مقالات وآراء

حوارات حول العقد الاجتماعي الجديد ( ١ )

حوارات حول العقد الاجتماعي الجديد ( ١ )

انت تعيش كمواطن في السودان مع مواطنين اخرين، وتجمعكم جغرافيا اسمها السودان، اسلافكم اتفقوا مع المستعمر على خروجه وأسسوا دولة جمعتكم جميعا معا، هذه الدولة وظيفتها ان ترعى مصالح الجميع وتخدم الجميع ولا تفرق بينهم على اي اساس ديني او اثني او ثقافي او جهوي او سياسي، وهذا هو العقد الاجتماعي الذي أسس عليه السودان وجميع الدول الحديثة.
هذا العقد اخلت به كل الانظمة الشمولية، أبتداءا من قيامها بالانقلاب على حكومة الشعب، وهذا الاخلال قاد مع الايام الى تخلي الناس عن العقد الذي يجمعهم بالسلطة، ونقضوا مواثيقهم معها، اذ ما فائدة استمرارهم في ظل حكم يميز عليهم اخرين، ما فائدة وجودهم في نظام سياسي يحاربهم ويمنعهم من السلطة والثروة ويقتلهم ويعذبهم ويفصلهم من الوظائف.
الرفض لهذا النظام المختل بدأ محدودا في جنوب السودان، ثم تمدد واتسع حتى شمل معظم أنحاء السودان، وفي كل مرة كان الشعب يثور على هذا النظام المختل ويسقطه، ويحاول ان يؤسس لعقد اجتماعي جديد، لكن سرعان ما يعود العسكر للانقلاب على هذه المحاولة ويعيدون السودان مرة اخرى لعهد التمييز والقهر والأجبار.
منذ ظهور الدولة الاولى كانت وظيفتها ان تمنع الفوضى المبنية على استخدام الأفراد لطرق غير شرعية في قهر الأفراد الاخرين، لكن في احيان كثيرة كانت الدولة نفسها تقوم بهذا الدور فتقهر افرادا من أجل مصلحة افرادا اخرين، وهذا القهر ينقض فكرة الدولة الاولى، التي قامت على جمع الأفراد داخل نظامها بالتراضي لا بالإكراه.
يقول البعض أن الجيش في النظام السياسي الحديث هو الجهة المحتكرة للعنف، وهذا قول عام، فالدولة لا يجب ان تكون عنيفة ضد افرادها، يجب ان تكون رحيمة بهم، كما شببها فلاسفة العقد الاجتماعي قديما بأن الحكومة بمثابة الاب والشعب ابناءها.
خلال الانظمة الاستبدادية كانت الحكومة السودانية عنيفة بطريقة مفرطة تجاه أفراد الشعب، والشعب بالطبع لم يأتي بحكومة لتعنفه، ما فائدة الحكومة التي تعنفني كفرد او شعب؟! الطبيعي ان يقود هذا العنف الى نقض العهد معها من قبل الأفراد والجماعات.
هل يكفي ان يمثلني شخص ما عبر البندقية، لكي اعترف بهذه السلطة او تلك؟ هل اتنازل طوعا عن حريتي لسلطة لم أشارك في تنصيبها ولا املك اي قدرة على تغييرها؟ هل انا كفرد عامل مهم في اطار الدولة ام مجرد رقم واحد بلا قيمة؟.
هل علاقتي مع الاخر داخل الدولة يجب ان تنشأ عن غلبة او أغلبية او قوة، ام تنشأ عن تنازل متبادل وتوافق وتراضي؟ هل ما تقرره الاغلبية يجب ان يكون قانونا غصبا عني؟ ام ان القانون يجب ان يكون قانونا لانه يحميني من سطوة الاغلبية ويجعل الجميع فائزين؟!.
يوسف السندي
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..