مقالات سياسية

آليات حجب الشرعية عن الجنجويد وقيادة الجيش المختطف معا!!

د. احمد عثمان عمر

يستغرب البعض عند المطالبة بحجب الشرعية عن الجنجويد بوصف ان ذلك حلم يصعب تحقيقه وأنه مجرد امنيات، ولايدري ان هذه المطالبة يجب ان يضاف اليها حجب الشرعية عن القيادة المختطفة للجيش ايضاً، وأن الأمرين ممكنين وواقعيين برغم صعوبتهما.

فالصعب ليس متروكا، كما يتوهم بعض السياسيين السودانيين الذين يعملون في السياسة برزق اليوم باليوم، ويغرقون في التكتيكي المتناقض مع الاستراتيجي المعلن، فيقعون في الانتهازية السياسية.

فحجب الشرعية عن طرفي اللجنة الامنية، هو ببساطة استمرار لحجب الشرعية عن انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م وليس ابتداعا لأمر جديد، ومد لخط حجب الشرعية القائم على استقامته بتثبيته، ومنع الطرفين المتحاربين من اكتساب الشرعية عبر قوة السلاح واشعال الحرب، في تطبيق مباشر لشعار الثورة “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، رغم انف الحرب وفي رفض مباشر لفرض نتائجها وتداعياتها السلبية على شعبنا العظيم في المستوى السياسي، والاكتفاء بالمعاناة الجسيمة من آثارها المادية والنفسية.

والبعض يتساءل حول الآليات التي يمكن بها حجب الشرعية عن الطرفين في ظل الحرب اللعينة الراهنة، والإجابة على هذا السؤال الملح والصعب تكمن فيما يلي: اولاً: عدم السماح للجنجويد بالتحول إلى سلطة امر واقع مؤسسية وعدم الانخراط في اي مؤسسات سلطة بديلة تؤسسها.

فالمليشيا المجرمة تمكنت من السيطرة عسكريا على مناطق واسعة، ولكنها لم تستطع بناء سلطة مؤسسية قادرة على ادارة تلك المناطق كحكومة امر واقع.

وهذا يعني انها غير قادرة على رسملة انتصارها العسكري سياسيا، وأنها في حاجة ماسة لمن يعينها ويقبل بها جماهيريا حتى تتحول إلى سلطة امر واقع بدلا من سيطرتها عسكريا فقط. وافتقارها لهذه القدرة، هو سبب جولة قائدها الآن في الدول المجاورة يستجدي الاعتراف والدعم السياسي، مع ملاحظة ان الدول التي تستقبله تقوم بذلك على انه جزء من سلطة قديمة لا مستحدثة. اي ان المطلوب هو التعامل مع الجنجويد كقوة مسيطرة عسكريا فقط، لا كسلطة امر واقع، والتعامل بالحتم لا يعني التعاون.

وعزل المليشيا وعدم التعاون معها يتطلب ما يلي:

1- رفض بات للدخول في اي مؤسسة سلطة مستحدثة تقوم بإنشائها وعدم قبول تحولها هي نفسها لسلطة تدير الشئون المدنية. وتكوين مؤسسات مدنية بديلة سرية تتخذ واجهات متعددة وتنسق بين الخدمات الضرورية للمواطنين.

2- تكوين اجسام اجتماعية فاعلة تعمل سرا في مناطق احتلال المليشيا داعمة للسلطة المدنية السرية المحلية، وربطها بأجسام اجتماعية داعمة لتلك السلطة السرية من السودانيين العاملين بالخارج، تعمل بشكل مؤسسي بدلا من المبادرات الفردية لمقابلة احتياجات المواطنين في إطار قيم التكافل الاجتماعي المعروفة التي يمكن عبرها ادارة هذا النشاط.

3- المقاومة السلمية- نكرر السلمية وليس المسلحة- لجرائم وانتهاكات المليشيا، وذلك عبر تجمع المواطنين في المكان المستهدف كمنزل ما لمنع نهبه او اغتصاب نسائه، والضغط المحلي والدولي على قيادة المليشيا برصد الجرائم وتحميلها المسئولية ومطالبتها بضبط منسوبيها المجرمين، واتخاذ ما يلزم من نشاط إعلامي يحاصر المليشيا المجرمة ويفضح نشاطها البشع ويسقط أكاذيبها حول المدنية والديمقراطية، وتكوين مجموعات سرية لعمل إعلامي نشط في وسائط التواصل الاجتماعي.

4- التمسك بشعار “لا للحرب” وتفعيله بتحويله لإجراءات عملية وانشطة سرية ومعلنة، ترفض التسليح والتسليح المضاد، والتجييش والتجييش المضاد، القائمين على الاستقطاب والاستقطاب المضاد والانخراط في الحرب بدعم أحد طرفيها المجرمين، مما يطيل أمدها ويوفر لها وقودا جديدا، بدعم طرفيها المنهكين تماما.

ثانياً: منع القيادة المختطفة للجيش ومن خلفها الحركة الإسلامية المجرمة من استثمار حالة الرعب من ميليشيتها المجرمة التي كونتها لقمع الشعب، وتحويله إلى تجييش يدعم عملية الاستنفار الفاشلة ويحول الحرب إلى حرب اهلية.

فالاستجابة إلى عملية التجييش والتسليح التي يقوم بها الجيش في المناطق المستهدفة من قبل الجنجويد تحت دعاوى الدفاع عن الارض والعرض، ماهي إلا حملة لضخ دماء جديدة في عروق الحرب الناضبة، وتطويل لأمد حرب فشل الجيش المختطف وكتائب الإسلاميين المجرمة والمستنفرين المخدوعين في تحقيق نصر واحد فيها. والمشاركة في مثل هذه الحملة هي شرعنة لسلطة انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م من ناحية،

وقبول لتحويل الحرب إلى حرب اهلية كما تتمنى الحركة الإسلامية من ناحية اخرى، ودعم صريح لهذه الحركة المجرمة بدلا من تحميلها المسئولية ومحاسبتها. فمقاومة الجنجويد تتم بالمقاومة السلمية والعمل من اجل ايقاف الحرب لا بتسعيرها، حتى يتم التمكن من تكوين سلطة مدنية تحل الجنجويد وتحاسب قيادة المليشيا عن الجرائم التي قامت بارتكابها. وهذا يستلزم نشر الوعي حول خطورة التجييش على اساس جهوي وعرقي وقبلي، ورفض الانخراط في دعم الجيش المختطف، والاستمرار في المطالبة بإعادة هيكلته وفك ارتباط الإسلاميين به وطرد منسوبيهم منه كشرط اساسي لدعمه، مع توضيح ان دعمه لا يعني مقاومة شعبية بل دعم للإسلاميين ولسلطتهم الانقلابية غير الشرعية.

فالدفاع عن المواطنين هو واجب الجيش المختطف، وليس من واجب المواطنين الدفاع عن السلطة الانقلابية، وانخراطهم في حملات الجيش لن يقود الا الى هذا في حال الإنتصار وهزيمة هذا المعسكر أكثر رجحانا حتى الآن. والسؤال هو: ماذا سيكون الوضع في حال حدوث هزيمة عسكرية بعد الانخراط في معركة الحركة الاسلامية ودعم الجيش المختطف من قبلها؟ والإجابة هي انه ستحدث استباحة بشعة لمناطق التجييش اسوأ من سابقاتها، لن تواجه بمقاومة شعبية لأن هذه المقاومة سحقت قواها مع الاسلاميين المجرمين. والصحيح هو أن تبدأ المقاومة الشعبية بعد انهيار الجيوش الانقلابية لا بالاشتراك معها في حروبها المفتعلة وغير العادلة.

وأن تبدأ كمقاومة سلمية كالتي نادينا بها اعلاه لا مقاومة عسكرية، وان تتحول إلى مقاومة عسكرية حين تقتضي الظروف ذلك ويتم الاستعداد للنضال العسكري وتستنفد المقاومة السلمية أغراضها.

لذلك المطلوب الان هو حجب الشرعية عن الطرفين المتحاربين، وعدم الاعتراف بسلطة اي منهما، امتدادا لعدم الاعتراف بسلطة الانقلاب الفاشل الذي قاد إلى الحرب، وبناء السلطة المدنية المحلية السرية كأساس لسلطة مدنية حرة وخالصة على مستوى البلاد، بالتوازي مع تطوير بناء الجبهة القاعدية التي تقود هذا العمل. وشعبنا صانع المعجزات قادر على ذلك، فهو لا يتهيب الصعب ولا يبحث عن سهل يهزم أهدافه الإستراتيجية. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!!

‫3 تعليقات

  1. تحقيق هذه الفكرة يتطلب وقوف أغلبية الشعب معها لكن من خلال سرد المقال يتبين ان كاتب المقال يريد عزل الأحزاب السياسية المتحالفة مع الجيش او الدعم السريع. طيب من وين ستاتي بالاغلبية..لا يمكن تحقيق هذه الفكرة دون توافق سياسي عريض يمنع الآخرين من التعاون مع أي سلطة امر واقع.. اليسار واليمين مستمرين في المكايدات ومحاولة خلق واقع جديد دون اكتراث بتهيية المسرح أولا.

  2. هذا المقال الثاني لنفس المحامي في محاولة يائسة لاعادة قحت على حساب العساكر و الاغلبية الصامتة

  3. السيد الدكتور تحية طيبة … تابعت كتاباتك في الفترة الماضية وبدت لي، في أغلب الأحيان، أراء يمكن محاورتها والوصول إلى حدود دنيا مشتركة بشأنها “خلاف الموقف الرسمي للحزب الشيوعي المتمسك بمثاليات بعيدة عن أرض الواقع وتوازن القوى على الأرض” لا أطمح أن أنجح فيما فشل فيه دكتور الزيلعي …. لكنني أحب أن أذكرك بأمور أساسية في أي وقف للحرب متفاوض عليه أو أتفاق سلام ينهي حرباً.
    ـ في الحالة السودانية وفيما يخص وقف الحرب فالأطراف الأساسية في التفاوض هي البرهان وجيشه وحميدتي ومليشياته، المدنيين ومراحل ما بعد وقف إطلاق تأتي لاحقا، …
    ـ أتفاق ما بعد وقف إطلاق النار، المرحلة الانتقالية ووضعية الجيوش و”استعادة المسار الديمقراطي بصورة عامة” يجب أن يكون المدنيين طرف ثالث أساسي فيها. سنتجاوز هنا عن معضلة “من هم المدنيون؟ وكيف يتم تمثيلهم” رغم أنها عقبة كؤودة …
    ـ المدنيين هم فقط طرف ثالث، مازال العسكر والمليشيا معنا، لا يمكن أن تفاوض طرف موجود على الأرض بسلاحه وجنوده وفق هذه الشروط “أنت لا شرعي، سيتم حل قواتك ونزع سلاحك ومصادرة كل أموالك ومحاسبتك على الجرائم التي أرتكبت خلال الحرب ولن يكون لك دور في المرحلة الانتقالية أو ما بعدها ولن تصبح حتى جزءا من ترتيبات إعادة بناء الجيش القومي” هذه الشروط تقول للمتحاربين عودوا إلى حربكم، هذه شروط لن بقبل بها حتى الوسطاء.
    ـ التجارب في جنوب إفريقيا و رواندا وكولمبيا وحتى أسبانيا علمتنا أنه من أحل التعافي والمضي للأمام لا يمكن نسيان الضحايا لكن أيضا لا يمكن الغرق في الماضي وتبديد الطاقات في القصاص والمحاكمات والانتقام للضحايا، العدالة فكرة وممارسة نبيلة لكنها ليست مطلقة بل نسبية.
    ° القوات المسلحة الثورية الكولمبية “اليسارية” FARC مارست كل شيء خلال سنوات الحرب من الإغتيالات والتهديد واختطاف الأثرياء من أجل الفدية إلى الجبايات على تجارة المخدرات وحمايتها” وهي مصدر دخلها الأساسي، لكن بعد اتفاق السلام في 2016 أصبحب جزء من الحكومة، فارك سلمت أسلحتها للأمم المتحدة وتحولت إلى حزب سياسي بل جاء منها رئيس لكولمبيا في2018 …
    ـ في أسبانيا التي روعها نظام فرانكو الفاشي من نهاية الثلاثينات إلى 1975 عندما مات فرانكو “موت الله” ورغم ألاف الضحايا ورغم كل الجرائم اتفق اليسار واليمين على ما بات يعرف ب “اتفاقية النسيان” Pact of Forgetting والتي تقول باختصار أنه من أجل المضي بأسبانيا للأمام لا يمكن التخندق في الماضي، حتى أن البحث عن قبور الضحايا من الثوار “بما فيهم لوركا” ونبشها كان ممنوعا ولم يسمح به إلى حديثا
    ـ في رواندا وبعد انتهاء الحرب الأهلية والإبادة الجماعية فضلت الدولة عقد محاكمات الحقيقة والمصالحة على مستوى القرى عوضا عن المحاكمات الجنائية الرسمية، عقدت أكثر من ثمانية آلاف محكمة للحقيقة ورغم تشكيل المحكمة الدولية الجنائية لرواندا ICTR فقد غلبت المصالحة على القصاص.
    من الصعب والمر والمحزن مطالبة الضحايا وذويهم بالتنازلات وغياب القصاص قد يشجع آخرين على تكرار هذه الانتهاكات لكن دروس الحاضر وحكمة التاريخ تقول من أجل التقدم للإمام يجب على الجميع تقديم تنازلات .. الضمانة الوحيدة لعدم تكرار هذا وللمضي للأمام بخطى ثابتة هو وحدة القوى المدنية الديمقراطية وتماسكها …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..