خطاب اليأس (عفوا الهوية) لا يبني وطنا

عثمان بابكر محجوب
ادى حكم حزب المؤتمر الوطني المتداعي في مرحلة احتضاره الى حرب تصفية حسابات بين الثلاثي: فلول البشير وجيش الفلول من جهة ودعم سريع الفلول من جهة اخرى اي انها حرب اهل البيت الواحد الذين حكموا البلاد حكما استبداديا تعسفيا لعشرات السنين ، اما باقي الشعب فهم ضحايا ومجرد شهود عيان على مستقبل مجهول. لذلك نعتبر ان الاولوية المطلقة هي وبشتى الوسائل السعي الى وقف حمام الدم ونزيف الموارد وتدمير البنى التحتية واذلال الناس بتشريدهم من بيوتهم وسرقة ممتلكاتهم وترويع اطفالهم وحرمان مرضاهم من العلاج والادوية ، لكن للاسف هناك خطاب اخر همه تناول دولة 1956 او مشروع دولة البحر والنهر او الغوص قي الماضي نحودولة سنار وسلطنة دارفور واقليم جبال النوبة ومنهم من لا يكتفي بذلك بل يغوص الى اصل القبائل والاثنيات والتفاخر ببعضها والتنكر لبعضها الاخرنقول لهؤلاء ان هذا الخطاب يخدم دعاة تقسيم البلاد وشرذمتها ليس الا ، هذا خطاب اليأس والاستسلام.
خطاب الهوية هو الذي جعلنا اسرى منظومة فكرية مغلقة تكاد تخنقنا ,لان الجواب فيها مرتب ومنسق بشكل يسبق اي سؤال. وليعلم الجميع ان الهوية هي ما نتميز به عن الاغيار لنعرف من نحن. هي تمييز وليست امتياز. لذلك من المؤكد ان مواجهة التحديات بالارتداد الى الهوية القبلية او الاثنية يصل باصحاب هذا الخطاب الى التقوقع والاختناق بسبب بناء حضورهم في هذا العالم بصفتهم ورثة, اي مجرد ناقلي تركة من جيل الى جيل وهذا لا يعني اننا ندعو الى التخلي عن الهوية , بل نريدها ان لا تكون سببا يسلب الناس ارادتهم بخلق مضمون سياسي للمشاعر الشخصية او الثقافة الجزئية .نحن نستهدف بشكل مباشر خطاب الهوية التحريضي الذي يستخدم بمهارة الانحياز الثقافي السائد لتغييب الوعي بتخدير الحس النقدي.خصوصا وان ان العقول البسيطة والقلوب الطاهرة لا تدرك نفسها بانها جماعة الا عبر رموز مادية.
ولا شك ان هذا الخطاب هو الذي يؤدي الى استمرار حكم الاستبداد الذي يستخدم سلاح الهوية كاداة طيعة تستخدم كوسيلة للتعبئة ضد الاخر. فهل ولدت الهوية لتكون مجرد جهاز شحن؟ ومن الملاحظ انه هناك اغفال تام من قبل اصحاب خطاب التشرذم والانفصال لدور الدين الاسلامي في نشكيل الجزء الاكبر من الهوية الثقافية لمختلف اطياف الشعب السوداني وبغض النظر عن الدور السلبي للاسلام السياسي في حياة الدولة فان قبول معظم الاثنيات والقبائل اعتناق هذا الدين في الماضي هو مؤشر طبيعي على امكانية قبول الجميع مرة اخرى لهوية وطنية واحدة يشاركون في صياغتها جميعا من اجل ولادة وطن واحد يتسع للجميع ناهيك عن انه في ظل عهود الظلم والاستبداد تشكلت روابط اقتصادية واجتماعية بين اقاليم البلاد بحيث شرايين من الاعتماد المتبادل فيما بينها واي خلل فيها يعود بالضرر على جميع المكونات وكمثل بسيط فان استقلال جنوب السودان يخلق مشكلة في مسألة تصدير النفط لاهل الجنوب في حال رفضت الحكومة السودانية السماح لدولة الجنوب في استخدام الاراضي والموانئ السودانية لتصديره.
وكي لا نغوص كالاخرين في الماضي وبناء التاريخ على روايات اغلبها من نسج الخيال علينا ان نعتمد التشخيص الموضوعي لاسباب هذه الحرب وهي بالمختصر صراع بين اطراف نظام العهد البائد للاستئثار والتحكم بثروات البلاد عبر التفرد بالحكم. وفي الحكم الاستبدادي السلطة هي ثروة ويتم توزيعها على الازلام والمحاسيب والقبيلة عبر النهب والرشوة والاختلاس والفساد. ولنترك امر الهوية للنقاش الهادئ بين مكونات الشعب السوداني ضحية حكم الاخونجية وكلابهم المسعورة .لان وحدة السودان امر مقدس ز السودان وطن يتسع للجميع والوطن ليس قطعة قماش قابلة للقص والرتق والتمزيق.