مقالات وآراء

تجهيل الشعوب بإستخدام أجهزة الدولة الرسمية.

منير التريكي

مدخل :

أسوأ أنواع الإستلاب هو عندما يدافع الضحية عن الجلاد .

غياب العقل النقدي المتسائل يتيح المجال للعقل الإنتهازي المستغل.الكثرة ليس على حق دوماً. القطيع قد يخطيء. قد يقوم شخص بطريقة ما بتجهيل المجموع . وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يكتشف الناس أنهم كانوا مخدوعين .

في معظم الحالات يحارب المجموع التقليدي الأفكار الجديدة. الإبداع هو خروج عن المألوف. والطبيعي أن تصطدم الفكرة الجديدة بالعرف القديم. صحة الفكرة ومثابرة صاحبها هما مايحددا نجاحها وانتشارها أو فشلها وإندثارها . أكثر من واجه مقاومة ورفض الأمم لهم هم الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام. نجاح الفكرة وانتشارها يعتمد على صحتها وصدقيتها وإمتلاء صاحبها بها و وصبره وإحتماله في سبيل تحقيقها. كما أن هنالك أفكار خيرة أخرجت الناس من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة. هنالك أفكار أخرى شريرة. وهذه تفعل العكس. في وقتنا الحاضر هنالك أفكار ينتجها الإنتهازيون و تستغلها أجهزة الأمن لتجهيل الشعوب. يتم تضليل الشعوب لتسهيل قيادتها إلى حيث يريد الإنتهازيون. هؤلاء ظلوا لعشرات السنين يمارسون استغلالا بشعا للشعب .

هم يتأقلمون مع كل الأنظمة والحكومات. يتلونون بحسب لون الحكام. يلبون نزوات الحكام غير المشروعة في مقابل سرقة موارد الدولة . هم يدغدغون أحلام الحكام في مجد لا يستحقونه.

يزينون لهم قراراتهم الساذجة. يستغلون موارد الدولة من أموال وإعلام في تغبيش وعي الشعب. يبدأ الأمر بتغييب المعلومات الصحيحة ودس الأكاذيب. ثم يتواصل التعتيم والتضليل. يدمن الإنتهازيون الكذب ويدمن القطيع ثقافة تصديق هذه الأكاذيب. بعد فترة يصبح من الصعب توضيح الحقيقة. الأسوأ يقوم القطيع المغيب بتبرير تصرفات الحاكم المستبد. تصل الحالة الغريبة إلى مرحلة تصدى الضحايا بكل قوتهم لمن يحاول أن يكشف لهم الحقيقة. هنا يصبح التحدي الحقيقي هو كيفية إيقاظ هؤلاء المخدوعين . المهمة الأصعب هي كيفية الإحتراز من ردود أفعال من يفيقون. الأمر يكون أسهل عقب انتصار الثورات. حينها يكون الناس كلهم على استعداد لتقبل الوضع الجديد بكل مستجداته. لكن عندما يكون الحاكم وبطانته من الإنتهازيين في السلطة يكون الأمر معقداً. يقوم هؤلاء بضخ الكثير من الأكاذيب في كل ساعة. يعمل أعوانهم على مدار الساعة على ترسيخ هذه الأكاذيب وبث الشائعات.

لكن كيف يقوم فرد واحد أو أفراد قلائل بكل هذا التأثير الضخم على الشعب؟
هذا التأثير يتم بعمل منظم عبر الأجهزة الرسمية والإعلام الموجه. أي أنهم بأموال الشعب يحاربون دعاة التنوير الذين ينشرون الوعي وسط الشعب. تقوم أجهزة الدولة التي يديرها الفاسدين. بإستهداف الذين يكشفون هذه الأكاذيب. تتم مطاردة ومحاربة الصحفيين والناشطين وغيرهم من الشرفاء الذين يملكون الشعب الحقائق . تتم محاصرة ومحاربة ضمائر الشعوب. أجهزة الأمن تطارد الشرفاء بدلاً من مساعدتهم في كشف فساد الرسميين . ليس مستغرباً أن يعتقل جهاز الأمن الصحفي الذي يكشف الفساد ويتغاضى عن الفاسد .
جهاز الأمن ظل لعشرات السنين يفعل ذلك. منذ دخول الإسلامويون للسلطة بمصالحة في نظام مايو سنة1977م. منذ ذلك الحين انحرف عمل الجهاز. وفيما بعد لحقت به الاستخبارات العسكرية. هذه كانت صمام أمان السودان والمعادل الموضوعي لجهاز الأمن . لكن للأسف تم إضعافها وإلحاقها فيما بعد بالجهاز . أجهزة الأمن في الدول المتقدمة تقوم بمساندة الحكام في الحفاظ على الديمقراطية. تقوم برصد الظواهر السيئة.تجمع المعلومات التي تساعد على المحافظة على موارد الدولة والحفاظ على البيئة. والأهم تعمل على ضمان عدم إستغلال الرسميين لمناصبهم .

لكن جهاز الأمن في السودان ظل حتى بعد سقوط النظام البائد يدير الدولة. ظل يواصل نفس النهج في تغييبش الوعي. لهذا لا تستغربوا عندما يقف أمامكم الضحايا يدافعون بقوة عن الفاسدين الذي ظلوا يستغلونهم لعشرات السنين. سيزيد استغرابكم عندما تتذكروا أن الإنتهازيين يسرقونهم في نفس اللحظة التي يدافع فيها هؤلاء البسطاء بشراسة عنهم . والأسوأ غالبيتهم من الفقراء بينما الإنتهازيون أثرياء. كيف لا وهم يستغلونهم ويسرقونهم لسنين كثيرة. الديكتاتور الجاهل يمسك بقرون البقرة والفاسدين يأخذون اللبن . أحياناً يرهنون البقرة نفسها.

تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بدور حيوي هام في التنوير. ساهم كثيرون ولأعوام عديدة في زيادة رقعة الوعي. لكن للأسف يتلون الإنتهازيون ليواصلوا إستغلالهم للبسطاء. هاهم يبثون الأكاذيب بأساليب جديدة. اعتقد أننا يجب أن نركز في إقناع هؤلاء الغافلين بأهمية الإستماع لكل الأطراف. وقتها بإذن الله ستزيد فرصنا في جعلهم يرون الأمور على حقيقتها وليس كما يريد لهم الإنتهازيون رؤيتها.

اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه
وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..