مقالات وآراء

المدنية او الحرب

يوسف السندي

قبل الاف السنين عند ظهور الانسان الاول في شرق افريقيا (ارض السودان والحبشة) كان يعتمد في غذائه على الصيد وما ينبت فوق الارض ، ثم تكاثر وانجب المزيد من البشر ، وهؤلاء انجبوا المزيد ، فضاق بهم المكان ولم يعد يكفيهم ما ياتيهم من الصيد ونبات الارض ، فهاجر بعضهم بعيدا عن موطن اسلافهم طلبا للصيد والغذاء.

كلما وصل البشر لمناطق جديدة اتلفوها وهرب منها الصيد او قضوا عليه ، وطفقوا يبحثون عن صيد جديد في مكان جديد ، حتى لم يعد من مهرب ولم يعد من صيد يكفي حاجة الاعداد المتكاثرة من البشرية ، هنا اكتشف البشر الزراعة ، وكان اول ظهور للزراعة حول حوض النيل.

تنتج الزراعة غذاء وفيرا من منطقة صغيرة يكفي الاغلبية ، لكن المشكلة ان بعض البشر من غير المزارعين كانوا يعتدون على المزارعين ويأخذون منهم إنتاجهم بالقوة ، من هنا نبعت الحاجة لقوة تحمي المزارعين وانتاجهم فتم تكوين قوة مسلحة تحمي المزارع مقابل نسبة من الانتاج ، وكان هذا اول مظهر من مظاهر الدولة في التاريخ ، ثم تطور هذا المظهر قليلا قليلا في مصر وبابل بوجود قائد لهؤلاء الجند وزعيم للمزارعين واصبحت هناك طبقة الجند وطبقة النبلاء وطبقة الملوك وطبقة العبيد وهكذا ظهرت الدولة الاولى في التاريخ.

عليه ، مفهوم الدولة يتمحور حول كونها عقد بين سكان الدولة يحمي حقوقهم وانتاجهم من هجمات المهاجمين ، ومتى ما فشلت فيه فهي دولة فاشلة. مع الزمن تضخمت ثروة الدولة وزادت سلطاتها فأصبحت في نفسها أعظم ثروة ، وتحول التنافس بين البشر من تنافس على الصيد والغذاء كما كان في العصور القديمة الى تنافس حول السلطة نفسها.

كان البشر يقتلون اعدادا بسيطة من أجل الحصول على الغذاء في العهود القديمة، لكن حروب الحكم والسلطة قتلت اعدادا ضخمة ومهولة عبر التاريخ مما جعل الإنسان الحديث يبحث عن حلول تمنع القتال حول السلطة والحكم ، فوصل بعد قرون عدة الى التبادل السلمي للسلطة عبر الانتخابات.

منذ ان استخدمت امريكا التبادل السلمي للسلطة في عام ١٧٨٩م توقفت داخلها الحروب حول السلطة ، ثم اعتمدت اوربا التبادل السلمي للسلطة بعد الحرب العالمية الثانية ومن وقتها توقف قتل المواطنين بعضهم البعض في حروب داخلية من أجل الحكم ، فما هو حال السودان؟.

منذ ان استقل السودان لم يتوقف القتال بين السودانيين حول السلطة ، انطلقت اول حرب ضد عسف السلطة في ١٩٥٥م في جنوب السودان وبدل ان تحل مشكلتها عبر إقرار التبادل السلمي للسلطة كما فعل العالم تم زيادة المشكلة عبر سيطرة العسكر الطغاة على الحكم ووأدهم للحكومات الديمقراطية التي يتم فيها تبادل السلطة سلميا.

توسعت الحرب في عهد البشير من حرب في الجنوب فقط ووصلت الى دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وشرق السودان ، ثم وصلت الحرب في عهد البرهان الى العاصمة الخرطوم نفسها .

الخلاصة:
التجارب الإنسانية التاريخية وتجارب الدول تخبرنا بأن ايقاف حرب الخرطوم الحالية وايقاف اندلاع اي حرب في المستقبل في السودان يمر عبر إقرار التبادل السلمي للسلطة وليس عبر إقامة الحكم العسكري الشمولي ، فهل يتعظ السودانيون من تاريخ البشرية وتجاربها ويعملون علي إقامة حكم مدني ديمقراطي يتم تبادل السلطة فيه سلميا ، ام يستمرون تحت الحكم العسكري فتستمر الحروب في بلادهم بلا توقف؟! .

‫3 تعليقات

  1. قد أسمعت إذ ناديت حي ولكن لحياة لمن تنادي
    ولو نفخت في نار لأضاة ولكنك تنفخ في رمادي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..