الخرطوم تحوّل بعثة الأمم المتحدة من أداة للحل إلى عقدة سياسية

اتسع الخلاف بين الخرطوم والأمم المتحدة حول مبعوث الأخيرة في السودان فولكر بيرتس الذي طالب وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق باستبداله بآخر، وهو ما تعتبره قوى دولية هروبا من جوهر الأزمة.
واعتبر متحدث باسم وزارة الخارجية السودانية الجمعة أن تصرفات بيرتس كانت أحد الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب، متهما إياه بالتعاون مع بعض الجهات دون غيرها “بشكل متحيز”. وقال المتحدث خالد الشيخ في تصريحات له إن المبعوث الأممي “أقصى بعض الجهات في الدولة التي تبحث عن حلول للأزمة، وركز فقط على جهات أخرى تعنتت في آرائها”.
وحاول مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس تصحيح موقف قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان من بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، غير أنه لم يفلح في تبديد تلك الاتهامات.
واتّهمت واشنطن في الجلسة التي عقدها مجلس الأمن حول السودان الأربعاء حكومة الخرطوم بالتهديد بطرد رئيس يونيتامس إذا تحدّث أمام مجلس الأمن عن الجرائم التي ترتكب أثناء الصراع، والذي اعتبره مجلس السيادة السوداني شخصا “غير مرغوب فيه”.
البرهان يسعى لتحويل بيرتس إلى كبش فداء، اعتقادا منه أن التخلص من الرجل سينهي مسار العملية السياسية
وندّدت السفيرة الأميركية ليندا توماس – غرينفيلد، وتتولى بلادها خلال شهر أغسطس الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، بغياب رئيس بعثة الأمم المتحدة عن جلسة السودان.
وقالت لنظيرها السوداني “ما نفهمه الآن هو أن الحكومة السودانية حذّرت من أنه إذا شارك الممثل الخاص للأمين العام في هذا الاجتماع فإن هذا الأمر سيضع حدا للبعثة في السودان.. وهذا غير مقبول”.
ونفى الحارث الاتهام وقال “البعثة السودانية لدى الأمم المتحدة لم توجّه رسالة تهدد فيها بمقاطعة جلسة مجلس الأمن”، متجاهلا خطابا سابقا وجهته الخرطوم للأمم المتحدة كشفت فيه عن رغبتها تغيير فولكر بيرتس بزعم انحيازه للدعم السريع.
وبعد يوم واحد فقط من جلسة مجلس الأمن، طالب وزير الخارجية علي الصادق باستبدال المبعوث بآخر، معتبرا أن موقف بلاده ليس تهديدا لأحد وأنه مارس حقه المشروع في قبول من يرى أنه يخدم السودان وشعبه ويرفض من يعمل ضده.
وعين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في يناير 2021 الألماني بيرتس ممثلا خاصا له في السودان ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2524.
ويحاول الخطاب السوداني تبني رواية تنال من رئيس البعثة الأممية وتشكك في مهمته السياسية على أمل تبرئة قائد الجيش من لعب دور خطير في تغذية الطريق إلى الحرب والتنصل من الاتهامات التي طالته بشأن حرصه على الاستمرار في السلطة.
وبعد أن نقل بيرتس مقر عمله من الخرطوم إلى شرق السودان عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي، اضطر الرجل إلى الرحيل إلى نيروبي بعد إعلان الخرطوم رفضها لدوره ثم تلقيه تهديدات بالنيل من حياته.
وتحرك رئيس بعثة الأمم المتحدة لحل الأزمة السياسية قبل الحرب من خلال وساطة قام بها بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد)، بين قائد الجيش والقوى المدنية، وعندما اقترب من تفكيك الكثير من مظاهرها وأبرزها قيام البرهان بتسليم السلطة بدأ يواجه بمراوغات منه إلى أن اشتعلت الحرب في البلاد.
ويقول مراقبون إن الإحاطة التي قدمت أمام مجلس الأمن أحرجت البرهان، وأكدت عدم قدرته على حسم الأمور على الأرض، وأن قوات الدعم السريع كبدته خسائر فادحة، وأن رفض الجيش التجاوب مع المبادرات وانسحاب وفده من مفاوضات جدة بوساطة سعودية – أميركية أخيرا يعني أن الحرب لن تتوقف قريبا.
تحذيرات من اتساع نطاق الحرب في السودان ليشمل جميع أنحاء البلاد، في ظل عدم قدرة أيّ من طرفي الحرب تحقيق انتصار حاسم
وحذرت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا بوبي في إفادتها أمام مجلس الأمن من أن نطاق الحرب في السودان قد يتسع ليشمل جميع أنحاء البلاد، في ظل عدم قدرة أيّ من طرفي الحرب تحقيق انتصار حاسم في الصراع.
وبدأ القلق بين قوى إقليمية يزداد من تبعات الحرب وانعكاساتها الخارجية، وهي تتحرك على أمل العودة إلى المسار السياسي لاحقا، واستكمال الخطة التي بدأها بيرتس للتحول الديمقراطي وقطع الطريق على تحركات الجيش لإيجاد واقع جديد يلغي العملية السياسية.
ودعت دولة الإمارات العربية المتحدة في بيان ألقته أميرة الحفيتي نائبة المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن الأربعاء إلى ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الأزمة في السودان بجميع أبعادها.
ودافع المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق عن بيرتس، واعتبره لا يزال الممثل الخاص للأمين العام من دون أن يؤكد اتّهامات واشنطن للخرطوم أو ينفيها.
ويسعى مجلس السيادة السوداني إلى تحويل رئيس يونيتامس إلى كبش فداء، اعتقادا منه أن التخلص من فولكر ينهي العملية السياسية السابقة.
ويحد اندلاع الحرب وعدم توقفها حتى الآن من الدور السياسي الذي كان يقوم به فولكر بيرتس، حيث تجمدت مهمة بعثته عمليا وجرى تهميش دورها في خضم مبادرات مختلفة تتطاير من جهات متباينة لوقف الحرب، وعندما تتوقف قد تنجم عنها تحولات تفرض معادلات ربما لن تكون البعثة الأممية في صورتها الراهنة مناسبة لها.
العرب
غريبة ان تتمسك الأمم المتحدة بممثلها وواضح انه فشل في مهمته بسبب وقوع الحرب والتي لم يفلح في تجنبها بانحيازه الواضح لاحد أطرافها.