إستعراض كتاب جيش أمريكا الآخر: الخدمة الخارجية للولايات المتحدة ودبلوماسية القرن 21
للصحفي المختص في الشؤون الدبلوماسية نيكولا كراليف

السفير محمد المرتضى مبارك اسماعيل
كتاب جيش امريكا الآخر: الخدمة الخارجية للولايات المتحدة ودبلوماسية القرن الحادي والعشرين للصحفي المختص في الشؤون الدبلوماسية نيكولا كراليف: America Other Army: The U.S Foreign Service and 21st Century Diplomacy. الذي ينحدر من أصول بلغارية وهاجر إلى الولايات المتحدة في شبابه وصار صحفياً متخصصاً في الشؤون الدبلوماسية وكان مقربا من وحاور وسافر مع أربعة من وزراء خارجية الولايات المتحدة هم كولن باول، كونديليزا رايس، هيلاري كلنتون وجون كيري. زار مؤلف الكتاب قرابة المائة من بعثات الولايات المتحدة وحاور العديد من رؤوساء تلك البعثات وكبار الدبلوماسيين بديوان الوزارة في واشنطن حول قضايا العمل الخارجي وتحدياته وإنجازات الدبلوماسية الأمريكية.
يقع الكتاب في 222 صفحة من القطع المتوسط. يتحدث الكاتب عن التنوع واسع المدي في العمل الدبلوماسي ويتسآل كيف تكون مهام: تدريب مسؤولي دولة أخرى على رفع كفاءة الأداء الحكومي، إصلاح منظومة تبني الأطفال، بيع أسلحة، المشاركة في مفاوضات الحد من إنتشار الأسلحة النووية، المساعدة في مهام إنقاذ عقب وقوع كوارث، الترويج لمصالح البلاد الإقتصادية، إنشاء برنامج لمكافحة الإرهاب، إعادة توطين لاجئين ومعالجة مشكلات علاقات عامة، إستصدار جوازات وتأشيرات وزيارة سجناء، أن تصبح كلها جزءاً من وظيفة واحدة.
ويختصر الكاتب المهام التقليدية للدبلوماسي في: التفاوض للتوصل إلى إتفاقيات تحقق مصالح وقيم بلاده، مراقبة الأوضاع في الدولة المحددة للتأكد من عدم الإضرار بمصالح بلاده، شرح سياسة بلاده للبلد المضيف والعكس، تمثيل بلاده في مختلف المناسبات وفي المنصات الإعلامية، رعاية شؤون مواطني بلاده في الدول الأخرى، والعمل مع الدول الأخرى في مخاطبة القضايا العابرة للوطنية Transnational Issues من بيئة، حقوق إنسان، صحة، جريمة عابرة وإتجار في البشر، إرهاب، وغيرها من خلال المنظمات الإقليمية والعالمية.
ويتمثل الشق الثاني من إستراتيجية الولايات المتحدة في العمل الخارجي والتي تطورت بعد إنتهاء الحرب الباردة وتعززت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي وصفها الكاتب بالشاقة Daunting، المتمثلة في قضايا الحكم الرشيد، حقوق الإنسان، الديمقراطية، وهي قضايا ذات تماس وأدخل في مسائل بناء الأمم Nation Building، وقد صارت وأشنطن تعتبر الإخلال بها ضد مصالحها ومهدداً لأمنها القومي لأنها تؤدي إلى إفقار الشعوب ودفعها إلى مسارات الإرهاب والأنشطة الإجرامية، وتتسبب في قلاقل داخلية تفضي إلى نزاعات إقليمية تهدد السلم والأمن الدوليين وتتضرر منها مصالح القوى الكبرى بخاصة. وقد ساندت كونديليزا رايس الجمهورية ووزيرة بوش الأبن الأسبق سياسة إدارة أوباما الديمقراطية في ذاك الصدد بقولها: “الدول والمناطق التي تفتقر إلى حكومات أو تحت أنظمة حكم سيئة والتي لا تستطيع التعاطي ككيانات سيادية مسؤولة ينتهي بها المطاف إلى التنازل عن أراضيها لصالح الإرهابيين ومهربي المخدرات والبشر”. ويشير الكتاب إلى غض أمريكا الطرف عن سجل بعض الدول السيئ في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان مراعاة للمصالح الأمريكية الكبيرة معها.
وأشار الكاتب إلى أن إدارة كل رئيس أمريكي تصدر وثيقة تحدد فيها معالم سياستها الخارجية تسمى إستراتيجية الأمن القومي. فمثلاً إدارة أوباما أصدرت وثيقتين في الأعوام 2010 و 2015. وحددت الوثيقتان ثلاث أولويات تمثلت في : أمن الولايات المتحدة، رفاه شعبها، وخدمة القيم الأمريكية. وبدءاً من العام 2010 إنتظمت الخارجية الأمريكية في إصدار وثيقة أخرى باسم السلام والتنمية تصدر كل أربع سنوات وكانت أولى إصداراتها في عهد الوزيرة هيلاري كلنتون، وتم النص فيها على الإرتباط الوثيق بين أمن الولايات المتحدة والأمن العالمي إذ أن المهددات الحديثة من إرهاب وجريمة وتغير مناخي وأوبئة ليس في مقدور أي دولة مجابهتها منفردة ولم تعد الجغرافيا تكفي لحماية الولايات المتحدة كما في السابق وهي قناعة لا شك عمقتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما أكدت الدورية الصلة الوثيقة بين رفاه أمريكا والرفاه العالمي بسبب تنامي الإعتماد المتبادل بين إقتصادات الدول وإنفتاح الأسواق العالمية. وفي عهد الوزيرة كلنتون تم النص على الترابط بين مفاهيم الدبلوماسية والتنمية والدفاع، فيما عرف بال Three Ds Diplomacy, Development, Defense:. دورية السلام والتنمية التي صدرت في عهد الوزير الأسبق جون كيري نصت على الربط بين مصالح الولايات المتحدة في الأمن والرفاه وتطبيق معايير الحكم الرشيد في العالم.
قارن الكتاب بين الميزانية السنوية للخارجية الأمريكية والبرامج التابعة لها والبالغة خمسين مليار دولار، وهو مبلغ أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لحوالي مائة دولة في العالم، بميزانية وزارة الدفاع التي تبلغ نصف ترليون دولار، أي عشرة أضعافها، وأن الشكوي من عدم كفاية تلك الميزانية لم تقتصر على الدبلوماسيين بل شملت شخصيات مرموقة في مجال الأمن القومي من الحزبين منهم وزير الدفاع الأسبق والذي عمل وزيراً للدفاع في إدارة بوش الأبن الجمهورية وإدارة أوباما الديمقراطية، والذي أدهش الكونغرس بوصفه ميزانية الخارجية بأنها ضرب من التجديف Blasphemy، وطالب بأن يتم التركيز على عناصر أخرى للأمن القومي من وراء جنود وحديد الجيش الأمريكي لأنها ستصبح ذات أهمية في المستقبل.
كما تطرق الكتاب إلى ضعف التأييد والإدراك الشعبي لاهمية ما يؤديه الدبلوماسيون من مهام وسط غالب فئات الشعب بمن فيهم العديد من أعضاء الكونغرس، وأن دراسة أجريت أشارت إلى أن العديد منهم لا يعتبرون الدبلوماسية أداة فاعلة في حماية الأمن القومي. ويرجع الكاتب ذلك إلى تقصير الدبلوماسيين في الإعلام عن إنجازاتهم والإكتفاء بعبارات غامضة من نحو: إعلاء المصالح الإيجابية والدفاع عن مصالح الشعب الأمريكي.
يتناول الكتاب ما أسماه بأنسنة العمل الدبلوماسي من خلال الإنفتاح على قطاعات مختلفة من الشعوب وهي أنشطة كانت في السابق ينهض بها فاعلون من غير الدبلوماسيين كالبرامج الثقافية وبرامج التبادل والبرامج الإعلامية، والآن صارت تعرف بالدبلوماسية العامة وتم إدماجها في العمل الدبلوماسي وتمثل جزءاً من مهام الدبلوماسيين وتتيح لهم الإنفتاح على مختلف المكونات في الدول خارج دائرة العمل الرسمي على الرغم من المحاذير الأمنية التي حولت بعض السفارات إلى قلاع محصنة.
تناول الكتاب التنوع الكبير الذي حدث في الكادر العامل في وزارة الخارجية الأمريكية خلال العقود الأخيرة على مستوى الجندر وتمثيل مختلف مكونات الشعب الأمريكي بعد أن كانت ناديا للرجال الامريكان البيض. كما أشار إلى أن ثلث السفراء من المعينين سياسيا والذين يتميزون عادة بصلات أفضل مع البيت الأبيض ويميلون للإبتكار وتحدي الأطر البيروقراطية لعدم خشيتهم من تأثر سجلهم الوظيفي، كما أن العديد منهم يمتاز بخبرات إدارية كبيرة على الرغم من تضرر العمل الدبلوماسي من أمثلة لتعيينات سياسية كارثية في إنضباطها وأدائها المهني.
أشاد الكتاب بصورة خاصة بإنجازات وزير الخارجية الأسبق كولن باول والذي وجد الخارجية بلا برنامج مهيكل للتطوير المهني الدبلوماسي فادخل نظام تدريب إجباري للدبلوماسيين خلال الخدمة كما حدث أنظمة الإتصالات وتقنية المعلومات وينقل عنه قوله: ” ما أردت ترسيخه خلال خدمة الدبلوماسي هو مفهوم التطور المهني من موظف صغير إلى درجة السفير وخاصة فيما يتصل بالقيادة Leadership والإدارة Management وأضاف: وجدنا العديد ممن هم في درجات قيادية ليست لهم مقدرات قيادية لانهم لم ينالوا تدريباً على القيادة لتنفيذ نوعية الإعمال التي نكلفهم بها، وفي الجيش نبدأ بتدريبات القيادة من درجة ملازم ثاني”.
ونقل الكاتب أن مئات العاملين في الخارجية في عهد باول شهدوا أن معنويات العاملين لم ترتفع إلى ذاك المستوى منذ عهد الوزير جورج شولز وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس ريغن. ومن أسباب ذلك الرضى الوظيفي في عهد باول أنه كان يعتمد على مهنييي الوزارة في أداء مختلف المهام وكان يعمل من خلال المؤسسة ويدعها تعمل. وفي ذاك الصدد صرح السيد ريتشارد بوشر الناطق الرسمي باسم الوزارة في عهد مادلين أولبرايت وكولن باول، بأنه في الوقت الذي لا يمكن فيه للوزير العمل بدون الوزارة إلا أن بعض الوزراء يعتمدون على حلقات ضيقة من المعينين سياسيا في إنجاز القضايا الهامة ومن أمثلة أولئك وزير الخارجية الأسبق في عهد بوش الأب السيد جيمس بيكر.
تعليق:
لم يخاطب الكتاب موضوعات مهمة في العمل الدبلوماسي مثل قضايا التنسيق بين وزارة الخارجية والوزارات الأخرى، فضلاً عن تخصص الدبلوماسيين في مجالات معينة من الدبلوماسية كالدبلوماسية التعددية أو دبلوماسية التخصص في أقاليم جغرافية محددة أو التخصص في موضوعات كالبيئة، حقوق الإنسان، الشؤون الإنسانية والدبلوماسية الإقتصادية نسبة للتوسع الهائل في مرجعيات وأدبيات الدبلوماسية المتخصصة وضرورات الإلمام الواسع بتاريخ وثقافات أقاليم معينة وإجادة لغاتها للتمكن من التخصص فيها الأقاليم. ومن ومزايا التخصص ولو كان لجزء من الدبلوماسيين ومن درجات وسيطة في سلم الترقي كدرجة السكرتير الأول أو المستشار، أنه يساعد على تطوير الدبلوماسي إلى مرجع وحجة في المجال المعين يستفاد منه في مختلف المهام في الدولة وأيضاً بعد تقاعده من خلال التدريس في الجامعات والإسهام النوعي في مراكز البحوث ومستودات المعرفة.
أشار الكاتب إلى الدبلوماسية العامة والتي صارت تدمج في الدبلوماسية الرسمية ولعلنا في السودان بحاجة إلى ذلك بالنظر إلى القبول الكبير الذي تجده الثقافة السودانية في محيطها العربي الأفريقي والوجود السوداني الكبير والمؤثر في العديد من أقاليم العالم والتاريخ المشرق للإسهامات السودانية في المحيط الإقليمي، مما يجعل السودان من الدول التي لها إمكانات هائلة في توظيف الدبلوماسية العامة والتي بدورها ستكون عنصر دعم وتعزيز وتكامل مع الدبلوماسية الرسمية.
من القضايا الهامة التي أشار إليها الكاتب ونجد نظيرها لدينا في السودان ضعف إلمام الشعب بدور الدبلوماسية في الدفاع عن مصالح البلاد وأمنها القومي. وكانت الخارجية في عهد الوزير الأسبق منصور خالد قد إبتدرت كتاب السياسة الخارجية الذي يوثق لأهم إنجازات الدبلوماسية السودانية في الرئاسة والسفارات، وقد صدرت منه حوالي الخمسة أعداد خلال عهد نظام مايو غطت عدداً من السنوات إذ بعض الأعداد غطت أكثر من سنة لعدم الوفاء بالمخطط الأساس في أن تصدر سنوياً وصدر منه عدد واحد خلال عهد الإنقاذ. ولو قدرت لذلك الكتاب الإستمرار لمثل مرجعاً مهماً للباحثين في شؤون السياسة الخارجية والدبلوماسية ولعرف الرأي العام بأهم إسهامات وإنجازات الدبلوماسية السودانية ولزاد فرص التعاون والإرتباط والتشبيك مع العديد من الفاعلين في العمل الخارجي في الأطر الرسمية وغير الرسمية.