مقالات وآراء سياسية

انتقاد دولة 1956م نتاج لذاكرة التهميش

 د. مهدي تاج الدين

🕐🕐🕐🕐🕐🕐
إن المتتبع لحديث الكثير من أطراف الحرب الدائرة في بلدنا اليوم يلحظ بوضوح ترديد مصطلح دولة 1956م والدعوة لتفكيكها وإعادة بنائها على أسس جديدة تلبي طموحات وتطلعات كافة المواطنين . وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الرؤية هذه ، فهي صرخة عالية وصوت طاغي في أوساط جماعات كثيرة ترى في نفسها أنها ظلت مهمشة على طول الوقت منذ الاستقلال .

بشكل عام ، يمكن القول أن مشكلات السودان ذات الطابع الإثني والقبلي والجهوي موجودة منذ الاستقلال لكن تصاعدت بدرجة كبيرة في عهد حكومة الإنقاذ الوطني التي جاءت بإنقلاب عسكري في 30 يونيو 1989م حيث برزت تناقضات في حكم الإنقاذ بين الشعارات الإسلامية التي طرحتها من ناحية وأدائها في الواقع من ناحية ثانية ، وقد تم نقد أداء حكومة الإنقاذ حتى من كوادر الحركة الإسلامية مثل الدكتور عبد الوهاب الأفندي الذي انسلخ من الجبهة الإسلامية القومية والدكتور التجاني عبدالقادر حامد والدكتور حسن مكي محمد . فالدكتور التجاني عبدالقادر أحد منظري ومفكري الحركة الإسلامية ومشروعها الحضاري تحدث عن مراجعات أزمة الإسلاميين ومستقبلهم ناقداً للحركة الإسلامية وهي في الدولة قد حادت عن المبادئ ، باعتبار أن المشروع ضل طريقه في ردهات الدولة . وقد نقد التجاني عبدالقادر (وهو من أبناء كردفان) العنصرية التي وجدها داخل الحركة الإسلامية مشيراً إلى ذلك بدبلوماسية عندما قال “السبب المباشر لخروجي من السودان أنني شعرت بأن مشاركتي في العمل السياسي المباشر غير مرغوب فيها ، فهاجرت في ما يشبه الخلاص الفردي .

كما تحدث الدكتور عبدالرحيم عمر قائلاً “إن الحركة الإسلامية بعد قيام حكومة الإنقاذ قد فتحت صفوفها لكل من هب ودب ، حيث دخلتها المتردية والنطيحة وما أكل السبع من بقايا الاتحاد الإشتراكي والمايويين وعملاء الاستخبارات الذين عندما كانوا على قمة سلطة مايو ، كان همهم الأكبر هو الكيد للحركة الإسلامية”. ظل هؤلاء يتقدمون وتتأخر الحركة الإسلامية إلى أن وجدت نفسها على مفترق الطرق ، شيخها سجين وأعضاؤها جزء منهم بين سجين وطريد ، والجزء الآخر يشمر عن ساعد الجد وصارع حتى لايسقط صرح الإنقاذ ، الذي سقط لاحقا.

وحتى نتمكن من فهم حيثيات هذا الوضع المأزوم في بلدنا اليوم؛ نجد أن مفهوم التهميش تم استخدامه في العصر الحديث ليتجاوز مفهوم اللامساواة ، أو الظلم ، مستوعبا مفاهيم جديدة ، ليشمل حالات هى نتاج للتحولات التى طرأت على المجتمعات الحديثة ، فقد ظهرت مفردات كثيرة مرتبطة بظاهرة التهميش ، وهو يشير بصورة عامة إلى جماعات معزولة عن المجرى الرئيسى للثقافة العامة السائدة فى المجتمع والتنمية .

قد يشعر الفرد بالحرمان وينتقل هذا الإحساس المشترك بالظلم إلى وعي مشترك بفضل الطبقة المتعلمة التى تستطيع بلورة هذا الشعور وذاك الوعي فى شكل أصوات مطالبة برفع الظلم أو المطالبة بالتنمية. هنا ، يبرز دور السلطة المركزية التى يمكنها أن تتجنب تطور الحركة المطلبية إلى احتجاجات وسخط وعنف وذلك بالتجاوب مع المطالب واستيعاب تلك المناطق المهمشة فى عملية التنمية ، ولكن للأسف ، تمت مقابلة تلك الاحتجاجات بالقمع والعنف الشديد ، ولم تجد أي اعتراف من جانب الحكومة بتلك المطالب إلا بعد أن تطورت المشكلة وأخذت أبعاد إقليمية ودولية ، هذا ما حدث في الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور … الخ.
يخبرنا التاريخ السياسي للشعوب بأن الصراع السياسى عادة ما يندلع بين الذين يملكون الثروة والسلطة والمحرومين منهما . وحالما تجد الجماعات المحرومة القائد الذى ينظم مطالبهم ويصوغ مصالحهم ينفجر العنف ويحدث الصراع . وعليه ، فإن الحرمان النسبى مسئول عن معظم حالات العنف ، مثل (التمرد والعصيان وحرب العصابات والشغب المتصل  والثورات) وهذا بالضبط ما حدث فى ، الجنوب والنيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور على سبيل المثال.

كما أن الحرمان النسبى يخلق المناخ للعنف الجماعي لأنه يسبب الإحباط والذى بدوره يؤدى إلى العدوان بسبب  الفجوة بين الحاجات وتحقيقها الذي بدوره يولد الإحساس بالظلم كما أن المحرومين يشعرون بأنهم محرومون من حقهم وتعرضهم للتمييز ضدهم.
معلوم أن الحاجات الإنسانية ليست بيولوجية فحسب ، بل أيضا الحاجات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية المهمة للنمو والتنمية مثل فرص العمل وحرية التعبير والمشاركة فى الثروة والسلطة . ويحدث العنف نسبة لتجاهل مثل هذه المطالب وقمع الحاجات الأساسية التى يجب إشباعها .
إن ممارسة البعض للقوة وهم يعملون على حماية مصالحهم الذاتية تؤدى إلى استبعاد غيرهم ، غير أني في هذا المقال استخدم التهميش والإقصاء كمترادفين لأنهما فى التحليل النهائى ينطويان على الحرمان بمعناه الواسع وما يرتبط به فى حالة السودان مثلا من احتقانات اجتماعية وترسبات نفسية جراء الشعور بالظلم الاقتصادي والغبن الاجتماعي والإقصاء السياسي.

يُلاحظ أن “القوميات الطرفية الإثنية / الثقافية فى السودان لم تشعر بذاتيتها شعورا حادا فى وقت من الأوقات بقدر ما صارت تشعر به اليوم (منذ العقدين الأخيرين من هذا القرن) ولم تؤثر فى السياسات العامة وتجذب انتباه السياسيين بقدر ما تفعل اليوم” .

معلوم أن الدولة السودانية بشكلها الحالي هي صنيعة القوة ، إذ لم تكن نشأة الدولة السودانية طبيعيا ووفقا للصيرورة الطبيعية لشعوب السودان ، وإنما لعبت العوامل الخارجية دورا كبيرا في تجميع هذا الفسيفساء بالقوة والإكراه. إذ قبل دخول جيش محمد علي باشا كانت هناك دويلات وممالك متفرقة واستطاع بجيشه القوي من اخضاع كافة الممالك لحكمه واتخذ من وسط السودان مركزا لإدارة البلاد ، وعندما جاء عهد الحكم الوطني ارتكبت النخبة السياسية التى حكمت السودان منذ الاستقلال خطأ منهجيا عندما ركزت التنمية والخدمات في الوسط وأهملت أو تجاهلت الأطراف والقوة الكامنة وراء التجمعات الإقليمية / الجهوية والإثنية ومطالبها وعندما صنفت القوى التى نشطت فى المجال السياسى فى عداد القوى العنصرية الهدامة التى تقع خارج الإطار القومي العام . بينما الواقع التاريخي يدلل على أن هذه الحركات سوى كانت فى جنوب السودان أوغربه أوشرقه هى فى بداياتها كانت تسعى لتحقيق مصالح سياسية واجتماعية واقتصادية داخل إطار الدولة القومية ، وهى حركات تشكل هويات جديدة ، لا تعني بالضرورة حركة انفصالية بل دعوة لدولة تستوعب وبمساواة وعدالة وتوازن التنوع الثقافي والإثني والديني .
واليوم عندما يشار إلى دولة 1956م ، فإنه يعيد إلى الأذهان مسألة التهميش التي تنادت قوى وجماعات سياسية عديدة بمعالجتها في إطار الدولة القومية التي نسعى جميعا لبنائها.

‫6 تعليقات

  1. يادكتور دولة 56م تعلم فيها كل أبناء الغرب واغلب المثقفين الدارفوريين تعلموا فى جامعاتها مجانا وسكنوا فى داخلياتها مجانا اكل وشرب وتذاكر سفر إلى مناطقهم فى الإجازات بل ان بعضهم ابتعث للخارج .. مصطلح 56 م ماهو الا ذريعة للتضخيم السياسى حاليا والا لم نسمع ابدا من الحركات المسلحة التى فاقت الثمانين حركة فى دارفور هذا المصطلح

    1. هؤلاء تعلموا في جامعات الحقبة السابقة من زمن الاستعمار و المناضلين الحقيقيين لاستقلال البلاد .
      أما من تعلموا في جامعات الدولة بدءا من الثمانيننات تعلموا في نتاج دولة 56 و قد رأينا النتيجة بانفسنا من تدهور اقتصادي و جهوية و قبلية وعنصرية

  2. قرررر قرررر قررررر انتم يا أهل دارفور كنتم الزاد والعتاد لحكم الكيزان حتي سمي بداركوز في التسعينات و وقفتم ضد ثورة ديسمبر المجيدة التي كان شعارها حرية سلام وعدالة وكان وقودها شباب وكنداكات السودان وايدتم حميدتي ومناوي وجبريل وحجر والهادي ادريس وتمبور وطيفور وبقية العواليق واعتصام الموز الشهير ولا نسيتو؟؟!! بل لقد هربتو ووقفتوا وقفت المتفرجين والشباب يتعرض للقتل والسحل …خلاص يا سيدي دي كانت فرصة لبناء دولة العدالة وضيعتوها والشغلة تتجه للانفصال وتكوين دولتين ….اكلو ناركم مع الجنجويد بلاش فلسفة مثقفين …السودان القديم ببح خمو وصرو خلي ناس مناوي وجبريل وحميدتي يكونو ليكم دولة عظيمة اما نحن سوف نواصل ثورتنا ولو بعد مية سنة حتي نقتلع الكيزان…

  3. ولكن ان كان ما كتبت صحيحا يا
    دكتور فلماذا يطالب الجلابة بدولة البحر والنهر ؟!!!!!!!!

  4. دولة 56 والمواطنة بلا تميز والمواطنة المتساوية هى مصطلحات حركة جون قرنق نقلها للمشهد السياسي للتوظيف السياسي والاجتماعي(خطاب الكراهية الممنهج) المفضى للفتنة خبير صناعة وتجارة الفتن ياسر عرمان. وقد نحج فى ذلك باشعال فتنة الحرب الحالية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..