مقالات وآراء

معلون أبوكي ثورة ؟!

عبد القادر دقاش
كان صاحبي يسكن في غرفة مع اثنين من معارفه . وكانت تظهر على الاثنين علامات التقوى ، فهما يصليان الفجر حاضرا ، ويتلوان القرآن ، ويتحدثان عن عذاب القبر .. ويعاتبا صاحبي على صلاته الفجر بعد شروق الشمس ، ويلومانه تعاطي التنباك والسجائر .. وصاحبي يستمع مطرقا خاشعا لوعظهما ويعدهما إنه سيقلع ويترك كل هذا .. لكنه لا يفعل .. وهما يهددانه بالطرد لكنهما أيضا لا يفعلان ، لأن صاحبي الذي يحمل قلبا نقيا ، كان يحمل لهما في كل ليلة الفول والطعمية والباسطة .. من كسبه في عمله الشاق ، فهو يجوب الشوارع والمدارس والجامعات حاملا كرتونه مربوطة في عنقه فيها بسكويت ومبيض أسنان وخيوط وإبر وسجائر وخواتم وسلاسل وحلق ومزيلات عرق وأحمر شفاه وعطور مركبة رخيصة . وهما ممتنان له هذا الفعل الحميد ، لأن أحدهما ما يزال طالبا يعد رسالته في الدكتوراه عن فساد بني إسرائيل ، والآخر يعمل موظفا في ديوان الزكاة ويسعى جاهدا لإكمال النصف الآخر من دينه بالزواج .. لذلك فالعشاء الذي يجلبه صاحبي يسهم بطريقة أو بأخرى في كشف فساد بني إسرائيل وفي إكمال نصف الدين . وظل الثلاثة هكذا في (تبات ونبات) إلى أن اكتشف صاحبي يوما أن ما يوفره في الحصالة تحت سريره من عرق جبينه ينقص كل يوم ولا يزيد مع أنه حريص على وضع جزء من الأرباح في الحصالة لليوم الأسود ، فهو يعتقد جازما أن هناك أياما أسود من التي يعيشها الآن .. ومع ذلك  لعن صاحبي إبليس في سره عندما وسوس له بأن إحد صاحبيه هو (الحرامي) .. إلى أن عاد يوما ولم يجد في الحصالة جنيها واحدا.
في ذلك اليوم أخرج صاحبي كيس تنباكه من جيبه وهزه جيدا ثم فركه بين يديه حتى أحدث صوتا أخرج رفقاء غرفته من حالة الاستغراق والخشوع ، فقد كان الطالب مستغرقا في كتبه ، يفتش عن مواضع الفساد والزوج المرتقب كان يحسب برفق حبات المسبحة كأنما يحسب تكاليف زواجه وينظر خاشعا إلى سقف الغرفة .. نظرا إليه وهو يكور سفته ويمط شفته السفلى بيده اليسرى ثم يلقيها فيها ويثبتها بطرف لسانه .. ثم ينفض يديه .. ويقلبها .. وهو ينظر إليهما حائرا متعجبا ! .
حال هذين الأفنديين الذين وعظا صاحبي المسكين ثم سرقاه بليل أو نهار أو سرقه أحدهما ، هو حال الكثيرين من الذين هم الآن وراء البحار المتقلبين في أسرابهم آمنين أو من الذين نهبوا الأموال وكنزوها أرصدة كبيرة أو اغتنوا واغنوا أهليهم فيما استخلفوا فيه من أموال الشعب المغلوب على أمره .. أو الذين هدوا معبد الآمنين قائلين في أنفسهم ، علي وعلى أعدائي .. أو الذين  فعلوا ما فعل إخوة يوسف الذين جاءوا أباهم عشاء يبكون وقد ألقوا بأخيهم في غيابة الجب … أو الذين اقتفوا أثر معاوية الذي وصفه مثقفو ذلك الزمان بأنه من أدهى دهاة العرب ، وكان دهاؤه في سلب شورى المسلمين والتآمر على علي بن أبي طالب الذي نهج نهج النبي صلى الله عليه واقتفى أثره والذي كان يعلم يقينا أن الطلقاء يريدون أن يرتدوا بالإسلام إلى ما قبله في التمييز بين الناس وتقسيمهم إلى سادة وعبيد ، فأبى ذلك وحاربه حتى قتل مظلوما وقتل ابناه مثله مظلومين ، لأن مثقفي ذلك الزمان كما هم مثقفو اليوم يسيرون في ذات الخطى يصلون خلف علي ويأكلون في مأدبة معاوية ، لأن الصلاة خلف على أتم ، وطعام معاوية أدسم .. على الأقل ، كان سلفهم أفضل لأنهم قالوا وترك القتال أسلم … ولكن هؤلاء أججوا القتال ودقوا طبوله ورقصوا على الأشلاء والدمار والخراب .. ثم جاءوا ليقولوا إن كل ما حدث هو بسبب الثورة .. فجرموها وجرموا كل من انتمى إليها أو كتب عنها أو دافع .. وبالرغم من أن الثورة هي من نبه إلى خطورة الجنجويد هتفت لحله واستعصمت بالجيش الوطني الواحد الملتحم بالشعب الواحد ، لكنهم دفعوا ثمن ذلك قتلا وتنكيلا وغصبا .. لم يدفعهم بأشد وأنكى منه إلا سكان دارفوار البعيدين عن العين والقلب وعن العقل السوداني المتفرد المنغلق على ذاته .. والمتخلف في ذاته .. والمنطوى على عقده وأوهامه وضلالاته الراسخة والمقاومة للتغيير.
وبالرغم من الإعصار الذي أتى على كل شيء .. ما يزال الكثيرون أسرى أفكارهم التي تسببت في الإعصار والطوفان لم يبارحوها أو يعيدوا النظر فيها .. فظلوا مقاومين للتغيير ومعاكسين لحركة التاريخ ، عاتين مصرين ومستكبرين ، وجاهلين جهلا معقدا ومقدسا يصعب إزالته ، فالجهل البسيط يزال بالمعلومات والتعليم ، ولكن جهل التعليم والمتعلمين هو جهل شديد التركيب والتعقيد والثبات .. و بنيته ترفض كل عقل ومنطق ، لأنها تنظر إلى كل شيء بمعاييرها الخاصة .. فلا ترى إشراقات المغاير الآخر ولا تبصر الخلل في معاييرها . لذلك فالثورة هي من انتجت الجنجويد وسلحتهم وأسملتهم المقار ووضعتهم على أهبة الاستعداد في الأماكن الحيوية ، وقتلت بهم أفرادها في ميدان الاعتصام .. وأحرقت بهم قرى دارفور … لكي تبقى في الحكم إلى أبد الآبدين .. فهي معلونة أين ما ثقفت! .

‫3 تعليقات

  1. بالرغم من ان قصتك تهدف للفت النظر لضعف الوازع الأخلاقي عند المتدينيين وغير المتدينيين بحسب مشاهدتي شخصيا الا أن ربط ذلك بحال الثورة لا أجد له أي علاقة.. ما حدث للثورة هو فشل من تسلقوا لقيادتها واعتقادهم بامكانية حكم البلاد لمجرد الشراكة مع العسكر والمجتمع الدولي مع اقصاء الآخرين من كانوا معهم ومن هم اصلا ضدهم وعلى رأي المثل الطمع ودر ماجمع.

    1. والله يا واد يا حمادة إحترنا معاك مما ممكن يا أخي إقصاء دي مدخلا في كل جملة غير مفيدة

  2. تعرف يا المدعو Mohd يا كوز دائما تدافع عن كيزانك بالباطل، سبب فشل الثورة هو فرض شراكة عسكر اللجنة الأمنية بتاعت البشير ،البرهان وكباشي وياسر العطا وابراهيم جابر هؤلاء الكيزان الحرامية العواليق هم من اشعل الحرب ،فضوا الاعتصام بعدها رفضت قحط اى شراكة مع كيزان اللجنة الأمنية بتاعت البشير ولكن وساطة أبي أحمد وودلباد الكوز هى التى فرضت علي قحت هذه الشراكة الملعونة وبعدها بدأ الكلب البرهان في وضع العراقيل عندما اقترب موعد تسليم المدنيين لرئاسة السيادى، بالايعاز لكلبهم ترك بقفل الميناء وعندما استنفذ البرهان كل الحيل الكيزانية الخبيثة الإسقاط حكومة حمدوك ولم يقدر قام بانقلابه المشؤوم، وذرائع البرهان وكيزانك لواد الثورة كثيرة ،ولتعلم يا كوز تانى الاعيبكم لاتنطلي علي الشعب السوداني الذى لم يكره شئ في هذه الحياة بقدر ما كره الكيزان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..