مقالات سياسية

حرب السودان بين جرائم “الميليشيا” أحلام “الفلول” ضعف قدرات “الجيش” وخارطة “الحل”

كلمة و”غطايتا”
سامي الباقر

وحرب السودان توشك على إكمال شهرها التاسع، في ظل تقدم ملحوظ لمليشيا الدعم السريع، وتراجع مريع لقوات الجيش السوداني،. _ مختطف القيادة والقرار بواسطة فلول النظام المباد_، ثمة حقائق وشواهد لا بد من التطرق إليها، ليتمكن من خلالها كل متابع قراءة المشهد من زوايا مختلفة، وصولا للحقيقة التي تفسر طبيعة وتطورات هذه الحرب اللعينة.

إن الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب من نهب للسيارات والمنازل، والتي يحاول متحدثو الدعم السريع عبر القنوات نفيها وتحميلها لطرف ثالث، وهو اسلوب إنكار مفضوح درج على استخدامه النظام المباد للهروب من كل الجرائم التي ظلت ترتكبها اجهزته الأمنية وكتائبها التي صنعها، وسار على ذات النهج قادة المكون العسكري عقب وقبل انقلابهم المشؤوم في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، ولأن الدعم السريع هو ربيب النظام فقد استخدم نفس الأساليب في إنكار الجرائم، فالتعدي على المنازل وحرماتها ونهب ما فيها من نقود وذهب وسيارات، وقتل كل من يحاول مقاومة هذه الأفعال، هو سلوك. أصبح معتادا من أفراد هذه الميليشيا، ويقيني أن هذا السلوك ليس صدفة، إنما هو واحد من محفزات القتال لدى الكثير من المنتمين لهذه المليشيا، وربما يكون هو الدافع للقتال. فانا اعتقد. ان واحدة من “محفزات” دخول الحرب لدى الكثير من أفراد الدعم السريع، وَمحفزات الاستمرار فيها هي العقيدة (الغنائمية) التي تربى عليها أفراد هذه القوات، لذا فلن يستطيع حميدتي ولا اي من قادة هذه الميليشيا وضع حد لهذه الانتهاكات، لأنها ببساطة هي الوقود الذي يدفع في إتجاه استمرارها ومنح هذه القوات ميزة إضافية، أحدثت فارقا في المعارك فليس من سبيل إلا الضغط وإرغام هذه الميليشيا على وقف هذه الانتهاكات، إن لم يكن تفاوضا فليكن عبر التدخل الدولي المباشر.

إن النظام المباد وفلوله ظلوا طيلة الفترة السابقة عقب إزاحتهم من الحكم (ولو صوريا)، يتربصون بالشعب السوداني وثورته، يستخدمون كل الحيل التي يتصورون انها يمكن أن تعيدهم للمشهد مرة أخرى بصورة واضحة، بدلا من العمل وراء ستار، فهم من عرقل الفترة الانتقالية ووضع المتاريس أمام اي إصلاحات مستخدمين ذراعهم في الأجهزة العسكرية والأمنية، كضامن لبقائهم في كل أجهزة الدولة، وتمكنهم من الاقتصاد، وعندما يئسوا نفذوا انقلابهم في ٢٥ أكتوبر، فكانت جذوة الثورة حائط صد منيع أمام نجاح خطة الانقلاب، فتمت تهيئة المسرح للحرب الحالية، فهم من أشعل نارها وهم من يؤججونها وينفخون “كيرها” فلم يستطيعوا تحقيق النصر على ميليشيا الدعم السريع التي صنعوها وصمموا عقيدتها القتالية، فانتقلوا إلى الخطة الأخيرة وهي جعل هذه الحرب حربا شاملة “حرب الكل ضد الكل” ، فبرز خطاب الكراهية وتم شحن النفوس عبر الأبواق الإعلامية التي تحاول تحشيد المواطنين، ودفعهم للتسلح، بحجة الدفاع عن أنفسهم ضد جرائم الدعم السريع، وها نحن نرى كيف تم تمرير هذا المخطط وبمباركة ورعاية من قادة الجيش، الذين يعلمون قبل غيرهم أن الجيش كقوة نظامية عجز عن مواجهة الدعم السريع، فسقطت المدن والحاميات والفرق الواحدة تلو الأخرى، وهو الجيش النظامي الذي ظل يستأثر بأكثر من ثلي الميزانية لأكثر من ٣٥ عاما، فكيف لمواطنين أن يواجهوا هذه الحرب؟؟! .

إن عناصر النظام المباد وقادة الجيش المنتمين لهم والمؤتمرين بأوامرهم يعلمون انهم يسوقون هؤلاء المواطنين إلى محرقة حتمية، ولكن هذا الأمر لا يهمهم كثيرا، فليمت من يمت، وليحيا من يحيا، طالما كان الهدف هو الاستفراد بالسلطة والاحتفاظ بالتمكين ونهب الموارد.

يجب أن يقف الجميع أمام هذا المخطط الخبيث، كما يجب تفويت الفرصة على هؤلاء المجرمين َ، فتاريخ الحروب الأهلية في العالم والقارة الأفريقية به من الشواهد ما يجعل التصدي لهذا َالمخطط هو واجب الساعة، فقد حدث هذا في حرب “تايبينغ” التي كانت حربا أهلية وقعت بين عامي 1850م إلى 1866م في الصين بين أسرة تشينغ ومملكة “تايبينغ” ولا يعرف بالتحديد كم عدد الذين قتلوا في هذه الحرب، لكن معظم التقديرات تشير الى أن القتلى ما بين 20 إلى 30 مليون قتيل، أي أكثر من عدد قتلى الحرب العالمية الأولى، وحدث في نيجريا ورواندا حيث قتل أكثر من مليوني مواطن في هذه الحرب، اما حجتهم الواهية بتبرير هذا الفعل بما يفعله الدعم السريع، فالأولى هو التصدي لهذه الجرائم وإن دعا الأمر بالتدخل الدولي، طالما أصبح الجيش عاجزا عن حماية المدنيين، وقد لجأ لخطة سيكون ضحاياها عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الإلاف من المواطنين السودانيين، أو إلزام الجيش والدعم السريع بوقف فوري لإطلاق النار، ومن ثم الضغط على قادة القوتين المتحاربتين للانخراط في عملية إخلاء المدن من كل المظاهر العسكرية، ودخول القوى المدنية الديمقراطية في عملية سياسية، تعيد الأمور إلى نصابها، وأن يساهم الجميع في وضع تصور السودان الجديد عقب هذه الحرب، ب ح بحيث تبدأ هذه العملية عقب وقف إطلاق النار مباشرة، عبر ترتيب صفوف الجماهير في أوسع جبهة مدنية رافضة للحرب، وراغبة في الحكم المدني، وهذا يحتاج إلى تواضع القوى الديمقراطية على برنامج مشترك، يخاطب جذور الأزمة لا مظهرها، وفق أسس جديدة تعالج أخطاء الماضي وتبني على إيجابياته، وتفضح مآلات وأهداف خطاب الكراهية الذي يبثه مؤججو الحرب.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..