لا يخرج الارنب من القبعة وحده

عثمان بابكر محجوب
تزامن خروج البرهان من القيادة العامة مع هجوم الدعم السريع على مركز سلاح المدرعات مما استدعى الشك بوجود خطة مسبقة لهذا التزامن ، خصوصا وان هذا الموقع العسكري له أهمية استراتجية بالغة، وخسارة الجيش له تعني ان الدعم السريع بات قريبا جدا من حسم حرب العاصمة بمدنها الثلاث لصالحه وبشكل غير متوقع يظهر البرهان في جولة استعراضية تشبه مغامرات أرسين لوبين فهل استعان قائد الجيش بعصا موسى الذي شق الاخير بها البحر لشق البر والعبور الامن ؟
بالتأكيد ليس مهما ان نعرف كيف ان كبيرنا علمنا السحر، لكن من حقنا ان نستنتج ان القرار الاميركي –السعودي بتجميد مسار جدة في الفترة الماضية كان الهدف منه نقل ملف الحرب السودانية من دائرة العمل الدبلوماسي الى دائرة المخابرات التي نجحت أخيرا في اقناع قائد الجيش وذلك بعد اعطاء الضوء الاخضر لحميدتي بمهاجمة سلاح المدرعات بان الخطوط الحمراء المرسومة للدعم السريع بدأت تتقلص مما اضطر البرهان الى الامتثال لرغبات الوسطاء بقبوله العودة الى طاولة الدبلوماسية وما يشاع عن تنظيم رحلات له الى خارج البلاد يخدم هذا الاتجاه .
كذلك الامر يبدو ان زمام المبادرة في معالجة المحنة السودانية انتقل نهائيا من أيدي الجنرالين الى ايدي اطراف دولية واقليمية وبالتالي يبدو ان السودان فقد السيادة الوطنية الفعلية وهذه هي احدى نتائج هذه الحرب ولم يعد بمقدور لا البرهان ولا حميدتي الا الاصغاء الى الاملاءات الخارجية خوفا من فقدان الاول الامل في تحقيق حلم أبيه الذي بات ملك يديه والثاني يشاطره الخوف لكن من ضياع طموحه الجامح بان يكون شبيه الانبياء بحكم انه بدأ مسيرته راعيا للابل خصوصا وان معظم الانبياء بلغوا النبوة بعد ان مارسوا رعي الاغنام. وبالتالي يعيش الجنرالين هذه الايام حالة انهاك سياسي واعياء أخلاقي ولم تعد الحرب تخدم هدف اي منهما لان الحرب من اجل الحرب هي الخيار الوحيد للبلابسة من الاخونجية الملعونين .
والنتيجة الاخرى لهذه الحرب هي الانهيار شبه الكامل للعلاقات التي كانت سائدة ضمن وبين البنى الاجتماعية على كافة المستويات حيث سببت هذه الحرب شروخا عميفة في المجتمع السوداني حتى بات الكيان السوداني مترهلا ناهيك عن بلوغ النظام العام حالة اللادولة وبالتأكيد يجب ان لا ننسى ان الانسان السوداني الذي كان قبل اندلاع هذه الحرب لن يكون نفس الانسان الذي كنا نعرفه ،بعد هذه الحرب وفي هذا تكمن المأساة الحقيقية. وما ذكرناه عن خوف الجنرالين لايعني ان نهاية هذه الحرب باتت وشيكة بل للتأكيد على احتمال انخراطهما في عملية تفاوضية من الجائز ان تؤدي الى تسوية تضمن مصالح الاطراف الدولية والاقليمية على حساب المصلحة الوطنية السودانية وأي صفقة من هذا النوع لن تؤدي الى سلام دائم بل الى مجرد دفن للجمر تحت الرماد .
ومما لا شك فيه ان هذه الصفقة مرتبطة بشكل اساسي بما يدور من صراع بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة أخرى فاذا ما اتجهت الامور الى صراع مفتوح أميركي – روسي في النطاق الافريفي سيذهب البرهان الى بورسودان لتشكيل حكومة مؤقتة يحتضنها تيار اسلامي لا يضم البلابسة لكسب الموافقة الاميركية وهذا الخيار سيؤدي الى تجزئة السودان الى عدة دويلات .اما اذا كان هذا الصراع مؤجل فسيكون هناك توافق على اعادة نظام المحصاصة السابق اي نظام الشراكة الذي ادى الى اندلاع هذه الحرب اما في حال انشغال اميركا وروسيا في ملفات دولية أكثر أهمية من ملف السودان فلن يستطبع أحد اخراج ارنب من القبعة وبالتالي لن تحدث اية معجزة بل ستبقى البلاد اسيرة موجات من المعارك يتبعها وقف لاطلاق النار على التوالي مع السماح للمنظمات الدولية بتوزيع المساعدات الانسانية .
وهذا يعني انضمام السودان الى نادي الدول المنكوبة الى أجل غير مسمى مثل سوريا والعراق وليبيا والصومال، في ظل نظام دولي يعيش مخاض ولادة جديدة .