مقالات سياسية

الجهادية والجنجويد … التاريخ يعيد نفسه!

محمد التجاني عمر قش

لقد أدركنا شهود عيان كثر من الذين عاشوا في المهدية، وأخبرونا عن تلك التجربة الفظيعة التي مثلها سلوك الجهادية بعد انهيار حكم الخليفة عبد الله ود تورشين وانفلات حبل الأمن وانتشار السلاح في أيدي الدراويش الذين عاثوا فسادا وتقتيلا في الأرض، فتعرض الناس في مختلف بقاع السودان لأسوأ أنواع القمع والتنكيل والبطش تحت تهديد السلاح. لقد حكى لنا أجدادنا عن فترة مظلمة في تلك الأيام حتى أن النساء كانت تخشى أن تضع جرة العجين خارج البيت فيهجم عليها أحد الجهادية ويشربها! ونحن في دار الريح تعرضنا لهجمات راح ضحيتها نفر كريم مثلما حدث في قرية أولاد الفكي الناير بالقرب من دميرة، شمال بارا،  حيث قتل ما يزيد عن عشرين شخصاً من حملة كتاب الله وهم يستعدون لأداء الصلاة في مسجدهم، كما سبيت بعض الناس وبيعت في سوق النخاسة ونهبت الأموال وأحرقت الدور وخلاوي القرآن.

خرج الجهادية من البقعة متجهين صوب ديارهم في غرب السودان وتشاد بعد أن غنموا كل ما وصلت إليه أيديهم من ذهب وفضة ونقود وسلاح، وأخذوا معهم الضعفاء من النساء والأطفال والأرقاء، وفي طريق مسيرهم قتلوا من أهالي شمال كردفان أعداداً لا يعلمها إلا الله وكل ذلك من أجل النهب والسلب حتى صار المثل يقول في حالة حدوث تعدي: “الشيء جهادية عديل”. والأنصار يقولون: “الجهادية الخرّبو المهدية” ويقصدون أن الجهادية قد أفسدوا وشوهوا صورة المهدية عند البعض؛ ذلك لأنهم لم يلتزموا بتعاليم المهدي ولم يستوعبوا القيم الإنسانية ومنظومة الأخلاق، بل ظلوا على طبيعتهم الهمجية الفظة التي عهدوها في ديارهم. ولهذا السبب ارتبطت كل الممارسات البشعة في تاريخ السودان بتلك الفئة من الناس الأفظاظ، وشاركهم في ذلك لفيف من الأعراب الذين مردوا على البطش والعنف والتعدي على الحرمات والممتلكات بلا وازع أخلاقي أو ديني أو خوف من الله ولا احترام للقانون والنظام. لقد استخدم الخليفة عبدالله الجهادية ضمن جيشه لقمع حركات التمرد التي حدثت في أيامه الاخيرة في الحكم، وبغض النظر عن دوافع الخليفة من تجنيدهم فإن الانتهاكات التي ارتكبوها تظل نقطة سوداء في التاريخ السوداني.

من جانبها استخدمت حكومة الإنقاذ المليشيا المسماة بالجنجويد أو الدعم السريع فيما بعد؛ لدعم الجيش وجهاز الأمن والاستخبارات. والجنجويد هم في الأساس مجموعات مسلحة كانت تشن الغارات على المتمردين والقرى التي يسكنها من يعتقدون أنهم مناوئون لهم. وقد ساعدت عدة عوامل على إنشاء هذه الميليشيات وتعزيزها، منها بعد دارفور عن المركز وانشغال الجيش السوداني بعدة مناوشات مع الحركات المتمردة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، ويضاف إلى ذلك الحروبات الكثيرة في دول الجوار الغربي مثل تشاد والنيجر ومالي وإفريقيا الوسطى، وتدفق اللاجئين إلى السودان، وعدم استتباب الأمن في غرب البلاد، وسهولة الحصول على السلاح وطموحات بعض الأفراد والمجموعات في تكوين كيان خاص بهم. وأغلب عناصر الجنجويد هم تحديداً من المحاميد والزريقات والعطاوى عموماً من داخل وخارج السودان.

ظل هؤلاء العسكر يقومون بمهاهم في مساعدة الجيش ودحر التمرد في دارفور، باعتبارهم تابعين للقوات المسلحة أو جهاز الأمن قبل ذلك، ولكن تبدلت الظروف واستطاع قائد المليشيا محمد حمدان دقلو أن يستقل سقوط الإنقاذ ورهن إرادته لبعض دول الإقليم ونشطاء قحت وتحول إلى عميل ينفذ أجندة خارجية ضد الوطن مستقلاً الأموال التي حصل عليها من تهريب الذهب والارتزاق لبناء قوة عسكرية ضاربة من الأعراب المتفلتين الذين جلبهم من أصقاع أفريقيا ووفر لهم السلاح والعربات وأجهزة الاتصال والتدريب على أيدي مرتزقة فاغنر الروسية! واختلط طموح الأسرة مع مطامع العدو الخارجي والرغبة في النهب والسلب لدى أفراد المليشيا، فحلت الكارثة عندما أشعل هؤلاء فتيل الحرب في الخرطوم.

ومثلما حدث في أواخر أيام المهدية تكررت التجربة بعد أن فقدت المليشيا الغاشمة السيطرة على كثير من عناصرها جراء الضربات القوية التي وجهها الجيش السوداني لمراكز الجنجويد وقتل معظم قادتهم وأفقدهم السيطرة على التحكم فطفقوا ينهبون منازل الناس والبنوك والمؤسسات العامة واستولوا على سيارات المواطنين وولوا هاربين نحو الغرب كما فعل أسلافهم من الجهادية. ولهذا أصبحت شمال كردفان تتعرض لذات المآسي التي شهدتا أيام الخليفة ود تورشين فها هم الدعامة يقطعون الطرق ويقتلون الأنفس التي حرم الله إلا بالحق مثل اعتدائهم على الكبابيش في رهيد النوبة واختطاف بعض الشباب من دار حامد وقتل الأبرياء في أم حميرة بالقرب من الرهد وقتل الشاب حمد النيل حمد من أعيان دار حامد بدم بارد من أجل الكسب الحرام، علاوة على أحداث أخرى كثيرة وهجماتهم المتكررة على أب قبة فحل الديوم ومدن وقرى الولاية.

ما أشبه الليلة بالبارحة والتاريخ يعيد نفسه في هذا الوطن المنكوب، وكأن السودان لم يتجاوز مرحلة الحياة الرعوية أو القبلية التي أقعدت البلاد وحالت دون تطور المجتمع وإنشاء دولة قومية حديثة تسع الجميع وتحكم وفقاً للمؤسسية والقانون؛ إذ لا يزال السودانيون يقتل بعضهم بعضاً ويتآمر بعضهم على الدولة لحد إعلان الحرب! هذا السلوك الهمجي يستوجب الإدانة والاستنكار والوقوف ضده بكل قوة وحزم حتى لا تدخل البلاد في أتون حرب طاحنة تغزيها طموحات النشطاء والمغامرين الجهلاء فتقضي على الأخضر واليابس وتقود البلاد نحو هاوية ساحقة لا قرار لها!

[email protected]

 

‫7 تعليقات

  1. هذه المره بابشع صوره …
    تتار دارفور الجهادية الجدد
    من السيف والحربه والدرقه
    الي الكلاشنكوف والقرنوف..
    فعلا البي من الغرب ما بسر القلب .

  2. سلمت يداك اخي التجاني انا شخصياً جلست مع اشخاص ادركوا عهد التعايشي وهم عقلاء في ذلك الزمن وحكوا لنا كيف ان جيش الانصار كان يقذف بالطفل الرضيع في الهواء ثم يستقبله بالرمح لكي يبقر بطنه كما يفعلون اليوم وكيف ان النساء فضلن الغرق في النيل بدلاً من اغتصابهن وذكر لنا بالاسم اسماء الكثير من هؤلاء النساء من اسر نحن نعرفها واخذوا معهم الكثير من السبايا بعد مجزرة المتمه الشهيرة تحت قيادة محمود ود احمد عليه لعنة الله وهذا كلام من شهود عيان ولم نقرأه من كتب المؤرخين امثال سلاطين باشا ونعوم شقير وغيرهم

  3. ومن عجب ان اهل المكون العسكري والمكون المدني في الفترة الانتقالية كانوا يعرفون طبيعة هؤلاء الناس ومع ذلك سمحوا لهم بالتمدد سياسيا واقتصاديا وعسكريا وانشغلوا بالوثيقة الدستورية مره وبالاتفاق الإطاري مره اخرى.. يعني كانو طراطير في الذفة.

  4. ما هي مصادرك التاريخية يا قش

    اوع تقول لي سمعت عمي فلان و جدي علان
    نحنا برضه سمعنا البرهان بيقول ان الجنجويد من رحم الجيش السوداني

  5. يا مخرج سينمائي
    نفرض قال من رحم القوات المسلحة ماذا يغير ذلك من الواقع.
    نعم كانوا جزءا منها ولكنهم غدروا وخانوا الامانة نقطة اخر السطر!
    في كل جيوش العالم ممكن تكون هناك مجموعة تابعة له وتنقلب عليه بكل بساطة، فأيه ماسكين لي ببلادة تحسدون عليها ان البرهان قال الجنجويد من رحم القوات المسلحة.. كانوا فعلا جزءا من الرحم فأكرموهم ورفعوهم السماء وحين قلوا ادبهم بلوهم والبل شغال لحدي ما يكملوا لأنهم خانوا العهد والأمانة أمانة الرحم الذي خرجوا منه وأهلهم ودربهم وعملهم ناس!

    1. يا مروان تعرف الطامة الكبري لامن قال من رحم القوات المسلحة وهو عارف أن القوات المسلحة ليس لديها قوة مشاة غير الدعم السريع . يعني بالواضح ما عندنا جيش يقاتل علي الارض , ومنظومة الجيوش تتكون من عدة تنظيمات جو بحر اسلحة ثقيلة ومشاه وغيره , وكما تري يا الحبوب خمسة وداخلين في الشهر السادس وأحسب تاني كمان , غايتو في بلادة غريبة

  6. يا مروان اساسا حكاية غدرو و خانوا الامانة هذه اكاذيب مجرد اكاذيب و الجهلاء يصدقونها
    شوف ليك حجة ثانية او هات دليل على اكاذيبكم السمجة
    عبارة ( من رحم القوات ) نحن نرددها لكي يخرجون من جحوركم و يتم دحض اكاذيبكم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..