مقالات سياسية

قحت لم تغادر محطة الشراكة، ولم تنتج خطاً سياسياً بديلاً لها

(في الرد على المقال الثاني للدكتور صديق الزيلعي)

د. أحمد عثمان عمر

في مقاله الثاني في الرد على مقالي، والذي أتى بعنوان ” الجذريون والوقوف عند محطة الشراكة”، ذكر صديقي د. صديق الزيلعي حرفياً ما يلي: ” كتب الدكتور أحمد عثمان، في إطار نقده لقحت، وفي إطار وقوفه، مثل كل دعاة التغيير الجذري، عند محطة الشراكة ، رغم اجماع معظم القوى على التخلي عنها”، وبالرغم من أنه لم يعرف معظم القوى التي أجمعت على التخلي عن الشراكة، إلا أنه دلل على هذا التخلي بنقده للوثيقة الدستورية، وبورشة أقامتها جريدة الديمقراطي بالتنسيق مع (قحت) لتقييم المرحلة الإنتقالية ، تقدم بعض منسوبي (قحت)فيها بمساهمات نقدية لتلك المرحلة. ولعله من المفيد قبل أن أنتقل لنقض إدعاء تخلي (قحت) عن الشراكة ضمن القوى التي أجمعت على ذلك، أن أتوقف لتأمل أدلة د. صديق الزيلعي على هذا التخلي، وأسأله مباشرة: هل نقد بعض منسوبي (قحت) للشراكة نفسها -إن تم- لا للمرحلة الإنتقالية بصفة عامة في ورشة، يعني تخلي (قحت) عن الشراكة؟ وهل التخلي عن خط سياسي يتم بنقد أفراد في ورش أم بوضع خط سياسي بديل بشكل مؤسسي ، تنبني عليه ممارسة سياسية ترفض الشراكة علناً ؟ في تقديري أن نقد الأفراد – مهما كانوا وكان مركزهم- لخط سياسي ما في ورشة تقييمية تقيمها صحيفة ، لا يعني مفارقة مؤسساتهم لهذا الخط، ولا تغير تحالفاتهم وفقاً لورقة نقدية قدمت في ورشة. وسوف نرى لاحقاً أن هذا النقد ، لم يؤثر على خط (قحت) السياسي، التي واصلت مسلسل الشراكة ومازالت تواصله حتى الآن وستستمر فيه، حتى تعلن خطاً سياسياً واضحاً برفض الشراكة بشكل مؤسسي وبإسم تحالفها السياسي وعبر منابره، لا في ورش تقييمية لا يعرف أين ذهبت مخرجاتها ، وهل كان ما قدم فيها مبادرات فردية أم رؤية لبعض التنظيمات المنتسبة ل (قحت). وبالرغم من أن هذا لوحده كاف لرد القول بأن الجذريين هم من يقفون عند محطة الشراكة ، وأن (قحت) قد تجاوزتها لأن (قحت) ليس لديها أي وثيقة تدعم هذا الإدعاء الكبير ، إلا أننا سنسترسل لنثبت أن (قحت) كانت ومازالت وستظل، خطها السياسي هو الشراكة مع اللجنة الأمنية تحت رعاية دولية حتى بعد إنقسامها. ولنسبة (قحت) وخطها السياسي للشراكة، لابد منهجياً من تعريف الشراكة، لأن الخطاب الإعلامي ل (قحت) ، يحاول أن يقصر الشراكة على السلطة التنفيذية فقط (الحكومة). والشراكة حتماً هي الشراكة في السلطة، والسلطة هي فرض الإرادة على الجميع ومظهرها الرئيس إحتكار إستخدام العنف، وهذا يشمل إصدار الوثائق المؤسسة للسلطة والمكرسة لسلطاتها. وبهذا الفهم للشراكة ،(قحت) غارقة حتى أذنيها في شراكة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ. ومثال لذلك شراكتها المبنية على الإتفاق الإطاري. وذلك لأن الاتفاق بين التسوويين (قحت) و العسكريين الإنقلابيين (اللجنة الأمنية للإنقاذ قبل إنقسامها ودخولها في حرب) ، بأي صورة يتم هو شراكة، لأنه يتضمن إعترافاً بالإنقلابيين كطرف أصيل في إتفاق يؤسس لطبيعة السلطة القادمة، و كشريك في صياغة مستقبل السودان السياسي، تؤسس إرادته مع إرادة التسوويين لخارطة العمل السياسي ، و أسس إدارة الدولة و مؤسساتها ودستورها. و هذا يجعل شرعية السلطة القادمة، مستمدة من شراكة أسست لتوصيفها و منحتها وجودها. و بدلاً من محاسبة الإنقلابيين على إنقلابهم، تتم مكافأتهم بتمكينهم من المشاركة في تحديد مستقبل البلاد السياسي، و يتم الزعم مع ذلك بأنه لا توجد شراكة!!! فأي شراكة أكثر من ذلك؟ ألا تعتبر الإرادة المشتركة المؤسسة شراكة؟ ألا يعتبر من يحدد مصير البلاد و نظامهاالسياسي و يفرض إنقلابه كأحد إرادتين تعطي السلطة القادمة مشروعيتها شريكاً؟ إذا كانت الإجابة بلا، فمن هو الشريك و ما هي الشراكة؟ فوق ذلك، الإتفاق الإطاري مثله مثل الوثيقة الدستورية المعيبة، أخرج أدوات العنف (الجيش والجنجويد) من سلطة الحكومة والتبعية الكاملة المباشرة لها، وترك مهمة إصلاحها لها لتصلح نفسها بنفسها. وبذلك أخرج مظهر السلطة الأساسي من يد السلطة التنفيذية، وجعلها سلطة شكلية وعاجزة، لا سبيل لها لفرض إرادتها إلا عبر شراكة مع هذه الأدوات التي لاتخضع لسلطانها، فهل هذه شراكة أم لا؟

أما مشروع الإتفاق النهائي الذي كانت (قحت) على أتم الإستعداد لتوقيعه ومنعها من ذلك نشوب الحرب، والذي تسرب عبر وسائل التواصل الإجتماعي، فقد كان شراكة كاملة الدسم. فهو قائم على شراكة كاملة مع اللجنة الأمنية في تحديد هياكل الدولة ومؤسساتها وسلطاتها ، مع إخراج كامل للجيش والجنجويد من سلطة الحكومة الإنتقالية، وتكوين مجلس أمن ودفاع ذو صفة دستورية تهيمن عليه أدوات العنف وحلفائها في الإنقلاب من حركات محاصصة جوبا، يحكم رئيس الوزراء الذي يرأسه ويقيده بقراراته التي ستصدر بالأغلبية في الغالب، وعدم إخضاع الجيش والجنجويد وجهاز الأمن لسلطة الحكومة الإنتقالية بشكل تام، وإسناد إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية لأطراف اللجنة الأمنية، مع إشراك خجول للحكومة في وضع برنامج الإصلاح هذه المرة، على أن يكون متوافقاً مع الأسس الموضوعة في الدستور الذي ستسنه (قحت) بالشراكة مع الجيش والجنجويد الذين تم شرعنتهم مجدداً على مستوى دستوري، وتمت الموافقة على دمجهم بالجيش بدلاً من حلهم كما يطالب الشارع الثائر.

وكل هذه الوثائق، تخلق حكومة واجهة مدنية ليقال بأن السلطة مدنية خالصة، وهي حكومة رسمية (Dignified Government) لا حول لها ولا قوة لأنها منزوعة الأسنان وبدون أدوات عنف، مع حكومة فعلية (Efficient Government) تسيطر على إستخدام العنف وأدواته سيطرة كاملة، وتكامل الحكومتين هو الشراكة بعينها حتى تكون هناك سلطة تنفيذية فعلية قادرة على فرض إرادتها على الجميع. فوق ذلك وبالإضافة إليه، هذه الوثائق جميعاً حمت القضاء غير المستقل التابع للجنة الأمنية للإنقاذ بوصفه جزءاً من التمكين بمبدأ إستقلال القضاء، وهذا يعني إنفراد تلك اللجنة بالسلطة القضائية، مع خردقة وإختراق السلطة التشريعية بحلفائها الذين سيوقعون حتماً على الإعلان السياسي، وحلفائها من حركات محاصصة جوبا. ومفاد ذلك أن اللجنة الأمنية للإنقاذ تبقى شريكة مع (قحت) في السلطات الثلاث، فكيف تكون (قحت) قد أجمعت مع معظم القوى على التخلي عن الشراكة وهذا هو خطها السياسي وإتفاقاتها السياسية؟

بعد إندلاع الحرب ، نادت (قحت) بوقف الحرب والعودة للعملية السياسية على لسان الناطق الرسمي بإسمها، ولسان الناطق الرسمي بإسم العملية السياسية، وشاركت مع رئيس الوزراء المنقلب عليه في لقاءات تشاورية على هامش إجتماع رؤساء الإيقاد القائم على العودة إلى العملية السياسية ، وعقدت إجتماعها في القاهرة، وشاركت في إجتماع القوى المدنية الموقعة على الإتفاق الإطاري، ولم تقل ولو تعريضاً في كل هذه الفعالياتإنها ضد الشراكة مع طرفي الحرب، ولم تطالب علناً بإبعادهما من المعادلة السياسية بصورة شاملة. الإستثناء الوحيد هو تصريحات منسوبة لأحد منسوبي واحد من إحزابها، بعد أن صرح دبلوماسي أمريكي بأن الطرفين المتحاربين لا يصلحان للحكم، وهذا بالطبع ليس موقفاً مؤسسياً. وحتى تعلن (قحت) بشكل مؤسسي وبوثيقة أو تصريح من الناطق الرسمي بأنها لن تعود للشراكة بأي صورة من الصور، وأنها لن تقبل إشراك الطرفين المتحاربين في المعادلة السياسية، وأنها لن تشاركهما في صنع وتحديد هياكل الدولة ومؤسساتها وسلطاتها وتقديم دستور المنحة الإنتقالي، وأنها لن تقبل بأقل من خضوعهما خضوعاً كاملاً للحكومة المدنية الخالصة، تظل (قحت) في موقع الشراكة، ويظل الجذريون في محطة الشراكة حتى تغادرها (قحت). ف (قحت) ليس مطلوب منها نقد الشراكة، بل مغادرة الشراكة، وهو ما لم تفعله حتى الآن. فهل المطلوب من الجذريين أن يغادروا هذه المحطة قبل تغادرها الجهة المعنية أم ماذا؟

بالطبع سيبقى الجذريون يرفضون الشراكة والشركاء ، وحين تغادر (قحت) محطة الشراكة، وتترك الشراكة مع العدو، وتعود للتوافق على التناقض الرئيسي معه، الجذريون حاضرون للتحالف معها وقبول التناقضات الثانوية التابعة لذلك التناقض الرئيسي، على أساس برنامج حد أدنى هو برنامج الشارع الثائر لا برنامج الشراكة مع العدو.

(نواصل الحوار)

‫7 تعليقات

  1. حوار راقي وقمة المتعة دون مماحكات او لف ودوران ودون استخدام المغالطات المنطقية كعادة الكتاب السودانيين نرجو ان يستمر الحوار في جميع القضايا المختلف عليها بين دكتور احمد عثمان عمر ودكتور الزيلعي

  2. اذا كان هو خطاب احد.منظرى الحزب الشيوعي فأن لبو حنيفه ان يمدد رجليه خطاب بائس مبني علي تهويمات وترهات وفكر متحجر توقف عند وهم شراكة لا توجد في مخيلته وكل وثائق قحت وادبياتها وعلي رأسها الاطارى ليس فيها بند واحد يتحدث عن شراكة بل كل الحديث عن حكومة مدنية خالصه وعن ذهاب الجيش للثكنات وعن دمج المليشيات ومن ضمنها الدعم السريع في جيش مهني واحد وعن هيكلة الجيش والتي تعني ابعاد العناصر الفلولية منه فاين الشراكة المتخيلة ؟! هذه الحرب فضحت الجذريين وانهم يهيمون في عالم وهمي بعيدا عن الواقع وان شعاراتهم ليست سوى احلام طفولية ليسار متحنط

  3. الدكاترة الزيلعي وأحمد عثمان لكم التحية والاحترام والشكر على هذا الحوار الراقي الجاد … سعي الزيلعي للعمل المشترك واتفاق حد أدني “وقف الحرب” مفهوم وما قدمه الزيلعي من دفوعات لدعم هذا الطرح كافية وأهمها أننا بصصد مخاطر قد لا تبقي وطنا للتغيير الجذري أو للشراكة … وهدا هو الأقرب للتحقق … الغريبة أننا تعلمنا من الشيوعيين أيام الجبهة الديمقراطية أهمية اتفاقات الحدود الدنيا والتنسيق المرحلي بل إن الجبهة الديمقراطية نفسها هي عبارة عن اتفاق حد أدنى بين الطلاب الشيوعيين والطلاب الديمقراطيين … في الجانب الآخر تخوفات دكتور احمد عثمان من الشراكة مفهومة والتي هي إعأدة أنتاج للأزمة وللفشل … فهل يمكن لقحت المركزي أن تعلن رسميا رفضها للشراكة مع اللجنة الأمنية “والدعم السريع أيضا” بأي صورة وتعلن كذلك نفض يدها عن اي اتفاق وقعته أو كانت ستوقعه ويشير للشراكة ولو ضمنيا، وهل يمكن للجذريين بعدها أن يفتحوا أبوابهم لاتفاق حد أدنى مع كل قوى الثورة بنقطتين فقط، أولا العمل على وقف الحرب فورا وثانيا العودة للمسار الديمقراطي المدني “بدون شراكة” هذه هو زمن التنازلات التاريخية والشجاعة من أجل البلاد والعباد، فهل أنتم لها

  4. يعني ناس بيكاتلوا بالأسلحة الثقيلة والطيارات
    تجيهم إنت بحلابيتك وتقول ليهم بلاش لعب عيال سلموا أسلحتكم وشركاتكم وقدامي عدل علي الحبس ؟؟؟؟
    ما الدكتور دا
    كان كدا السودان كله مجموعة من الحالمين

    1. ذي نقطة مهمة جدا يا “سوداني بيحب السودان” لا يمكنك أن تطلب من أحد وقف الحرب أو وضع السلاح لكي تذهب به للسجن وتجرده من كل ما ملك بحق أو بغير حق، وهنا يمكن استحضار تجربة جنوب أفريقيا في الحقيقة والمصالحة وتجاربنا المحلية في الجودية والديات والمصالحات … نعم هنالك أشياء لا يمكن التنازل عنها مثل مدنية الدولة وديمقراطيتها واسترداد الأموال العامة المنهوبة والكشف عن قتلة الثوار وضمان عدم عودة الفلول للحكم وإعادة هيكلة الجيش وتوحيده… لكن السياق العام يجب أن يكون سياق تنازلات ومصالحة وكشف للحقائق ليس سياق انتقام وتشفي وتصفية حسابات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..