تأملات في أغنية “الفارس الجحجاح”

مهدي يوسف إبراهيم
شدّولك رِكِب ..فوق مُهرك الجمّاح (2)
ضرغام الرجال… الفارس الجحجاح (3)
السم النقوع…اللي البدن نتٌاح (4)
تمساح الدميرة ..الما بكتلو سلاح (5)
يا عصار المفازة ..اللّي العيون كتاح (6)
المال ما بيهمك …إن كتر وإن راح
أبواتك قبيل بحلّوا لي العوجات (7)
مطمورتك تكيل لي الخالة والعمات (8)
في الجود والكرم إيديك دوام بارزات
ويا أب قلباً حديد في الحوبة ما بتنفات (9)
بطناً جابتك والله ما بتندم
يا أسد الكداد الفي خلاكَ رزم (10)
ويا رعد الخريف الفوق سماك دمدم (11)
بابك ما انقفل نارك تجيب اللَم (12)
ما بتعزم تقول غير “استريح حرٌّم”
عينيك يا الصقر في الحاره ما بتنوم
صدرك للصِعاب دايماً بعرف العوم (13)
في وسط الفريق في الفارغة ما بتحوم (14)
لا بتتلام ولا بتعرف تجيب اللوم
ود ناساً عُزاز جمعوا المكارم كوم
تفخر بيك بنات البادية والخرطوم
كلمات الشاعر /..عمر الحسين
غناء الفنان / سيد خليفة
……………
شدّولك رِكِب ..فوق مُهرك الجمّاح (2)
ضرغام الرجال… الفارس الجحجاح (3)
السم النقوع…اللي البدن نتٌاح (4)
تمساح الدميرة ..الما بكتلو سلاح (5)
يا عصار المفازة ..اللّي العيون كتاح (6)
المال ما بيهمك …إن كتر وإن راح
أبواتك قبيل بحلّوا لي العوجات (7)
مطمورتك تكيل لي الخالة والعمات (8)
في الجود والكرم إيديك دوام بارزات
ويا أب قلباً حديد في الحوبة ما بتنفات (9)
بطناً جابتك والله ما بتندم
يا أسد الكداد الفي خلاكَ رزم (10)
ويا رعد الخريف الفوق سماك دمدم (11)
بابك ما انقفل نارك تجيب اللَم (12)
ما بتعزم تقول غير “استريح حرٌّم”
عينيك يا الصقر في الحاره ما بتنوم
صدرك للصِعاب دايماً بعرف العوم (13)
في وسط الفريق في الفارغة ما بتحوم (14)
لا بتتلام ولا بتعرف تجيب اللوم
ود ناساً عُزاز جمعوا المكارم كوم
تفخر بيك بنات البادية والخرطوم
….
يرتبطُ النصُ الشعريُ أعلاه في أذهان العامّة بالرئيس الراحل ” جعفر نميري” …غير أن “عمر الحسين” – الشاعر و المرجع في التراث السوداني ومحقّق ديوان ” حاج الماحي” – إنما كتبه في أحد أجداده … و الحقُّ أنني لستُ من أنصار تضييق آفاق الأعمال الأدبية …بمعنى أن هذا النص يمكن إسقاطه على كل رجل سوداني كريم و شجاع … لا أقولُ سوداني لأن المكارم حكرٌ علينا و لكن لأن النص الشعري فيه إشارات إلى جغرافية المكان المسمّى السودان ( تفخر بيك بنات البادية والخرطوم ) ..علاوةً على أنه تغنّى به مطربٌ سوداني و كتبه شاعرٌ سوداني و لُحّن على السلم الخماسي السوداني ….الخ ….
و كثيراً ما استوقفتني هذه الأغنية …و لعل التعامل معها من باب أنها فقط ماعونٌ للمكارم هو إجحافٌ عظيم …ذلك لأن هذا النص يذخر بصورٍ شعريةٍ راقيةٍ و بمفرداتٍ عربيةٍ فصيحةٍ قحة …و العناية بالنصوص المغناة كان واحداً من ملامح تلك الأجيال التي جمّلت وجداننا و رفدت ذواكرنا الجمعية بأغنى الصور …
ولنأخذ عدداً من الأمثلة …
اسم الأغنية ” الفارس الجحجاح “و الجَحْجاح في لغة العرب هو السيِّد السمحُ الكريم، والجمعُ “جَحَاجيحُ” و “جَحاجِحةٌ”….قال المتنبي في قصيدته الشهيرة :
أَنا عَينُ المُسَوَّدِ الجَحجاحِ
هَيَّجَتني كِلابُكُم بِالنُباحِ
(2) المُهر هو ابن الحِصان و جمعُها ” أمْهَارٌ” و ” ومِهَارٌ، ومِهَارَة” …
(2) الجَمّاح أي الجَمُوحٌ …جاءت على صيغة المبالغة “فعّال” ….و الحِصانُ الجامحُ هو المندفع الوثّاب الذي تصعبُ سيطرةُ فارسه عليه …و هذه من مخايل الخيول الكريمة.
(3) الضِّرْغَامُ : الأَسَدُ الضْارِي الشديدُ.. و تقولُ العرب ” رجلٌ ضرغام ” أي قويٌ و شديدٌ و شجاع …
(4) السم النقوع أي القاتل ..جاءت على صيغة المبالغة ” فعُول ” …تقولُ العربُ ” سُمٌّ نَاقِعٌ ” أي شديدُ الفتك ، قاتل …و تقولُ كذلك ” دَوَاءٌ نَاقِعٌ ” أي فَاعِلٌ، نَاجِعٌ ، مفيد …
(5) الدميرة كلمة نوبية وتعني الفيضان …و لكن قد يكون للكلمة علاقة بكلمة ” تدمير ” العربية ، ذلك لأن الفيضانات عموماً تصحبُها كوارثٌ و دمار …و تمساح الدميرة هو أقوى أنواع التماسيح لأنه يتصدّر للفيضانات و لا يختبئُ منها ….
(6) عصار : خففت للضرورة الشرعية … و تعني الإِعْصَارُ و هو ريحٌ تَهُبُّ بشدَّةٍ وتثيرُ الغُبارَ وترتفِعُ كالعمود إِلى السماءِ…
(6) المَفَازَةُ : الصحراء، أو الأرض المقفرة و تجمعُ الكلمةُ على ” مفازات” و ” مفاوزُ “.
(7) العوجات هي المشاكل و الصعاب في عامية أهل السودان ..و لها جذورٌ في الفصحى ..تقول العربُ ” عَوِجَ الطَّرِيقُ” أي اِلْتَوَى …و ” عَوِجَ الإنسانُ عِوَجًا” أي” ساءَ خُلُقُه”…
(8) المَطْمُورة مكانٌ في جوفِ الأرض قد هُيِّئ ليُطمَرَ فيه البُرُّ والفولُ ونحوُهُما… و جمعُها ” مَطَامِيرُ”… و الكلمة بمفردها و جمعها لا تزال تستخدمُ في ريف السودان.
(9) الحَوْبة كلمة فصيحة و تعنى” الحاجة” و تطلق أيضاً على ” الهَمُّ” …و كلاهما يناسب المعنى هنا …فقول الشاعر ” ويا أب قلباً حديد في الحوبة ما بتنفات ” يعني أنه ملاذ لقومه في أوقات الشدة و الهموم و الملمات…
(10) الكداد = تحوير لكلمة ” الكَدِيدُ ” و هي كلمة فصحى و تعني ” ما غَلُظَ من الأَرض”
(10) خلاكَ = من ” الخلاء” و هي فصيحة …و الخلاءُ لغةً هو المكان الذي لا بنيان و لا عمران فيه ..كما يطلقُ أيضاً على المكان الذي يقضي فيه الإنسان حاجته …و كلا المعنيين كثير الورود في الريف السوداني …قال المغنيّ :
السمحة قالو مَرَحّلة
بَعدك الفريق أصبح خلا
يقول إن محبوبته قررت الرحيل عن الفريق و لذا فقد غدا خلاءً بعدها …
(10) رَزَم = الرزم في العربية هو الصوتً الشديد …
(11) دمدم = تقول العربُ ” دَمْدَمَ الرَّعْدُ” أي أَرْعَدَ و أَحْدَثَ صَوْتاً مُدَوِّياً
(12) اللَم = لعلها من الفعل ” لمَّ ” أي جَمَعَ …يقول إن نار الممدوح قبلةُ للجموع ..
(13) العوم : فصيحة من الفعل “يعوم” أي “يسبح” ….جعل من الصعاب بحراً و وصف ممدوحه بأنه متمرسُ في خوض الصعاب..
(14) الفَرِيقُ : الطائفةُ من الناس…و جمعها ” فُرَقَاءُ و أَفْرِقَةٌ ”
(14) الفارغة : نطلقُها في السودان على الأمور العبثية التي لا فائدة منها …تقول العرب ” قول فارغ” و ” كلام فارغ” أي خالٍ من المحتوى و لا قيمة له…
(14) تحوم = فصيحة …ورد في الحديث ” من حام حول الحِمَى يُوشك أَن يقَع فيه” …و تقول العربُ ” حام الطائرُ حول البيت ” أي دار حوله …و قول الشاعر ” في وسط الفريق في الفارغة ما بتحوم ” يعنى أن ممدوحه رجلٌ لا يضيعُ وقته في الأمور التافهة …
لا يمكنُ ختم الحديث عن هذه الأغنية دون الإشارة إلى الأداء العبقري للعظيم ” سيّد خليفة ” بصوته الطروب ، وإلى اللحن الذي وضعه للقصيدة …و هو لحنٌ يختزل شيئاً من روح السودان العظيم …
[email protected]
سبر ودراسة جمالية للعمل العظيم واللحن الرائع للمبدعين.. سيد خليفة.. والشاعر عمر حسين… جعلنا ننسى قليلا ماسي السودان وما حل به من قبل بعض رجال.. لا يمكن أن ينطبق عليهم حرف واحد من هذا العمل حتى إذا انطبقت السماء والأرض..
والغريب إن احد هؤلاء.. يظن نفسه فارسا وبطلا قوميا ويصور لنفسه حب الشعب له داخل نفسه المريضة وهو ما يصوره له المطبلاتية والارزقية أمثال على الصادق.. وجبريل ابراهيم… نعم البرهان اذا سمع هذا العمل تؤكد له نفسه المريضه ان كل ما جا من كلمات قيلت بحقه.. وهو بعيد كل البعد بل على النقيض تماما فكل ما نحن فيه من مصائب من وراء انقلاب وخيانه للأمانة التي قسم بالمصحف ان يصونها ونقد العهد مرات ومرات.. فاين هو من الرجل الكريم الشجاع صائن العهود والامانات..