مقالات سياسية

اللايفاتية: الأنبياء الكذبة

فيصل خليفة – أمريكا

لماذا يحب اللايفاتية الحرب ولماذا يسعون الى استمرارها؟، واحدة من أهم الأسباب ببساطة؛ هي أن الحرب كان لها الفضل فى اعادتهم مرة أخرى إلى الواجهة بعد أن أصبحوا نسيا منسيا. هذا الامر ينطبق بشكل أكبر على: الانصرافي وذي النون والربيع وأولاد الضي، وهم أبرز الناشطين فى وسائل التواصل منذ تفجر الثورة وحتى قيام الحرب.

الحرب اعادت اليهم اعتبارهم المزيف ومنحتهم وظائف وأغدقت عليهم العطاء من مال وصيت حتى أن بعضهم كانت تجري معه كبريات القنوات الإخبارية مقابلات مثل الربيع ودكتور الزين فقط بسبب حضورهم الملحاح على مواقع التواصل الاجتماعى وليس بسبب مرجعيتهم المعرفية.

قبل الحرب كان الناس قد توقفوا عن متابعة الماراثونات اليومية والمملة للايفاتية، خاصة بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر وتفشي الإحباط وخفوت جذوة الثورة في قلوب الناس إضافة إلى الانشقاقات الكبيرة في صفوف قوى الثورة.

كان الناس فى البداية يتابعون اللايفاتية كفعاليات ملازمة للحراك الثوري ولكن بعد ان تورط اللايفاتية بتهافتهم وانتهاز يتهم فى المؤامرات المحاكة ضد الثورة بدأ الناس بالتوقف عن مشاهدتهم لانهم اصطفوا ضد الثورة وأصبح بعضهم يباع ويشترى وفى خدمة من يدفع أكثر ورأينا مؤخراً كيف ان بعضهم ينشر غسيله وغسيل أقرانه على الملأ.

وواحدة من سياقات البؤس التي وضعتنا فيها عقود التيه الانقاذية انها كانت مثل (الثقب الأسود) الذى يلتهم الكواكب والنجوم بسبب الفساد وسوء الأخلاق الذى جرف الجميع إلى مركزه؛ سياق فساد كاد ان يجرف كافة أفراد الشعب السوداني الى دائرة فساده التى التهمت الأخضر واليابس من خيرات البلد والطيب والقبيح من الناس. ومن إفرازات الفساد السالبة التى لا تعد ولا تحصي؛ سقوط معايير الاستحقاق و الجدارة ، فأصبح من يتصدرون المشهد فى مواقع التواصل الاجتماعي هم الأعلى صوتا والأكثر جرأة وليس الأكثر كفاءة ومعرفة وتخصصا بل الأكثر كذبا وتضليلا.

اللايفاتية هم ابلغ مثال للحصاد البائر لسنوات الضلال والتيه الموسومة بالجرأة على الحق واحتقار العلم والمعرفة مثلهم مثل من يدعون بالخبراء الاستراتيجيين الذين كانوا يهللون للحرب فى القنوات الإخبارية.

قلنا كان نشاط اللايفاتية قبل اندلاع الحرب يعانى من الركود والاضمحلال بفعل انفضاض الناس عن الشأن العام وبسبب الإحباط الذى دفعتهم اليه ممارسات ومؤامرات اللجنة الامنية، وكان بالكاد ان تصادف لايفاتى في صفحتك بسبب النسب الضئيلة والمنخفضة جدا للمشاهدات – دع عنك التشيير واللايكات- وللتحقق من ذلك يمكن العودة إلى لايفات الانصرافي وذي النون والربيع وأولاد الضي قبل الانقلاب لمقارنة عدد المشاهدات ما قبل الحرب وما بعد الحرب..

لكى نكون أكثر دقة فلنأخذ مثالا من ظاهرة “اليوتيوبرز السياسيين” او ما يقال عليهم المؤثرون، وهي حرفة تدر مالاً وفيراً إذا كان اليوتيوبر مشهوراً وله كثير من المتابعين غير أنه يكون عرضة لإغراءات كثيرة من الأشخاص والجهات التى تود استخدام منبره و شهرته لتفعيل اجندتها مثل الاستخبارات والأحزاب السياسية او الجماعات الدينية . إذن، في مثل هذه الحالة يمكن شراء ذمة وصوت اليوتيوبر وعمليا شراء متابعيه. لكن كيف يحدث ذلك؟

نحن رأينا كيف أن بعض اليوتيوبرز اعترفوا باستلام أموال من جهات سياسية ونظامية ومن هنا يمكننا بناء تصورعن كيفية حدوث ذلك والغرض منه.
الجهات الأمنية، ومنها الاستخبارات التى تبحث عن منصات إعلامية أو واجهات تتستر خلفها و لديها رسائل سياسية تسعى لتوصيلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها وسائل فى متناول المتلقي المستهدف، لذلك تجد في منصات اليوتيوبرز (اللايفاتية) ضالتها المنشودة ، لماذا؟ وقبل الإجابة عن السؤال يمكن القول أن هذه الجهات تملك الموارد المطلوبة من مال ورجال إلى صنع منصاتها الخاصة بها، لكنها لا يمكن أن تخلق التأثير المطلوب.

لذا فإن الإجابة عن السؤال هي أن هذه الجهات، وإن كان بإمكانها صنع منصاتها الخاصة وربما لديها منصاتها الخاصة بها لكنها لا تضمن نجاحها في كل الأحيان لذلك تلجأ إلى استمالة المنصات الجاهزة التى تتمتع بالشهرة وصنعت اسما ولديها عدد لا بأس به من المتابعين وليس من السهل اكتشاف روابطها او شراكتها الخفية مع هذه الجهات بل وقد تبدو لكثير من الناس أنها جهات مستقلة ووطنية.

يدعى اليوتيوبرز بأنهم ناشطون سياسيون (ونحن نبرز هنا الأسماء التى تتصدر المشهد الان) بينما هم في الحقيقة يسعون خلف المال بدليل خروجهم اليومي والراتب. فهم يخرجون إلى الناس (يوميا) لأنها حرفتهم أو مهنتهم الوحيدة التي يستخدمون من خلالها شتى الأساليب لدفع الناس لعمل أكبر عدد من اللايك والشير لضمان حصولهم على المقابل المادي من وسائل التواصل المختلفة فيس بوك أو يوتيوب أو خلافه.

وعقب انطلاق شرارة الحرب مباشرة كانت هنالك جهات تنشر قائمة لمصادر إعلامية تدعو الناس للثقة بأخبارها عن الحرب. وهي قائمة تحتوى روابط إلكترونية وعدد من القنوات والمصادر الإخبارية الإلكترونية والتقليدية بما فيها صفحات اللايفاتية المعروفين للناس وفى مقدمتهم الانصرافي وذو النون وأبو رهف وغيرهم .
نحن هنا لا نبحث عن الجهات التى وراء القائمة لأن الجميع يعرف من هي تلك الجهات, لكن هذا الأمر له صلة مباشرة بالعودة المفاجئة لليوتوبرز الى واجهة الأحداث مجددا مدعومين بأعداد خرافية من المتابعين.

ونحن كذلك لا نقلل من دور الحرب نفسها كحدث مزلزل لعودة اللايفاتية وصعود نجمهم ، مرة اخرى، لكن أن يكتشف الناس فجاة ميزات خارقة في بعضهم ويتم رفعهم الى مصاف الأنبياء ويحيطونهم بالخرافات، رغم انهم كانوا موجودين بشكل يومي في سوح مواقع التواصل الاجتماعي منذ اربعة أعوام ولم يلاحظ فيهم أحد هذه الميزات بل نالوا اثناء ذلك من التجاهل ما يستحقونه , فهذا هو الامر الذى يدعو للحيرة والتفكر!؟
إذا سألنا أي شخص عن التفسير المنطقي لذلك لتوصل لاستقراء سريع بأن هنالك غرف إلكترونية منظمة لجهات استخباراتية او حزبية منظمة تملك قوة بشرية هائلة خلف الكيبورد، قامت في بداية الحرب بدفع وتمكين هؤلاء اليوتيوبرز بالشير واللايك وخلافه ورفدهم بالأعداد اللازمة والزخم اللازم لتجعل منهم ترندات تصل إلى اكبر أعداد ممكنة من الناس خارج وداخل السودان في الميديا من أولئك المتعطشين لمعرفة وقائع وتطورات الحرب وغيرهم من اليائسين والمحبطين والمصدومين بفظائع الحرب والمهجرين من بيوتهم الذين يتحرقون شوقا للعودة لمنازلهم ووظائفهم وحياتهم الطبيعية. فى الأثناء يعتقد اليوتيوبر بأنه يقوم بعمل وطني سامى ونبيل ويربت على ضميره برفق ويدعى – أو يتظاهر – بأن مواقفه السياسية تتوافق – ان لم تتطابق – مع أجندة كفيله؟

الا يعيدنا هذا الى مقولة: الحرب خدعة، وأن الاستعداد للحرب كان يجري بليل خاصة على الجبهة الاعلامية قبل اندلاع الحرب؟
لكن هذا الامر لن يستمر طويلا ، لأن الأرض مرة أخرى بدأت تميد اسفل أقدام اللايفاتية السودانيين دعاة الحرب بعد أن مل وسأم الشعب من أكاذيبهم وانكشف جهلهم وضلالهم وتبين أنهم غربان شؤم وطبول يقرعها آخرون وأن الشعب في شرعتهم ليس إلا أرقام لايك وشير لضمان شيك الإعلانات أو شيك كفيل المنصة السري.

اعتقد ان عزوف المفكرين والصحفيين المحترفين والمتخصصين والاكاديميين السودانيين عن مخاطبة الشعب السوداني من خلال مواقع التواصل الاجتماعى ليس له مبرر خاصة في وقتنا الحاضر الذى تمر فيه بلادنا بمنعطف خطير يهدد وجودها. هذا العزوف فتح المجال لبروز أفراد حولتهم صدفة انهم كانوا ناشطين ومطلبيين سياسيين بقدارت عادية الى قادة للراي العام في أحلك الظروف التى تمر بها البلاد وجعلتهم طبيعة مهنتهم نهبا للاغراء والاستغلال من قبل الكثير من الجهات التى لا تريد خيرا لبلادنا خارجيا وداخليا.
هذا العزوف للأسف ربما مرده الى واحدة من أسوأ عقائد الشعب السوداني (mindset) وهى الانتظار حتى تحل المشاكل نفسها بنفسها وهو ميكانيزم خاص بالعقل السوداني الذى يقوم بتأجيل مواجهة المشاكل ولا يحرك ساكنا حتى اذا بدأت هذه المشاكل في مراكمة التفريخ والانقسام السرطاني. لذلك تراكمت علينا الإحن والمعضلات بعضها فوق بعض إلى أن وصلت حد الانفجار , وهل هنالك سوء خاتمة ابلغ من الحرب.
سلطة ونفوذ مواقع التواصل الاجتماعي تبدت مساهمتها الكبيرة في تحرير السودانيين من حكم الانقاذ عندما وفرت عالم افتراضي بديل للمقاومة الشعبية , لتناقل الاخبار وتنظيم المظاهرات وفضح التضليل الذى تمارسه وسائل الاعلام الحكومية. لكن بعد نجاح الثورة سلطة ونفوذ مواقع التواصل الاجتماعي نفسها سرعان ما استخدمت أيضا من قبل اعداء الثورة في تشوية قوى الثورة بالدعاية المضادة والحشد الاعلامي وترويج الاشاعات والاكاذيب التى نجحت في شيطنة قوى الثورة (ومؤسسات الانتقال الديموقراطية – مجلس الوزراء و لجنة ازالة التمكين) وشق الصف الوطني (إجماع الشارع) وبث مشاعر الاحباط والشك وسط الثوار مما ساهم في اخماد جذوة الثورة في نفوس الناس الى أن انتهينا الى الشر المحض وهو الحرب الدائرة الآن.
“وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين سبق وأن ذكر ذلك وائل غنيم – أحد ابرز القادة الشباب لثورة يناير المصرية – في لقاء مع الكاتب الصحفي الامريكي توماس فريدمان (نيويورك تايمز) وسؤال فريدمان كان هو “وسائل التواصل الاجتماعي صنعت ثورة أم هدمت نظام؟”.

نحن في السودان أكثر من يعلم بأن قوى الردة في الثورة المصرية استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للقضاء على الثورة المصرية، وهو نفس السلاح الذى هدمت به الثورة نظام حسني مبارك. والحقيقة أنه؛ اذا كانت وسائل التواصل قادرة على ان تهدم نظاماً بدلا من أن تصنع ثورة فبإمكانها أن تهدم الثورة اذ انها عند ذلك ستكون أقرب الى معول الهدم من معول البناء، وكان ذلك قاب قوسين او أدني مما حدث في السودان ولا زال يحدث.

اللايفاتية يقدمون للناس ما يرغبون. والناس لا تريد سماع الحقيقة بل سماع ما تريد وترغب. الحقائق الموضوعية والترابط المنطقي للأحداث ليس لهم دور كبير في تشكيل الرأي العام بل العواطف والقناعات الذاتية والمعتقدات الرغائبية هي التى تشكل رأي الناس، بينما العلم يعتبر مرجعية معرفية لا تحظي بتقدير كاف في بلادنا. مع ذلك في هذا المنعطف الهام من تاريخنا تقود الرأي العام السوداني مجموعة شعبوية من اللايفاتية تسعي خلف مجدها الخاص وتروج لتصوراتها الذاتية؛ تدق طبول الحرب وتلح على تأكيد رسالة واحدة هي؛ استمرار الحرب، لتقود البلاد الى شفا جرف هار.

عليه، يجب أن ندرك بأن جانباً كبيراً من هذه الحرب تدور رحاه في جبهة وسائل التواصل الاجتماعي، واذا أردنا حقا ايقاف الحرب علينا ان نقاتل ولو بأضعف الايمان في هذه الجبهة الافتراضية لقيادة وتعبئة وتوجيه الرأي العام السوداني الى وجهة انهاء الحرب وتقليل الضرر الكبير الذى يقوم به اللايفاتية بدفع الرأي العام الى وجهة استمرار الحرب وبالتالي تطاول معاناتنا جميعا.

ماهر أبو الجوخ يخوض التجربة

وهنا من المهم الإشادة بدور الاستاذ الصحافي ماهر أبو الجوخ الذي خاض تجربة البث المباشر عبر صفحته في فيسبوك للحديث اسبوعياً عن المستجدات السياسية والتعليق على الأحداث السودانية، وكان دافعه إلى ذلك – كما قال في أول لايف له – أنه سيساهم عبر خدمة البث المباشر في منصة فيسبوك للتنوير الثوري وعدم ترك الساحة لأولئك اللايفاتية الكذبة من أمثال؛ الإنصرافي وذا النون وعبد المنعم الربيع وأبي رهف وابناء بشارة وغيرهم. وهي خطوة أراها مهمةً جداً من طرف الاستاذ والمعلق السياسي المحترم ماهر أبو الجوخ.

تعليق واحد

  1. حسب متابعتي في المواقع لا فرق بين اللايفاتية والكتاب والصحفيين والمعلقين.. الكل يسعى لنصرة حزبه وجماعته بعيدا عن المصلحة الوطنية.. المصلحة الوطنية هي المحك.. لماذا يظن البعض انهم يمكن أن يمسحوا الاخر بمجرد رفع الصوت عاليا ورمي الاخر بكل الصفات السالبة وكأنهم طاهرين مطهرين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..