مقالات سياسية

معايير النقد الأدبي عند قدماء العرب

الطيب النقر

معايير النقد الأدبي عند قدماء العرب

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الشعر العذب الذي يبعث المسرة في النفوس، ويحدث النشوة في المشاعر، لا يبرأ من النقد رغم متانته وإحكام صنعته لأن النقد يبتغي النضج وينشد الكمال، فالناقد الذي يدفع عن الشاعر معرّة الابتذال وعن شعره نقيصة الإسفاف أو التكلف يجلو الأفهام ويزكي القلوب ويبصر الناس بالمحاسن والعيوب التي حفل بها القريض. والنقد الذي يدمغ باطل الشعر بالحق ويدحض مراءه بالمنطق مرّ بعدة مراحل قبل أن يهذبه العلم ويصقله التمدن. ولعل الحقيقة التي لا يغالي فيها أحد أنّ الأدباء والكُتّاب على مرّ العصور قد استقرّ رأيهم على أن النقد كان في بدايته قوامه الذوق الفطري فالجاهلي المتمكن من ناصية اللغة والذي ينداح في كل ضرب ويستفيض في كل حديث يستطيع أن يمحص بقريحته الجياشة مواطن الضعف والقوة ثم يصدر حكمه من غير حزازة أو اعتساف، ومن أهم المظاهر التي تبرهن أن الجاهليين أصلحوا ما فسد من خطل الشعراء وسددوا ما إعوج من نظام الأدباء القصص المترعة بالجمال التي نقلتها إلينا أمهات الكتب والتي تدل على قوة الطبع، وجلاء الذهن، وحدة البادرة.

لقد أخبرتنا تلك الكتب التي لا تخلق ديباجتها أو يخبو بريقها عن تلك المجالس النقدية التي لا تحول عن أدائها عقبة، ولا يسوغ في تركها معذرة، والتي كان يعقدها الشعراء في الأسواق الأدبية كسوق عكاظ، وفي غير الأسواق الأدبية مثل تلاقي جهابذة الشعر بأفنية الملول في الحيرة وغسان، والباعث على ذلك هو الاستماع والتحاور وإصدار الأحكام، من ذلك ما نجده عند النابغة صاحب السمت الرزين والمنطق المتئد في سوق عكاظ فقد كانت «تضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، فأول من أنشده الأعشى ميمون بن قيس أبو بصير، ثم أنشده حسان بن ثابت الأنصاري:

 

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى *** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما.

 

ولدنا بني العنقاء وابني محرّق *** فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما.

 

فقال له النابغة: أنت شاعر، ولكنك ما صنعت شيئاً، أقللت جفانك وأسيافك، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. لأنه قال: ولدنا بنى العنقاء وابنى محرق، فترك الفخر بآبائه، وفخر بمن ولد نساؤه. ويروى أن النابغة قال له: أقللت أسيافك ولمّعت جفانك يريد قوله: «لنا الجفنات الغر» والغرة لمعة بياض فى الجفنة، فكأن النابغة عاب هذه الجفان وذهب إلى أنه لو قال: لنا الجفنات البيض فجعلها بيضاً كان أحسن».

 

ويقال بأن تماضر الخنساء صاحبة القصائد الجياد والتي يتدفق شعرها رقة وسلاسة حضرت إلى مجلس النابغة حائلة اللون، كاسفة البال، ترثي أخاها صخراً الذي أضمرته الأرض وطوته الغبراء، فأنشدت قصيدتها: «قذى بعنيك أم بالعين عوار«، حتى وصلت إلى قولها:

 

وإن ضخراً لتأتم الهداةُ به *** كأنه علم فى رأسه نار.

 

وإن صخراً لكافينا وسيدنا *** وإن صخراً إذا نشتو لنحّار.

 

فقال النابغة بعد أن استمع لقصيدتها التي تستدر العيون وتذيب شغاف الأفئدة: لولا أنّ أبا بصير أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس، فلم يرق ذلك لحسان رضي الله عنه فقال: أنا أشعر منك ومنها.. فقال النابغة: حيث تقول؟ قال: حيث أقول: «لنا الجفنات يلمعن بالضحى….« فيقر له النابغة بالشاعرية ثم يصدر حكمه الذي أصاب شاكلة الصواب.

 

ونجد أن الناقد الراحل الأستاذ طه أحمد إبراهيم يطعن في صحة هذه الرواية من عدة وجوه:

 

1- فالجاهلي «لم يكن يعرف جمع التصحيح وجمع التكسير، وجموع الكثرة وجموع القلة، ولم يكن له ذهن علمي يفرق بين الأشياء كما فرّق بينها ذهن الخليل وسيبويه، ومثل هذا النقد لا يصدر إلا عن رجل عرف مصطلحات العلوم، وعرف الفروق البعيدة بين دلالة الألفاظ، وألمّ بشيء من المنطق.

 

2- لو أن هذه الروح كانت سائدة في الجاهلية لوجدنا أثرها في عصر البعثة يوم تحدى القرآن العرب وأفحهم إفحامًا، فقد لجأوا إلى الطعن عليه طعناً عاماً، فقالوا سحر مفترى، وقالوا أساطير الأولين. ولو أن لديهم تلك الروح البيانية لكان من المنتظر أن ينقدوا القرآن على نحوها، وأن يفزعوا إليها في تلك الخصومة العنيفة التي ظلت نيفاً وعشرين عاماً. هذا إلى أن تلك الروح فى النقد لا أثر لها في العصر الإسلامي لا عند الأدباء ولا عند متقدمي النحويين واللغويين.

 

3- كما أن هناك من نحاة القرن الرابع من لم يطمئن إلى ما سبق؛ فأبو الفتح عثمان بن جني يحكي عن أبي علي الفارسي أنه طعن في صحة هذه الحكاية. فهذه الزيادات لا تثبت للروح العلمية، ولا للتاريخ. وبعيدة كل البعد أن توجد ملكة الفكر في النقد الجاهلي، وأن توجد على هذا النحو الدقيق الذي يحلل، ويوازن ويفرق بين الصيغ تفريقاً علمياً.

 

ويرى الأستاذ طه أن هذا النقد وجد في أواخر القرن الثالث بعد أن دونت العلوم ودرس المنطق وعرف شيء من رسوم البلاغة، وتعرض البلاغيون للكلام على الغلو في المعاني والاقتصاد فيها. ولذلك نجد قدامة بن جعفر أسبق المؤلفين لذكر شيء من القصة السابقة فى كتابه نقد الشعر».

 

وأحسب أن ما ذهب إليه الأستاذ طه أحمد إبراهيم افتئات على الحقائق وتعدياً على سيرة الجاهليين فكلامه معتسف عن جادة الصواب، وبعيد عن مرمى السداد، لأن الجاهليين نشأوا في مهد الفصاحة، ودرجوا في فنائها الرحب، وعاشوا في مرعاها الخصب، فالبدوي الذي تنزه كلامه عن شوائب اللبس، وخلص من أكدار الشبهات، كان يدرك بسليقته الخطأ الذي تمجه الأسماع، واللحن الذي تستك منه الآذان، نعم لقد كان يدرك بفطرته التي لم تكن ضعيفة المغمز، ولا هشة الحشاشة جمع التصحيح وجمع التكسير، وجموع الكثرة وجموع القلة، دون الحاجة لذهن علمي يفرق بين الأشياء، ودون الحاجة لتسميتها ونعتها بتلك النعوت التي دعا إليها تفشي الدخيل في اللسان العربي وظهور آصار العجمة التي استشرت في شبه جزيرة العرب نسبة لأقوام خلعوا عِذَار الكفر، واستشعروا الخوف من الله ودخلوا فى دينه الخاتم أفواجا، وما لا يندّ عن ذهن أو يغيب عن خاطر أن الخليل وسيبويه وغيرهما من فطاحلة اللغة والأدب عاشوا كلاً على القدماء الذين ذللوا سُبُل البلاغة، ومهدوا مذاهب الخطابة وكانت لهم قدرة مذهلة على تطويع اللغة وابتكار المعاني ونظم اللآلى والعقود، الأمر الذي دعا أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، كالخليل وسيبويه يتكاكأون حول تركة القدماء بالدراسة والتحصيل ليستخرجوا تلك الفروق الدقيقة بين الألفاظ ليسدوا بها عوز أجيال تفتقر إلى الفصاحة وتعاني من ضعف الإدراك وضمور المعرفة باللغة، فالنحوي الثبت سيبويه الذي يُرْجع إليه في المُشكلات، و يُسْتْصبح بضوئه في المعضلات، هو في حقيقة الأمر من المولدين الذين «كان بهم قصور فى الطبع واللغة اضطروا بسببه إلى التعلم، والوقوف على الوسائل التي تؤدي بهم إلى صنعة الكلام الجيد الذي يوازي كلام السابقين، ولقد سعت تلك الطائفة لتتبع نماذج الخطابة والشعر والأمثال القديمة ليستخرجوا منها القواعد والمقاييس ثم يضعوها بعد ذلك أمام ناشئة الكتاب ليحتذوا حذوها».

 

والعرب الأقحاح الذين اشتهروا بدقة الفهم، وشدة الحجاج، وبُعد النظر، وقفوا مبهوتين أمام معجزة الله الخالدة بل وأقروا في خنوع واستسلام بأنه: «كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه». فإذا عجز أساطين البلاغة وملوك البيان الذين انبروا في حملات محمومة تشكك في صحة القرآن فإن سواهم أعجز، ولا يعدم المرء منا حجة للاعتقاد بأن المتأخرين الذين لا ينطقون إلا عن علم، ولا يقولون إلا عن دراية، والذين ثقفوا علوم الكلام، وحذقوا أصول المنطق، استشعروا اليأس من النيل من ذلك الكتاب المحكم النسج، الدقيق السبك، الجزل

العبارة، المتناسق الأجزاء، والذى يأخذ بعضه برقاب بعض، وأدركوا أنهم يرومون أمراً دونه خرط

القتاد.

د.الطيب النقر

‫3 تعليقات

  1. القادمون من خلف مجره درب التبانه الذين يتنفسون الوهم الغارقون فى بحر الجناس والإطناب وغيرها من ضروب البلاغه والنحو من امثال هذا الكاتب أقول
    بعيداً عن هرطقات الشعر الجاهلى وماحمله من اوهام وأكاذيب وإدعائات سمجه ، فأن الأدب عموماً سوى كان شعر او مسرح او روايه او رسم من المفترض ان يكون انعكاس طبيعى لحاضره ومرآة تنقل الفكره بشكل واقعى بعيداً عن التكلف والمزايدة مع لمسات وجدانيه تخاطب المشاعر ورساله تحرك آليات الفكر المنشغل بما بجرى من احداث حوله والمتأثر ببيئته الاجتماعيه والاقتصاديه
    . ربما كان الشعر الجاهلى يخدم اغراضه فى ذلك العصر حيث العلاقات القبليه وتفرعاتها هى مركز البناء الاجتماعى والأقتصادى والحربي وبالتالى كانت القبيله هى محور الموضوع الشعرى. وبما أن النزعه القبليه هى السمه السائده بمنتجاتها الفكريه فقد كان جل الشعر الجاهلى ينصب حول ابراز سمات وهميه للقبيله وللفرد على السواء من مثل الفخر بالانساب والكرم والمروءة والشهامه الى درجه تصل فى كثير من الاحيان الى حد الكذب، ولا ضير فى ذلك عندهم حيث ان الشعر كان يعتبر بمثابه ناقل للدعايه الحربيه بهدف اخافه الاخر، فترى احدهم ينشد فى فرسه كما لو كانت فى جمالها تحاكى المرأه الحسناء و تضاهى فى قوتها وسرعتها اسلحه الدمار الشامل، فكيف بالله لمخلوق يعيش فى الصحراء حيث الندره فى الماء والكلاء والشح فى كل الموارد كيف لهذا المخلوق أن تكون له من صفات الجمال والقوه ما يتشدق به الشعراء. والسؤال هو بأفتراض ان مثل تلك الأكاذيب الموشحه بأشكال الأطناب والسجع والاستعارات
    والمحشوه بأوهام العقليه القبليه قد انجزت اغراضها فى تلك الحقبه من الزمان فهل مازال هذا الشكل من اشكال الأدب يصلح لانجاز أغراض الفن فى هذا العصر؟؟؟؟؟؟
    اللغه هى مجرد ناقل لما ينتجه العقل من أفكار ، وعلى ذلك لا بد لأي شكل من اشكال الادب أن تكون لغته فى مستوى ما يبدعه العقل من افكار، وبما ان منتجات العقل الرعوى لا تعدو ان تتمحور حول القبيله فى علاقاتها السطحيه الخاليه من أى محتوى معرفى مع الاخر سوي التباهي بشكليات فارغه المضمون لذلك كانكم الطبيعى للشعراء الجاهليين ان يركزوا إهتمامهم على الشكل فكان السجع والاسهاب والاطناب والاستعارة والقافيه اليات من خلالها يرتقى احدهم سلم المجد من خلال قصائد ومعلقات خاليه من اى محتوى.

  2. 😎 يا ليتك اضعت وقتك في محاولة دراسة كيف نعالج قصور اللغة العربية التي صارت لا تصلح في زمان سيطرة اللغات التي تعطي العلوم الدقة في التعبير بدلا من هراء الشعر الجاهلي الذي شكك طه حسين بانه ليس الا اشعار ام تاليفها في فترات لاحقة حتى اجبر بواسطة مجرمي الازهر على التراجع عن ادعاءاته 😳

    اما ادعاء بلاغة القرآن فهذا منحى كان حريًا بك عدم الدخول فيه لإن هنالك الكثير من آيات القران هي ابعد ما تكون عن البلاغة و البناء اللغوي الصحيح 😳😳

    انت يا سيد النقر تبدو اي عتاة مدلسي الإسلام السياسي الذين لا يتعبون من محاولات تغبيش معارف المسلم الطقوسي الدين هم أهلنا و احبابنا الطيبين 😳😳

    الشعر الجاهلي ام القرآن الجاهلي

    احمد القاضي

    في مجتمع كالمجتمع المصري متخم بالافيون الديني و لايزدهر فيه الا كل ما له علاقة بالغيبيات والدين يعد صدور كتاب ( في الشعر الجاهلي ) للدكتور طه حسين ومضة عقلية نادرة تم اخمادها في مهدها قبل ان تتسع دائرتها…و لم يسلم الكتاب الذي سيق الي المحكمة من سيوف محاكم التفتيش الاسلامية المسلطة دومآ علي كل فكر عقلاني حر يتجرأ علي النصوص القرون اوسطية المقدسة..كما لم يسلم كاتبه من التهجمات والاتهام بان افكاره الاساسية مسروقة من بعض المستشرقين. ..والدكتور طه لا يخفي اعجابه بمناهج المستشرقين وادواتهم النقدية والبحثية وقد ابدى هذا الاعجاب والتأّثر بصراحة ووضوح في كتابه ( تجديد ذكري ابي العلاء ) حيث اشار في مقدمته الي الآثار التي تركتها في نفسه دروس قدمتها مجموعة من الاساتذة المستشرقين استضيفت في قسم الآداب بالجامعة بحيث غيرت مذهبه في النقد تغييرآ كاملآ.

    يعلن المؤلف في هذا الكتاب انه اتخذ من منهج الشك الديكارتي سبيلآ لاثبات شكه في ان جل الشعر المسمي بالشعر الجاهلي هو شعر منتحل تم انتحاله بعد ان استعرت العصبية القبلية من جديد بعد وفاة محمد وعلي وجه التحديد في العصر الاموي وان ظهرت بوادرها في حقبة الخلفاء ….واسباب ذلك الانتحال عديدة في رأيه، منها ان كل قبيلة عربية اخذت تنتحل اشعارآ وتنسبها الي شعراء جاهليين لتفاخر بانه كان لها مجدآ وسؤددآ منذ الماضي القديم قبل ظهور الاسلام…….والموالي بدورهم انتحلوا اشعارآ ونسبوها لشعراء جاهليين تحكي كيف ان الفرس قد سبقوا الي المجد التليد والملك والسلطان وكيف ان الشعراء العرب كانوا يمدحون ملوك الفرس طمعآ في العطايا والحماية….. وانتحل اليهود والنصاري بدورهم الشعر لنفس الاغراض… والي جانب ذلك كانت هناك اسباب دينية لانتحال الشعر ونسبته الي شعراء جاهليين منها محاولة اثبات ان نبوة محمد كانت مترقبة بين العرب واحبار اليهود والنصاري وان الافئدة كانت متلهفه لقدومه..وكذلك لاثبات ان الفاظ القرآن مطابقة للفصيح من لغة العرب في الشعر الجاهلي.

    يخلص الدكتور طه حسين الي اطروحة مؤداها ان ما يسمي بالشعر الجاهلي او بالاحرى كثرته المطلقة ( ليست من الجاهلية في شئ، انما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الاسلام، فهي اسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم واهواءهم اكثر مما تمثل حياة الجاهليين ) ..ويلاحظ الدكتور طه ان هذا الشعر لا يعكس شيئآ من حياة العرب العقلية والدينية آنذاك رغم هيمنة الدين هيمنة كاملة علي حياتهم وانما يعكس ( حياة غامضة جافة برئية اوكالبرئية من الشعور الديني )..وينتهي الي القول بان القرآن هو المرآة الحقيقية لما يسمى بالحقبة الجاهلية وعلي من يريد ان يعرف تفاصيلها باساطيرها وحياتها الدينية والعقلية وعلاقات العرب فيها بجيرانهم ان يلتمس القرآن وليس شيئآ آخر..فالقرآن اذن هو كتاب العصر الجاهلي بامتياز..ويرفض طه حسين مصطلح ( العصر الجاهلي ) ويذهب الي القول بان العرب كانوا ينقسمون حينئذ الي طبقتين طبقة الملأ الاعلى وهي الطبقة المستنيرة الثرية التي تصدت لمحمد وجادلته جدالآ شهد له القرآن نفسه بالمهارة وحاورته حوارآ عقليآ قويآ لم يحسمه الا السيف ولم يكن خافيآ عليها مصادر القصص التي اتي بها محمد….والطبقة الاخري هي طبقة العامة التي لم يكن لها حظ من المال او الاستنارة..وهي الطبقة التي كانت موضوع النزاع بين الملأ الأعلى ومحمد….اولئك يريدون ابقاءهم علي ما هم عليه من دين وهذا يريد ان يجرهم الي دينه الجديد.

    وفي مجري بحثه الخطير وعلي وجه التحديد في الفصل الرابع من الكتاب الاول وعنوانه ( الشعر الجاهلي واللغة ) ينسف الدكتور طه حسين صدقية الآيات القرآنية التي تبنت اسطورة ان ابراهيم وابنه اسماعيل شيدا الكعبة في مكة..واكثر من هذا ينفي اية صلة بين العدنانية وهي الجذور القبلية لمحمد وبين اسماعيل….ويشكك اصلآ في الوجود التاريخي لشخص اسمه ابراهيم وآخر اسمه اسماعيل ويقول بالحرف الواحد ( للتوراة ان تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل، وللقرآن ان ان يحدثنا عنهما ايضآ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي )…ويري انه ليس مضطرآ لتصديق الاحداث التاريخية التي رواها القرآن لمجرد انها جاءت في القرآن…اما قصة بناء ابراهيم وابنه اسماعيل للكعبة ونشأة العرب المستعربة بزواج اسماعيل من قبيلة جرهم هي محض اسطورة في قول الدكتور طه اراد بها القرشيون اعلاء شأنهم وتحقيق مطمعهم في بسط سيادتهم ونفوذهم علي سائر الحجاز وعلي طرق التجارة وعلي باقي القبائل العربية وخاصة ان قريش كانت في القرن السابع الميلادي علي ابواب نهضة سياسية واقتصادية..وكانت اسطورة بناء الكعبة علي يد ابراهيم وابنه اسماعيل تخدم تلك الاغراض السياسية والاقتصادية لتكون مكة قبلة العرب ومكان حجهم وتجارتهم…..ويمضي الدكتور طه في جرأته الفكرية ليقول ان الاسلام جاء واستغل هذه الاسطورة لسبب ديني وسياسي.

    يذهب الدكتور طه حسين في الفصل الثاني من الكتاب الثاني وهو بعنوان ( السياسة وانتحال الشعر ) الي تأكيد ان اهم مؤثرين طبعتا حياة العرب بطابع لا يمكن محوه هما الدين والسياسة….وانهما المفتاح والاساس لدراسة اي فرع من فروع التاريخ العربي..ويلاحظ في هذا المنحي كيف ان الصراع بين محمد والقرشيين كان صراعآ دينيآ بحتآ في مكة وبانتقاله الي يثرب تحول الصراع الي ديني وسياسي بالدرجة الاولي، حيث اصبحت القضية لمن تكون الغلبة ليسيطر علي الطرق التجارية ويتحكم في الاقتصاد وخاصة بعد ان قطع محمد الطريق علي قافلة ابي سفيان الامر الذي ادي بدوره الي معركة بدر…ويقول الدكتور طه ان العلاقة بين القرشيين في مكة والاوس والخزرج في يثرب كانت علاقة ودية حميمة ولكنها انقلبت الي علاقة عداوة بالدم وصراع وقتال بعد ان هاجر اليها محمد بدعوته.

    وفي سياق الاسطرة التي صاحبت انتحال الشعر في العصر الاموي والعباسي ونسبته الي شعراء جاهليين لاغراض مختلفة كما اسلفنا نقف عند الفصل الثالث من الكتاب الثاني وعنوانه ( الدين وانتحال الشعر ) حيث ينهض الدكتور طه بايراد الاسباب التي ادت الي اسطرة محمد بن عبد الله في قصص واشعار منتحلة…ويقول ان الهدف منها كان يرمي الي اثبات صحة نبوته واقناع العامة بان (علماء العرب وكهانهم واحبار اليهود ورهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي يخرج من قريش اومكة ) فاخترعت الاساطير والقصص لتأكيد صحة ما جاء في القرآن بان النبي محمدآ مكتوب مجئه في التوراة والانجيل ( وان المخلصين من الاحبار والرهبان كانوا يتوقعون بعثة النبي ويدعون الي الايمان به حتي قبل ان يظلّ الناس زمانه )..ويشير الدكتور طه الي ان كتاب ( سيرة ابن هشام ) يمتلئ بمثل هذه الاشعار المنتحلة….ويضيف ان الانتحال رمى ايضآ الي اعلاء وتعظيم شأن محمد في ما يتعلق باسرته ونسبه وقبيلته قريش..ويقول انه لسبب ما اقتنع الناس بان ( النبي يجب ان يكون من صفوة بني هاشم، وان يكون بنوهاشم صفوة بني عبد مناف، وان يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي، وان تكون قصي صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفوة الانسانية ) وفي اطار عملية ( التصفية والتنقية ) هذه، قام القصاصون مستعينين بالشعر المنتحل ايراد قصص واخبار ترفع من شأن عبد الله وعبد المطلب وهاشم وعبد مناف وتجعل لهم مجدآ ورفعة في الجاهلية…وعلاوة علي ما تقدم، يتناول الدكتور طه شعر الشعراء المتحنفين ويقول انها محمولة عليهم حملآ لاثبات( ان للاسلام قدمة وسابقة في البلاد العربية ) لان ( من احاديثهم ما يشبه الاسلام ).ويدعو الدكتور طه في مجري تحليله الي الا نقبل ما يسمى بشعر الشعراء المتحنفين الا مع الاحتياط و ( الشك غير القليل )

    يرفض الدكتور طه حسين نظرية الماضي الجميل او الذهبي ويرفض كل الاساطير التي سطرت لاضفاء المهابة والتقديس علي الماضي القديم كالقول بانهم كانوا ضخام الاجسام واصحاء واطول باعآ في الصدق والاخلاق الحميدة والذكاء ويقول انه يجب ان ننظر الي الاقدمين نظرتنا الي المحدثين مع اختلاف الظروف التاريخية التي احاطت بهم….ويرى ان مصدر هذا التفضيل للقديم هو تلك ( الفكرة التي تسيطر علي نفوس العامة في جميع الامم وفي جميع العصور، وهي ان القديم خير من الجديد، وان الزمان صائر الي الشر لا الي الخير، وان الدهر يسير بالناس القهقري، يرجع بهم الي الوراء ولا يمضي الي الامام ) ..وينتهي الي القول بان الامم المتقدمة صاحبة الحضارة المدنية والتي نالت من العلم حظآ لا يؤمنون بمثل هذا الامر.

    وما نخرج به من كتاب ( في الشعر الجاهلي ) ان القرآن هو كتاب العصر الجاهلي…اوكما يقول الدكتور طه حسين هو المرآة التي تعكس حياة العرب الدينية والعقلية والسياسية والتجارية والاجتماعية في ذلك الزمان، وهو الامر الذي لا تجده في الشعر المسمى بالجاهلي….ففيه تتعرف علي رحلتي الشتاء والصيف التجارتين وعلي قصة حرق النصاري في نجران في الاخدود والاساطير عن عاد وثمود وماالي ذلك من القصص والاساطير التي راجت حينئذ..وتتعرف علي آلهة العرب من اللات والعزى ومناة الثالثة الاخري… وعلي علاقة العرب بجيرانهم في سورة الروم وفي قصة اصحاب الفيل والكعبة وغير ذلك من الاشياء التي تجعل من القرآن بحق ديوان الحياة الجاهلية.

    وكما قيل ابصر الدكتور طه حسين ما لم يبصره المبصرون..ونستطيع ان نزعم انه هو الوحيد في زمانه الذي فهم الحداثة بمعناها الصحيح فلا مكان للحداثة ان لم تقم علي جثة الاساطير والخرافات والخزعبلات الدينية.ولذا فان اجيالآ من مواطنيه المصريين لم تقرأ كتابه هذا الذي ما يزال رغم مرور اكثر من ثمانين عامآ علي صدوره من المحرمات رسميآ بامر من المؤسسة الكهنوتية الازهرية وكان من الطبيعي ان تفشل الحداثة في وطنه مصر

  3. كوز الجامعة الاسلامية اخونا في الله الطيب عبد الرازق النقر عبد الكريم من كيزان الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا غومباك ومقرها كوالالمبور “وكان معه إبراهيم محمد زين الذي انتقل الي قطر” والفلنقاي هنود ابيا كدوف في ذات الجامعة مرتع الكيزان …

    عاد الطيب النقر بعد ان افلست دعوته للاستنفار والتسليح القبلي واثارة الفتنة ، عاد كالتاجر المفلس ونكت وبحتر في بضاعته القديمة واعاد نشر هذا المقال القديم الذي نشره من قبل في عدد من المنصات … العود احمد يا دكتور وخليك في الكلام المردود الفطير ومقولة ان اي شعر “حديث” وقصيدة النثر وكل الشعراء المحدثين من بدر شاكر السياب الي محمود درويش ومظفر النواب ونزار قباني وامل دنقل كل هذا الثراء الشعري ليس شعراً وان الشعر ما جادت به قريحة الجاهلين والقدماء …

    وهنيئاً لك في مرتعك في زريبة الجاهلية ونوماً هادئاً طويلاً في بحر الطويل … فعولن مفاعيلن فعولن !!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..