حسم المعركة رغم مرور قرابة الأربعة أشهر. وبالنتيجة الحرب ما زالت مستعرة ولا يبدو أن الحسم العسكري متاح في المنظور القريب . هذه الحرب يجب أن تتوقف ولن تتوقف إلا بالتفاوض وليس بالبندقية.
بدأت حرب داعس والغبراء بين قيس بن زهير زعيم قبيلة عبس وحذيفة بن بدر زعيم قبيلة ذبيان . كانت البداية عندما اتهمت قبيلة عبس قبيلة ذبيان بالغش ، وذلك عندما حدث سباق بين حصان قبيلة عبس “داحس” وحصان قبيلة ذبيان “الغبراء”، وتم الرهان على مائة من الإبل ، وخلال السباق تَفَوق داحس وكان على وشك الفوز ، إلا أن ذبيان نصبوا كمينًا وأبعدوا الحصان الرائد وعندما علمت قبيلة عبس بذلك رفضت الاعتراف بالنتيجة وأعلنت النصر وطلبت الرهان المضروب . وبسبب هذا العمل قام عبس بقتل شقيق ذبيان وبالتالي قام ذبيان بقتل شقيق عبس واستمرت الحرب ودامت لمدة أربعين عامًا ، وسُميت هذه الحرب بهذا الاسم نسبة إلى اسم الحصان الأصيل “داحس” واسم الفرس “الغبراء”. لم تقتصر حرب داحس والغبراء على قبيلتي عبس وذبيان ، بل توسَّع نطاق الحرب ليشمل الكثير من قبائل الجزيرة العربية وقتها ، من أشهر تلك القبائل : شيبة وأسد وبني ضبة وغطفان وفزارة وطي وأشجع وبني تميم. وانتهت الحرب بالتفاوض عندما تدخل سيدان من سادة العرب هما هرم بن سنان والحارث بن عوف المري وكفلا دفع دية القتلى . فهل هناك من يتكفل بدفع ديات القتلى ورد شرف الحرائر ورد ما نهب وسلب من أموال.
هذا البلد الفقير في معيشته يذخر بموارد طبيعية لا حدود لها سواءً في باطن الأرض أو ظاهرها . عاش أهله فقراء وسيموتوا فقراء لأن الدول الأكثر ذكاءً لا تريد لهذا البلد أن يستغل ثرواته ويصبح دولة عظمى . لذلك كلما أطفأنا حرباً أشعلوا لنا أخرى . هم لا يحاربوننا ولا يحتلون أرضنا ولا يخرجوننا من ديارنا ، وإنما يجدوا من بيننا من الخونة من يساعدهم على تحقيق أهدافهم دون أن يمسهم خدش ولا مسغبة ولا نصب. نحن نتقاتل ونقتل بعضنا بعضاً من أجل الأجنبي، من أجل أن ينهب الأجنبي ثرواتنا ومواردنا فيزداد غنىً إلى غنى ونحن نزداد فقراً إلى فقر .
هكذا نحن نقاتل بشراسة ولا ندع للسلام مجالاً. عندما زرت مصر للمرة الأولى لاحظت عندما يحدث شجار بين شخصين من المصريين فإن الأصوات تعلو بصخب شديد والنساء تصرخ (الحقونا … حا يموت الواد) فيتجمع الناس ، والحصيلة ولا خدشة لأي طرف . وقارنت ذلك بالشجار بين شخصين من السودانيين لا يوجد فيه صراخ ولا عويل وإنما جراح ودماء والحصيلة إما المستشفى أو المقابر . هكذا نحن في شجاراتنا الشخصية ، نفجر في الخصومة ونجرح أو نقتل بلا رحمة ولا شفقة.
نشعر بالحزن والأسى أن يقتل السودانيين في هذه الحرب في وقت السودان في أمس الحاجة لأبنائه من العسكريين والمدنيين . نشعر بالخزي والعار من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في هذه الحرب من قتل واغتصاب ونهب وسلب وتدمير للبنيات التحية وتهجير وتشريد للمدنيين . فعلوا بالخرطوم ما فعله نيرون بروما حيث قتل شقيقه الوريث الشرعي لحكم روما وقتل أمه للإنفراد بالسلطة ثم حرق روما وجلس على قمة جبل يتاملها وهي تحترق ويبتسم في رضا ، ثم انتحر . وهكذا نهاية كل من يسعى للسلطة بدون سند شعبي.
نحن لا نعي أننا شعب مستهدف من الأعداء الذين لا يريدوننا أن ننعم بما منٌ الله به علينا من نعم الأرض وبركات السماء. يريدوننا أن نظل دوماً في صراع وحروب واختلاف وخصام. يريدون أن يختاروا لنا من يحكمنا ممن يتخذهم أولياء له من دون بني جلدته . هم لا يحاربوننا بالجند والسلاح ، وإنما يختارون من بيننا من الخونة من أمثال أبو رغال وابن العلقمي من ذوي النفوس الضعيفة والأطماع الكبيرة ، الذين يسعون لمصالحهم الشخصية على حساب وطنهم ودينهم.
أما أبو رغال فكان دليلاً لجيش أبرهة ، فما كان الأحباش يعرفون مكان الكعبة وكلما جاؤوا بدليل من العرب ليدلهم على طريق الكعبة يرفض مهما عرضوا عليه من مال ، ولم يقبل هذا العمل سوى أبو رغال ، وكانت العرب ترجم قبره بعد الحج وظلت شعيرة من الشعائر حتى جاء الإسلام.
وأما ابن العلقمي ، وابن العلقمي هو وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله، حيث كان ابن العلقمي يراسل القائد المغولي هولاكو بالسر ، يطلب منه ان يحتل بغداد وان يكون له دور في حكم العراق إذا سقطت بغداد ، ولكي تكون المهمة سهلة على هولاكو ، قام ابن العلقمي بتسريح تسعين ألفاً من الجنود ، وأبقى على عشرة آلاف جندي لحماية بغداد ، وذلك بحجة تقليص النفقات ، وعندما مهد الأمور ، طلب من هولاكو ان يأتي الى بغداد ، فوصل هولاكو عند أسوار بغداد ، وطلب ابن العلقمي من الخليفة ان يذهب بنفسه هو والأمراء وأعيان البلاد ، وطلب منه ان يكون محملاً بالهدايا الثمينة الى هولاكو ، مدعياً بأن هذه الطريقة ربما يتراجع هولاكو عن احتلال بغداد ، وذهب الخليفة بحاشية من 700 فرد ، ولكن الذي حصل عكس ذلك ، حيث قام هولاكو بقتل الجميع ، وذلك أمام عيون الخليفة ، ثم قام هلاكو بعد ذلك بقتل الخليفة نفسه شر قتلة . استباح التتار بغداد لمدة 40 يوماً ، وهدمت أعظم مكتبة في ذلك الوقت “بيت الحكمة” وألقيت مئات الألوف من الكتب في نهري دجلة والفرات حتى أصبح لونهما أسوداً من كثرة الكتب التي رميت فيهما . يقول الزركلي عن مقتل ابن العلقمي : وهناك روايات بأن ابن العلقمي أهين على أيدي التتار ، بعد دخولهم ، ومات غماً في قلة وذلة. ونقل الذهبي عن سقوط بغداد : وبقي السيف في بغداد بضعة وثلاثين يوماً ، فأقل ما قيل : قتل بها ألف ألف وثمان مائة ألف ، وجرت السيول من الدماء.
وكما يقول المثل : مثل الذي خان وطنه وباع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص ، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه . خيرات بلدنا من ذهب وثروة حيوانية وزراعية ومعادن ينهبها بنو جلدتنا لصالح دول غنية مرفهة لينعموا هم بالفتات ويتركوا شعب عظيم على هذه الأرض فقيراً يتسول المساعدات والمعونات .
كل هذه حقائق ليتنا ننظر لأنفسنا هذه النظرة و نفكر بهذه الطريقة الواقعية بدل الهروب للأمام بواسطة هرطقات و أحلام خيالية موجهة من غيرنا
مقال جميل يعكس الوضع تماما .شكرا
كلامك صحيح الا أن وقف الحرب بدون وضع الأمور في نصابها الصحيح يعني تأجيل الحرب لجولة أخرى قادمة ويا حبذا لو اتفق الجميع على تصور مقبول لما بعد الحرب واكيد سيعجل بإيقافها بدلا من استمرار الاختلاف فيفرض المنتصر شروطه بالقوة وهذا هو الاحتمال الأرجح في ظل عدم قدرة القوى المدنية على إدارة خلافاتهم بسبب شهوة السلطة.
لم اسمع باي اسمك ككاتبه من قبل ولكن في رأيي هذا أفضل مقال نُشر في الراكوبه منذ اندلاع الحرب ، كفيت ووفيت لكن للأسف السودانيين الفي الراكوبه كتاب وقراء ما دايريين يقرأوا مقالات تصيب كبد الحقيقة زي مقالك ده لانها خارج الدائرة اللافيين فيها تلاته شهور : فريق مساند للدعم يتهم التاني بانهم كيزان والتاني مساند للجيش يتهم التاني بانهم قحاطه وفي خلال ذلك الوطن يحترق!. زيدي علي ذلك سمات الشخصية السودانيه في العناد الشديد بالتشبث بالرأي ولو كان علي خطأ مستحيل يتزحزح قيد أنملة من موقفه حتي لو كانت النتيجة انو يبقي الوطن ام يضيع.
بالاضافة لما ذكر وهذا الكلام لغير الملحديين قال الله عز وجل اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وهذا ينطبق على الخرطوم حيث صارت اللية بالليل اشهر اغنية فى العالم كلة وتغنى بها كل من هب دب كما تنادت احد شمط قحط وشمط جمع شمطاء بمالم ينادى به الاوائل حيث تنادت بالاستعانه بصديق واخرى نعتت الرجال السودانيين بالعنه هى وصديقاتها معنى ذلك انهم يقارنون بجنسيات اخرى تذوقوا طعمهم والا كيف اكتشفوا هذا الاكتشاف الخطير هذا بالاضافة لسيداو ومادراك ما سيداو وماخفى اعظم
بالاضافة لما ذكر من اسباب مانحن فيه هو نفاقكم ايها الكيزان الفسقة الفجرة،فكما ذكرت انتماء من تنادت بالاستعانه بصديق، فلماذا لم تذكر جهة انماء الاخرى الكوزة داليا الياس التي “نعتت الرجال السودانيين بالعنه هى وصديقاتها معنى ذلك انهم يقارنون بجنسيات اخرى تذوقوا طعمهم والا كيف اكتشفوا هذا الاكتشاف الخطير” ولماذا تغفل ان المخلوع الراقص باردافه وافق علي سيداو قبل ان يسقطه شعب السودان المسلم. فعلا الكوز كائن لاخلق ولا دين له.
الا ينطبق فعل ابن العلقمي ببغداد على مافعله بنا الكوز العميل الخائن القاتل الجبان المختبئ، كالجرذ في بيدرونه، المدعو البرهان حيث مكن ابنهم الضال الجنجاويدي وساعده على ان يحتل الخرطوم وكانت النتيجة مانحن فيه الآن؟