الثورة مستمرة ولن نساوم في مطلوبات التغيير…

احمد بطران عبد القادر
عندما اندلعت ثورات الربيع العربي في شمال أفريقيا والتي شهدت صحوة سياسية شاملة وخرجت الجماهير تطالب بحقوقها في الحرية والعدالة والحياة الكريمة كان نظام الإنقاذ فاقدا لرشده والقدرة علي الاستمرار لذلك خرج رئيس المخلوع قائلا ان السودان ليس فيه ربيع وإنما صيف حار حارق مهددا ثوار انتفاضة سبتمبر المجيدة التي قررت طلائعها ان بقاء هذا النظام الإجرامي لم يعد مقبولا ولا ليوم واحد وان لا خيار امامنا الا مواجهته حتى الإسقاط وتحرير شعبنا من براثنه و لؤم قادته التي تعتقد أنها مخلدة في الملك حتي ظهور عيسى وحقيقة ظهور عيسي عند شيخهم مجرد خرافة وكذبة كبيرة يتسلى بها كسالي فقهاء المسلمين
وكانت حركة المقاومة تنظم صفوفها تتزايد اعدادها حتي وقّعت مجموعة من التنظيمات الشبابية في 28 أغسطس 2012 م تواثق ثوري لإسقاط النظام وعدم مهادنته ومقاومته بكافة الوسائل والسبل حتى تشيّعه لمثواه الاخير غير مأسوف عليه فقد تولدت لهذه القوي الشبابية الثورية قناعة ان استمرار هذا النظام يوما واحدا اسوأ بكثير من كل شيء نخسره في حال مواجهته اليوم فانخرطت هذه القوي الشبابية في عمل دؤوب منظم عبر واجهاتها المختلفة وتنظيماتها المتنوعة وفتحت لها الأحزاب السياسية دُورها ودعمتها بالرؤي والأفكار وكان من نتائج هذا العمل النضالي السري العملاق أعتى مواجات الثورة السودانية في سبتمر 2013 م حيث خرج الثوار في كل مدن السودان وحلاله وفرقانه وواجهوا الموت بصدور مكشوفة وبسالة نادرة وافتتحت مدينة مدني الخير مزاد الشهداء الذين ارتقت ارواحهم الي فراديسها العلية تشهد علي قبح وجرائم حقبة الإنقاذ التي تعددت جرائمها وتنوعت حيث شملت اهدار المال العام ونهب الثروات وتدمير القطاعات المنتجة وتخصيصها لمنسوبيهم وإدارة الحروب العبثية وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وابادات جماعية راحت ضحيتها أرواح مئات الآلاف من أبناء شعبنا في الخرطوم والولايات الملتهبة
ولكن في سبتمبر كانت ابشع واعنف جرائمها فقد سقط في هذا الشهر 550 شهيد ما بين يومي 23 والي 29 اي تم قتل هذا العدد الضخم خلال ستة أيام فقط وهذا ليس امر بمستغرب علي من قتلوا شهداء خلال ساعتين في29 رمضان 1990م 28 ضابط من انزه وأشرف وانبل ضباط القوات المسلحة السودانية
واليوم وقعت هذه الحرب في بلادنا وسط القوي المعادية للثورة والرافضة للتغيير والراغبة في ان يظل السودان ضَيعة يغرقون في نعيمها ويتمتعون بخيراتها و يعيشون حياة مخملية من الدعة والترف ثم تتوارثها أجيالهم القادمة اما الشعب فله حياة الحرمان والعوز والفقر والمكابدة في طلب قوت يومه وهؤلاء هم بقايا النظام البائد الذين يمثلون تحالف السلطة والمال وهي مجموعة من الرأسمالية الطفيلية المتحالفة مع العسكر ظلت تسخر مقدرات الدولة بما يخدم مصالحها الطبقية المرتبطة بالامبريالية العالمية التي تخصصت في الهيمنة علي موارد الشعوب
بعد انفصال الجنوب دخل نظام الإنقاذ الإجرامي في عزلة دولية منكرة وحصار اقتصادي ضاغط لإكمال عملية تطويعه بعد انصياعه للأمريكان ورضوخه في فصل الجنوب وتقديم خدمات أمنية للمخابرات المركزية الأمريكية فطرح الأمريكان عليه وعلي القوي السياسية المعارضة مشروع الهبوط الناعم والذي قبله بعضها وتحفظ الاخر ووضعوا اشتراطات مستحقة للانخراط في عملية التسوية السياسية معه منها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع الرقابة على الصحافة والسماح بعودة النشاط الحزبي الجماهيري ولكنه لم يستجب كعادته الا للقوي السياسية التي انشقت من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة وشاركته الحوار وكيكة السلطة
تَفجُّرالأوضاع في 2013م لم يتوقف بعد خفوت موجته الثورية وإنما تحول لغضب محتقن في النفوس الثائرة وتتالت موجاته وكأن كل يوم تتصاعد وتيرته وقد ساهم بشكل قاطع في إنجاز العصان المدني2016م واحياء ذكراه2017م ثم خروج الشارع السياسي والثوري في مطلع يناير2018م كان أشهرها موكب يو16يناير الذي دعىٰ له الحزب الشيوعي وتسبب هذا الخروج في فزع النظام البائد و تزلزلت الأرض من تحت أقدامه فشرع في تنفيذ موجة من الاعتقالات طالت كل النشطاء السياسيين في النقابات المهنية وقادة الأحزاب السياسية لعدة شهور
هذا العمل النضالي واثق الخطى توجته جماهير شعبنا في ثورة ديسمبر المجيدة بتنظيم الاحتجاج وتسير المواكب والخروج الكبير الغير مسبوق في 6ابريل وتواثقها على الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة حتي إسقاط النظام الذي استخدم العنف وكل ما أوتيَ من قوة لقمع الاحتجاج واجهاض الثورة ولكن هيهات
بعد الانتصار وإزالة رأس النظام لجأت القوي المعادية للثورة للحيل والتكتيكات ترغيبا وترهيبا لهزيمة الثورة وافراغها من محتواها وارتكبت عدة مجازر في العاصمة والولايات كانت مجزرة القيادة العامة ابشعها فمثلت جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية لن يسامح فيها شعبنا ولن يغفر لمرتكبيها وسيمثلون امام العدالة مهما طال الزمن او قصر
وُقِّعت الوثيقة الدستورية وشُكِّلت بموجبها حكومة مدنية انتقالية ذات مهام محددة تمهد الطريق للتحول المدني الديمقراطي علي رأسها تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاكمة رموزه واسترداد الأموال العامة الإصلاح الاقتصادي والعدلي والمؤسسي لهياكل الدولة وتحقيق السلام العادل وتسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية والتحقيق في المجازر والجرائم التي ارتكبت ضد شعبنا واقامة محاكمات عادلة تطال كل المجرمين والمتورطين تحقيقا لمبدأ ألا افلات من العقاب
ولكن العسكر الذين قبلت القوي السياسية بوجودهم في المجلس السيادي اعاقوا عملية الانتقال وهيمنوا علي كل الملفات المهمة في الاقتصاد والسلام والعلاقات الدولية وعقدوا التحالفات وحركوا القوي الرجعية وحشدوا الحشود لالتهام الثورة وقتل روح المقاومة بشراء الذمم والتشكيك والتخوين وقمع المتظاهرين السلميين وتلفيق التهم الجنائية لهم ثم استمالوا حركات الكفاح المسلح واقاموا اعتصام القصر(الموز) تمهيدا لانقلابهم المشؤوم في 25اكتوبر2021م
لكن الجماهير الغاضبة والراغبة في التغيير حاصرتهم بالمظاهرات وتسير المواكب المليونية الي القصر واقتحامه اكثر من مرة
تحالف الحرية والتغيير الذي تشظي وسيطرت عليه جماعة الهبوط الناعم من الأحزاب السياسية وبعض واجهاتها بعدما التزم بالحراك الثوري ولاآته الثلاث (لا تفاوض ولاشرعية ولا شراكة) تغير موقفها تحت الضغط الامريكاني ووعود رئيس البعثة الأممية السيد فولكر قبلت بالحوار وانتجت الإتفاق الاطاري الذي شرعن الانقلاب وأقر بقاء العسكر في السلطنة وتعدد الجيوش ولم يهتم كثيرا بقضايا القصاص والعدالة الانتقالية رغم انه افرد لها ورقة خاصة في الورش التي صاحبت عملية التفاوض كما ان رؤيتها للإصلاح الأمني والعسكري مغايرة لتوجهات قوي الثورة الحية مما أحدث انقسام بداخلها جسّده خروج حزب البعث العربي الاشتراكي ورفضه للاتفاق الإطاري لأنه لا يقود للتحول المدني الديمقراطي إنما يعيد إنتاج الأزمة مجددا ويمكن القوى المعادية للثورة من الاستحواذ على السلطةهذا بالإضافة لاهماله معاش الناس وقد بلغ التضخم ذروته
أعداء الثورة والحرية والعدالة اختلفوا فيما بينهم وكان لكلٍّ مشروعه للانفرد بالسلطة فادخلوا البلاد في حرب 15 ابريل والتي استهدفت الإنسان السوداني وموارده ومدخلاته ودمرت البنيات التحتية والأعيان المدنية وازهقت الأرواح وارتكبت فيها كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قتل واغتصاب ونهب وسرقة وإرهاب وتهجير قسري وإبادة جماعية تستوجب الإدانة من قبل كل القوي السياسية الوطنية كما يستنكرها الضمير الإنساني الحر الشريف وترفضها وتدينها كل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية وهذا يتوجب علي الأمم المتحدة الاطلاع بدورها والقيام بواجبها في حماية المدنيين في السودان وفرض العقوبات علي أطراف النزاع وتفويج فرق التحقيقات الجنائية الدولية للوقوف علي مأساة الشعب السوداني الذي تسلط عليه هؤلاء البرابرة و ساموه سوء العذاب والذين يجدون من يدعمهم دوليا بالمال والسلاح والدعم اللوجستي لاستمرار الحرب واتساع دائرتها بتغذيتها بالخطاب العنصري والحواضن الجهوية
بالطبع القوي المدنية الثورية رافضة للحرب وقد دعت بل عملت علي إيقافها وتحرك المجتمع الدولي والإقليمي أيضاً ولكن كل هذه المجهودات لم تثمر لان هؤلاء جميعا يتحركون لإعادة الأمور لما قبل15 ابريل ولكن هيهات فشعبنا الذي اكتوي بنيران هذه الحرب وفقد المال والاهل وفقد المعين والنصير لن يقبل بالعودة لما قبل 15 ولا حتي لما قبل 25 أكتوبر 2021م
قوي الحرية والتغيير مازالت لم تستوعب الدرس وتتحرك بمفردها متجاهلة قوي الثورة الحية وقد صرح احد المتحدثين باسمها انهم حملوا رؤية لإيقاف الحرب وقدموها للقوات المسلحة ولقوات الدعم السريع ودعوا لحوار مباشر بينهما ليقررا بشأن هذه الرؤية ثم عرضها من بعد للقوي المدنية والسياسية المهتمة بإيقاف الحرب والحريصة علي استعادة المسار السياسي للتحول المدني الديمقراطي وهذا أمر غريب فهؤلاء الذين فجروا هذه الحرب لن يقبلوا الا برؤية تفلتهم من العقاب وتبقيهم في السلطة وهذا ما لن تقبله جماهير شعبنا ولن تعترف به قوي الثورة الحية التي تمثلها أحزاب وتحالفات كبيرة وهي الان تعمل لتشكيل جبهة عريضة لإيقاف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي علي اسس سليمة وتأتي في مقدمتها رفض الحرب ورفض فرض ارادة المحتربين او المنتصر فيها منهم علي المشهد وإدانة كل الجرائم التي ارتكبوها والعزم والتاكيد علي التحقيق فيها دوليا لمحاكمتهم عليها جنائيا
ورغم ضعف البيان الصادر عن ورشة القاهرة للحرية والتغيير وقصوره علي نقاط ليست بذات أهمية وليست محل خلاف الا انهم أهملوا كل قضايا الثورة التي ظلت الجماهير متمسكة بها حرفيا ودفعت في سبيلها اثمان باهظة ولايمكن ان تساوم فيها مهما بلغت التحديات
ولأننا حريصون علي وحدة قوي الثورة بل توافق كل القوى السياسية المدنية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي نفترض ان عدم التركيز عليها سقط سهوا بحسن نية وها نحن نذكر بها عسي ولعل كل العاملين علي إيقاف الحرب يستوعبوها ويعلموا انها أمور محسومة وغير قابلة للمساومة او المزايدة السياسية
اولا إجراء تحقيق دولي يحدد ويُجرِّم من قاموا بإشعال هذه الحرب ويمثلون أمام العدالة من المدنيين والعسكر
ثانيا عودة الجيوش الي الثكنات وحل جميع المليشيات المسلحة بالإجراءات العسكرية المعروفة والمعترف بها دوليا واعتماد جيش وطني مهني موحد خاضع للسيطرة المدنية
ثالثا لن نقبل بشراكة سياسية مستقبلية للعسكر او غيرهم من ارباب النظام البائد في هياكل سلطة الدولةولن يكون قادة القوات المسلحة والدعم السريع الحاليين في قيادة الجيوش إنما يحالوا للتقاعد والتحقيقات الجنائية علي كل الجرائم منذ11ابريل2019م حتي تاريخ إيقاف الحرب
رابعا الشروع في تحقيق العدالة الجنائية والعدالة الانتقالية وتعويض كل ضحايا الحروب والنزوح والقصاص العادل للدم الطاهر
خامسا إعادة مشروع تفكيك النظام البائد علي اسس دستورية وقانونية واضحة ومحاكمة رموزه واسترداد الأموال العامة المنهوبة من قبلهم
سادسا انتهاج سياسة خارجية تعلي من المصلحة الوطنية ولا تمس بسيادتها مبنية علي الندية والتعاون والاحترام المتبادل
سابعا تشكيل حكومة مدنية بكفاءة وطنية مختبرة غير خاضعة للمحاصصات او الإملاءات الخارجية تلتزم ببرنامج ومُوَجِهات ثورة ديسمبر المجيدة
إن العمل في الحقل النضالي يحتاج للصدق والتجرد والاطروحات الناضجة الجريئة التي تكون محل اهتمام للجميع و حتى نتوافق علي رؤية في كيف نوقف هذه الحرب؟ وكيف ننتصر لقيم الحق والخير والجمال بما يلبي اشواق الجماهير وتطلعاتها في العدل والحرية والسلام والحياة الكريمة؟ ينبغي علينا تقييم تجربة مشروعنا النضالي الهادف لتأسيس دولة المواطنة الدولة المدنية الديمقراطية بعلمية وتجرد ثم اتخاذ القرارات السليمة التي تعيد للثورة تألقها وبريقها وقوة دفعها و حجيتها في التغيير ومحاسبة المذنبين علي مدى العقود الماضية وعدم المساومة في كل ماهو استراتيجي من أهداف الثورة و مطلوبات التغيير واعتقد ان زمن التنازلات والمساومات قد مضى الي غير رجعة فماذا بعد الحرب الا الحرب؟ وآن الأوان ليكن موقفنا اكثر صرامة مع أعداء الثورة ومشعلي فتيل الحرب فلا مستقبل لهم ولا تصالح معهم ولا يمكننا قبول اي صيغة تجعل امراء الحرب جزءاً من المشهد كما أننا لن نقبل بالسادية والاستاذية التي ينتهجها البعض لممارسة الإقصاء واحتكار القرار
لابد من صناعة قيادة جديدة من أوسط قوانا الثورية والسياسية محل ثقة واحترام لدى قوي الثورة وجماهير شعبنا تتحلي بالمسؤولية والشفافية وتتسم بالبسالة والصمود تقبل التحدي ولا تقدم التنازلات المذلة ولا تقف المواقف الرمادية و لا تتبنى الرؤى الخائبة الفطيرة فلا مكان للعسكر في سلطة ما بعد الحرب ولا افلات لهم من عقاب ولن نسامح علي الجرائم والثورة مستمرة ولن نقبل المساومة في مطلوبات التغيير وممسكات وحدة السودان أرضا وشعبا ومستقبلا
والسلام علي من اتبع الهدي ولا نامت اعين الجبناء
[email protected]
لا تكثر من المطالب يا اخي فحتى القليل اثبتت الايام انه صعب المنال ولو بذلت فيه الأموال والأرواح.