مقالات سياسية

السودان ومصر: علاقة شائكة..! (3)

الاعتماد على تحليلات التاريخ الصحيح بين البلدين يمكن أن يؤسس لعلاقة ناجحة..!

د. محمد عطا مدني

وإذا انتقلنا من العصر القديم إلى العصر الحديث، نجد حاكم مصر الألبانى التركى محمد على باشا يرسل جيشا جرارا لغزو السودان عام 1820م، للحصول على الذهب وتكوين جيش من السودانيين، فقد كان السودانى بقامته العسكرية الطويلة وشجاعته المعهودة من أحسن الجنود. ويعتز الأخوة المصريون بالباشا محمد على ويصفونه (بمؤسس مصر الحديثة) وهذا من حقهم، إلا أنه بالنسبة للشعب السودانى يعتبر غازيا ومحتلا ، جاء لغزو بلادنا والاستيلاء على خيراتها. (كمثال على اختلاف وجهات النظر..!) ولذلك كان مصير حملته الأولى الفشل، وتم القضاء على تلك الحملة بالكامل والتى كان يقودها ابنه اسماعيل باشا وتم القضاء عليه هو وضباطه الترك وجيشه المصرى فى شندى فى حركة مقاومة شعبية باسلة. (1) وعلى أثر هذه الهزيمة الساحقة، أرسل محمد على باشا صهره محمد بك الدفتردار على رأس جيش ضخم إلى السودان انتقاما لمقتل ولده، ولم يجد الدفتردار المك نمر وحاشيته، فأعمل الإنتقام والقتل فى المواطنين العزل، حيث قتلت الحملة حوالى ألفى سودانى معظمهم من النساء والأطفال، حتى ضجت صحف بريطانيا واحتجت على مذابح هذه القوات فى السودان، فأمر محمد على باشا بسحب الحملة. ولم تنقطع الثورات ضد الحكم التركى، إلى أن فشل وتهاوى ولم يحقق الأهداف التى جاء للسودان من أجل تحقيقها.

ثم جاء الإنجليز بجيوش جرارة لاحتلال السودان، يقودها الكولونيل هكس باشا ومعه لفيف من الضباط الإنجليز، وعشرة آلاف من الضباط والجنود المصريين ، وقد تمت إبادتهم بالكامل فى معركة شيكان بواسطة قوات الثورة المهدية، وقد قتل قائد الحملة الكولونيل هكس باشا فى المعركة، ووصلت أصداء ذلك إلى بريطانيا التى انزعج قادتها وخاصة (جلادستون) رئيس الوزراء البريطانى آنذاك كثيرا لهذه الهزيمة النكراء. ورأت بريطانيا العظمى (وقتئذ) أن ترسل الجنرال غوردون الذى أدب الصينيين إلى السودان كحاكم عام لتأديب السودانيين، وحاصرت قوات الثورة المهدية قصره بالخرطوم، وأنذرته بمغادرة السودان، ولما رفض ذلك الإنذار، هاجمت القوات السودانية القصر وقتلت الجنرال غوردون وأعداد كبيرة من جيشه من الضباط والجنود المصريين.
وانتقاما من هزيمة بريطانيا العظمى فى السودان للمرة الثانية على يد مقاومين سودانيين يتمتعون بالروح العالية فى الدفاع عن الوطن والإستشهاد فى سبيله. أرسلت بريطانيا جيشا جرارا بقيادة اللورد كتشنر ومعه قيادة متكاملة من الجنرالات الإنجليز، وعشرات الآلاف من الضباط والجنود المصريين، وسلحتهم بالمدافع الرشاشة لأول مرة، والتى ابتكرت خصيصا من أجل حروب السودان. وواجهتهم قوات المهدية رغم عدم توازن القوى بزعامة عبد الله التعايشى خليفة الإمام المهدى فى معركتى كررى وأم دبيكرات، حيث هزم الإنجليز قوات المهدية، وقتلوا منها حوالى 200 ألف قاتلوا بشراسة من أجل حرية وطنهم، وتم على أثر ذلك الاحتلال الإنجليزى المباشر للسودان عام 1899م، والذى استمر حتى عام 1956م.

إن الغرض من نبش هذا التاريخ – الذى يعرفه أهلنا تماما- المقصود منه أن يعرفه الأخوة فى الإعلام المصرى لأنه حُذف من مناهجهم الدراسية والجامعية، والجهل بهذا التاريخ هو الذى يجعل بعضهم (يدعون) ملكية السودان، وقد استطاع بعض الإعلاميين بمصر (بمهنية وحرفية وجدارة منقطعة النظير) الذين رددوا هذه الأكذوبة، أن يجففوا حب مصر فى قلوب كثير من السودانيين الذين تغنوا ب(مصر يا أخت بلادى ياشقيقة)، التى ترنم بها الفنان الكبير عبد الكريم الكابلى، فى حضور الرئيس جمال عبد الناصر عند زيارته للسودان عام 1967(ناصر فى أرضى هنا ليس بالضيف ولا المغترب) وأيضا نشيد (مصر المؤمنة بأهل الله)، من شعر وألحان الشيخ عبد الرحيم البرعى.
ورغم هذا التاريخ الدامى، يتطلع الشعب السودانى إلى إعادة إرساء العلاقة بين السودان ومصرعلى أسس سليمة من المصالح المتبادلة والعلاقات المتوازنة. لأننا – كشعب- نربأ بموقع مصر
أن يتهاوى فى نفوس الشعب السودانى بشكل متسارع، كلما ادعى أحد الإعلاميين – بغير علم أو معرفة
بالتاريخ الصحيح – أن السودان من أملاك مصر..!
ولعلاج الوضع (المأزوم) بين السودان ومصر كما وصفته الدكتورة الفاضلة أمانى الطويل ، ولأنها (شخصت المشكلة) ولم تضع لها حلول، وكان الأجدى بالدكتورة الفاضلة، أن تضع فصلا فى كتابها لاستطلاع آراء السودانيين حول الوضع (المأزوم) – كما وصفته – فى العلاقات السودانية المصرية، ولكنها لم تفعل – كعادة الأخوة الإعلاميين فى مصر- فى تفضيل الحوار من طرف واحد دون محاولة سماع الطرف الآخر.
ولهذا أضع هنا بعض الحلول التى يراها الشعب فى السودان حلولا منطقية تضع العلاقات بين البلدين فى إطارها الطبيعى المتوازن، وفق المحددات التالية :
1/ الوقوف مع الشعب السودانى، فالشعوب باقية والأنظمة زائلة. وعليه، يجب على شقيقتنا مصر دعم الأنظمة الديموقراطية فى السودان، والتى تتوافق مع رغبات الشعب السودانى وتطلعاته فى الحرية والديموقراطية والعيش الكريم. وعدم دعم الأنظمة العسكرية التى ساهمت عبر ستين عاما فى تخلف السودان عن اللحاق بسلم التطور والنمو.
2/ تثبيت قوانين العبور والسفر والتملك، وإلغاء الإقامات بين الدولتين، وتوثيق تلك القوانين ببرلمانى الشعبين، حتى لا تكون عرضة للتغيير حسب أمزجة الحكام المتغيرة، مما يسبب القلق والتوتر فى حركة الشعبين المستمرة.

3/ تغيير الاستراتيجية المصرية فى جعل السودان قطرا ضعيفا – أوهكذا نظن كسودانيين- وغارقا فى مشكلاته، لضمان انسياب مياه النيل لمصر (وهى الهاجس المصرى)، فمياه النيل هبة ربانية لدول حوض النيل، لا يجرؤ كائن من كان على منعها عن مصر، ولأن 64 % من مساحة حوض النيل تقع فى السودان وحده. وتشغل مصر 10% فقط من مساحة حوض النيل، فيجب دعم السودان وشعبه وأنظمة حكمه الديموقراطية، ليكون قويا يستطيع المحافظة على مياهه وعلى مياه مصر.
4/ مراجعة وتعديل كل الاتفاقات التى حدثت فى العهود الشمولية فى السودان للموافقة عليها من مجلسى الشعب فى الدولتين، لتكون بتوافق الشعبين، وذلك لضمان استمرارها مع تغير الأنظمة الحاكمة، فقد فشلت كل أنظمة التكامل التى عقدت بين الحكام بمعزل عن الشعبين.

5/ تعيين سفراء مدنيون فى الدولتين، متخصصون فى العلاقات الدولية وفى التنمية الإقتصادية والسياسية والاجتماعية.
6/ أن تقف مصر على الحياد فيما يخص المشكلات الداخلية فى السودان. ولا تحرض طرفا على
آخر- كما حدث أخيرا وأدى إلى الحرب- فالسودان قادر على حل مشكلاته وحده.
7/ أن يتم التبادل التجارى فى كافة السلع بالإجراءات الرسمية والعملات الحرة عن طريق البنوك وتحت سيطرة الدولة وليس خارجها.
8/ التخطيط لإنشاء مشروعات مشتركة اقتصادية وسياحية يراعى فيها مصلحة الشعبين.
9/ تدريس تاريخ السودان فى مصر وكفاح الشعب السودانى ضد الترك والانجليز فى سبيل حريته واستقلاله، مثلما يدرس تاريخ مصر وكفاح شعبها ضد الإنجليز فى المدارس السودانية.
10/ تبادل زيارات وفود الشعبين بصفة دورية لبعضهما البعض للتشاور فى الأمور المتعلقة بالشعبين، وتكوين لجان شعبية مشتركة (من مجلسى الشعب ومنظمات المجتمع المدنى فى الدولتين) لمناقشة العلاقات بين الدولتين فى كافة المجالات، ورفع التوصيات المهمة للقيادات العليا، فلا يجب أن تكون مصائر الشعوب فى أيدى قلة من المسؤولين، وتبقى الشعوب معزولة عن الاهتمام بأمورها الحيوية.
ونحن نتوق – كسودانيين- عند تطبيق هذه المحددات ، إلى علاقة جيدة ومتوازنة مع مصر، على أساس المصالح المشتركة بين الشعبين، وتجديد النيات الحسنة والثقة المشتركة والمتبادلة بين الشعبين، لإنهاء الوضع (المأزوم)، فلا يمكن أن تتوافر قاعدة أساسية قوية لصداقة وأخوة حقيقية ومستمرة مدى الدهر، ومتوارثة مع الأجيال، وأحدهما يتعالى على الآخر، أو يدعى سيادة زائفة على وطن الآخر، الذى ضحى من أجله بدماء أبنائه لعشرات السنين.
—————————
(1) ذكرت أخبار إفناء هذه الحملة فى المناهج المصرية المدرسية بالعبارة التالية: (ومات إسماعيل باشا فى السودان وهو يحاول توسيع مملكة أبيه..!) ولم يُذكر أنها حملة مقاومة من السودانيين ضد الغزاة.
د. محمد عطا مدنى
27 أكتوبر 2023
[email protected]
0097338067919

تعليق واحد

  1. من الاخر ونحن انكشفنا وتعرينا ومن نعم الله علىنا وهي كثيرة الشعب كشف وفضح النخب السودانية اي مجتمع تقوده وتحميه تحصنه نخبه اذا لديها ولاء وانتماء لاهلها لوطنها نحن العكس دول الجوار استغفلت النخب وجندت الصعاليك عبر المال الاستيراد التصدير التحكم في مقدرات الدولة بواسطة جهله النخب تتفرج وهذا عيب انا شخصيا ما بحب النواح والعويل هذا سلوك العاجز يزرع الاحباط تاريخيا نعرف سبب ظلمنا اما اليوم لا مبرر ابكي وانوح كل منك وانت السبب اضعوا البلد تحت مؤسسات قوية تاني اي سواق ولا صعلوك يجبر يسير في سياسة الدولة اليوم كل الحبوب الحيوان الدهب كل ثرواتنا تذهب لدول الجوار هل تقدر تسميها تجارة او تبادل تجاري ولا منهوبات بواسطة اشخاص داخل وخارج السلطة عملوا علاقات مع دولة بالاساس يحكموها اشخاص تجار يمكن الجميع مل وقرف من تكراري لهذه الجملة انا من الساقية والشادوف تحت قطعة ارض كيلو في ثلاثة كيلو اتي الاحتلال البريطاني عمل مشروع 1917 لليوم مسؤول قدر يشق ترعه ما في نحن نعرف الخلل الكيزان باعوا الوطن بالمال خونه انا ما بهمني زول سرق ليه مليار دولار ولا ترليون دولار بقدر ما شخص يبيع اصول الوطن هنا العمالة والدمار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..