مقالات سياسية

ما خسره السودان في الانقلابات العسكرية

حمور زيادة

مرّ على انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول في السودان أكثر من عامين. أقل من نصفهما قليلاً حرب طاحنة، والباقي دولة بلا حكومة، فمنذ أطاح قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية، وانقلبا على الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير في 2021، لم تُشكل حكومة لإدارة البلاد. وعقب الانقلاب، تزايد الخلاف بين قائديه، حتى وصلا إلى مرحلة الحرب على السلطة.

لم يكن هذا هو الانقلاب العسكري الأول في تاريخ السودان. ولا يوجد سببٌ واضحٌ يدعونا إلى الظن أنه سيكون الأخير، ما لم تتم معالجة المؤسّسة العسكرية السودانية لتخليصها من “عقدة الوصاية”. التي بسببها ظلت دوماً تفسد الحياة السياسية السودانية منذ العام 1958 عندما أقدم الفريق إبراهيم عبود على استلام السلطة، منهياً عامين من الحكم الديمقراطي عقب استقلال البلاد.

سلسلة طويلة من الحكم العسكري المتواصل خضع لها السودان بحكومات انقلابية. ولم يحفظ التاريخ حادثة تمرّد عسكري ضد أي ضابط دخل إلى وحدة عسكرية وقادها لإسقاط الحكم الديمقراطي. بل على العكس، يبدو سلوك الجيش دوماً معادياً للحكم المدني الحزبي، إلى درجة أن التنظيمات الحزبية داخل المؤسّسة العسكرية كانت حين تعمد إلى الانقلاب تُخفي انتماءها الحزبي، وتزعم أنها “تحرك عسكري غير حزبي” لتضمن ولاء الجيش، فالمؤسّسة العسكرية السودانية مصابة بمرضٍ مزمنٍ يدفعها إلى الانقلاب على الحكم المدني، ولا تتحرّك إلا ضده. واذا أحس الجيش أن تحرّكه لمصلحة حزب، فذلك التحرّك غالباً سيفشل. أما الانقلاب من أجل الحكم العسكري فأمرٌ آخر. وما ثرثرات الرئيس السابق، المشير عمر البشير، في أحد مؤتمرات الحركة الإسلامية ببعيدة، عندما حكى عن ضابط أيقظوه من النوم ليبلغوه أنهم ينفذون انقلاباً، فهبّ مستبشراً وقال “أنا معكم”. بل إن المرّة الوحيدة التي تمرد فيها الجيش السوداني ضد انقلاب كانت في 1971، عندما تعجّل الحزب الشيوعي بإعلان مسؤوليته عن انقلاب الرائد هاشم العطا. هنا انتفض الجيش رفضاً للانقلاب الشيوعي، وأعاد الانقلابي العسكري، جعفر نميري، إلى السلطة. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، تحمل الأكاديمية العسكرية السودانية اسم الرئيس المخلوع المشير جعفر نميري، الذي سقط، مثل البشير، بثورة شعبية.

بشكلٍ ما، يبدو تاريخ السودان السياسي سلسلة من “الاستحقاق العسكري” للحكم. وقد عاشت البلاد أكثر من نصف قرن تحت الحكم العسكري، لذلك لا يمكن تجاهل دور المؤسّسة العسكرية في ما وصلت إليه الدولة السودانية.

كان السودان حتى مساء 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1958 من الدول القليلة الديمقراطية في المنطقة. وكانت تلك أول تجربة حكم مدني للدولة حديثة الاستقلال. فيها من الأخطاء والسوء ما يصاحب كل تجربة ناشئة. ولو استمرّت تلك التجربة لأمكن اليوم، بعد أكثر من نصف قرن، أن تكون هناك دولة ديمقراطية حقيقية في المنطقة، فيها من الحرّيات والعدالة ما يوفر لمواطنها حياة كريمة، لكن الجيش كان دوماً بالمرصاد، في 1958، وفي 1969، وفي 1989، ثم في 2021.

بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، حرب السودان اليوم هي “صراع على السلطة بين جنرالات ضحوا بمصالح شعبهم”. ولا يمكن النظر إلى هذه الحرب إلا باعتبارها نتاجاً مباشراً لانقلاب 25 أكتوبر. لذلك، على أي عملية سياسية تعقب وقف إطلاق النار أن تستحضر دوماً أهمية خروج الجيش من السلطة وإنهاء عهد الانقلابات، واعتراف المؤسّسة العسكرية بخطيئتها.

الاعتراف هو أول الخطوات، والاعتذار ثانيها. وتغيير العقيدة العسكرية التي تعتبر السلطة غنيمة حرب أمر ضروري لاستقرار بلد يكاد لم يعرف الاستقرار في تاريخه الحديث.
العربي الجديد

‫2 تعليقات

  1. الاستاذ حمور تحيه طيبه
    كان العشم وأنا اقراء مقالك أن تقع عيناى على ماهو جديد لكن للأسف لم يكن ، فما ورد فى المقال لا يعدو أن يكون مجرد تكرار ممل لجدليه الحكم فى السودان (ديمقراطيه تعقبها ديكتاتوريه عسكريه) والتى باتت معلومه لدى الجميع ومعاشه على أرض، ولا حوجه لسردها مالم يكن الهدف هو التحليل المؤسس على فرضيات أقتصاديه وفكريه سياسيه، وعموماً لا استطيع أن أقول جهد مقدر وكنت لأأتجاوز سخطى على الزمن المهدر لولا ما ذكرته عن (أعتراف الحزب الشيوعى بأنقلاب هاشم العطا) فهذا محض افتراء ان دل على شئ انما يدل على عدم إلمامك بالحقائق. فهاشم العطا وقيادات الحركه التصحيحيه لم يكن لهم اى علاقه بالحزب الشيوعى بل جميعم كانو منضوين تحت لواء حركه الضباط الأحرار ذات الميول الناصرية القوميه التى رفعت شعارات اليسار السودانى فى محاوله لكسب التأييد الشعبى، وتماشياً مع واقع الحال آنذاك حيث الفكر العربى القومى كان من أمضى الأسلحه الأيدلوجيه لحركات التحرر فى كفاحها ضد الأستعمار ومخلفاته من الأنظمه الأقطاعيه الملكيه فى الدول العربيه
    أما عن خاتمة المقال الذى طالبت فيه المؤسسه العسكريه بالأعتراف والأعتذار كحل للمشكله فأقول لك هل الأعتذار سيضمد الجراحات التى فتحها العسكر فى كل بيت سودانى هل الاعتراف سيُسكت اهات الأمهات الاتى فقدن فلذات أكبادهن أم هل وهل وهل. نحن ننادى بالقصاص العادل وبحكم القانون النافذ .

  2. تشكر يا أخ ، لقد عرفنا الآن الخسائر التي تكبدها السودان جراء الانقلابات العسكرية ونتمنى أن تعرفنا في مقال آخر عن الفوائد التي يجنيها السوداني الذي يعيش ويكتب من القاهرة دون أن يغضب الباشوات في لازوغلي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..