مقالات وآراء2

أكتوبر الثورة وأكتوبر الانقلاب .. تأملات ودورس

عبد الرحمن الكلس

في مثل هذا اليوم الموافق 21 أكتوبر، 1964، كانت ثورة اكتوبر، أجمل قلادة على جيد السودانيين. فهي أول ثورة شعبية مدنية سلمية أطاحت بنظام حكم عسكري مستبد، وأعادت النظام الديمقراطي إلى الحكم بعد أن سلبه الفريق إبراهيم عبود ورفاقة من العسكر، بعد نحو عامين فقط من استقلال البلاد من الاستعمار الإنجليزي.

وهنا إذ احتفي بالذكرى ألــ(59) لأكتوبر، أشعر أنني إزاء قصيدة أدبية مذهلة تدين الدكتاتورية وحكم الفرد الذي عشش في بلادنا حتى أنّ كثيرين صاروا يظنون أن الشعب لا يُمكن أن يعيش بدونه حتى ولو حكمهم لثلاثين عاماً لم ينجز خلالها سوى الموت والدمار وتقسيم البلاد وإفشاء العنصرية والقبلية ونشر الصراعات الأهلية والحروب.

في الواقع، فإن مقاومة الاستبداد تتبدى في أشكال كثيرة إما بالنضال العنيف المسلح (الحركات المسلحة) وهذا النوع من الحركات يتحول في الغالب إلى مستبدٍ جديد اذا ما وصل إلى السلطة، أو إلى حليف للمستبد إذا ما أبرم اتفاق سياسي معه، كما فعلت غالبية الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا مع انقلاب البرهان في 25 أكتوبر، 2021.
والطريقة الأكثر رسوخاً وديمومة ونجاعة ونجاحاً في مقارعة ومقاومة الاستبداد والقهر والظلم هي الثورات الشعبية، والتي لولاها لما أسقط السودانيون (نظاماً دكتاتورياً واحداً)، فها هي حركات دارفور التي تعرضت لهزائم سارت بها الركبان من قبل قوات الدعم السريع التي كانت تقاتل – وقتها – بجانب الجيش. ولولا ثورة ديسمبر المجيدة 2018- 2019، التي مكنتها من العودة إلى الفضاء المدني عبر نافذة جوبا، لما كان لها ذكر في العالمين الآن لكنها – أي الحركات المسلحة – وأعني هنا تحديدًا (حركتي جبريل ومناوي)، وهما من قلبتا ظهر المجن للثورة الشعبية المجيدة على طريقة (خيراً تعمل شراً تلقى) ولا حول ولا قوة إلا بالله.

نعود لأكتوبر الأخضر، التي فتحت الطريق للمقاومة الشعبية المتحضرة والسلمية والنظيفة، وعبر الأدب الرفيع أيضاً، فقد تركت لنا ثورة أكتوبر أدب مقاومة يحق لنا أن نفاخر به الأمم، أدب ظللنا نقاوم من خلاله القهر، والظلم، واللا إنسانية، واستبداد السلطة، واستغلال النفوذ. فالشعر والغناء والإنشاد والقصص وكل ضروب الإبداع وصنوفه، نافحت بقوة عن حقوق المواطن، بوصفها كاشفًا وفاضحًا، للديكتاتورية.
وكان السودانيون يبكون وهم يستمعون إلى كلمات محمد المكي إبراهيم بصوت محمد وردي: (باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرضُ تغني/ والحقول اشتعلت قمحاً ووعداً وتمني / والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي/ باسمك الشعب انتصر حائط السجن انكسر).
فيما كسر البرهان ومن خلفه الكيزان – عليهم اللعنة – السجون لإخراج المجرمين والمطلوبين للمحاكم الدولية والمحلية، واللصوص والفاسدين.
هؤلاء ظلوا يعملون بعضهم (فوق بعض) ضد قيم الثورة وضد تطلعات الشعب السوداني ويخططون لذلك منذ اطاحة الشعب بنظامهم الفاسد المستبد، إلى أن نفذوا انقلابهم المشؤوم في 25 أكتوبر 2021، ثم اشعلوا حربهم في 15 أبريل، 2023.
في أكتوبر التقى وردي بمحمد المكي مجدداً وكانت: “من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر؟) ثم بصلاح أحمد إبراهيم: (يا ثوار أكتوبر ويا صناع المجد)، قبل أن يقدّم أحد أعماله الرائعة مع الطاهر إبراهيم (شعبك أقوى وأكبر مما كان العدو يتصور يا بلادي)
وكتب فضل الله محمد لمحمد الأمين: (ولما الليل الداجي الطوّل، فجر النور من عينا اتحول)، فيما ترنم الكابلي بكلمات عبيد حاج الأمين (هبت الخرطوم في جنح الدُجى).

هذا هو الأدب الرفيع الذي تفرزه الثورات الشعبية، فماذا أفرزت الانقلابات العسكرية غير الموت والحرب والدمار والتشرد واللجوء والمرض والنزوح ومرارات النفوس والشروخ الاجتماعية والإزمات الاقتصادية والمجاعات وتقسيم البلاد وإعلاء الانتماءات الجهوية والقبلية الوطنية، وإشعال الحروب الأهلية المدمرة؟
هذا بالضبط ما يحدث الآن، بسبب انقلاب البرهان وكيزانه وبدعم من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق (جوبا) على ثورتنا المجيدة، عبر كتلة الموز وناظرها المتروك (ترك) وأردولها المرذول مبارك (غير المبارك) وهجوها (التوم) الذي لو اسقطنا عليه كافة هجائيات المتنبئ لكافور لما ارتاحت ضمائرنا، فهو صاحب الشعار الانقلابي القذر (الليلة ما بنرجع إلاّ البيان يطلع)، يا لهم رجال بلا ضمائر ولا مبادئ، نستحضر روائحهم المتعفنة ونحن نحتفل بذكرى أكتوبر العطرة.
المجد للشهداء
لا للديكتاتورية 
لا للحرب.

‫4 تعليقات

  1. الشعب ما قصر في إسقاط الديكتاتوريات لكن للأسف لا توجد لدينا أحزاب ديموقراطية واعية لحساسية المرحلة وخطورة الدولة العميقة فتحسب الف حساب لكل خطوة تخطوها فتعود الساقية للدوران وكأننا لا رحنا ولا جينا.

  2. فورة اكتوبر هي مثلها مثل فورة ديسمبر البليدة لم تجلب للبلاد سوى الخراب و الدمار
    السودانيين بعد عبود قالوا ياحليلك عبود
    ياخي طظ في الثورات هذه التي لا تجلب سوى الخراب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..