مقالات سياسية

قوات الدعم السريع: السياحة القتالية في المدن: الغزو أم الفتح

أحمد محمود أحمد

(الحرب ليست فقط هي ما يحرق حاضرنا، ولكن أيضا ما يستمر فينا من رماد حتي بعد خمود حرائق الموت)..
واسيني الأعرج..

السياحة القتالية تعبر عن مفهوم جديد ضمن سياق الحرب الدائرة اليوم في السودان، إذ يحيل هذا المفهوم إلى الطريقة التي تدخل بها قوات الدعم السريع إلى المدن والقرى دون أن تجد مقاومة حقيقية من قوات الجيش، ومن ثم انعدام الرؤية من قبل هذه القوات تجاه إدارة هذه المدن، وبالتالي تحول بعض أفراد هذه القوات إلى حالة من النهب للمواطنين ويصبحون مهددين لحياة البعض منهم ضمن حالة نحاول مناقشتها لاحقا ضمن مفهومي الغزو والفتح ..لكن دخول قوات الدعم السريع لتلك المدن والقرى وبدون أن تجد مقاومة من قبل الجيش يؤدي إلى طرح عدة أسئلة حول مقومات الجيش، ومدى قدرته واستعداده لخوض أي معركة ومع أي قوى سواء كانت داخلية أو خارجية، وما هي الأسباب التي دعت جيش دولة أن يكون بهذا الأداء الكسيح؟ الأسباب عديدة لكن أهمها:

1- الانشغال المتواصل للجيش بأمور السياسة والحكم أدى إلى تعطيل الدور والذي من المفترض أن يقوم به أي جيش احترافي ضمن واقع الجيوش الحديثة..
2- لقد أفرغت الحركة الإسلامية أثناء حكمها للسودان الجيش من قدراته وتحويل تلك القدرات للمليشيات ابتداءً بالدفاع الشعبي وإنتهاءً. بقوات الدعم السريع، بالإضافة للأجهزة الأمنية المتعددة..

3-فساد قيادات الجيش وارتباطها بدورة المال ومن ثم ترك قاعدة الجيش بلا تدريب أو مؤن وبالتالي ضعف القدرات القتالية لهذه القوات..
4- ليست هنالك أهداف واضحة للجيش في دخوله هذه الحرب إذ يقوم الجيش بحرب الوكالة من أجل تنفيذ مخططات الحركة الإسلامية

5-لقد ارتبط هذا الجيش وعبر مسارات هذه الحرب ومن خلال الجانب الإعلامي بالناشطين والناشطات عبر وسائط التواصل الاجتماعي والتي تقوم تحركاتهم على الكذب والتضليل وبث الشائعات ومن ثم تصدير صورة غير حقيقية لما يجري على الأرض، وهذه العقلية قد أطلقنا عليها في مقال سابق الظاهرة الصوتية، وهي الظاهرة التي صمتت معها مدافع الجيش لعدميتها وقد تصدٌرت هذه الصورة الهلامية المشهد والتي صدقها الجيش نفسه والذي تحولت بعض قياداته لمجال الظاهرة الصوتية نفسها وتركت المعركة .. وبهذا المعنى فإن الجيش قد أصبح دون قدرات قتالية وفقد القدرة على الدفاع عن المدن والتي تسيح فيها قوات الدعم السريع دون اعتراضات مما يشكل ذلك فضيحة لدى جيش نظامي يتباهى أن تاريخه يقترب من القرن، هنا نناقش النصف الفارغ من الكوب..أما النصف المليء من الكوب مجازاً والذي تمثله قوات الدعم السريع فإن هذه القوات قد استفادت من كل الإمكانيات التي تم توفيرها لها عبر مسيرتها القتالية ومنذ تكوينها، وكذلك استفادت من كافة المواقع التي اَلت إليها حراستها قبل هذه الحرب ولقد كانت كاشفة للجيش ولنقاط ضعفه، ولهذا أحدثت هذه الإزاحة في الكوب وحولتها لصالحها ضمن إطار القوة ولهذا تغلبت وإلى الآن على جيش البصاصين والذي لا تعرف استخباراته تحركات قوات الدعم السريع، ولكنها تعرف كيف تعتقل النشطاء السياسيين وأعضاء لجان المقاومة..وبالتالي وضمن حالة تحلل وتفكك منظومة الجيش ومن ثم الاقتحام للمدن من قبل قوات الدعم السريع، فهل نموضع هذا الاقتحام في خانة الغزو أم الفتح؟

الغزو أم الفتح

دلالات الغزو والفتح داخل المجال الإسلامي والذي تتقاتل هذه الأطراف داخله رافعة جميعها شعار الله أكبر تختلف من حيث المرامي والأهداف..فالغزو وضمن هذا المفهوم الديني يرتبط بالإغارة وتجريد الآخرين من ممتلكاتهم ودون اعتبارات أخلاقية أو انتباه للجانب الإنساني، أما الفتح وضمن هذه السياقات الدينية فيرتبط بقيم وأهداف يحاول الفاتحون إيصالها للذين يحاولون الدخول لدوائرهم، واضعين في الاعتبار بكون الغزو والفتح خارج الدائرة الإسلامية يمكن النظر لهما كفعل واحد ومتشابه من حيث الفعل والمضمون.. وضمن هذا التعريف المختصر فهل لدى قوات الدعم السريع هذه الأهداف الواضحة أو رسالة تسعى لتجسيدها أمام المواطن الذي يقتحمون مدنه وباعتبارهم منتمين لهذه الدائرة الإسلامية والتي قال قائد هذه القوات أنه يسعي لتجسيد مبدأ الشورى وتطبيقه فيها؟ الواضح ووفق المعطيات ومع تضارب التقارير التي تأتي من الأرض ودون تبني أي أطروحات يقدمها الطرف الآخر المرتبط بالجيش فإن قوات الدعم السريع هي أقرب لمفهوم الغزو من مفاهيم الفتح ضمن تحركها عبر الشهور الفائتة وللأسباب التالية:

أولاً: هذه القوات تدخل المدن دون أن تكون لديها أهداف أو خطط مسبقة لإدارة هذه المدن وبالتالي يتحول وجودها إلى فوضى تفقد معها المدن حالة الاستقرار النسبي الذي كانت تعيشه، ومن هنا فبدلاً من أن تكون هذه القوات منسجمة مع شعاراتها المرتبطة بتحرير المواطن من قبضة(الكيزان) تتحول هي إلى مهدد جديد يقلق حياة المواطن ويتم ترهيبه..

ثانياً: دون الذهاب نحو تجريم هذه القوات وكما يفعل ( الكيزان) إلا أن بعض الممارسات والتي يقوم بها بعض أفراد هذه المجموعات وليس في المدن فحسب، بل حتى في القرى من نهب لممتلكات المواطنين ووفق شواهد من أناس ليس لديهم عداء مسبق مع هذه القوات، فإن هذا يجعل من هذه القوات مجسدة لفكرة الغزو والمرتبط بالغنيمة وليس الفتح والمرتبط ببث القيم الجديدة، إذ يعد اقتحام قرى الجزيرة ونهب ما يمتلكه المواطنون تقويض مباشر لمفهوم فكرة الهامش التي تتحرك على أساسها هذه القوات وهو ضرب للفكرة من أساسها وبالضرورة فهي نسف للرسالة التي تحاول هذه القوات تصديرها للناس.

ثالثا: لقد شاركت هذه القوات ومعها الجيش في تدمير المدن وبالتالي فإن الحديث عن الدولة المدنية ودون وجود المدينة يصبح خيالاً، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أن إفراغ المدن من سكانها يحيلها إلى مدن غزو وليست مدنا للفتح والذي من المفترض أن يتعايش سكانها مع الفاتحين الجدد.. وحتي البيان الذي أصدرته قوات الدعم السريع بتاريخ 26 ديسمبر 2023م، والذي قصد منه تنظيم الحياة في ود مدني يأتي متأخرا ومقترنا بمنظور الملاحقة والذي تحدثنا عنه في مكان آخر وهو يأتي بعد خراب سوبا كما هو شائع في المثل، فالمواطن لا يعود لداره من خلال البيانات، إنما استنادا للوقائع على الأرض واحساسه بالأمان والذي تم سلبه من بعض أفراد هذه القوات، فالبيان يحاول معالجة الفعل اليومي لكنه لا يستطيع معالجة السلوك الممنهج لأن هذه المعالجة للسلوك تتطلب تشكيل هذه القوات على وعي جديد، وعي الفتح ضمن حيزه المجازي والذي أرمي به إلى الاختلاف عن ما فعله (الكيزان) عبر حكمهم للسودان حيث حولوا مدن عديدة لأرض محروقة، ويبدو أن قوات الدعم السريع ما زالت تسير على هذا النهج الموروث عبر عقلية (الكيزان)..في نهاية الأمر فقد توفرت للدعم السريع القوة المادية للسيطرة على مواقع عديدة في السودان، لكنه يفتقد مع هذه القوة الدوافع نحو أسس البناء علي أسس جديدة نتيجة لانعدام المفهوم والرؤية المسبقة التي تساعد على استقرار المواطنين وليس تشريدهم حيث أن رسالة الديمقراطية والشورى وفي حيزها الضيق لا تتم والناس يولون الأدبار من قوات الدعم السريع، حيث أن هذه المفاهيم تتم عبر تجسيد النموذج الأصغر ثم الأكبر وهو ما لم نراه حتى هذه اللحظة المشحونة بكل أنواع الخوف والترهيب….

الظاهرة الاخطر والتي نختم بها هذا المقال هي حالة الإنكار لدى داعمي الحرب ومن قبل الطرفين فيها، إذ بنفس الدرجة التي ترفض فيها الأطراف الداعمة للجيش حقائق الأمور على الأرض، ينكر الذين يقفون مع الدعم السربع ما تقوم به هذه القوات من ممارسات والذين استطيع أن أطلق عليهم الطهوريين أو المتطهرين الذين ينظرون لهذه القوات ضمن مفهوم النقاء والاستقامة وهؤلاء تأتي قراءتهم للأحداث وفق النسق المتعالي الذي تقرأ به الحركة الإسلامية الواقع وجميعهم يقعون في دائرة الايهام والوهم معا، وهي الدائرة التي تفرزها الحروب ضمن اختلالاتها النفسية…فالطرف الذي يحاول نفي ظاهرة النهب الذي تمارسه بعض أفراد قوات الدعم السريع يأتي بمقولة القوى الخفية والتي تمارس عملية هذا النهب، دون أن نعرف ماهي مهمة قوات الدعم السريع في هذه الحالات ولماذا تظهر هذه القوى الخفية وبشكل مكثف عندما تفتحم هذه القوات المدن، ولماذا لا تحاربها قوات الدعم السريع من أجل مصلحة المواطن ومنذ البداية؟ إنها المبررات الأقبح من الذنب والتي يتحول معها هذا الطرف الداعم لهذه القوات إلى منحى رغائبي كحالة لديها علاقة بالإنكار وهي حالة تبحث عن التسامي عبر انفصالها عن واقع الخراب في الأرض ومن ثم تحويل أفراد قوات الدعم السريع إلى رساليين لديهم أهداف تتصل بتحرير السودان ولن يتم التنازل عن هذه الحالة إلا من خلال فعل الصدمة، الصدمة التي أخرجت مؤيدي الجيش من دائرة الوهم وبدأوا إدراك خطلهم بعد دخول قوات الدعم السريع ود مدني، أما داعمي قوات الدعم السريع فإن الصدمة التي ستخرجهم من الوهم ستأتي قريبا وعندما يشاهدون أن هذه القوات قد تحولت لتكون جزءاً أصيلا من تمزيق السودان وهذا ما تشير إليه كل الوقائع على الأرض وهذا ما لا نأمل حدوثه…

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. 😎 وصف لي صديق ردة فعل اهالي ود مدني حين سماعهم ان الجنجكوز قد دخلوا مدينتهم هي الفرار مثل الدجاج المذعور من دخول ثعلب لاقفاصهم مما جعلني استحضر الحديث النبوي الذي نصه ؛

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم(فضلت على الأنبياء بست:
    أعطيت جوامع الكلم، نصرت بالرعب مسيرة شهر، أحلت لي الغنائم، جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أرسلت إلى الخلق كافة، ختم بي النبيون) رواه مسلم

    هل يقرأ الجنجكوز من كتاب السيرة المحمدية؟ 😳انا اجزم انهم كذلك من حيث يدروا او لا يدروا 😳

    الجنجكوز ثقافتهم بدوية صحراوية إسلامية و لا يمكنهم التصرف بغير استحضار تلك الثقافة و افعالهم تطابق بالضبط ما فعله بن العاص و موسى بن نصير حين دخلوا أفريقيا كغزاه فقط المشكلة ان المسلم الطيب لا يحكي له احبار الاسلام تلك القصص و يرددون له فقط قصص عدل عمر و رحمة محمد 😳😳

    خصوص الفرق بين الغزو و الفتح راجع المقال أدناه 👇🏿

    الغزو او الفتح النتيجة هي الاحتلال

    كوسلا ابشن

    نشر مفال في منتديات ستار تيمز يقول كاتبه: “ان تصوير الفتوحات الإسلامية في أفريقيا بأنها عملية غزو منظم وأنها مظهر من مظاهر الاستغلال الديني تصوير لا وجود له إلا في الخيال الخصيب
    لبعض المفكرين الغربيين ،لأن الحقائق التاريخية تفند هذا جملة وتفصيلا”.

    ويضيف :”الفتح الإسلامي لم يتعامل بمنطق الحرب، وإنّما تعامل مع الشعوب والدول بمنطق الحرّية الإنسانية، وتخليص الإنسان من الوثنية بطريقة سلمية ليس فيها شيء من العنف أو التعسّف”

    مفهوم الغزو, حملة عسكرية ضد العدو المفترض في عقر داره, يعني النهب والسبي بالعنف والقوة,وكان ابرز غزوة في عهد الاسلام المدني, غزوة محمد ضد بني قريظة (يهود ) عام 5هـ , وقتله بدماء باردة لكل من ظهرت عليه علامة البلوغ وسبيه للاطفال (ت) والنساء, وبعد رحيل محمد , قام العرب بغزوات خارجية ضد الشعوب الغير عربية كانت اكثر دموية واغتنموا الكثير من الغنائم لا تقارن بغزوة بني قريظة اوبغزوة خيبر.
    الفتح اصطلاحيا احتلال بلاد الشعوب الاخرى بدون استعمال القوة (سلميا) بالاستسلام وضم هذه البلاد لسلطة دولة الاحتلال (الفاتحة), وبالنسبة للكثير من العرب المسلمين, الفتوحات ارادة الاهية لنشر العقيدة الاسلامية واللغة العربية وضم البلاد المفتوحة للدولة الفاتحة (العربية) الاسلامية لتصبح من ملكيتها بارادة الله.
    الحقائق التاريخية بالنسبة للكاتب, الفتوحات تخليص الشعوب من الديانات الوثنية بشكل سلمي من دون عنف, باعتبار (الفاتح) العربي هدفه التبشير بالرسالة الالهية السلمية وليس من نيته التعامل بمنطق الحرب لنشرها وتطبيقها في البلاد ( المفتوحة ).
    حسب المنطق الصوري ف(الفتوحات ) العربية لشمال افريقيا لم تكن تهدف لاحتلال بلاد ايمازيغن وقتلهم وسبي اطفالهم ونسائهم ونهب خيرات بلادهم, بل جاءت نتيجة ارادة الله لتخليص ايمازيغن من العبادات الوثنية وادخالهم في دين الله افواجا, ونقلهم من بداوة مملكة نوميديا ومملكة موريطانيا (عن بن العذاري ” افريقية كانت ظلا واحد من طربلس الى طنجة وقرى متصلة ومدائن منظمة حتى لم يكن في اقاليم الدنيا اكثر خيرات ولا أوصل بركات ولا أكثر مدائن حصونا من اقليم افريقا والمغرب” ), ونقلهم الى الحضارة العربية ( النخلة والخيمة و وأد البنات), يقول ابن خلدون ” العرب ابعد الناس عن الصنائع والسبب في ذلك انهم اعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري ” ,الموضوعية العلمية تأكد ان من لا يملك لا يعطي.
    منطق الكاتب “يفند” الخيال الخصب للمستشرقين, لكون الاحتلال نتيجة لحرب استعمارية الهدف منه النهب والقتل والسبي وهذا ما يتعارض حسب هذا المنطق مع (الفتح) الاسلامي السلمي الهادف لهداية الامازيغ لدين الحق وتعليمهم لغة الجنة العربية و”تخليصهم” من الفقر والجهل و”تحريرهم” من العبودية.
    العروبي يرى الى حد انفه,و كل ما هو ابعد من انفه يضنه سراب وخيال, يستحيل على القادس للعروبة-اسلام ان يتحرر من نسقه المعرفي ويمتثل للمناهج العلمية والتحاليل الموضوعي المنفصلة عن الايديولوجية المثالية, لان التحرر يعني هدم اساطير القرون المشكلة للحضارة المتخيلة والامة الانسانية, النبيلة والمثالية.
    خضوع الكاتب للبنية المعرفية الاسطورية, جعلته لا يرى في الفعل الاستعماري العروبي الا عملا عادلا وانسانيا ومشروعا وايجابيا في خدمة الشعوب (الانسانية), فالبنية تشكلت حسب ارادة الفاعل الاساسي للبناء النسقي, فالمتبني للنسق لا يتناقض مع مضمونه الفكري وتجلياته الميدانية, وهو حريس على الدفاع عنه وانتقاد الفكر النقيض بكل الوسائل وان لم يستطيع فبخلق الاكاذيب وفبركة التهم و تبرير الاستعمار بفعل ارادة الله .
    وضعية شمال افريقيا بين الفتح واللغزو, اذا كان الفعلين يؤديان بالنتيجة الى ضم بلاد ايمازيغن لسلطة الخلافة في دمشق, فهذا يعني حرمان الامازيغ من استقلاليتهم وحريتهم وتقرير مصيرهم بانفسهم وبالتالي خضوعهم لسلطة اجنبية تسير اموره المادية والروحية, ونتيجة فقدان السيادة والامتثال للاحتلال, ويبقى الشعب والارض خاضعان للسياسة الاستغلالية من نهب الانتاج المادي وهدم الانتاج الروحي وتراكم العملية ينتج عليه الخراب والزوال في خدمة للاستلاب والاغتراب وهذا ما اشار اليه ابن خلدون ” في ان الامة اذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع اليها الفناء”.
    الحقائق التاريخية الموضوعية تفند اوهام واكاذيب المستعمر العربي والخيال المدون و المتراكم عبر القرون حول الطريقة السلمية والانسانية ((لدخول)) العرب شمال افريقيا, ليس المستشرقون وحدهم من ينتقد هذه المزاعم, بل حتى التأريخ العربي الاسلامي اشاروا الى هذه الحقيقة, رغم ان كشفها لم يكن للموضوعية العلمية وانما للاعتزاز بقوة العرب وتمددهم في الارض واحتقار الشعوب المنهزمة والمقهورة, ( الكامل في التاريخ) لابن الاثير و (البداية والنهاية) لابن كثير وابن عذاري المراكشي( البيان المغرب في اخبار الاندلس والمغرب ) وغيرهم, لم يذكروا الصراع الدامي الذي دام سبعة عقود فحسب, بل دونوا الجرائم البشعة التي ارتكبها المجرمون العرب المسلمون باسلوبهم الوحشي اللاانساني في القتل والنهب واستعباد البشر,عن ابن كثير ” امرعثمان عبد الله بن ابي السرح ان يغزو بلاد افريقية فاذا فتحها الله عليه فله خمس الخمس من الغنيمة, فساراليها … وقتل خلقا كثيرا من اهلها ” , وعن بن عذاري المراكشي, كتاب البيان المغرب , يقول “سار عبد الله بن ابي سرح حتى نزل باب مدينة قرطاجة, فحاصرها من كان معه من المسلمين حصارا شديدا أتي فتحت فأصاب فيها من السبي والاموال ما لم يحيط به الوصف وكان اكثر اموالهم من الذهب والفضة, فكانت توضع بين أيديه اكوام الفضة والذهب”, و” قسم ابن ابي السرح السرايا والغارات من مدينة سيبطلة فبلغت جيوشه بقصر قفصة فسبوا كثير وغنموا فأذلت هذه الوقعة الروم بافريقية ورعبوا رعبا شديدا, فجاءوا الى الحصون والمعاقل, ثم طلبوا من عبد الله بن اسعد ان يقبض منهم ثلاثمائة قنطار من الذهب في السنة جزية على ان يكف عنهم ويخرج من بلادهم, فقبل ذلك منهم وقبض المال وكان شرط صلحهم” نفس المصدر, ويستمر الغزو والهمجية ” وصل عقبة بن نافع الفهري إلى إفريقية … فافتتحها ودخلها ووضع السيف في أهلها” ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب. “رحل اليها حسان ونزل عليها فحاصرها حصارا شديدا حتى دخلها بالسيف فقتلهم قتلا ذريعا وسباهم ونهبهم وارسل لمن حوليها فاجتمعوا اليه مسارعين خوفا من عظيم سطوته وشدة بأسه فلما أتوه ولم يبقى منهم أحد أمرهم بتخريب قرطاجة وهدمها فخربوها حتى صارت كأمس الغابر ” المصر السابق,
    “كان الوالي على مصر يولي على افريقية فعزل حسانا وأمره بالقدوم عليه فعلم حسان ما أراد عبد العزيز بن مروان أخو عبد الملك فعمد الى الجوهر والذهب والفضة فجعله في قرب الماء واظهر ما سوى ذلك من الامتعة وانواع الدواب والرقيق وسائر انواع الاموال فلما قدم على امير مصر عبد العزيز أهدى اليه مائة جارية من بنات ملوك الروم والبربر فسلبه عبد الملك جميع ما كان معه من الخيل والاحمال والامتعة والوصاءف والوصفان ورحل حسان بالاثقال التي بقيت له حتى قدم على الوليد فشكا له ما صنع به عبد العزيز فغضب الوليد على عمه عبد العزيز ثم قال لحسان لمن معه ” ائتوني بقرب الماء” ففرغ منها من الذهب والفضة والجوهر والياقوت ما استعظمه الوليد وعجب من أمر حسان فقال له الوليد ” جزاك الله خيرا ياحسان” فقال” يا أمير المومنين انما خرجت مجاهدا في سبيل الله وليس مثلي يخون الله والخليفة” فقال له الوليد ” انا أردك الى عملك وأحسن اليك وأثق بك” نفس المصدر.
    وعن ابن كثير ( البداية والنهاية )” بعث موسى ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس، وبعث ابن أخيه في جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس أيضا من البرير، فلما جاء كتابه إلى الوليد وذكر فيه أن خمس الغنائم أربعون ألف رأس قال الناس: إن هذا أحمق، من أين له أربعون ألف رأس خمس الغنائم ؟ فبلغه ذلك فأرسل أربعين ألف رأس وهي خمس ما غنم، ولم يسمع في الاسلام بمثل سبايا موسى بن نصير أمير المغرب”, و عن
    بن الأثير ( الكامل في التاريخ ) ” بلغت غنائم موسى بن نُصير, فاتح المغرب , سنة 91 هجرية , ثلاثمائة ألف رأس سبي , بعث خمسها الى الخليفة الوليد بن عبد الملك , أي ستين الفاّ”. “وأوغل في الغرب يقتل ويأسر أمة بعد أمة، وطائفة بعد طائفة”. بن عذاري المراكشي، البيان المغرب.
    كتابات هؤلاء واضحة ولا لبس عليها, فالغزو او الفتح العربي, لم يكن الا احتلال وعدوان وحشي هدفه استعمار شمال افريقيا وابادة اهلها ونهب خيراتها وسبي اطفالها ونساءها, يقول ابن خلدون ” العدوان اكثر ما يكون من الامم الوحشية الساكنين بالقفر كالعرب, لانهم جعلوا ارزاقهم في رماحهم ومعاشهم فيما بأيدي غيرهم”. عدوانية ووحشية الغزو العربي اسفر عن سيطرة قوم, رزقه في رماحه وجبروته, وما ذكره بن عذاري المراكشي ” طلبوا من عبد الله بن اسعد ان يقبض منهم ثلاثمائة قنطار من الذهب في السنة جزية على ان يكف عنهم ويخرج من بلادهم, فقبل ذلك منهم وقبض المال وكان شرط صلحهم” يظهر ان العنصر الاقتصادي كان الهدف الرئيسي للغزو العربي ونتيج عنه احتلال ارض تامازغا و الاستحواذ على خيراتها واستعباد شعوبها وفرض الثقافته واللغة البدويتين تمهيدا لتغيير هوية تامازعا القومية تعارضا مع للطبيعة وارادة الشعوب المحتلة, لينتقل الغزو من الغريزة الوحشية في القتل و النهب والسبي, لتلبية رغبات الحاكم في المركز الخلافة الى الاستعمار الاستطاني القائم على استطان المستعمر والسيطرة على ملكية البلاد والسيادة الجغرافية والاقتصادية والثقافية واللغوية والسياسية , وليس بالضرورة بقاء التبعية لدولة المركز, لكن بامكانية الاستقلال عن دولة المركز مع الاظفاء على المستعمرة الانتماء للهوية القومية لدولة الاحتلال, الانتماء الخارجي للجغرافية وللذات المحليتين, وهو ما يتجلى حاليا في الاصطلاحي الاستعماري العرقي لما سمي ب ((( المغرب العربي ))).
    اذا كان ” فتح” شمال افريقيا هدفه نشر الاسلام كما يزعم منظري الاستعماري العروبي, وليس لهدف استراتيجي استعماري, فكيف اصبح اذا الشمال الافريقي بلاد ايمازيغن (((مغربا عربيا))) موطنا للعرب, ينتمي للهوية القومية لاهل الحجاز والنجد , “احلال ” نوع” انساني محل “نوع” انساني اخر”, حسب فرانز فانون ( معذبوا الارض ) ؟؟؟؟؟؟.
    الادعاء ان الغزو العربي ظاهرة انسانية مرتبطة بتحرير الشعوب المقهورة, تروهات ميتافيزيقية لا علاقة لها بالوقائع التاريخية, والهدف منها غسل دماغ العامة لتسهيل العملية الاستراتيجية الدائمة في ترسيخ قابلية قبول الحكم الاجنبي والانصهار في الهوية الاستعمارية الزائفة, مع اماتة الهوية الحضارية للشعوب المحلية, وهو الواقع الاستعماري الذي يدافع عنه حاليا منظري الزمرة العرقية العروبية في شمال افريقيا.

  2. د. أحمد محمود حالة نادرة من التفكير والتحليل الموضوعي الثافب في سيرة الفكر السوداني … ولأن كتاباته تفارق المهاترة والإساءات واللغو ولأن كتاباته تخاطب العقل لهذا يغيب عنها قطيع المعلقين المتحفز للشتيمة والملاسنة … وهذا دليل على قيمة كتاباته

  3. الكلام الكتير لزومو شنو وانتو من الاول قلتوا معليش ماعندنا جيش.. يعني لو انتصر الجيش على الدعم السريع فى سويعات برضو رايكم لن يتغير في الجيش.. احسن تناصروا الدعم السريع بالواضح بدون لف ودوران والمقدرو الله لابد يكون.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..