مقالات سياسية

الخروج الثالث للاسلاميين سيكون مشابها لسِفْر خروج بني إسرائيل نحو صحراء التيه

رد على مقال عادل الباز :الاسلاميون الخروج الثالث..

احمد محمود أحمد

كتب عادل الباز مقالا حاول فيه ذهنيا فتح طريق العبور (للاسلاميين) من اجل ان يعودوا  للمشهد السياسي حتي يستطيعوا إكمال مهمتهم في تدمير السودان..و لقد استخدم تعبيرا يوجد عند الكتاب المقدس لليهود و المرتبط بفكرة الخروج و التي تبدأ بسِفْر التكوين الي سِفٌر الخروج نحو التيه، و هو اختيار لعنوان لم يكن عادل الباز واعيا لأبعاده، اذ يستبطن (الاسلاميون) هذا البعد في التجربة اليهودية عبر الفكرة الصهيونية، الا ان سٍفُر التكوين بالنسبة للاسلاميين قد يختلف عن سِفُر التكوين لدي اليهود، الا انهم يلتقون في سِفُر هذا الخروج  و الذي خرج فيه اليهود نحو الصحراء و التيه، و سيخرج الاسلاميون فيه من واقع الحياة السياسية السودانية و خارج دائرة الفعل و التاريخ..و نحن نتحدث عن هذا الخروج لا بد ان نسأل من أين سيخرج (الاسلاميون) و أين كانوا يختبأون؟ و اذا ما خرجوا حسب اطروحة عادل الباز فماذا عساهم أن يقدموا للوطن؟ و لماذا يخرجون في زمن الأزمات فهل لتأزيم الواقع ام تجييره لصالحهم؟ و للأجابة علي هذه الأسئلة لا بد من مقاربة تاريخية نقرن فيها ما بين تنظيمات اليهود و تنظيم الاخوان المسلمين داخل المجال الديني الاسلامي و اليهودي و بعدها نقف عند خروج (الاسلاميين)، و هذه المقاربة يفرضها العنوان الذي صاغه عادل الباز و كذلك الدور و الممارسات …

المقاربة بين الصهيونية و تنظيم الأخوان المسلمين

التنظيمات التي تنشأ داخل المجال الديني تتشابه من حيث التعصب للفكرة الدينية، و بالتالي إيجاد المبررات عبر المقدس لفعل كل شيء من اجل الوصول الي اي هدف يرتبط بهذه التنظيمات… و في هذا المقال و تماهيا مع فكرة الخروج و المرتبطة باليهود نطرح وجه الشبه بين تنظيم الأخوان المسلمين و الصهيونية و ضمن منظور تاريخي من اجل الوقوف عند فكرة خروج الأخوان  المسلمين و دورهم المرتقب و المقابل للصهيونية في تفتيت المجتمعات التي تسيطر عليها.. وستكون هذه الرؤية عبر المقاربات التالية:

المقاربة الاولي: كل الوثائق التاريخية تقول ان نشأة الصهيونية قد أرتبطت ببريطانيا و من أجل اهداف متعددة ، و لكن اهمها السيطرة علي المنطقة العربية و ابطاء مشروع الوحدة و النهضة و ضمان مصالح الغرب في المنطقة..لكن المسكوت عنه  في هذا الأتجاه هو أن لبريطانيا دور أساسي ومهم في نشأة تنظيم الأخوان المسلمين في مصر و لسبب مقابل لإنشاء الصهيونية، و هو المساهمة في تفتيت المجتمعات العربية و الاسلامية و تجزأتها من الداخل، و هذا  ما حدث فعلا من خلال ادوار هذا التنظيم و كما هو مشاهد في السودان اليوم، و عبر كل التنظيمات التي تفرخت عنه مثل الجماعات الدينية في مصر و القاعدة و داعش و النصرة و بوكو حرام و غيرها ، و هذا الحديث يدعمه حديث الضابط البريطاني السابق جون كولمان  و وكيل المخابرات البريطانية M16  الذي اعترف ان تنظيم الأخوان المسلمين هو صناعة بريطانية(١)..و يقول الدكتور جبريل العبيدي( ان التاريخ يذكر ارتباط بريطانيا بتنظيم حسن البنا و الذي ولد بعد ظهور العلاقة السرية بين النتظيم في مصر مارس ١٩٢٨ في الإسماعيلية بتحويل بريطاني بلغ ٥٠٠ جنيه مصري و الجنيه وقتها يعادل ٧.٥ غرام ذهب و ذلك بأعتراف البنا نفسه(٢)..كما ان اتصالات الاخوان المسلمين بالسفير البريطاني و الأمريكي في الحقبة الناصرية تؤكد تشابك هذه العلاقة ، و التي كان الهدف منها زعزعة نظام جمال عبد الناصر و محاربة الشيوعية حينها و ضرب فكرة القومية العربية عبر المشروع الديني..و أحيل القاريء الكريم الي كتاب مارك كورتيس و المعنون، التاريخ السري لتاَمر بريطانيا مع الاصوليين  و الذي كشف فيه و عبر الوثائق طبيعة علاقة تنظيم الأخوان المسلمين ببريطانيا، و من اجل الانصاف فقد اصطدم الأخوان المسلمون ببريطانيا في الثلاثينات مع صعود النضال من اجل القضية الفلسطينية ، و لكنهم عادوا لعلاقتهم بها بعد الاربعينيات، و هذا ما يوثقه الكتاب سابق الذكر..

المقاربة الثانية: الصهيونية تؤمن بالتنظيمات السرية لممارسة القتل، و كذلك فعل تنظيم الأخوان المسلمين ذات الشيء..فلقد أنشأت الصهيونية تنظيمات خاصة متعددة من اجل قتل الفلسطينين و منذ ثلاثينيات القرن العشرين حيث ظهرت الهاجاناة، و الاتسل، و ليحي ، و فرقة البالماخ، و عصابة شتيرن و التي قتلت اعدادا مهولة وسط الفلسطينين(٣)… في المقابل فقد أنشأ الأخوان المسلمون التنظيم الخاص او التنظيم السري في مصر و الذي قام باغتيالات عديدة في التاريخ المصري، و لهذا يقول علي عشماوي اَخر قادة التنظيم الخاص  الاَتي( كانت هناك وقفة شديدة امام فرقة الحشاشين ، و كذلك امام الحركات العالمية الاخري سواء كانت اجرامية او حركة سياسية مثل المافيا العالمية و التنظيمات الفرنسية، و اخيرا التنظيمات الصهيونية العالمية بما لها قوة و انضباط و اتصالات بجميع القوي السياسية و معرفة اخضاع الخصوم و السيطرة عليهم أو تصفيتهم(٤)..اي الاستفادة من كل هذه التنظيمات في تأسيس التنظبم السري للأخوان المسلمين و الأهم في كل هذه التنظيمات هي الصهيونية كما اكد ذلك علي عشماوي المسؤول السابق للتنظيم الخاص او السري..

المقاربة الثالثة: الصهيونية تستغل الدين الي أقصي حد ممكن من أجل الوصول لأهدافها و بغض النظر عن مراعاة واقع و ظروف الاخرين، و كذلك يمكن ان يفعل الأخوان المسلمون كل شيء من اجل الوصول لأهدافهم، و هي في هذه الحالة هي السلطة و الحكم،  و الشواهد في السودان تدلل علي ذلك ، و أكثر الشعوب معرفة بذلك هو الشعب السوداني و بالنسبة للصهيونية الشعب الفلسطيني.

المقاربة الرابعة: الصهيونية تؤمن بمفهوم الغاية تبرر الوسيلة و كذلك الأخوان المسلمون، فقد دمرت الصهيونية الشعب الفلسطيني من اجل اقامة دولة الميعاد المفترضة، و يسعي الاسلاميون في الراهن الي تدمير الشعب السوداني  من خلال الحرب الدائرة في السودان مضافا اليها التدمير الذي حدث اثناء حكمهم للسودان عبر ثلاثة عقود من اجل دولتهم الاسلامية الافتراضية، و هذه الحرب كان مهندسوها منذ البدء هم (الاسلاميون) عبر تفخيخ السودان بالمليشيات، و بالتالي إشعال هذه الحرب كما اعترف بذلك القيادي انس  عمر، علاة علي شواهد عديدة تدلل علي ذلك و اهمها تحركهم و اجتماعاتهم قبل الحرب، و الهدف من كل ذلك الوصول للسلطة و الحفاظ عليها.

المقاربة الخامسة: الصهيونية تهتم بالمال كثيرا لإنفاذ مشاريعها ولهذا نري اللوبيات الصهيونية الموجودة في كثير من بلدان العالم، و من جانب أخر يفعل الأخوان المسلمون كل شيء من اجل جمع المال ، و سرقات أموال السودان تكفي كدليل لشراهة الأخوان المسلمين في جمع المال، كما يكفي ان وجدت في بيت رئيس الدولة السابق عمر البشير مبالغ طائلة في بيته و هذه فضيحة تعري (الاسلاميين) من أي بعد اخلاقي..
المقاربة الاخيرة: الصهيونية فكرة عنصرية لا تقبل بالآخر و الأخوان المسلمون تنظيم يرفض وجود الآخر كذلك، و لهذا فهم اخوان مسلمون و ليسوا اخوان المسلمين كما يقول د. العبيدي و هي فكرة نفي للآخر الذي ليس ضمن هذا التنظيم..

حول الخروج الثالث للإخوان المسلمين

لقد مرحل عادل الباز طبيعة خروج (الأسلاميين) الي ثلاثة مراحل قافزا علي كافة المراحل التي سبقت ذلك الخروج  المفترض ضمن تفكير انتقائي يهرب من تفاصيل التاريخ، لأنه تاريخ اسود صنعه الاخوان المسلمون في السودان، حيث يفكر الاخوان  في كيفية العودة مع تجاوز كل التراكم السلبي الذي احدثوه في السودان.. و لنقرأ رؤية عادل الباز و فق تصنيفاته التالية للخروج المفترض:

الخروج الأول او خروج الثعابين:

لقد ابتدأ عادل الباز (خروجاته) هذه بخروج عام ١٩٦٤ (للاسلاميين) حسب قوله و بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤…. و لم يقل عادل الباز ماذا كان يفعل (الاسلاميون) قبل ذلك؟ و كيف كانت معارضتهم لنظام عبود.. و أقول هنا لقد ساهم الأخوان المسلمون في انقلاب ١٩٥٩ ضد نظام عبود بقيادة المقدم علي حامد،  و قد اعتقل في ذلك الانقلاب زعيم التنظيم الرشيد الطاهر بكر و قد أودع السجن و قد تجاوزه التنظيم و هو داخل السجن و في سابقة خطيرة ليتبوأ القيادة لاحقا حسن الترابي القادم من جامعات باريس و ليس من الأزهر، و هذا ما نعرفة عن معارضتهم لنظام عبود ، و لقد ظهروا بعد ثورة أكتوبر و التي يدعون انهم السبب في قيامها عكس ما تعكسه الوقائع التاريخية، و لقد خرجوا في هذه المرحلة مثل خروج الثعابين من اجل تسميم الفضاء العام، و بالفعل فقد سمموا هذا الفضاء من خلال طرح الدستور الاسلامي لتعطيل اي تحرك نحو دستور وطني تتفق حوله كافة القوي السياسية، و الاخطر في هذا التسميم للمجال  العام هو حل الحزب الشيوعي من داخل البرلمان مما عني ذلك ضرب المسار الديمقراطي ، و هذا ما فتح الطريق لأنقلاب جعفر نميري، هذا هو خروجهم الأول و ادخال السودان في النفق المظلم..

الخروج الثاني أو خروج الثعالب:

و لقد برز (الاسلاميون) في الساحة و في هذا الخروج الثاني بعد أنتفاضة مارس- أبريل ١٩٨٦ بعد ان عانقوا جعفر نميري عبر نظامه الديكتاتوري و تحالفوا معه و دخلوا منظمات الاتحاد الاشتراكي و صدروه كأمام للمسلمين و تواطؤا معه في بتر أيادي و أرجل الفقراء و المساكين عبر القوانين المسماة إسلامية و سكتوا عن فساد رأس الدولة و سرقات الاغنياء و الوزراء ضمن ملهاة تاريخية يتذكرها السودانيون بمرارة..و عندما استنفذت اغراضهم عند نميري رمي بقياداتهم في السجون و قد اخرجتهم منها انتفاضة مارس-ابريل..و لقد خرجوا هذه المرة ضمن مفهوم الثعالب، فبدلا من ان يعززوا من النظام الديمقراطي و من اهداف الأنتفاضة، عملوا و من خلال مكر الثعالب علي مجاراة النظام الديمقراطي حينا و مكروا به حين قاموا بأنقلابهم المشؤوم في عام ١٩٨٩، و هو الانقلاب الذي أدخل السودان في غياهب الظلام ، و قد قفز علي سنواته عادل الباز ليتحدث عن الخروج الثالث لأنه يمثل تاريخ القتل و الذي يهرب منه (الاسلاميون) لانهم قد دنسوا عبر هذه السنوات تاريخ الاسلام نفسه بالأضافة لتاريخهم المدنس عبر علاقتهم بالديكتاتوريات و الانقلابات العسكرية..

الخروج الثالث او خروج النعام:

و هذا هو الخروج الذي يتطلع اليه عادل الباز و معه كل (الاسلاميين) و هو الخروج الذي سيعقب الحرب الدائرة في السودان..لقد أخرجت الجماهير (الاسلاميين) من المعادلة السياسية عبر ثورة ديسمبر المجيدة و ابعدتهم من المجال العام و قطعت الطريق أمام عودتهم و ضمن الظروف الطبيعية..و لهذا فقد دبروا أمر الحرب الدائرة في السودان اليوم و جاءوا خلف الجيش لأنهم لا يستطيعون مواجهة الجماهير، و لهذا اطلقت علي هذا الخروج خروج النعام نتيجة الخوف و التقية و ليحاربوا الميليشيات التي انبتوها في الواقع السوداني،  و ذلك من اجل تشتيت افكار و وعي الجماهير عبر ظروف الحرب مما يتهيأ لهم طريق العودة مرة اخري لحكم السودان ، و ذلك عبر مفهوم الصدمة او مذهب الصدمة الذي تستخدمه الرأسمالية لأنفاذ مشاريعها في المجتمعات كما هندست ذلك مدرسة شيكاغو للأقتصاد بعناصرها الليبرالية…و هذه العودة المفترضة لا تستوعب ان للجماهير ذاكرة و قد تشتت الحرب جماع الناس و تخرجهم من ديارهم و تبطأ الذاكرة لكنها لا تمحيها  تماما، فشعار (كل كوز ندوسو ندوس) سيظل موجودا رغم كل ما احدثه (الاسلاميون) من تدمير في خارطة السودان،  و هذا يعني ان الرهان علي الجماهير هو اكبر من الرهان علي الحرب التي يقودها الاسلاميون- النعام، و عندما تضع الحرب اوزارها سيخرج (الاسلاميون) من الحياة السياسية الي مزبلة التاريخ و الي صحراء التيه و يشقون بحرا جديدا مقابل بحر بني اسرائيل و هو بحر الظلمات..

*المصادر*
١- جبريل العبيدي- بريطانيا و متلازمة الأخوان- الشرق الاوسط ٢٠١٧  aawat.com
٢-المصدر السابق
٣-النكبة الفلسطينية- المجازر الاسرائلية في فلسطين عام ١٩٣٧-١٩٤٨-pal48.ps
٤-التاريخ السري لجماعة الاخوان المسلمين- مذكرات علي عشماوي اَخر قادة التنظيم الخاص-مركز ابن خلدون-٢٠٠٦. www.noor_book.com

‫5 تعليقات

  1. وطيب اذا كنتم تثقون في الجماهير لماذا رفضتم الانتخابات خوفا من عودة الإسلاميين عبرها ام ان هذه الجماهير جاهلة وغبية في الانتخابات لكنها واعية ورشيدة في الثورات.

  2. بالمنطق و العقل و التاريخ و الشواهد و الدليل، الحركة الإسلامية و التي واجهتها حزب الموتمر الوطني مهم من افضل التنظيمات السياسية السودانية التي حكمت السودان و بلا منازع على الأطلاق، و الاحداث الجارية حالياً من حرب و دمار و خراب تثبت ذلك ان حزب الموتمر الوطني صمام هذا البلد العجيب و الغريب و ليس هنالك اي قوي سياسة تسطيع إنقاز هذا البلد من الضياع غير قيادة و كوادر الإنقاذ لما يتمتعون به من صلابة و جلد فى قهر المصاعب و العوائق و خير شاهد حكمهم الذي استمر ثلانون عاما رغم عن الحصار و التآمر من كل دول الجوار و القوي العالمية و عملاء الداخل صمدوا و واجهوا كل المؤمرات و كانت البلد تنعم بقدر من الاستقرار و الامان و ظروف اقتصادية و معشية معقولة بحسابات تلك الفترة، منذ ان سقط النظام السابق ظلت البلاد فى حالة فوضى عارمة و تدهور مريع فى كل المجالات و القوي السياسية غارقة فى الخلافات و التناحر و الانقسامات مما شجع قائد الجيش و قائد الدعم السريع فى الولوج إلى عالم السياسة و كل واحد منهم اصبح له طموح كبير فى ان يصبح رئيس جمهورية السودان و القوي السياسية المدينة اصتفت خلف القائدين و اصبحت تذين و تطبل لهم حتى وقعت الحرب، لو كان حزب الموتمر الوطني مازال على السلطة لما رأينا هذا الكابوس العجيب و المخيف بفعل الحرب، هذا السودان قدرة ان يحكموه رجال اقوياء اهل صبر و جلد و شجاعة و ذكاء مثل قيادة الحركة الإسلامية، الناس فى السودان يبحثون عن لقمة العيش و السلام و الامان و الاستقرار، و لا يبحثون عن الديمقراطية و المدنية و الخراب و الدمار و الموت المجاني.

    1. انت جيفة, انت براز انت بول انت مقزز ومقرف… تفووووو علي وجهك القبيح النتن ايها الكوز المأفون

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..