مقالات وآراء

مصائب قوم عند قوم فوائد

نهى محمد الأمين أحمد 

جاءت حرب الخرطوم فجأة بكل بويلاتها ، انعدم الأمان ، تزايد خطر الموت مع دوي الرصاص والقذائف ، وكان لزاما على الكثيرين الفرار من هذا الأتون المحرق الذي يزيد اشتعالا ، خرج الناس وهم لا يلوون على شئ ، حملوا معهم بضعة ملابس هي في الغالب غير متناسقة ، ردموها بسرعة في أقرب حقيبة في متناول اليد ، تركوا بيوتهم على عجل ، اغلقوا الأبواب بسرعة ، ولم يجدوا زمنا ليلقوا نظرة أخيرة على منازلهم ولا ليودعوا حياتهم الآمنة وذكرياتهم الحبيبة وانتشر سكان الخرطوم بين الولايات ، بدءا بالولايات الأقرب كما يقتضي المنطق فذهبوا صوب الوسط والشمال ، ومن كان سعيد الحظ ، فقد ذهب صوب أسرته الكبيرة في مدن وقرى الجزيرة ونهر النيل ، وسكن معهم ، وقد ضرب الكثير من مواطني هذه الولايات أمثلة نادرة في الكرم والحفاوة ، فاقتسموا اللقمة واللحاف مع الغريب قبل القريب ، وفتحوا بيوتهم وقلوبهم لهؤلاء المنكوبين الذين فقدوا الكثير الكثير وربما قد فقد الكثيرون كل ما يملكون من متاع هذه الدنيا ، وفتحت السلطات المحلية المدارس والداخليات لإيواء النازحين من حرب الخرطوم ، وقد سخر الله سبحانه وتعالى المأوى والمأكل لكثير من المحتاجين الذين فقدوا أعمالهم ومصادر دخلهم ووجدوا من الخيرين من وفر لهم الطعام ، في أقصى النقيض من هذا السلوك الكريم الجدير بالإشادة ، استغلت مجموعة كبيرة هذا الظرف القاسي في فرض أسعار فلكية لإيجارات البيوت في هذه المدن كمدني ، شندي ، عطبرة ، الدامر وبورتسودان، فاعتبر هؤلاء البشر الذين تجردوا تماما من الإنسانية ، اعتبروا الحرب هي ليلة قدرهم التي ستجعلهم في مصاف الأغنياء وتم تأجير المنازل في هذه المدن بأكثر من عشرة أضعاف سعرها قبل الحرب ، وتساوت مدينة شندي الصغيرة مع بڤرلي هيلز ولوس أنجليس في الإيجارات ، وتم استنزاف هؤلاء المستنزفين أصلا جراء الحرب ، واستغلال ظرفهم القاهر ، بدون رحمة أو عطف ، وأصبحوا كمن استجار من الرمضاء بالنار ، المحزن والمؤسف في الأمر أن أصحاب البيوت في جميع هذه المدن قد اتفقوا على هذا الأمر ، ولو حاولت مناقشة أحدهم فسيكون رده ببساطة أن (الجميع فعلوا ذلك) ، ولا أدري كيف لا يستطيعون أن يستشعروا كمية القبح ، السفالة والانحطاط الأخلاقي في هذا السلوك المزري المشين فهل يعقل أن تستغل إنسانا وهو في قمة ضعفه، أتاك هاربا من الموت ، تمت احتلال منزله وسرقة ممتلكاته بواسطة هذه المليشيا الآثمة ، تفكر أن تغنى عن طريق إنسان في قمة العوز ، ربما يكون احتجاجا صارخا لأنني اكتويت بنار الإستغلال ،
لا أدري كيف أغفل هؤلاء ونحن مسلمون أن البركة في الرزق أهم بكثير من الكثرة ، وأن الرسول (ص)، دعا الله بأن يشق على من شق على أمته ، وأن الكرم خصلة المسلمين ، ليس لدي أدنى شك أن هذه الأموال التي تم تحصيلها من الهاربين من الحرم لن تنفع أحدا ، بل وستكون وبالا على كل من استحلها وربما ذهبت بجميع رزقه حتى الحلال منه ، فهي أموال مبتلة بالدموع وملطخة بالدم ، ألم يفكر هؤلاء الانتهازيين ، تجار الأزمات أن الدائرة قد تدور عليهم وأنه ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حال
هذا من جانب ، من جانب آخر ، جميع المدن والقرى التي هرب إليها سكان الخرطوم جراء الحرب ، شهدت نشاطا وازدهارا في الحركة السوقية والاقتصادية ، وبالتأكيد انتعشت التجارة ، وبالنظر للجانب الممتلئ من الكوب، فقد تحسن مؤشر العطالة، والكثير من الناس وجدوا مجالا للعمل ومصدرا للدخل .
نسأل الله تعالى أن تنتهي هذه الحرب ، ويعود المشردون إلى بيوتهم ، ويعود الأمان ليعم كل أرجاء وطننا الحبيب ، هذه الحرب لعينة وقاسية وقد جعلتنا نعاني ونقاسي ، وأخذنا فيها الكثير من الدروس والعبر والتي ندعو الله أن تكون عونا لنا في إعادة بناء هذا الوطن الصامد وعاصمته الأبية الخرطوم .

‫2 تعليقات

  1. بلد علي رأسها البرهان لا خير فيها
    رجل متآمر ومخذول، ولو كان في زمن الحرب
    هذه زعيم حقيقي لاعلن حالة الطوارئ في كل الولايات
    وكون حكومة أزمة تتدخل حتى في ايجازات البيوت، بل
    تضع يدها على كل المنازل التي يحجم أهلها عن تأجيرها بالسعر المعقول
    والإشراف على الأسعار وحركة السوق، هذه الحرب أظهرت مدى هشاشة البلد
    بلد باركوها يا جماعة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..