
لم التق صاحبي أو أسمع صوته أو (أراه حاضر القنوات) لفترة طويلة .. ربما طويلة جدا ، ترجع للأسابيع الأولى لانطلاق كلمة (العبثية) التي تلقفتها الجماهير ، وتلقفها أيضا صاحبي ، ولكن بشكل مختلف ، فهو ، وهذا أمر يردده دائما (ليس أمعة) ولا يحذو حذو القطيع ، ومع ذكر (القطيع) هناك أمر لا بد لي من الإشارة إليه وهو أن ما يميز صاحبي (حسب ظنه) أنه يفكر (ويشغل) عقله ويقارن ويوازن بعقل علمي منهجي صارم ، فهو وهذا أمر يجب أن يعلمه الجميع -لأنه يشدد عليه دائما في حضوري- أنه ليس (عنقالي) فهو حاصل على درجة علمية رفيعة في العلوم السياسية والإعلام ودورات تدريبية مكثفة في مجالات ذات صلة ، وله بحوث علمية منشورة ، ومشاركات ومساهمات وندوات واستضافات تلفزيونية باعتباره خبيرا في مجالات عديدة .. وقد ظهر مع مجموعة من الخبراء في القنوات متحدثا عن أن الحرب ربما تأخذ يوما أو بعض يوم .. فهي فرقة صغيرة من الجيش تمردت عليه .. وحاولت الانقلاب على شرعية الثورة الظافرة .. وخيانة القسم العظيم .. وأنا أشهد له في هذا بالفطنة ، وأجد ليوم أو بعض يوم تفسيرا يريحني من معاتبته أو لومه في عدم إحسانه قراءة المشهد .. الذي احبط الكثيرين ممن فروا إلى المدن والقرى المجاورة واطمأنوا لمثل هكذا قراءات .. حتى إن بعضهم لم يكلف نفسه شراء فرشاة أسنان ومعجون ونعال ..
وبعد مرور شهر ونصف الشهر .. ظهر صاحبي ك(الهلال) في إحدى القنوات (بدرا) بكامل وسامته وأناقته ومنهجه العلمي الصارم، وتحدث حديثا مرتبا أعده إعدادا جيدا كما يعد محاضراته التي يقدمها لطلاب العلوم السياسية والدراسات الدبلوماسية ، عن أن هذه الحرب هي حرب (وجودية) ، وأن عرب الشتات جاءوا من كل حدب وصوب يريدون أن يخرجوا هذه الأمة العريقة من أرضها وطمس هويتها وتاريخها العريق المتجذر .. وأذكر أنه هاتفني بعد ظهوره المباشر وقال لي : (إن دراسة السياسة وفهم السياسة أمران مختلفان وأن المفاهيم التي تبدو حتمية وقطعية جدا لن تصمد بدورها أمام اختبار الواقع .. وأن سلم الأولويات الاستراتيجية و..) لم أفهم شيئا ولكن محاولة تفسيره وايجاده مبررات لمجريات الأمور بهذه الطريقة التي قالها أمام الكاميرا، أراحتني .. وبناء عليه كتبت مقالا طويلا مليئا بالحنين ومشحونا بالشجن عن حارة الرباطاب في أم درمان .. وانتشيت وغنيت : امتى أرجع لأمدر وأعودا .. أشوف حبيبتي وأنظر خدودا.
كنت جالسا أمام التلفزيون ، استمع ل (أبو عبيدة) في تحليله الحربي الرصين وصدقه البادي على عينيه التي تطل من وجهه الملثم .. عند رن هاتفي ، لم يطف بذهني أن رقم الهاتف المبدوء بالرمز المصري هو لصاحبي ، كثيرون من معارفي وأهلي لاذوا بمصر ، ولكني لم أتوقع أن يكون صاحبي من بينهم ، جاءني صوته ضعيفا منهكا ، باهتا وبعيدا : “يا وهم أنت ما عرفتني ولا شنو يا عنقالي .. ضحكت عاليا” صحت قائلا : وين أنت شفقتنا عليك .. ضحك ساخرا وقال ، ” عارف ظنك السيء ، فاكرني اصابتني دانة من الدانات”.. ثم انهمر الحديث بيننا هادرا .. سريعا .. وكأننا نريد أن نمسك بالزمن ونعيد عقارب الساعة للوراء .. لم أشأ عن أسأله عما حدث وعما سيحدث بعد الدمار الذي طال كل شيء العمران والناس وهدم كل جميل .. لكنه بصوته الباهت الضعيف البعيد قال لي: (الشيخ فرح ود تكتوك قال تعمر الخرطوم وتصل سوبا ، وتخرب وتتفرتق طوبة طوبة ، لكن تاني قال ، وتعمر عمار ، وتسلم سلام ، وتبقي مقصد العرب والعجم) .. وأضاف هذا ليس تحليلا سياسيا ولكنها نبوءة .. ونبوءة صادقة من شيخ صادق .. لست أدري ولكن غمرني أحساس بالراحة التامة .. ليس لأن صديقي العقلاني ارتد إلى دائرة الوهم .. ولكن لأن الأوهام وحدها تجعل آلام الحياة الواقعية محتملة .. قلت له ، فتحت شهيتي لزيارة القاهرة، حواري الحلمية وبولاق وسيدي بيه والعتبة والحسين .. ضحك وقال ، أنا هسه في سيدي الحسين ، أتناول الكشري وأتأمل الزائرين من مختلف بقاع العالم .. الذين يبحثون عن سكينة الروح .. صمت طويلا .. سرحنا .. كانت تأتيني أصوات المواويل بعيدة متقطعة .. قبل أن يودعني ويقول : عندما نصنع دائرة ، نبتدئ من نقطة ولا نزال نديرها إلى أن ننتهي إلى البداية ذاتها .. وحينئذ تكون دائرة .. ولكن إذا بدأنا من خط مستقيم فلن نعود إليه أبدا .
لا أدرى سنلتقي مرة أخرى أم لا .. لكن أن كتب لنا لقاء سأساله .. لماذا أشعل ود تكتوك هذه الحرب اللعينة .. وربما لا أسأله أبدا .. فالأسئلة الحرجة لا تدع لك صاحبا.
في حد غيري …قال ليك ….انت زول ظريف جدا…
بناءا على اقوال خبيرك الاستراطيجي لا استبعد ان يدخل الشيخ فرح ود تكتوك …في لائحة اتهام اللجنة الدولية للتحقيق …
واذا حدث هذا الامر ….سوف اتولى الترافع عنه امام المحكمة الجنائية الدولية …بس حا تكون في مشكلة …
مين حا يدفع لي الاتعاب ….
اوكي ممكن اتفاوض معه …بدل الكاش ….اقبل نبؤة كاربة منه …بانني سوف اكون رئيسا للسودان…ومصر العليا والسفلى وبلاد الحبش …واقامة مملكة النجاشي من جديد ….يا زول اتفقنا …اها يا الامريكان ليكم تدربنا…وانتظروني في ساحة الجنائية …
اكسح امسح …اكلو نئ …ما تيجبو حي …