مفاهيم الإسلاميين عن الدولة وجدلية الحكم 1-3

زهير عثمان حمد
أزمة أو إشكالية بناء الدولة في بلدنا يجرنا قاصدًا إلى معرفة منطلق تشكل الدولة السودانية، وعليه لم يكن هذا التشكل بمحض إرادة شعب السودان وساسته، وإنما بفعل التكالب والتنافس للبيوت الطائفية التي سيطرت علي الفضاء العام في تلك الحِقْبَة التي شهد السودان فيها قيام مؤتمر الخريجين وبعض الأحزاب التي لم تكون لها رؤية سياسية واضحة للدولة وأداره الشأن العام بعد خروج المستعمر الذي كُلِلَ في النهاية برسم خريطة سياسية استعمارية تتنافى تمامَا مع مقومات السكان والتكوين الإثني للامة، وعليه كيف كان للاستعمار الأثر البالغ في تكوين الدول الحديثة ليس في السودان فقط بل في كل القارة الإفريقية؟ وللإجابة عن هذه الإشكالية لابد من البحث عن معرفة الدور الذي لعبه مؤتمر برلين في إعطاء إشارة تقسيم القارة، بالإضافة إلى معرفة الآثار التي خلفتها الاتفاقيات والمعاهدات الأوربية عقب المؤتمر، وكذا معرفة نتائج السياسة الاستعمارية على شعوب القارة عقب الاستقلال وهنا لا يضيق المجال للتفاصيل ,بالرغم أننا ورثنا جملة من المشاكل أعاقت البناء الوطني وتأتي في مقدمتها مشكلة أدارة الدولة بواسطة تحالف وطني يتراضي عليه الجميع وكتلك مشكلة الحدود السياسية التي وضعها الاستعمار، بالإضافة إلى الممارسات والسياسات المختلفة التي مورست على المجتمع طوال مدّة الإدارة والاحتلال التي جعلتنا نفقد هويتنا وسلبتنا الانتماء إلي جذور الثقافة المحلية، بل أصبحنا نرزح تحت ثقافة المستعمر وأتباعها حتى اليوم والإسلاميون يصنفوا ما بين إصلاحي وسلفي وجهادي وغير ذلك على أساس مستوي فهمهم تسامحهم وكتلك درجة انفتاحهم على الشراكة في العمل السياسي وحقوق الإنسان وهل يظنون أن الممارسة الديمقراطية أقتداء بالغرب أم الشوري هي التي من المفترض أن تسود حسب فكرة جماعة وفئة وأطروحات في الصراع السياسي ، إلا أن البحث في طبقات الوعي السياسي للإسلاميين يكشف بنية مشتركة خضعت لتحولات عديدة ومستمرة منذ اللحظة الأولى التي تلقّى فيه المسلمون مفهوم الدولة الحديثة إبّان الحقبة الاستعمارية الأوربية الأولى في العصر الحديث، ومن الصعب قَبُول تصنيفات قادرة على التمييز جوهريًا بين الإسلاميين على مستوى الفكر السياسي، ذلك أن المشكلة الجوهرية واحدة في هذا الفكر، أعني مفهوم الدولة وأظن أن كل التباينات التي تسم الفكر الإسلامي السياسي على المستوى السياسي ترجع إلى الخلل نفسه، فإن القراءة التاريخية للفكر الإسلامي السياسي يجب أن تلحظ تحولات الوعي بمفهوم الدولة تحديدًا وتأثيرات الميراث السياسي الفقهي والتاريخي عليه، حتى الآن فإن الدراسات المقدمة في مفهوم الدولة لدى الإسلاميين , الرؤية الجديدة بعد قيام الدولة الوطنية الحديثة المحدودة بإطار جغرافي ثابت وسلطة وشعب في ظل تفاهم دستوري
خلقت وبأثر من تداخل مفهوم الأمة والخلافة مفهومًا مختلط هو الدولة الإسلامية الذي نشهده لأول مرة ربما في كتابات الفقهاء وليس في كتابات حركيين إسلاميين، إذ يبدو أن شيخ الأزهر عبد الوهاب خلاف أول من أوجد هذا المصطلح، في كتابه الصغير بعنوانه ذي الدلالة السياسة الشرعية أو نظام الدولة الإسلامية، وكان من السهل أن تقود هذه الفكرة المختلطة بين مفهوم الخلافة ومفهوم الدولة الحديثة الإمام حسن البنا ليرفع هذا التعبير (الدولة الإسلامية) باعتباره شعارًا في رسائله الشهيرة، والحقيقة الجوهرية في مفهوم الدولة الإسلامية” هي صورة الدولة وظل الخلافة” والواقع أن المفهوم هذا لما يكون مضمونًا نضاليًا لاستعادة الإسلام عبر استعادة الخلافة، أو لاستعادة الخلافة من أجل استعادة الإسلام، فقد حدث تطابق تام بين الإسلام والخلافة، ومن إشارات هذا النضال أن تكون فكرة الدولة الإسلامية بحد ذاتها مبنية مؤقتة؛ كما تشير كتابات الإسلاميين وعلى رأسهم الإمام البنا كان هدف الخطاب الإسلامي الذي أخذ في الصعود في فضاء السياسة السودانية منذ خمسينيات القرن المنصرم هو نصرة الدين، وإعادة تأطير الحياة العامة بمناهج الإسلام في أمور الدنيا اقتصادًا وفكرًا وسياسة، تهدف إلى خلافة الأرض وأعمارها بإحياء الدين وتجديده، بما يعزز سيادة جماعة الإسلام في الدنيا وصلاح الفرد في العالم الآخر وكانت المواجهات المبكرة لتيار الإسلاميين مع تيارات الاشتراكيين والشيوعيين في دعوتهم لمحاربة الإمبريالية وتفحش البرجوازية في بلد ناهض في محيطه، ومتشوق إلى العدالة والتنمية المتوازنة والكرامة الإنسانية, لقد كان الصراع الأول لتيار الإسلاميين واليسار السوداني نخبويًّا وعتيقًا بين طلاب جامعة الخُرْطُوم ذات حضور لكل التيارات من ليبرالية إلي اليسارية، لتخرج بعده الجماعة إلى مجتمع السودان بكتابات روادها وندواتهم وحركتهم في المجال العام بفضل تجدد نظرتها على يد الدكتور حسن الترابي
في أوان تصاعدت معه الاشتراكية وبرقت شعاراتها، وتنامى التوجه القومي في المحيط العربي وارتفعت حدته لقد كان الخطاب الإسلامي لجماعة الاتجاه الإسلامي، بقيادة الدكتور حسن الترابي، وقتها تربويًا وعظيًّا هدفه تعزيز مكانة الدين في نفس الفرد، وخلق عُلاقة بين شعائره التعبدية وحياته العامة بما يمكنه من تَرْجَمَة روح أعتقاده وعبادته إلى واقع حياته المعيش لقد ترعرعت الجماعة في أجواء صفوية بين طلاب الجامعة في سجالاتهم مع اليسار، فحتى قُبيل التوافق بين أحزاب المعارضة المسلحة وقتها مع نظام جعفر النميري، الذي عُرف بالمصالحة الوطنية في عام 1977، كانت الحركة الإسلامية مجهولة في أوساط المجتمع السوداني، حيث لا يميز غالب الناس بينها والحركة الوهابية المهمومة بمحاربة ما تصفه بابتداع تيار المتصوفة في المجتمع السوداني
وهذا علاوة على سلوك نظام النميري (في بداية حكمه) الذي عمد إلى الإخفاء القسري لقيادات الحركة لشل حركتها، وسعيه إلى تشويه صورتها ولما كان العداء الشديد للأصولية الوهابية وَسْط عامة المجتمع السوداني بحكم أنماط تدينه ذات الأساس العرفاني, الصوفي الراسخ، فقد وُضعت الحركة الإسلامية وتيارات السلفية في سلة واحدة؛ ما دفع قادتها إلى إنتاج خطاب فكري وسياسي يواكب تلك المرحلة، حيث برز الإسلاميون بخطاب إسلامي إصلاحي شمل الدعوة لتحرير المرأة، خاصة لدى الشيخ الترابي في مقاربته (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)، التي مثلت نقلة نوعية في الفقه والممارسة الحركية للإسلاميين، الذي أسهم بصورة واضحة في انخراط المرأة تفاعلًا داخل تنظيم وهنالك مفاهيم كثيرة جاءت بعد تاسيس الجماعة على خلاف ما قامت عليه في السابق, فالتجديد في بناء الحركة بدأ منذ أن خطَت لنفسها طريقًا وطريقة لمجابهة الواقع المحتمل بالنظر إلى تجرِبة الإخوان المسلمين المريرة بمصر من تنكيل وترهيب وتخوين فكان الفِرَاقَ وكأن لسان الحال يقول مكره أخاك لا بطل, ولا يستطيع حتى أعداء الحركة الإسلامية أن ينكروا أنها استطاعت أن تثبت إقدامها وتتغلغل في صميم المجتمع ليس مما تحمله من بشريات المقصد منه الانفكاك من التطرف بل لمزيدا من التعقيد للحياة السياسية السودانية أيضا لا حمل لواء التفاعل والتعامل مع الأخر من منطلق الحُوَار الحضاري قدمت أبغض تجرِبة لإدارة الدولة السودانية بعد خروج الاستعمار و هي الأزمنة المريرة التي عاني منها أهل السودان بسبب وجود الحركة الإسلامية علي سدة السلطة, بدآت من حصار وابتلاءات كثيرة جعلتنا في وضع اليوم الذي أقرب لغياب الدولة أو الفوضي بالمعني ألأضخ لذلك تجد قادتهم الآن يصرعون من العودة للسلطة التي كانت لديهم مطلقة دون قيد بل هم أوجد فقه الضرورة و فكرهم التسلط والقمع لمن خالفهم الرأي بالرغم أختلاف هذا السلوك مع القيم الإسلامية.
السلفية الفرقة الناجية، والحركة الإسلامية مخالفة لمنهج السلف وأهل السنة في المبادئ التى وضعها حسن البنا ،والسلفية مصطلح قديم وافق عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره.
في تقديري حالة التسلط والقمع عند الإسلاميين عامة لمن خالفهم الرأي تعود اساسا لعدم انفكاكهم من حالة التفكير التقليدي الموروثة للاسلام الي رحاب التفكير العقلاني الحر الذي يناسب حالة التطور الانساني ولا يخالف أصول الدين.
يا مو اسلاميين و تفكير تقليدي بتاع شنو! ناسك ديل حرامية و مفسدين ، هم الفساق الخلص فسادهم من خلال دولاب الدولة و بواجهاتها المختلفة و سبيلهم لذلك اي وسيلة يجيبها ليهم شياطين الإنس و الجن. أما المفسدين ناس قريعتي راحت ممكن يكونوا قطاع طرق، حرامية بيوت، تسعة طويلة تهريب تجار بنقو عملة سماسرة حرامية تقليدية. كلهم أشكال حاجة واحدة . الشغلة ما دايرة تفكير تقليدي و سلف و فكر إسلامي و ما اسلامى ديل مجارمة قاتلهم الله في الدنيا و جزاءهم عظيم يوم الحساب
😎 في اصول الدين تكمن كل المصائب من ارهاب و استبداد و سلب و نهب و استعباد البشر و كراهية المختلف فماذا نحن فاعلون و مثلك يدس اليك في الدسم 😳😳👇🏿
الاسلام : صناعة الاستبداد
عبد عطشان هاشم
يتحدث العديد من المسلمين عن الحكم الرشيد والعدالة المثالية لخلفاء الاسلام والتي لم يرها او يلمسها احد حتى الان فهي ليست الا نصوص مطمورة في بطون الكتب ، يحجبها عنا ماحدث في الواقع الملموس فالدين واقع وليس نصوص لا يطبقها احد ، وليس ذلك فحسب بل ان تاريخ 14 قرن من الحكم الاسلامي العائلي القبلي لولاة امور المسلمين لم يكن الا سلسلة متصلة من صورالطغيان والاستبداد الدموي الذي اخذ شكل الخلافة الاسلامية. فالدين نفسه ، والقائمون عليه من مشايخ وسدنة وفقهاء لم يكن يعصم اي امير او حاكم او خليفة من الاستبداد والتعسف وارتكاب شتى المعاصي كالقتل والزنا وشرب الخمور ووطأ الغلمان والشواهد اكثر من ان تحصى في هذا المظمار، بل كان الظهير القوي للاميرفيما يفعل .كان الامر رهينا بالامير نفسه ان يكون عادلا او لايكون دون اي رادع اخر، فالخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز اختار العدل والزهد في حكمه ، بخلاف ملوك بني امية السابقين واللاحقين لحكمه القصير والذي انتهى بموت تحوم حوله الشكوك.
لقد اتقن رجال الدين المسلمين على مر التاريخ فن تزويق وتأطير صورة الحاكم المستبد وتغطية سيئاته بالنصوص المقدسة بدءا من الاحاديث النبوية الى تفسيراتهم الخاصة ، ورغم تعاقب مئات المستبدين على بلاد الاسلام لم يحاول معاصروهم من فقهاء ومشايخ اعتراض سبيلهم حتى من قام منهم بهدم الكعبة واستباحة المدينة المنورة وقتل عشرات الالوف من المسلمين المعارضين لحكمه ، بل على العكس تماما برروا تلك الافعال والتمسوا لها الاعذار الفقهية المسندة عن النبي محمد واصحابه . كانت جهودهم تسير في اتجاه مختلف وهو تأسيس مدونة سلوك للرعية تؤبد حكم السلطان وتجعل من الانسان كائنا ضعيفا مستباحا بين فكي الرحى (الدين والسلطة ) ، ويتلخص فحوى تلك المدونة بالاتي :
(طاعة الامير بصورة مطلقة مهما كان جائرا او ظالما او فاسدا…، الاذعان الذليل لسطوة السلطان وعدم جواز الخروج على الحاكم مهما بلغ ظلمه وفسقه وفجوره …،لايهم الطريقة التى اغتصب بها الحاكم السلطة فالغاية تبرر الوسيلة.) استند فقهاء السلطان في وضعهم لهذه الخطوط الحمراء على ايات واحاديث وتفاسير لانستطيع الا نورد بعضها وهي غيض من فيض ..
الاية القرانية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
في حديث نبوي روى حذيفة بن اليمان ان النبي قال له : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. (1)
وفي حديث نبوي اخر ذو صلة : ” من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر ؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية ” (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة (3)
قال ابن حجر: ( وفي الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه، وإنه لا ينخلع بالفسق)(4)
قال الباقلاني (في كتاب التمهيد ): بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه بغصب الأموال ، و ضرب الأبشار ، و تناول النفوس المحرّمة ، و تضييع الحقوق ، و تعطيل الحدود. لاينخلع بهذه الامور ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله.
قال الإمام النووي: وأما الخروج على أئمة الجور وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين.
وهكذا لم يتوقف فقهاء المسلمين عند حدود ثقافة الولاء الاعمى والاذعان المطلق لولاية الحاكم المستبد الفاسق فحسب ، بل اجازوا له استخدام شتى الوسائل الدموية للوصول الى الحكم ، فالغاية تبرر الوسيلة هنا ، بل ان استعمال القوة لانتزاع الحكم تحرر مغتصب السلطة من بقية الشروط التقليدية ( التقوى والصلاح ورجاحة العقل) وتعطيه ارجحية لامثيل لها حتى لو كان فاسقا او فاجرا، هكذا قال البناني ، (1194هـ) ، المعاصر للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، في (حاشية البناني على شرح الزرقاني) : ” اعلم أن الامامة تثبت بأحد أمور ثلاثة: اما بيعة أهل الحل و العقد ، واما بعهد الامام الذي قبله ، و اما بتغلبه على الناس ، و حينئذ فلا يشترط فيه شرط ، لأن من اشتدت على الناس وطأته وجبت طاعته”. وأقر ذلك النووي في (منهاج الطالبين) و (روضة الطالبين) : القهر و الغلبة كوسيلة مشروعة للاستيلاء على السلطة ، حيث قال بصراحة:” تنعقد الامامة بثلاثة طرق … البيعة.. واستخلاف الامام من قبل و عهده اليه .. و أما الطريق الثالث : فهو القهر والاستيلاء ، فاذا مات الامام فتصدى للامامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة ، وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين ، فان لم يكن جامعا للشرائط بأن يكون فاسقا أو جاهلا فوجهان: أصحهما انعقاده لما ذكرناه و ان كان عاصيا بفعله”.
واشتهر عن الامام أحمد بن حنبل القول:” بأن من غلبهم صار خليفة و سُمّيَ اميرَ المؤمنين ، ولا يحل لأحد يؤمن الله واليوم الآخر أن يبيت و لا يراه اماماً عليه ، براً كان أو فاجراً ، فهو أمير المؤمنين “ حيث يعلل ذلك ( أما الفاجر القوي ، فقوته للمسلمين ، و فجوره على نفسه ، و أما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه و ضعفه على المسلمين) ،اما الشيخ (ابن عابدين ) اعتبر الامامة مقرونة بالقوة و دائرة مدارها ، و سلب الشرعية من الامام الذي يبايعه الناس و لا يملك القوة ، وقال : ” يصير (الامام) اماماً بالتغلب و نفاذ الحكم و القهر بدون مبايعة ، او استخلاف ، فان بايعه الناس ولم ينفذ حكمه فيهم لعجزه لا يصير اماماً “.
إضافة الى أنه كان يعتقد ان امامة الراشدين ذاتها كانت قائمة على الغلبة و السيطرة ، إذ يقول : إن ” الامام هو من يقتدى به ، وصاحب يد وسيف يطاع طوعا وكرها… و هذان الوصفان كانا كاملين في الخلفاء الراشدين”.ويقول: ” إن الامام الذي يطاع هو من كان له سلطان ، سواء كان عادلاً أو ظالما”. (5)
وضمن هذه التلقين الديني تم ترويض الناس وكسر ارادتهم الحرة كي يتقبلوا الظلم والاجحاف والقتل واهدار الحقوق واعتبار الغي والجورمن الاملاءات الالهية التي يبتلى بها الانسان وليس له الا الصبر والدعاء للحاكم بالصلاح! (لايجوز له حتى ان يشتم الحاكم لكي ينفس عن غيضه كما اكد هؤلاء الفقهاء) واكتمل تأسيس وترسيخ الاستبداد الديني كواقع قائم وهو اسوء انواع الاستبداد ، لانه لايتعلق بفساد الفئة الحاكمة بل افساد مجتمع بكامله ، خصوصا اذا تم تغليفه بالدين وكما يؤكد ابن رشد اذا اردت ان تتحكم فى جاهل فعليك ان تغلف كل باطل بغلاف دينى.
اما الية الشورى التي تتشدق بها التيارات الاصولية في الوقت الحاضر فلم تكن الا مساحيق تجميل للوجه القبيح للاستبداد والغي الذي كان يمارسه الامراء وحاشيتهم الدينية باسم الاسلام ، فحتى في العصر الراشدي كانت سقيفة بني ساعدة هي جلسة مساومات قبلية على منصب الخليفة وليست مشاورة اوديمقراطية كما يعلن عنها ومن المفارقات التاريخية ان الخليفة ابوبكر الذي جاءت به الشورى تخلى عنها قبيل وفاته واختار بنفسه عمر بن الخطاب خليفة للمسلمين من بعده، اما الخليفة عمر بن الخطاب فقد امر قبيل وفاته بانعقاد مجلس للشورى مكون من ستة رجال اختارهم بنفسه وأمر أبا طلحة الأنصاري ان يختار خمسين رجلا من الأنصار يقومون معه مسلحين على رؤوس الستة حتى يختاروا رجلا منهم في ثلاثة أيام من موته وأمر صهيبا ان يصلي في الناس تلك المدة ، وان يدخل أولائك الستة بيتا فيقوم عليهم بسيفه مع أبي طلحة وأصحابه ، وقال له : ان اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف ، وان اتفق أربع وأبى اثنان فاضرب رأسيهما ، وان افترقوا ثلاثة وثلاثة فالخليفة في الذين فيهم عبدالرحمن ، واقتلوا أولائك ان خالفوا ، فان مضت الثلاثة أيام ولم يتفقوا على واحد منهم فاضربوا أعناق الستة ( 6 ).
كان الخليفة هو ظل الله على الارض كما يقول ابو جعفر المنصور، وكان يمسك بقبضة السلطات الثلاث وليس ذلك فحسب بل انه يمسك بمصائر الناس واموالها يهب من يشاء ويقبض من يشاء بغير حساب.وكأن ابن هانىء الاندلسي يعبر عن ذلك اصدق تعبير عندما خاطب الخليفة الفاطمي
المعز لدين الله قائلا (ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ).
وقد كان (الخليفة مزدوج الشخصية إذا جاء وقت الوعظ بكى، وإذا جاء وقت السياسة طغى) كما يقول د. على الوردي في كتابه وعاظ السلاطين ، ويضيف فلو أن الواعظين كرسوا خطبهم الرنانة على توالى العصور فى مكافحة الطغاة وإظهار عيوبهم لصار البشر على غير ما هم عليه الآن، وفي رايي ان الخليفة شخصية سوية وذكية وهو يعرف قبل غيره كيف يدير عقول الناس وكيف يقلبها يمينا ويسارا من خلال اداة الدين ، ايسر وسيلة في التاريخ لاستعباد البشر ، وهو مستعد للتخلي عن لباس التقوى اذا لزم الامر ففي عام 75هـ خطب عبد الملك بن مروان ، على منبر الرسول في المدينة ، بعد قتل عبد الله بن الزبير قائلاً ( والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ).
وكان الخلفاء يستخدمون الدين لاغراضهم السياسية بدون تردد، فالخليفة المتوكل (ظل اللّه الممدود بينه وبين خلقه حسب قول احد الشعراء) شن اكبر حملة على المفكرين والمتنورين واصحاب الراي الاخر باسم المذهب الحنبلي المتشدد المانع للعقل والتفكير ، فقد كان يحاول دون جدوى مداراة ضعفه السياسي والعسكري تجاه نفوذ الامراء الترك في جيشه ، باستمالة الراي العام واظهار نفسه بمظهر حامي الدين ، في حين انه ( كان منهمكاً في اللذات والشراب ، وكان له أربعة آلاف سرية ، ووطىء الجميع ) (7) .
كانت العلاقة بين الفقيه والحاكم علاقة تكافلية فرجل الدين يؤمن لولي الامير المشروعية الدينية والقداسة لكل رغباته و جرائمه ونزواته والالقاب التبجيلية التي تربطه بالله كالمستعصم بالله او المتوكل على الله وغيرها من عشرات الالقاب المعروفة تاريخيا ، فيما يؤمن الاخير لرجل الدين المال والجاه والنفوذ واقصاء المنافسين.
ان الوصول الى محطة السلطة عبر سكة الدين يفضي الى الاستبداد السياسي المغلف بصبغة دينية ، مهما كان العنوان السياسي الذي يتخفى وراءه ، ففي الوقت الحاضر تطل علينا ولاية الفقيه وحكم المرشد كوجهان لعملة واحدة، رغم اختلاف الطائفتين الحاكمتين وتفسيرهما المتباين للامامة والخلافة لكنهما اتفقا على صورة الاستبداد ، فهما مصدر السلطة الحقيقي وبقية المراكز في الدولة تبقى شكلية لاستغفال الناس وخداعهم، فالدستور الإيراني مثلا يمنح المرشد المنتخب من قبل مجلس الخبراء، صلاحيات مطلقة دون أن يكون محاسبا من قبل أي جهة أو مؤسسة وذلك خلافا لرئيس الجمهورية المنتخب شعبيا والذي يحاسب أمام البرلمان إزاء صلاحياته التي لا تشكل إلا 25 – 30 في المئة من صلاحيات المرشد الاعلى.
لايمكن بضوء ماتقدم ، تأسيس ديمقراطية حقيقية في مجتمع حرومتمدن دون وضع الدين جانبا بعيدا عن السياسة فالدين يصنع الديكتاتورية شئنا ام ابينا والتاريخ والواقع يشهدان على ذلك واي محاولة توفيقية للجمع بين الاضداد الديمقراطية والدين تحمل في احشائها الفشل والخراب للمجتمعات التي يتبوء فيها الاسلاميين مقاليد الامور.
———————————
هوامش :
1. هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سلام قال: قال حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر، قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير، قال: نعم، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر، قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع
2. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن أبي سهلة الهروي ، وأبو الحسن عبد الرحيم بن عبد الرحمن الجرجاني ، قالا : أنبا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، قال : أنبا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجرودي ، قال : أنبا أبو محمد الحسين بن أحمد بن علي بن خزيمة ، قال : أنبا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، قال : ثنا أحمد بن عبده الضبي ، قال : أنبا حماد بن زيد ، عن الجعد أبي عثمان ، قال : ثنا أبو رجاء ، قال : سمعت ابن عباس يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) قال : ” من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر ؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية ” . هذا حديث صحيح متفق على صحته ، أخرجه البخاري ومسلم في ” صحيحهما ” .
3. ((الفتاوى)) (28/179)
4. الفتح (13/68)
5. احمد الكاتب – ابن تيمية أكبر منظّر للاستبداد في التاريخ الاسلامي
6. تاريخ الطبري ج 5 / 33 ، الكامل لابن الأثير ج 3 / 34 . وقريب منه في : الطبقات لابن سعد ج 3 / 338
7. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 349 – 350
بعد كلام عبد عطشان هاشم هذا وهو صحيح تاريخيا فهل قبل به على أن هذه هي حقيقة الإسلام أم قدمه على سبيل التصحيح وفق النظام الاسلامي الحق ولم يبينه لنا؟؟؟ إن مثل هذه الأطروحات في وصف قصور المسلمين عن فهم دينهم وانقلابهم به عودا علي جاهليتهم بعد وفاة رسولهم ولم يوارى الثرى بعد وتولي الطلقاء الذين لم يعلنوا اسلامهم عن طواعية وانما خوفا وطمعاً هؤلاء الذين اسلموا آخر الناس ولم يهاجروا أبدا كمان الرسول صلعم) ومن معه هاجروا بسبب هؤلاء الطلقاء وحربهم على الرسالة ورسولها وأتباعه في مكة، هؤلاء الذين هجَََّروا الرسول وأرغموه لى مفارقة مسقط رأسه للمفارقة قد ورثوا ثمرات رسالته وصاروا هم أولياء أمر المسلمين والمهيمنين على مستقبل ومصير الرسالة!!! إذا كان هذا هو أمر الطلقاء المشكوك في اسلامهم أصلا وكان هذا حكمهم الذي وصفه الكاتب وهو على العكس تماما من تعليمات الإسلام وروحه ولكن ما بال المهاجرين الأُوَل وفي معية الرسول الكريم في مخالفتها؟ أهو الجهل وعدم الفهم أم النزعة الجاهلية التي لم يغسلها فهمهم للرسالة وإيمانهم ايمانهم وتدينهم بها فعملوا بعكس الشورى في استلام الحكم على أساس القبلية والوراثة بمفهوم الجاهلية وهي أن يرث الزعيم واحد من قبيلته إذ كيف فهموا أن ترث قريش رسول الاسلام لأنه من قبيلتهم وساروا على هذا المفهوم القبلي الجاهلي والتزموا به في تداول السلطة بين القرشيين حتى جا دور الطلقاء من بني أمية الذين ألد أعدا الرسالة، فهل كلنوا يعتقدون حقا بتداول الخلافة بهذه الطريقة؟؟ لماذا لم يفكروا فيما لو حدث لهم ما حدث لذي النورين الذي قامت عليه ثورة واقتلعته وقتلته ولم يمض بضع سنين على الخلافة التي أرادوها أن تمضي بهذه الكيفية ؟؟ ونحن نقر بهذا التقرير عن واقع الخلافة ومنظريها من علماء بل عملاء السلطان ولكن لا نكتفي بهذا ولنا رؤية واضحة فيما كان يجب أن يحدث بتطبيق الفهم الصحيح لآيتي الشورى في سورة آل عمران وسورة الشورى في الآية الأولى شورى الرسول غير الملزمة له لعصمته بالوحي والثانية بسورة الشورى صاحبة الإسم هي شورى عامة السلمين من بعده وهي شورى بين متساويين ولا يمكن إلا أن تكون بالأغلبية العددية بين المتساوين حيث لا ترجيح لرأي أحد على آخر وإن كان الخليفة نفسه لأن الخليفة نفسه لا يأتي إلا بأغلبية أصوات عامة المسلمين المتساويين في الرأي السياسي وهذا ما يسمى بالديمقراطية! أليس كذلك يانجارتا؟؟ لكن تبقى من آليات الديمقراطية وأهمها هي توفر الشعب الواعي بحقوقه الدينية الفقهية غير المنخدع بفتاوى عملاء السلطان والعارف بحدود الحكام ومحاسبتهم وليس عزلهم بثورة كتلك التي اطاحت وأودت بحياة الخليفة ذي النورين. يا نجارتا ياخي كما تورد مثل هذه الكتابات النقدية أورد كذلك الكتابات الإصلاحية! هناك الكثير منها لتصويب الوضع السياسي المستقبلي للدول الإسلامية بعد تجنب أخطا الخلافات الإسلامية السابقة التي ما كان لها أن تكون لأنها بجانب الأخطاء في آليات ممارستها هناك الخطأ الأكبر في مفهومها فهي ما كان ينبغي أن تكون خلافة لشخص الرسول كولي أمر عادي فهو علاوة على كونه رئيس دولة لكنه لم يزل رسول ونبي معصوم يوحى إليه وشوراه لم تكن ملزمة له في استمرار الوحي ولا يصح قياس شورى امة المسلمين من بعده على شورى النبي فينتحل الحكام سلطة استبدادية على زعم عدم إلزامية الشورى ومن ثم العمل بالعزيمة الخاص بالنبي وكأنهم أنبياء من بعده أو هكذا صور لهم عملاء السلطان وفقهائه فأورثوا الخلافة مورد الهلاك لأن مجرد فكرة قيام دولة المدينة مرة أخرى فكرة خاطئة بعد وفاة رأسها الرسول المعصوم وبذلك انتفت كافة الميزات الممنوحة له كرئيس دولة وولي أمر فتبقى آية الشولاى 38 من سورة الشورى وهي شورة عامة المسلمين المتساوين الذين ليس من بينهم معصوم بوحي أو كفاحاً بلا وحي حتى تكون له عزيمة كعزيمة الرسول وهو يحكم دولته من المدينة.
😎 هذا ليس الإسلام الصحيح
هذا ليس الإسلام الصحيح
هذا ليس الاسلام الصحيح 😳🙃
المسلمون لا يعرفون الاسلام
المسلمون لا يعرفون الاسلام
المسلمون لا يعرفون الاسلام 😳😌
اين يوجد الاسلام الصحيح ؟
من يمثله ؟😳😳
لماذا اخر رسالة للبشر حتى العرب منهم غير مفهومة حتى بعد ١٥ قرنًا ؟ 😳
هل يحتاج المسلم ان يضيع حياته في دراسة الاسلام و يترك كل ما عداه ؟ 😳
كيف سيتمكن غير الناطق بالعربية من فهم رسالة الله الاخيرة التي يختلف في فهمها الناطقين بالعربية ؟ 😳
لماذا لم ينتظر الاله حتى يخترع البشر الآلة الطابعة و يرسل لهم رسالة واضحة بكل لغات الأرض حتى يكون الها عادلًا ؟😳
تصحيح
بعد كلام عبد عطشان هاشم هذا وهو صحيح تاريخيا فهل قبل به على أن هذه هي حقيقة الإسلام أم قدمه على سبيل التصحيح وفق النظام الإسلامي الحق ولم يبينه لنا؟؟؟ إن مثل هذه الأطروحات في وصف قصور المسلمين عن فهم دينهم وانقلابهم به عودا علي جاهليتهم بعد وفاة رسولهم ولم يوارى الثرى بعد وتولي الطلقاء الذين لم يعلنوا إسلامهم عن طواعية وإنما خوفا وطمعاً هؤلاء الذين اسلموا آخر الناس ولم يهاجروا أبدا كما أن الرسول (صلعم) ومن معه ما هاجروا إلا بسبب هؤلاء الطلقاء أئمة الكفر والشرك في أول البعثة وحربهم على الرسالة ورسولها وأتباعه في مكة، هؤلاء الذين هجَّروا الرسول وأرغموه على مفارقة مسقط رأسه للمفارقة قد ورثوا ثمرات رسالته وصاروا هم أولياء أمر المسلمين والمهيمنين على مستقبل ومصير الرسالة!!! إذا كان هذا هو أمر الطلقاء المشكوك في إسلامهم أصلا وكان هذا حكمهم الذي وصفه الكاتب وهو على العكس تماما من تعليمات الإسلام وروحه ولكن ما بال المهاجرين الأُوَل وفي معية الرسول الكريم في مخالفتها؟ أهو الجهل وعدم الفهم أم النزعة الجاهلية التي لم يغسلها فهمهم للرسالة وإيمانهم وتدينهم بها فعملوا بعكس الشورى في استلام الحكم على أساس القبلية والوراثة بمفهوم الجاهلية وهي أن يرث الزعيم واحد من قبيلته إذ كيف فهموا أن ترث قريش رسول الإسلام لأنه من قبيلتهم إلا بالرجوع لتقاليد الجاهلية وساروا على هذا المفهوم القبلي الجاهلي والتزموا به في تداول السلطة بين القرشيين حتى جاء دور الطلقاء من بني أمية الذين كانوا ألد أعدا الرسالة، فهل كانوا يعتقدون حقا ًبتداول الخلافة بهذه الطريقة؟؟ لماذا لم يفكروا فيما لو حدث لهم ما حدث لذي النورين الذي قامت عليه ثورة واقتلعته وقتلته ولم يمض بضع سنين على الخلافة التي أرادوها أن تمضي بهذه الكيفية ؟؟ ونحن نقر بهذا التقرير عن واقع الخلافة ومنظريها من علماء بل عملاء السلطان ولكن لا نكتفي بهذا ولنا رؤية واضحة فيما كان يجب أن يحدث بتطبيق الفهم الصحيح لآيتي الشورى في سورة آل عمران وسورة الشورى في الآية الأولى شورى الرسول غير الملزمة له لعصمته بالوحي والثانية بسورة الشورى صاحبة الاسم هي شورى عامة السلمين من بعده وهي شورى بين متساويين ولا يمكن إلا أن تكون بالأغلبية العددية بين المتساوين حيث لا ترجيح لرأي أحد على آخر وإن كان الخليفة نفسه لأن الخليفة نفسه لا يأتي إلا بأغلبية أصوات عامة المسلمين المتساويين في الرأي السياسي وهذا ما يسمى بالديمقراطية! أليس كذلك يانجارتا؟؟ لكن تبقى من آليات الديمقراطية وأهمها هي توفر الشعب الواعي بحقوقه الدينية الفقهية غير المنخدع بفتاوى عملاء السلطان والعارف بحدود الحكام ومحاسبتهم وليس عزلهم بثورة كتلك التي أطاحت وأودت بحياة الخليفة ذي النورين. يا نجارتا يا خي كما تورد مثل هذه الكتابات النقدية أورد كذلك الكتابات الإصلاحية! هناك الكثير منها لتصويب الوضع السياسي المستقبلي للدول الإسلامية بعد تجنب أخطا الخلافات الإسلامية السابقة التي ما كان لها أن تكون لأنها بجانب الأخطاء في آليات ممارستها هناك الخطأ الأكبر في مفهومها فهي ما كان ينبغي أن تكون خلافة لشخص الرسول كولي أمر عادي فهو علاوة على كونه رئيس دولة لكنه لم يزل رسولاً ونبياً معصوماً يوحى إليه وشوراه لم تكن ملزمة له مع استمرار الوحي ولا يصح قياس شورى عامة المسلمين من بعده على شورى النبي فينتحل الحكام سلطة استبدادية على زعم عدم إلزامية الشورى ومن ثم العمل بالعزيمة الخاصة بالنبي وكأنهم أنبياء من بعده أو هكذا صور لهم عملاء السلطان وفقهاؤه فأورثوا الخلافة مورد الهلاك لأن مجرد فكرة قيام دولة المدينة مرة أخرى فكرة خاطئة بعد وفاة رأسها الرسول المعصوم وبذلك انتفت كافة الميزات الممنوحة له كرئيس دولة وولي أمر فتبقى آية الشورى 38 من سورة الشورى وهي شورى عامة المسلمين المتساوين الذين ليس من بينهم معصوم بوحي أو كفاحاً بلا وحي حتى تكون له عزيمة كعزيمة الرسول على الرعية وهو يحكم دولته من المدينة.
😎 الشورى هي ليست الديمقراطية لا بل هي نقيض للديمقراطية و مصطلح الشورى كان و ظل و ما انفك وسيلة التدليس و خداع المسلم الطقوسي 😳
لشورى والديمقراطية من الدولة الدينية إلى الدولة الإسلامية
سيد القمني
الدولة المسلمة للخلف دُر
الشورى والديمقراطية من الدولة الدينية إلى الدولة الإسلامية
سبق لنا أن ناقشنا مفهوم الشورى في الإسلام في كتابنا «شكرًا بن لادن»، ومجددًا، وفي صحيفة الحياة بدءًا من تاريخ ٢٨ / ٨ / ٢٠٠٤م كتب الدكتور بشار عواد معروف دراسة مطولة وهامة حول الشورى يمكن أن نستخدمها هنا كأساس لإعادة المناقشة والتحليل والدرس، من وجهة نظر أخرى جديدة تمامًا. والدكتور بشار عواد أكاديمي عراقي يقيم بالأردن، وهو قطب إخواني كبير، وقد عنون دراسته ﺑ «الجماعة والسلطة: قراءة في المبادئ والقواعد والوقائع التاريخية»، وقد أُعيد نشرها على الشبكة الدولية للمعلومات بتاريخ ٢٧ / ٢ / ٢٠٠٥م تحت عنوان: «الشورى والسلطة التشريعية».
•••
يدخل الدكتور معروف إلى موضوعه عبر مقدمة تقول: «ربط المفكرون الإسلاميون فكرة الشورى بالديمقراطية، فمنهم من رفض الديمقراطية وجعل الشورى هي البديل، ومنهم من حاول — في سعيه للتجديد والمعاصرة — التقريب بينهما، ومنهم من دعا إلى الأخذ بالديمقراطية باعتبارها نظام حكم وآليةً للمشاركة. وإن التغاير بين المشروع الحضاري الإسلامي وبين الديمقراطية هو من باب التنوع والتمايز لا التضاد والخصومة.» ا.ﻫ.
وفي هذه المقدمة الصغيرة وردت كثير من الألفاظ والمفاهيم التي تحتاج إلى وقفة للفهم والتحليل والتدقيق مثل الشورى والديمقراطية، والشورى كبديل للديمقراطية … إلخ. فكيف نفهم مثلًا أن المفكرين الإسلاميين جعلوا الشورى هي البديل للديمقراطية؟ إن البديل هو الذي يساوي ويطابق بديله، والمشكلة الأولى هنا هي أن الديمقراطية كمفهوم هي منتج غربي بلفظ لاتيني، فهل مجرد نقله والقول إن بديله العربي هو الشورى، يعني أن اللفظين قد تطابقا، وأن الشورى قد أصبحت البديل الصادق المعبر عن المعاني التي قصدها أهل الديمقراطية؟
أم أننا نأخذ لفظ الديمقراطية كمنطوقٍ لساني لفظي بغضِّ النظر عن معناه ودلالاته ومحتواه ومضمونه وأُسُسه الفكرية والفلسفية، لنطابقه بلفظنا «الشورى» ببساطة مدهشة، وخفة شديدة؟! فإذا كانت الألفاظ دون دلالات اللفظ وتاريخه وموطنه يمكن تبادلها بهذه البساطة، فإن «رع» سيكون بنفس البساطة هو «الله»، ويكون «بوذا» هو «خاتم الأنبياء»، بذات الخفة والتبسيط المخل.
إن المفردات ذات المعاني الدقيقة وذات التاريخ الطويل بما يحمله هذا التاريخ من أفكار، والتي لم يسبق أن عرفتها اللغة العربية، وغابت عن مجتمعاتنا غيابًا كليًّا، وغير موجودة في معاجمنا، يلزم أن تظل كما هي حتى يمكنها أن تحتفظ بدلالاتها الصادقة ومعانيها المفهومة عند أصحابها، وعند من أخذ بالديمقراطية في العالم جميعًا — عدانا بالطبع — لأننا نعيش مجتمعًا عالميًّا أصبح متصلًا بعضه ببعض، ويلزمه كي يفهم بعضه بعضًا بلا غموض ولا خداع أن تظل المفردات كما هي بمعانيها وتاريخها ودلالاتها. والديمقراطية لا يمكن ترجمتها ببساطة خادعة إلى بديلنا (الشورى)؛ لأننا في هذه الحال سيكون علينا أن نجد الترجمة البديلة لملايين الألفاظ مثل الفيروس والبكتريا والأمبير والأكسجين والدكتاتورية والجمهورية … إلخ. وأن تكون الترجمة وافية بالمعنى الأصلي للفظ لتؤدي ذات الدلالات ونفس الهدف.
إن المعنى الأول الذي حملته كلمة ديمقراطية منذ نحَتَها الرومان في مجلس الساناتو قبل الإسلام بعشرة قرون، كانت تعني أن يحكم الأحرار أنفسهم بأنفسهم. وهو معنًى لا يعرفه المخزون العربي؛ ومن ثَم ليس في المعاجم العربية ما يعبِّر بصدق عن هذا المعنى الأول؛ وعليه فلا سبيل سوى استخدام اللفظ كما نحَته أهله بمعانيه ودلالاته، وإلا نكون مزورين ومزيفين. المشكلة هنا أن أصحاب الشورى عندما يرونها بديلًا، فهو ما يعني أنهم قد أجرَوا مفاضلة بين الشورى والديمقراطية. لكن طالما أن بديلهم لا يطابق الأصل، ويحمل معنى التميز بعد المفاضلة، فهو ما يدفع للسؤال عن أيهما الأفضل … البديل الإسلامي أم الأصل الديمقراطي؟ لأنه في مساحة الأمانة العلمية يجب اقتضاء الدراسة المقارنة التفضيلية، وهو شأن يقوم به المتخصصون في القانون الدولي والقانون الدستوري وأهل فلسفة السياسة والقانون والتاريخ؛ ولا بأس من أهل الفقه الإسلامي معهم، للمقارنة ثم العرض على أولي الشأن للاختيار. وأولو الشأن هنا ليسوا هم أهل الذكر وليسوا الفقهاء؛ لأن رأي الفقهاء سيوضع إلى جوار آراء الخبراء كرأي مفرد، أهل الذكر هنا هم أصحاب الديمقراطية. وعليه فإن إبداء الرأي فيما إذا كانت الشورى هي الديمقراطية ليس من اختصاص رجال الدين الإسلامي؛ لأن الديمقراطية ليست من لدنهم، وعليهم الرجوع إلى أهل الذكر؛ إلى أهل الحضارة والثقافة الغربية صاحبة الديمقراطية ليفصلوا لنا في هذا الخصوص؛ فهم من يستطيع بإجراء المقارنات أن يقولوا لنا إن كانت الشورى هي الديمقراطية من عدمه.
وقول الدكتور معروف: «فمنهم من رفض الديمقراطية وجعل الشورى هي البديل» كان يستدعي منه إتباع هذا القول بالاستفسار عمن أعطاهم حق الرفض؟ وما هي صفة هؤلاء ليرفضوا أو يقبلوا؟ إن العبارة تشير إلى دكتاتورية كامنة وأسلوب تفكير مستسلم لفكر أسطوري إملائي، دون أن يكون لصاحب هذا الفكر أي حق في الإلزام أو الإجبار، وهي صيغة حكم، أو هي نتيجة بلا مقدمات، وتفضيل بلا طرح للبدائل، هي تعبير عن غطرسة دينية لم تكن حتى لدى الأنبياء، هي صيغة جبروت يختار لنا، وعلينا القبول بخنوع، هي صيغة أغبياء يعجزون عن المقارعة فكرًا بفكر؛ لذلك هم لا يقارنون بالبدائل، بل يفرضون؛ لأنهم يعلمون أن الشورى لا يمكن أن تكون بديلًا للديمقراطية، فعندما يعطيني الصيدلي بديلًا للعلاج المطلوب، فهو يعطي بديلًا تغيَّرَ فيه الاسم التجاري فقط، بينما لم يتبدل المحتوى والمكونات؛ فهو هو بمادته التصنيعية بذات المركبات وذات النِّسب. وبهذا المعنى لا يمكن أن تكون الشورى بديلًا للديمقراطية؛ لأن المكونات تتضارب بينهما وتتناقص تناقصًا صارخًا، وصاحب الديمقراطية الذي صنعها هو من يعرف ما تستبطن من معانٍ وفلسفات وبرامج ومقاصد، وليس نحن.
المفروض في المفاضلة إذا كانوا يقصدون المفاضلة أن يستعرضوا لنا ما في بطن الشورى وما في بطن الديمقراطية، ثم يتركوا لنا الاختيار، ما دمنا نتحدث عن الديمقراطية. لكنهم أخذوا القرار وعلينا التسليم بأن الشورى بديل الديمقراطية، بأحكام كلها غير أمينة. إن كلمات مثل أمبير وأكسجين وهيدروجين تحمل معاني يعرفها المكتشفون وقاموا بتعليمها لبقية الناس في العالم، فسلَّم بها كل العالم، وظلت كما هي بدلالاتها وما في بطنها من تراكم معرفي خاص بمكانه وزمنه، ومثلها الديمقراطية، ومثلها «الفيمتو ثانية»، من يشرحها لنا صاحبها د. «أحمد زويل» وليس «شيخ الأزهر»، ولا يمكن ترجمة معناها بالمقابل الإسلامي، كالديمقراطية سواء بسواء؛ لأنها قادمة من مجتمع وفلسفة مختلفة؛ لأنه ليس لها أي مرادف في مخزوننا الثقافي، واصطناع أي لفظ عربي مهما كان لن يعبر عن المعنى الذي أراده أصحابها. المشكلة أنهم يحيلون المعنى إلى لفظ قرآني (الشورى)؛ يعني ربنا موجود في الموضوع ليطرد أي كائن أو رأي آخر؛ لأنه هو من قال؛ يعني هناك جهنم لمن رفض تفضيل القرآني على البشري؛ يعني انعدم الاختيار تمامًا، وانعدم أول مبادئ الديمقراطية في بساطتها البدهية.
وحتى لا نقبل ما نقبل إلا عن بينة، أو نرفض ما نرفض إلا عن بينة، تعالوا نرى ما في بطن الشورى لنرى هل هي بديل الديمقراطية حقًّا، من عدمه.
•••
الشورى نظام عربي قديم عرفته قبائل بوادي الجزيرة العربية؛ فكان لشيخ القبيلة مجلس للشورى يضم أفراد القبيلة الأحرار صرحاء النسب الذين بلغوا الأربعين من العمر فما فوق، ويتَّسمون برجاحة العقل وأيضًا بالثراء المادي. وقد لازمت الشورى العرب في الإسلام كما لازمه الكثير من شئون الجاهلية؛ لذلك جاء ذكرها في القرآن مرتين: الأولى في قوله: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران: ١٥٩). وقد أورد الدكتور معروف شرح الطبري للآية بنصه: «إن الله عز وجل أمر نبيه ﷺ بمشاورة أصحابه فيما حزَبَه من أمر عدوه ومكايد حربه؛ تألُّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمَن عليه معها فتنة الشيطان، وتعريفًا منه أمَّته مأتى الأمور التي تحْزِبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته ﷺ يفعل. فأما النبي ﷺ فإن الله كان يُعرِّفه مطالب وجوه ما حزَبَه من الأمور بوحيه وإلهامه إياه صواب ذلك. وأما أمته فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادُق وتوخي الحق وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميلٍ إلى هوًى، ولا حيدٍ عن هوًى؛ فالله مسدِّدهم وموفقهم. وأما قوله تعالى: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ، فإنه يعني: فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك وتسديدنا لك فيما نابك وحزَبَك من أمر دينك ودنياك، فامضِ لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافقَ ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها.»
أما الآية الثانية فهي وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (الشورى: ٣٨). يقول الطبري: «وإذا حزَبَهم أمرٌ تشاوروا فيما بينهم.» وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره «أن النبي ﷺ كان يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييبًا لقلوبهم ليكونوا فيما يفعلون أنشط لهم، كما شاورهم في الحروب ونحوها.»
ويعقِّب الدكتور معروف بقوله: «ويلاحظ في تفسير الطبري للآية الأولى أن النبي ﷺ إنما كان يشاور تطييبًا لقلوب أصحابه مع عدم إلزامية هذه الشورى له، والمُضي فيما أمر به، وإن خالف ما أشار به أصحابه، وتعليمًا منه ﷺ لمن يأتي بعده بضرورة المشاورة. ومن هنا يتعين الفصل بين الشورى في عهد الرسول ﷺ وممارسات الشورى لمن جاء بعده؛ فالاستشهادات بالتطبيقات العملية للشورى في عهد الرسول ﷺ فيها الكثير من عدم الدقة؛ لأن شخصية الرسول شخصية رسالية يصعب التمييز داخلها بين تصرفاته الرسالية المتأتية من الوحي وبين الاجتهادات الشخصية الدنيوية. والتوكل الذي أشارت إليه الآية في سورة آل عمران سواء أجاء موافقًا أم مخالفًا لأهل الشورى هو من أمر الله. ويمكن الاستشهاد بالعديد من الأمثلة المشابهة.
أما الخلفاء الذين جاءوا بعد النبي ﷺ فكانوا يستشيرون الصحابة، لكن الآراء لم تكن ملزِمة لهم باتباع ما أشير به … وكل إنسان قديمًا أو حديثًا يستشير لكنه غير ملزَم باتباع ما أشير إليه دائمًا، وإلا فلا معنى للفظة الشورى.» ا.ﻫ.
ونضيف هنا ما جاء في تفسير القرطبي: «قال قتادة: أمر الله نبيه ﷺ إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله لا على مشاورتهم، وعاتبه على المشاورة في الأسرى: ما كان لنبي أن يتخذ أسرى حتى يثخن في الأرض.»
وقد عمل أبو بكر وعمر بهذا النظام في الشورى؛ فقد أشار الصحابة على أبي بكر ببقاء الجيش لمحاربة المرتدِّين، فلم يأخذ بالشورى وأنفذ بعث أسامة، ثم أشار الصحابة على أبي بكر مهادنة القبائل الانفصالية (المرتدة) وقبول الصلاة وترك الزكاة حتى يُعِز الله الإسلام بالقوة، فما كان منه إلا أن اتخذ القرار النقيض بشن الحرب على المرتدين. ولم يكن هناك مبرر منطقي في القرارين، وكان أهل الشورى هم الأكثر منطقية. لم يكن هناك مبرر سوى تنفيذ رأيه بغضِّ النظر عن المشورة. كذلك أجمع الصحابة على أن يقود الخليفة عمر جيوش المسلمين لحرب الفرس عدا عبد الرحمن بن عوف الذى أشار ببقاء الخليفة بالمدينة، فأخذ الخليفة برأي عبد الرحمن وحده ورفض الإجماع.
ومن هنا اختلف الفقهاء في شئون بلا قيمة؛ لأن المبدأ نفسه غير ملزِم للحاكم، ولا يملك أدوات إلزام ولا تشريع بالإلزام ولا مؤسسات يكون في تمكينها الإلزام؛ وذلك من قبيل تقدير حدود الشورى، وكيفية التزام الحاكم بها، ومَن هم أهل الشورى ومن يمثلون، وهل هم أسماء كبيرة بلا مصداقية؟ هل هم رؤساء القبائل وأمراء الجند، أم أهل العلم الديني والفتوى؟ لن ترى في بحثك وراء الشورى سوى عشوائية تامة مما يشير إلى أنها توسع كالورم في أمرٍ لم يكن يقصد كل هذا التوسع؛ لأن الغرض منه لم يكن أكثر من تطييبه لقلوب الصحابة مع عدم إلزامه منذ زمن النبي كما شرح الطبري؛ لتبقى مجرد ورم في تاريخ المسلمين. وقد سمحت هذه الفوضى مؤخَّرًا للشيخ يوسف قرضاوي بتحديد من هم أهل الشورى بالضبط، فقال: «يقول الإمام ابن عطية في تفسيره: إن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب» (الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه، مكتبة وهبة، القاهرة، ١٢٠). وهو نفسه من سنسمعه بعد قليل وبداخل ذات الكتاب ينكر أن تكون الشورى من قواعد الشريعة أو عزائم الأحكام؛ لأن مساءلة الحاكم كانت كلامًا لطيفًا من باب حسن النية، ولأن الأمر في الحديث النبوي هو «طاعة ولي الأمر من غير معصية» إعمالًا لأمر القرآن، ومع الطاعة لا مكان لشيء اسمه الشورى أو الديمقراطية.
ومبدأ الشورى لم يعنِ يومًا عبر تاريخه أيَّ معنًى من معاني حرية الرأي والاختلاف، فهذه مفاهيم لم يعرفها المسلمون؛ لأن الدولة الإسلامية مارست الاستبداد في تماميته استنادًا لمبدأ الشورى؛ فالرأي للخليفة وليس للناس؛ يعرض رأيه على المشيرين وقد يأخذ وقد لا يأخذ بقول المشيرين، وحق الشورى قاصرٌ فقط على المسلمين، محجوب عن أهل الذمة، فحق الاختيار مشروط بالإسلام، وهو ما يتنافى بالكلية مع أبسط مبادئ الديمقراطية. كذلك تفتقر الشورى للتقنين وضبط الشكل الذي يمارَس به حق إعطاء الرأي في الشورى، فلم يكن حقًّا انتخابيًّا بمعنى اليوم، ولم تكن لها مؤسسة سياسية، أو سيادية لضمان تنفيذات رسمية أو قانونية لقرارتها، إضافة إلى أنه لم يكن هناك حتى قانون يوضح مساحة الحقوق والواجبات بين المواطن والحكومة.
وحتي زمن كتابة الماوردي لكتابه «الخراج» لم يكن قد تم نحت اصطلاحٍ واضح لأهل الشورى، حتى نحَتَه الماوردي: «أهل الحل والعقد»، وهو اصطلاحٌ تم تداوله رغم غموضه بدوره؛ فقد اشترط أن يحوز أهل الحل والعقد على ٣ شروط هي: (١) العدالة. (٢) العلم الديني الذي يستحق صاحبه به الإمامة. (٣) الرأي والتدبير المفضي لحسن الاختيار. وهو ما حصر أهل الحل والعقد في رجال الدين؛ لأن رجال الدين هم ببساطة من وضع هذه الشروط. بل وقيل إن هؤلاء هم أولو الأمر المطلوب طاعتهم في الآيات، كما أوضح الفخر الرازي في التفسير الكبير للآية ٥٩ النساء. ومع المنافع والمصالح أضاف رجال الدين، ببعض التساهل، إلى أهل الحل والعقد الأشراف والأعيان؛ أي الأثرياء من المسلمين.
واختلف الفقهاء حول عدد أهل الحل والعقد اللازم لاختيار الإمام بين ثلاثة آراء، آخرها وأحدثها أن يكون من كل بلد واحد، وأقدمها حد أدنى للاتفاق على المرشح بستة أشخاص سيرًا على سنة الخليفة عمر عندما رشح ستة للخلافة من بعده، ثم رأي ثالث يصل بأهل الشورى إلى عدد ثلاثة أفراد يتولاه أحدهم بموافقة اثنين، احتجاجًا بعقد النكاح الذي يصح بحضور ولي وشاهدَين، وبعدها يحكم الخليفة الذي اختاره صديقاه أو شقيقاه مدى الحياة.
ورغم كل هذا التوسع في مسألة الشورى فإنها لا تطابق الديمقراطية لا معنًى ولا تاريخًا ولا فلسفة ولا أغراضًا. بينما ظل أهل الحل والعقد مجرد تبرير للمُلك العضود عبر التاريخ الإسلامي. وسرعان ما اختفت حكاية أهل الحل والعقد وأصبحت ذكريات باهتة مدونة في كتب يقرؤها المتخصصون وحدهم، مع الجهل الذي ساد بلاد المسلمين بفضل هؤلاء المتخصصين ذاتهم. حتى جاءت الصحوة الإسلامية كصحوة أهل الكهف، فإذا بها تواجه زمنًا قد اختلف بالكلية عن زمن السلف، وبيدها عملة لم تعد صالحة لأيامنا.
•••
يقف وراء إصرار المتأسلمين على العودة إلى قديمهم طوال الوقت لينبشوا في ركامهم عما يمكن أن يكون بديلًا لمنجز الإنسانية منذ فجرها حتى اليوم، آية مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ، معتبرين إياها تعميمًا على كل العصور وكل الأمكنة حتى نهاية الأزمان. وهو ما جعل المسلم يعتقد أن القرآن مصدر وحيد للمعرفة الصادقة لأي شأن أو صنف من صنوف المعرفة، وأنه لا إنجازَ صحيحًا ما لم يُبنَ على القرآن. ووصل الأمر بالمسلم — إثباتًا ليقينه — إلى مواجهة علوم الطب العلاجية بشرب بول الجمل الذي كان يباع في معرض القاهرة الدولي للكتاب كعلاج مسلم ضد العلاج الكافر، وبنفس القياس يواجه الديمقراطية بالشورى؛ فهي بالنسبة للديمقراطية كبول الجمل بالنسبة للبنسلين. ولأن المسلم يبني كل إنجاز ممكن على مقدَّسه فهو يتصور أن أي إنتاج واضح للآخرين ناتج بدوره عن كتابهم المقدس؛ الإنجيل أو غيره. ولأن المنجز العلمي العالمي أصبح داخل كل بيت في العالم كله، وفيه المسلمون، واضحًا جليًّا أمامهم، فقد اعتبروا أنفسهم مهزومين على مستوى العقيدة؛ لذلك يشنون حربًا عقيدية إسلامية على الغرب الصليبي لتدميره، وساعتها تتساوى الرءوس بعد خراب ديار المتقدمين ليتخلفوا كالمسلمين؛ انتصارًا للإسلام ومقدساته على الغرب ومقدساته.
والذي لا يلحظه الإسلاميون وهم يستحضرون الشورى من وراء سجف زمانٍ مات واندثر، أن الشورى نظام قبَلي الأصل، وأن النظام القَبَلي هو أقدم تاريخيًّا وأبعد إلى الوراء إلى ما قبل بُناة الأهرام وقيام دولة مصر القديمة بأزمان طوال. وقد تطورت مصر بعد النظام القَبَلي الأول عبر قرون متطاولة حتى انتهت صلتها بالشورى وأقامت بعدها دولتها الكبرى بقانونها بمؤسساتها بنظامها الهرمي التراتبي التخصصي الدقيق، وعندما أقامت الدولة المركزية الأولى في فجر الأسرات ٣٢٠٠ق.م (حسب تقدير ماير) كانت قد تجاوزت نظام القبيلة بثلاثة آلاف سنة أخرى مثيلة سابقة. ويأتي اليوم أبناء مصر من المسلمين ليطلبوا العودة إلى تلك الأزمنة القَبَلية ليستخدموا أدواتها وقوانينها وقيمها في مواجهة الحداثة. يريدون عودتنا إلى ما قبل عصر الأسرات!
المصري فقد حضارته وتاريخه وأصبح قبليًّا، بطولاته ليست هندسة معمارية عظيمة، ولا هندسة ري دقيقة، ولا اختراعًا ولا كشفًا، إنما هي بطولات زغلول النجار ومصطفى محمود اللذين اهتمَّا بإثبات أن القرآن قد احتوى كل ما اكتشفه العلم الإنساني وكل ما يكتشفه بعد، في خرافات تلفزيونية، أو في صفحات أكبر صحف مصر، ليس فيها من العلم غير الحكي البدائي في ليالي سمر القبيلة حول البعير، حكي ألف ليلة وليلة، حكيٌ لم يُنتج شيئًا في الواقع حتى الآن، وهو غير قابل لأن يُنتج شيئًا سوى ضياع المسلمين في مزيد من العودة إلى الوراء.
ويصبح «العلم والإيمان» مدرسة وجمعيات كبرى بل وعقيدة عند المسلمين، وهو ما لم ينتج أكثر من حكايات هابطة لتسلية المسلمين وحدهم في صحراء جهلهم القَبَلي؛ فحتى وهو يُنتج، يُنتج إنتاجًا حكائيًّا أنانيًّا لا يصلح بالمرة لغير المسلمين ولا يسلي غير المسلمين. وغير واضح لدينا أن المنتج العلمي الغربي هو لكل البشرية، بينما علمنا المختلط بإيماننا منتج تمت صياغته دون وضع الفائدة في الاعتبار؛ لذلك هو لا يفيدنا ولا يفيد غيرنا. بينما العلم بمفهومه الغربي أفادهم وأفادنا. عندما ترى الاعتقاد بالعلمية التامة للقرآن حسب برامج العلم والإيمان راسخة لدى أطباء ومهندسين وحقوقيين مصريين عن يقين، فهو ما يعني أن الشر والسوء قد حدث للوطن بغضِّ النظر عن كل الكوارث الأخرى؛ لأنه يعني أننا أمسينا نخلط بين الخيال والحقيقة، وهو الهذيان، هو الجنون.
الإخوان المسلمون يريدون إصلاح حالنا المتدهور بإحياء الموتى لينظموا لنا حياتنا كما كانت حياة من هم في مقابر الألف الميلادي السابع، وهي شهادة على الذات شديدة المرارة؛ لأنها تعني فقد الثقة الكامل بالذات، والشعور بالتدني والنقص الحاد في تكوين شخصية الفرد والمجتمع، بعد أن تكاثر على المسلم ما يقدمه له المشايخ كل يوم من أحمال تضاف إلى الإسلام ولم تكن فيه، ويزوِّرونه عليه بالباطل؛ فالقرآن هدًى للناس وليس فيه أينشتين ولا جاليليو؛ لأنه ببساطة لم يكن في زمانه لا أينشتين ولا جاليليو، وخاصة مع ظهوره في مكانه بالجزيرة التي كانت خالية من كل معرفة سوى علم الأنساب وشعر الفخر والهجاء. أصبحوا يقدمون الشورى للمسلمين كبديل تام الموافقة للديمقراطية، فيبتدعون في الإسلام ما لم يكن فيه، وهو البدعة المكروهة المنهي عنها شرعًا ونصًّا. لقد أضافوا للإسلام ما يجعل أبا بكر الصديق يرسب في أي امتحان للتربية الإسلامية اليوم.
المسلم يعتبر كل ما يأتي من الغرب هو شرٌّ تم تدبيره بليلٍ للمسلمين بالذات دون الهندوس والبوذيين والسيخ وكل الملل والنحل بأعدادهم الهائلة في العالم؛ لذلك يرفض حتى تقاليد المائدة الغربية كالشوكة والسكين؛ لأن له آدابًا خاصة للمائدة؛ فالأكل جلوسًا على الأرض مع وضع اليد اليسرى تحت الفخذ اليسرى واستعمال اليمنى فقط! هو رجوع كامل إلى القَبَلية رغبةً في المغايرة والتمايز، ومع تصوُّر المسلمين أن عادات الغرب بدورها مستمدة من دينهم فإنهم يكرهون تفوُّق ديمقراطيتهم. وسبق وتصدَّى مشايخنا للمطبعة والهاتف وللمذياع وللتلفاز ولقوانين الأمم المتحدة بإلغاء الرق، ولا زلنا ضد حقوق الإنسان، عن تصور أن الاعتراف بها هو اعتراف بقوة دينهم على ديننا؛ لذلك نرفض كل جديد يأتي من هناك، إلى أن يفرض نفسه علينا ويجد فتوى تائهة تبيحه ذات يوم ما دام نافعًا وبلا ضرر ولا ضرار.
منطق المسلم يقوم على ربط التفوق العلمي للديمقراطيات الغربية بدينهم الذي لا بد أن يكون متفوقًا ما دام هذا إنتاجه؛ لذلك يتصدى المسلم لكل جديد يأتي من عندهم دون أن يكون مشاركًا فيه ولا حتى دون أن يفهم ما هو، كوقوفهم صفًّا مرصوصًا ضد استنساخ الخلايا الجذعية في كوريا الجنوبية، دون أن يعرفوا لا ما هو الاستنساخ، وما هي الخلايا الجذعية، ولا حتى أين هي كوريا الجنوبية! فيصلوا هم إلى استبدال الأعضاء التالفة بأعضاء سليمة جديدة، ونصل نحن إلى بول الناقة.
إن علمنا الذي يصف البول كدواء هو علم هابط متخلِّف يقف عند فجر البشرية، وربطه بدين المسلمين هو إهانة لهذا الدين، ولأن كل الحضارات قامت على علوم لا علاقة لها بأي دين، فالوحي لم يأتِ مندليف، ولا نزل جبريل على أحمد زويل؛ كذلك الديمقراطية عندما نريدها، علينا أن نأخذها دون أن نمررها على ذائقتنا الدينية أولًا، مثلها بالضبط مثل جدول العناصر.
وإن من يقف من مشايخ التطرف أو مشايخ الصحوة ضد الديمقراطية ليستبدلوها بالشورى، هو من أنصار الاستبداد؛ فبما أن الشيخ ليس ملكًا ولا حاكمًا حتى يقف ضد الديمقراطية التي قد تهدد مركزه، فهو مأجور إذن للاستبداد ضد شعبه. إن الشيوخ يقومون بدور القوادين لحكام المسلمين المستبدين؛ ليأتوهم بالشورى التي لا بتهش ولا بتنش … بحسبانها الديمقراطية، في خدعة لئيمة وغير نظيفة لرعاياهم من مسلمين بسطاء. ولولا هؤلاء المشايخ لعرف الشعب المسلم الديمقراطية منذ زمان، ولكان الآن يركب قطار الحداثة مثله مثل بقية الشعوب المحترمة. ولولا المسكنات الإسلامية في وسائل إعلام المستبدين وتعليمهم الموجه للناس لكان حالنا غير الحال؛ لأن أصل الديمقراطية وتعريف الناس بها في بلادنا يتم سرًّا، لكن تعريفهم بالإرهاب والدكتاتورية الدينية والسياسية فهو العلني. الشورى هي العلني، أما الديمقراطية بأسسها الحقوقية والتي تسمى العلمانية فهي في بلادنا كُفر يجازى صاحبه بجزِّ الرقبة مع تهليل المؤمنين المصلين المكبرين.
لقد استدعوا الشورى رغم علمهم أنها غير ملزِمة للأمير، وهو ما يجيز للأمير عدم استخدامها من الأصل ما دام سيمكنه رفضها، وهو ما حدث تاريخيًّا. وانتهى شأن الشورى؛ لأنه قد ثبت بالوقائع أنه لو تقدَّم عشرة للخليفة بآرائهم واختار هو رأي المشير العاشر فقط، كما فعل عمر عندما أخذ برأي عبد الرحمن بن عوف؛ فالمعنى أن التسعة لم يستطيعوا أن يُلزموا الخليفة بمشورتهم، وهذا عكس الديمقراطية تمامًا، هذا هو عين الاستبداد وجوهره المتين.
هذا ناهيك عن كون الأمير نفسه أحد أعضاء جماعة الشورى، وله أن يأخذ في هذه الحال برأي نفسه وحده ويرفض رأي العشرة جميعًا؛ فالشورى منطقًا وتاريخًا غير ملزِمة، ومن يقول بإلزامها مثل قرضاوي الجزيرة، فإنه يقولها وهو خفيض الصوت متردد وعلى استحياء؛ لأنه يعلم أنه مزور يُلبِس الاستبداد ثوب الديمقراطية بتَقِيَّة من طرف اللسان. ثم إنَّ سن قوانين جديدة أو تعديل تشريعات وقوانين قديمة، كان في زمن صاحب الدعوة الإسلامية يتم عن طريق الناسخ والمنسوخ بفعلٍ رباني دون شورى من أحد. أما الديمقراطية اليوم فتقوم عبر مجلسها التشريعي بوظيفة الناسخ والمنسوخ؛ فهي التي تعدِّل التشريع وتُصدر الجديد وتُلغي القديم؛ لذلك فإن الشورى المقصودة عند مشايخنا لم يكن لها أي علاقة بسن قوانين إسلامية؛ فالشريعة الإسلامية هي من عند الله، وليس في إمكاننا إعادة النظر في أي تشريع إسلامي؛ لأن ذلك سيكون اعتداءً على حدود الله حسب نظريتهم القانونية. إذن فإن الشورى لا هي في العِير ولا هي في النفير، ولم يرد عن القرآن أو السلف الصالح ما يفيد بإمكان تدخُّل الشورى في التشريع بإلغاء قوانين إسلامية قديمة أو تعديلها. مضافًا فوق كل هذا أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم مطردة التطور مع تعديل دائب لما يرتبط بها من مفاهيم حقوقية وتغير للأرقى دومًا فيما يتعلق بمفاهيم العدل والحرية والمساواة … إلخ، بينما الدين ثابت، وليست الديمقراطية الغربية هي نهاية التاريخ كما يقول فوكوياما؛ فالعلم لا يأخذ ما طرحه فوكوياما إلا على سبيل الفانتازيا؛ لأن التطور العلمي يفرض قيمه الجديدة باستمرار؛ ومن ثَم قوانينه الجديدة التي تصون القيم الجديدة، فإذا قلنا إن ديمقراطية اليوم هي الشورى القرآنية، فماذا ستكون شورانا غدًا؟ وماذا عن قرآننا هنا؟ ثم علينا مقارنة تفسير الطبري لشورى النبي صحابته بأنه كان يشاورهم تطييبًا لقلوبهم مع عدم إلزامية هذه الشورى والمضي فيما أُمر به وإن خالف مشورة الصحابة؛ علينا مقارنة هذا بما يفعله قادة المسلمين من مشايخ مجددين، فهم يفعلون ذات الفعل تأكيدًا لاتباعهم السنة النبوية، يسمعون لنا ويسمعون لغيرنا، لكن ما نقوله أو يقوله غيرنا هو عندهم تطييبًا لنفوسنا وامتصاصًا لغضبنا؛ لسلبنا حرياتنا وكرامتنا، وبعد السماع تُطلَق الوعود غير الملزِمة. ذات السياسة سياسة الحكومة المباركة؛ تسمح للشعب بقول ما يريد ويفعل السادة ما يريدون. إنها بالضبط نظام الشورى … هذه هي السنة النبوية، لكنها وإن كانت صوابًا إيمانيًّا في زمنها بالتسليم لنبوة النبي، فإنها اليوم تصبح استبدادًا يقوم على مجلس الشورى … هكذا يقول الشرع. أما الديمقراطية فهي تتطلب الحرية والمساواة، وفي بلادنا يعرف الحكام والفقهاء الحكماء أن من يعلِّم طيور حظيرته الطيران … بات بلا عشاء.
•••
منذ انكفاءة مساحة الانفتاح العربي الإسلامي مع الإمام أبي حامد الغزالي، تجاوز الله عن سيئاته، وتحريمه علم الكلام على العوام عن طريق اللجام (إلجام العوام عن علم الكلام؛ كتابه الأشهر) تحرِّم المعاهد الدينية والحكومات الإسلامية تدريس الفلسفة الغربية في بلادها، بقدر ما تدرِّس وتعلِّم فلسفة العرب الغزاة حيةً في مدارسنا إلى أن يظهر لها وريث مناسب يوظفها لنفسه، ومنها حكاية الشورى.
إنهم يستبدلون الديمقراطية بالشورى، وهي ليست فقط غير ملزِمة بالمرة، ولكن باختلافٍ تام في المعنى المؤدي في النهاية للغرض والهدف؛ لأن الشورى في الحالات الثلاث المشهورة كانت إزاء حالات طارئة وعسكرية وتحتاج إلى أهل الحرب والخبرة؛ لذلك كانت الإشارة للشورى كما سلف دومًا محددة بأمرٍ «حزَبَهم»؛ أي بالمسلمين؛ أي نازلة شديدة نزلت بهم. والحكايات الثلاث لا تعني أن تلك هي الديمقراطية؛ لأن ما في الحكايات المذكورة هو طلب النصيحة من الخبراء في الشأن. هنا نستمع مرة أخرى للدكتور معروف يشرح: «إن مفهوم المستشار هو الإنسان المتخصص الذي يُستعان برأيه في مسألة من المسائل في الشئون العسكرية أو الفنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو نحوها، في كل منحًى من مناحي الحياة. ففي جميع الدول اليوم مستشارون، سواء على شكل هيئات أو أفراد أو مؤسسات يستعين بهم صاحب القرار عند اتخاذ قراره. ولا شك في أن آراءَهم غير ملزِمة له؛ لأن صاحب القرار يطَّلع على مجمل الآراء ويتخذ قراره؛ فهذه هي الشورى … وأرى أن أهل الشورى هم أهل الذكر: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (الأنبياء: ٧).» ا.ﻫ.
وبغضِّ النظر عن رأيه فيمن هم أهل الذكر فإن المعنى في الاستشارة هو أخذ النصيحة من متخصص؛ كما أخذها النبي في موقعة بدر من «الحُبَاب بن المنذر» كمحاربٍ محنك. وهو أمر دائم الحدوث في حياتنا منذ وجود الإنسان على الأرض؛ فالتشاور يتم داخل الأسرة في شكل تناصُح، وفي مجموعات العمل في الحقول والورش والمصانع والحروب والتجارة والبيع والشراء … حتى في مجموعات الصيد في بدائية البشرية؛ فالناس تبحث عن النصيحة وتحصل عليها من الخبراء. حتى وقت المرض عندما يبحث الناس عن علاجٍ يخفف الآمهم، فتأتيهم النصيحة في صورة وصفاتٍ أو أدعية! ويؤكد المعنى البسيط الفطري للشورى بكونها النصيحة حديثٌ منسوب للنبي ﷺ: «لا خاب من استخار ولا ندم من استشار.» فالاستخارة والشورى اختيار بين بدائل تحتاج نصحًا وإرشادًا. ويقول الشيخ يوسف قرضاوي: «إن المسلم يستعين بأمرين يساعدانه على اتخاذ القرار: أحد هذين الأمرين ربانيٌّ وهو استخارة الله تعالى، وهي صلاة ركعتين يعقبهما دعاء مضمونه أن يختار الله له خير الأمرين في دينه ودنياه، والثاني إنسانيٌّ وهو استشارة من يثق برأيه وخبرته ونصحه وإخلاصه … وقد حفظ المسلمون من تراثهم: «لا خاب من استخار ولا ندم من استشار.» وقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) يستشيرون النبي، فيشير عليهم بما يراه صوابًا. واستشارته فاطمة بنت قيس في أمر زواجها، وقد أبدى الرغبة فيها رجلان: معاوية وأبو جهم، فقال لها: «أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه»؛ أي يضرب النساء، واقترح عليها أن تتزوج أسامة بن زيد. وكان الرسول ﷺ يستشير بعض أصحابه … وفي أزمة حديث الإفك يستشير علي بن أبي طالب ويسأل أسامة بن زيد» (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده، مكتبة وهبة، القاهرة، ٢٠٠١م، ص١٢٣).
ثم يضيف في كتابٍ آخر محاولًا تبرير نظام الشورى، بدون آليات توضح كيفية التطبيق ومؤسسات تحميه وتحافظ عليه من سوء التفسير أو الاستخدام، قوله: «أما عدم وضع الصيغ التفصيلية فذلك لحكمةٍ ذكرها حكماء الإسلام … يقول العلامة رشيد رضا … في تفسير المنار، آية (آل عمران: ١٥٩) جملة أسباب منها؛ أن هذا الأمر يختلف باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية في الزمان والمكان، وكانت تلك المدة القليلة التي عاشها ﷺ بعد فتح مكة، فبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، وكان ﷺ يعلم أن هذا الأمر سينمو ويزيد، وأن الله سيفتح لأمته الممالك ويُخضِع لهم الأمم، وقد بشَّرها بذلك. فكل هذا كان مانعًا من وضع قاعدة للشورى تصلح للأمة الإسلامية في عام الفتح وما بعده في حياة النبي ﷺ، وفي العصر الذي يتلو عصره، إذ تفتح الممالك الواسعة، وتدخل الشعوب التي سبقت لها المدنية، في الإسلام أو في سلطان الإسلام؛ «إذ لا يمكن أن تكون القواعد الموافقة لذلك الزمن صالحة لكل زمن»، والمنطبقة على العرب في سذاجتهم، منطبقة على حالهم بعد ذلك وعلى حال غيرهم. فكان الأحكم أن يترك ﷺ وضع قواعد الشورى للأمة تضع منها في كل حالٍ ما يليق بالشورى. ومنها أن النبي لو وضع قواعد مؤقتة للشورى بحسب حاجة ذلك الزمن لاتخذها المسلمون دينًا، وحاولوا العمل بها في كل زمان ومكان، وما هي من أمر الدين» (الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه، مكتبة وهبة، القاهرة، ص١٢٣).
إن قرضاوي بذلك يقول إن مسألة الحكم والشورى هي ليست من الدين في شيء — وهو المرجع الأعظم لكل الفرق الإسلامية اليوم — ويعتبرها مسألةً خاضعة للمكان والزمان.
ويقتبس قرضاوي من محمد الغزالي داعمًا لرأيه؛ إذ يقول الغزالي: «أما الفكر الإسلامي فهو عمل الفكر البشري في فهمه، والحكم الإسلامي هو عمل السلطة البشرية في تنفيذه، وكلاهما لا عصمة له» (نفس المصدر السابق، ص١٥٩).
أما الديمقراطية فشأنٌ آخر ناضج معقد متشابك، يهتم بسَنِّ القوانين والتشريعات ومتابعتها، وتتبعها مؤسسات تصون قيمها وتملك قدرة المحاسبة، بما يتنافى ليس مع ما يطرحه الإسلاميون فقط، بل مع كل الأديان؛ لأنه شأنٌ إنسانيٌّ بحت، ولأن الأديان تتعامل مع قوانين وتشريعات تأتي من السماء مفروضة على الناس فرضًا، والمؤمن هو الملتزم بهذه القوانين، وهي أصلًا ألوان من التعبد والقوانين الأخلاقية. وفي بلادنا يقوم رجال الدين — عبر شيء اسمه الفتوى وإعادة التفسير — بصك قوانين جديدة طوال الوقت لم تكن في صلب الإسلام الأول، ليتم لهم تسخير المسلمين والسيطرة على أرواحهم، كأنَّ ربَّ الإسلام قد سها أو نسي أن يُصدر مثل تلك التشريعات فقاموا يسدُّون النقص نيابة عنه؛ كتحريم شرب السجائر التي لم يعرفها زمن الدعوة ليقول تشريعه بشأنها، وكفرض الحجاب للمرأة ركنًا من أركان الإسلام؛ هذا ناهيك عن كمٍّ هائل من الأحاديث يستخرجون منه بالقياس أضعافه من أحكام وشروط على عاتق المسلم، ولا يكتشفون أن تلك الأحاديث ضعيفة أو أنها إسرائيليات إلا عندما نستشهد بها نحن.
وكان عربي الجزيرة يعرف أن الشورى هي النصيحة وليست هي الديمقراطية؛ حيث إن الديمقراطية كانت معروفة قبل الإسلام بقرون، فقال شاعرهم:
إذا بلغ الرأيُ المشورةَ فاستعِن برأي نصيحٍ أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوَّة للقوادم
وهي ذات الأبيات التي استشهد بها الشيخ قرضاوي في كتابه «ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده» (ص١٢٢)، للتعبير عن ذات المعنى هنا.
ويقول آخر:
الرأي كالليل مسودٌّ جوانبه والليل لا ينجلي إلا بإصباح
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى مصباح رأيك تزدَدْ ضوءَ مصباح
العربي كان يعرف الشورى كرأي نصيح قبل الإقدام على المهمَّات الممكن اختيارها بين بدائل متاحة، وهو معنًى لا علاقة له بالديمقراطية؛ خاصةً إذا ما تذكرنا الحديث الذي يُنهي مسألة الشورى حتى كرأيٍ في الإسلام، وهو: «اسمعوا وأطيعوا وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه زبيبة.»
ولأن طاعة الإمام كانت طوال التاريخ الإسلامي هي المرجوحة على ما سواها، يحاول قرضاوي أن يكشف لنا سلبية الشورى حتى مع اقتصارها على مفهوم النصيحة، إذ يقول: «بعد غزوة أحد التي شاور النبي فيها أصحابه، ونزل عن رأيه إلى رأي أكثريَّتهم، فكانت النتيجة ما أصاب المسلمين من قَرْح» (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده، مكتبة وهبة، القاهرة، ٢٠٠١م، ص١٢٦).
في سياق بحثه حول الشورى الإسلامية يعرض الكاتب الإسلامي الدكتور بشار عواد معروف قولًا للكاتب الإسلامي فهمي هويدي، وهو الملقَّب بالمستنير، يقول فيه هويدي: «لا يحسبنَّ أحدٌ أنه يمكن أن تقوم لنا قيامةٌ بغير الإسلام، أو أن يستقيم لنا حالٌ بغير الديمقراطية؛ إذ بغير الإسلام تزهق روح الأمة، وبغير الديمقراطية — التي نرى فيها مقابلًا للشورى السياسية — يحبط عملها؛ بسبب ذلك نعتبر أن الجمع بين الاثنين هو من قَبِيل: المعلوم بالضرورة من أمور الدنيا.
😎 بقية المقال البحثي لاستاذ التنوير الدكتور سيد القمني
لشورى والديمقراطية من الدولة الدينية إلى الدولة الإسلامية
سيد القمني
2022 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدولة المسلمة للخلف دُر
الشورى والديمقراطية من الدولة الدينية إلى الدولة الإسلامية
سبق لنا أن ناقشنا مفهوم الشورى في الإسلام في كتابنا «شكرًا بن لادن»، ومجددًا، وفي صحيفة الحياة بدءًا من تاريخ ٢٨ / ٨ / ٢٠٠٤م كتب الدكتور بشار عواد معروف دراسة مطولة وهامة حول الشورى يمكن أن نستخدمها هنا كأساس لإعادة المناقشة والتحليل والدرس، من وجهة نظر أخرى جديدة تمامًا. والدكتور بشار عواد أكاديمي عراقي يقيم بالأردن، وهو قطب إخواني كبير، وقد عنون دراسته ﺑ «الجماعة والسلطة: قراءة في المبادئ والقواعد والوقائع التاريخية»، وقد أُعيد نشرها على الشبكة الدولية للمعلومات بتاريخ ٢٧ / ٢ / ٢٠٠٥م تحت عنوان: «الشورى والسلطة التشريعية».
•••
يدخل الدكتور معروف إلى موضوعه عبر مقدمة تقول: «ربط المفكرون الإسلاميون فكرة الشورى بالديمقراطية، فمنهم من رفض الديمقراطية وجعل الشورى هي البديل، ومنهم من حاول — في سعيه للتجديد والمعاصرة — التقريب بينهما، ومنهم من دعا إلى الأخذ بالديمقراطية باعتبارها نظام حكم وآليةً للمشاركة. وإن التغاير بين المشروع الحضاري الإسلامي وبين الديمقراطية هو من باب التنوع والتمايز لا التضاد والخصومة.» ا.ﻫ.
وفي هذه المقدمة الصغيرة وردت كثير من الألفاظ والمفاهيم التي تحتاج إلى وقفة للفهم والتحليل والتدقيق مثل الشورى والديمقراطية، والشورى كبديل للديمقراطية … إلخ. فكيف نفهم مثلًا أن المفكرين الإسلاميين جعلوا الشورى هي البديل للديمقراطية؟ إن البديل هو الذي يساوي ويطابق بديله، والمشكلة الأولى هنا هي أن الديمقراطية كمفهوم هي منتج غربي بلفظ لاتيني، فهل مجرد نقله والقول إن بديله العربي هو الشورى، يعني أن اللفظين قد تطابقا، وأن الشورى قد أصبحت البديل الصادق المعبر عن المعاني التي قصدها أهل الديمقراطية؟
أم أننا نأخذ لفظ الديمقراطية كمنطوقٍ لساني لفظي بغضِّ النظر عن معناه ودلالاته ومحتواه ومضمونه وأُسُسه الفكرية والفلسفية، لنطابقه بلفظنا «الشورى» ببساطة مدهشة، وخفة شديدة؟! فإذا كانت الألفاظ دون دلالات اللفظ وتاريخه وموطنه يمكن تبادلها بهذه البساطة، فإن «رع» سيكون بنفس البساطة هو «الله»، ويكون «بوذا» هو «خاتم الأنبياء»، بذات الخفة والتبسيط المخل.
إن المفردات ذات المعاني الدقيقة وذات التاريخ الطويل بما يحمله هذا التاريخ من أفكار، والتي لم يسبق أن عرفتها اللغة العربية، وغابت عن مجتمعاتنا غيابًا كليًّا، وغير موجودة في معاجمنا، يلزم أن تظل كما هي حتى يمكنها أن تحتفظ بدلالاتها الصادقة ومعانيها المفهومة عند أصحابها، وعند من أخذ بالديمقراطية في العالم جميعًا — عدانا بالطبع — لأننا نعيش مجتمعًا عالميًّا أصبح متصلًا بعضه ببعض، ويلزمه كي يفهم بعضه بعضًا بلا غموض ولا خداع أن تظل المفردات كما هي بمعانيها وتاريخها ودلالاتها. والديمقراطية لا يمكن ترجمتها ببساطة خادعة إلى بديلنا (الشورى)؛ لأننا في هذه الحال سيكون علينا أن نجد الترجمة البديلة لملايين الألفاظ مثل الفيروس والبكتريا والأمبير والأكسجين والدكتاتورية والجمهورية … إلخ. وأن تكون الترجمة وافية بالمعنى الأصلي للفظ لتؤدي ذات الدلالات ونفس الهدف.
إن المعنى الأول الذي حملته كلمة ديمقراطية منذ نحَتَها الرومان في مجلس الساناتو قبل الإسلام بعشرة قرون، كانت تعني أن يحكم الأحرار أنفسهم بأنفسهم. وهو معنًى لا يعرفه المخزون العربي؛ ومن ثَم ليس في المعاجم العربية ما يعبِّر بصدق عن هذا المعنى الأول؛ وعليه فلا سبيل سوى استخدام اللفظ كما نحَته أهله بمعانيه ودلالاته، وإلا نكون مزورين ومزيفين. المشكلة هنا أن أصحاب الشورى عندما يرونها بديلًا، فهو ما يعني أنهم قد أجرَوا مفاضلة بين الشورى والديمقراطية. لكن طالما أن بديلهم لا يطابق الأصل، ويحمل معنى التميز بعد المفاضلة، فهو ما يدفع للسؤال عن أيهما الأفضل … البديل الإسلامي أم الأصل الديمقراطي؟ لأنه في مساحة الأمانة العلمية يجب اقتضاء الدراسة المقارنة التفضيلية، وهو شأن يقوم به المتخصصون في القانون الدولي والقانون الدستوري وأهل فلسفة السياسة والقانون والتاريخ؛ ولا بأس من أهل الفقه الإسلامي معهم، للمقارنة ثم العرض على أولي الشأن للاختيار. وأولو الشأن هنا ليسوا هم أهل الذكر وليسوا الفقهاء؛ لأن رأي الفقهاء سيوضع إلى جوار آراء الخبراء كرأي مفرد، أهل الذكر هنا هم أصحاب الديمقراطية. وعليه فإن إبداء الرأي فيما إذا كانت الشورى هي الديمقراطية ليس من اختصاص رجال الدين الإسلامي؛ لأن الديمقراطية ليست من لدنهم، وعليهم الرجوع إلى أهل الذكر؛ إلى أهل الحضارة والثقافة الغربية صاحبة الديمقراطية ليفصلوا لنا في هذا الخصوص؛ فهم من يستطيع بإجراء المقارنات أن يقولوا لنا إن كانت الشورى هي الديمقراطية من عدمه.
وقول الدكتور معروف: «فمنهم من رفض الديمقراطية وجعل الشورى هي البديل» كان يستدعي منه إتباع هذا القول بالاستفسار عمن أعطاهم حق الرفض؟ وما هي صفة هؤلاء ليرفضوا أو يقبلوا؟ إن العبارة تشير إلى دكتاتورية كامنة وأسلوب تفكير مستسلم لفكر أسطوري إملائي، دون أن يكون لصاحب هذا الفكر أي حق في الإلزام أو الإجبار، وهي صيغة حكم، أو هي نتيجة بلا مقدمات، وتفضيل بلا طرح للبدائل، هي تعبير عن غطرسة دينية لم تكن حتى لدى الأنبياء، هي صيغة جبروت يختار لنا، وعلينا القبول بخنوع، هي صيغة أغبياء يعجزون عن المقارعة فكرًا بفكر؛ لذلك هم لا يقارنون بالبدائل، بل يفرضون؛ لأنهم يعلمون أن الشورى لا يمكن أن تكون بديلًا للديمقراطية، فعندما يعطيني الصيدلي بديلًا للعلاج المطلوب، فهو يعطي بديلًا تغيَّرَ فيه الاسم التجاري فقط، بينما لم يتبدل المحتوى والمكونات؛ فهو هو بمادته التصنيعية بذات المركبات وذات النِّسب. وبهذا المعنى لا يمكن أن تكون الشورى بديلًا للديمقراطية؛ لأن المكونات تتضارب بينهما وتتناقص تناقصًا صارخًا، وصاحب الديمقراطية الذي صنعها هو من يعرف ما تستبطن من معانٍ وفلسفات وبرامج ومقاصد، وليس نحن.
المفروض في المفاضلة إذا كانوا يقصدون المفاضلة أن يستعرضوا لنا ما في بطن الشورى وما في بطن الديمقراطية، ثم يتركوا لنا الاختيار، ما دمنا نتحدث عن الديمقراطية. لكنهم أخذوا القرار وعلينا التسليم بأن الشورى بديل الديمقراطية، بأحكام كلها غير أمينة. إن كلمات مثل أمبير وأكسجين وهيدروجين تحمل معاني يعرفها المكتشفون وقاموا بتعليمها لبقية الناس في العالم، فسلَّم بها كل العالم، وظلت كما هي بدلالاتها وما في بطنها من تراكم معرفي خاص بمكانه وزمنه، ومثلها الديمقراطية، ومثلها «الفيمتو ثانية»، من يشرحها لنا صاحبها د. «أحمد زويل» وليس «شيخ الأزهر»، ولا يمكن ترجمة معناها بالمقابل الإسلامي، كالديمقراطية سواء بسواء؛ لأنها قادمة من مجتمع وفلسفة مختلفة؛ لأنه ليس لها أي مرادف في مخزوننا الثقافي، واصطناع أي لفظ عربي مهما كان لن يعبر عن المعنى الذي أراده أصحابها. المشكلة أنهم يحيلون المعنى إلى لفظ قرآني (الشورى)؛ يعني ربنا موجود في الموضوع ليطرد أي كائن أو رأي آخر؛ لأنه هو من قال؛ يعني هناك جهنم لمن رفض تفضيل القرآني على البشري؛ يعني انعدم الاختيار تمامًا، وانعدم أول مبادئ الديمقراطية في بساطتها البدهية.
وحتى لا نقبل ما نقبل إلا عن بينة، أو نرفض ما نرفض إلا عن بينة، تعالوا نرى ما في بطن الشورى لنرى هل هي بديل الديمقراطية حقًّا، من عدمه.
•••
الشورى نظام عربي قديم عرفته قبائل بوادي الجزيرة العربية؛ فكان لشيخ القبيلة مجلس للشورى يضم أفراد القبيلة الأحرار صرحاء النسب الذين بلغوا الأربعين من العمر فما فوق، ويتَّسمون برجاحة العقل وأيضًا بالثراء المادي. وقد لازمت الشورى العرب في الإسلام كما لازمه الكثير من شئون الجاهلية؛ لذلك جاء ذكرها في القرآن مرتين: الأولى في قوله: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران: ١٥٩). وقد أورد الدكتور معروف شرح الطبري للآية بنصه: «إن الله عز وجل أمر نبيه ﷺ بمشاورة أصحابه فيما حزَبَه من أمر عدوه ومكايد حربه؛ تألُّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمَن عليه معها فتنة الشيطان، وتعريفًا منه أمَّته مأتى الأمور التي تحْزِبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته ﷺ يفعل. فأما النبي ﷺ فإن الله كان يُعرِّفه مطالب وجوه ما حزَبَه من الأمور بوحيه وإلهامه إياه صواب ذلك. وأما أمته فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادُق وتوخي الحق وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميلٍ إلى هوًى، ولا حيدٍ عن هوًى؛ فالله مسدِّدهم وموفقهم. وأما قوله تعالى: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ، فإنه يعني: فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك وتسديدنا لك فيما نابك وحزَبَك من أمر دينك ودنياك، فامضِ لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافقَ ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها.»
أما الآية الثانية فهي وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (الشورى: ٣٨). يقول الطبري: «وإذا حزَبَهم أمرٌ تشاوروا فيما بينهم.» وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره «أن النبي ﷺ كان يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييبًا لقلوبهم ليكونوا فيما يفعلون أنشط لهم، كما شاورهم في الحروب ونحوها.»
ويعقِّب الدكتور معروف بقوله: «ويلاحظ في تفسير الطبري للآية الأولى أن النبي ﷺ إنما كان يشاور تطييبًا لقلوب أصحابه مع عدم إلزامية هذه الشورى له، والمُضي فيما أمر به، وإن خالف ما أشار به أصحابه، وتعليمًا منه ﷺ لمن يأتي بعده بضرورة المشاورة. ومن هنا يتعين الفصل بين الشورى في عهد الرسول ﷺ وممارسات الشورى لمن جاء بعده؛ فالاستشهادات بالتطبيقات العملية للشورى في عهد الرسول ﷺ فيها الكثير من عدم الدقة؛ لأن شخصية الرسول شخصية رسالية يصعب التمييز داخلها بين تصرفاته الرسالية المتأتية من الوحي وبين الاجتهادات الشخصية الدنيوية. والتوكل الذي أشارت إليه الآية في سورة آل عمران سواء أجاء موافقًا أم مخالفًا لأهل الشورى هو من أمر الله. ويمكن الاستشهاد بالعديد من الأمثلة المشابهة.
أما الخلفاء الذين جاءوا بعد النبي ﷺ فكانوا يستشيرون الصحابة، لكن الآراء لم تكن ملزِمة لهم باتباع ما أشير به … وكل إنسان قديمًا أو حديثًا يستشير لكنه غير ملزَم باتباع ما أشير إليه دائمًا، وإلا فلا معنى للفظة الشورى.» ا.ﻫ.
ونضيف هنا ما جاء في تفسير القرطبي: «قال قتادة: أمر الله نبيه ﷺ إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله لا على مشاورتهم، وعاتبه على المشاورة في الأسرى: ما كان لنبي أن يتخذ أسرى حتى يثخن في الأرض.»
وقد عمل أبو بكر وعمر بهذا النظام في الشورى؛ فقد أشار الصحابة على أبي بكر ببقاء الجيش لمحاربة المرتدِّين، فلم يأخذ بالشورى وأنفذ بعث أسامة، ثم أشار الصحابة على أبي بكر مهادنة القبائل الانفصالية (المرتدة) وقبول الصلاة وترك الزكاة حتى يُعِز الله الإسلام بالقوة، فما كان منه إلا أن اتخذ القرار النقيض بشن الحرب على المرتدين. ولم يكن هناك مبرر منطقي في القرارين، وكان أهل الشورى هم الأكثر منطقية. لم يكن هناك مبرر سوى تنفيذ رأيه بغضِّ النظر عن المشورة. كذلك أجمع الصحابة على أن يقود الخليفة عمر جيوش المسلمين لحرب الفرس عدا عبد الرحمن بن عوف الذى أشار ببقاء الخليفة بالمدينة، فأخذ الخليفة برأي عبد الرحمن وحده ورفض الإجماع.
ومن هنا اختلف الفقهاء في شئون بلا قيمة؛ لأن المبدأ نفسه غير ملزِم للحاكم، ولا يملك أدوات إلزام ولا تشريع بالإلزام ولا مؤسسات يكون في تمكينها الإلزام؛ وذلك من قبيل تقدير حدود الشورى، وكيفية التزام الحاكم بها، ومَن هم أهل الشورى ومن يمثلون، وهل هم أسماء كبيرة بلا مصداقية؟ هل هم رؤساء القبائل وأمراء الجند، أم أهل العلم الديني والفتوى؟ لن ترى في بحثك وراء الشورى سوى عشوائية تامة مما يشير إلى أنها توسع كالورم في أمرٍ لم يكن يقصد كل هذا التوسع؛ لأن الغرض منه لم يكن أكثر من تطييبه لقلوب الصحابة مع عدم إلزامه منذ زمن النبي كما شرح الطبري؛ لتبقى مجرد ورم في تاريخ المسلمين. وقد سمحت هذه الفوضى مؤخَّرًا للشيخ يوسف قرضاوي بتحديد من هم أهل الشورى بالضبط، فقال: «يقول الإمام ابن عطية في تفسيره: إن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب» (الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه، مكتبة وهبة، القاهرة، ١٢٠). وهو نفسه من سنسمعه بعد قليل وبداخل ذات الكتاب ينكر أن تكون الشورى من قواعد الشريعة أو عزائم الأحكام؛ لأن مساءلة الحاكم كانت كلامًا لطيفًا من باب حسن النية، ولأن الأمر في الحديث النبوي هو «طاعة ولي الأمر من غير معصية» إعمالًا لأمر القرآن، ومع الطاعة لا مكان لشيء اسمه الشورى أو الديمقراطية.
ومبدأ الشورى لم يعنِ يومًا عبر تاريخه أيَّ معنًى من معاني حرية الرأي والاختلاف، فهذه مفاهيم لم يعرفها المسلمون؛ لأن الدولة الإسلامية مارست الاستبداد في تماميته استنادًا لمبدأ الشورى؛ فالرأي للخليفة وليس للناس؛ يعرض رأيه على المشيرين وقد يأخذ وقد لا يأخذ بقول المشيرين، وحق الشورى قاصرٌ فقط على المسلمين، محجوب عن أهل الذمة، فحق الاختيار مشروط بالإسلام، وهو ما يتنافى بالكلية مع أبسط مبادئ الديمقراطية. كذلك تفتقر الشورى للتقنين وضبط الشكل الذي يمارَس به حق إعطاء الرأي في الشورى، فلم يكن حقًّا انتخابيًّا بمعنى اليوم، ولم تكن لها مؤسسة سياسية، أو سيادية لضمان تنفيذات رسمية أو قانونية لقرارتها، إضافة إلى أنه لم يكن هناك حتى قانون يوضح مساحة الحقوق والواجبات بين المواطن والحكومة.
وحتي زمن كتابة الماوردي لكتابه «الخراج» لم يكن قد تم نحت اصطلاحٍ واضح لأهل الشورى، حتى نحَتَه الماوردي: «أهل الحل والعقد»، وهو اصطلاحٌ تم تداوله رغم غموضه بدوره؛ فقد اشترط أن يحوز أهل الحل والعقد على ٣ شروط هي: (١) العدالة. (٢) العلم الديني الذي يستحق صاحبه به الإمامة. (٣) الرأي والتدبير المفضي لحسن الاختيار. وهو ما حصر أهل الحل والعقد في رجال الدين؛ لأن رجال الدين هم ببساطة من وضع هذه الشروط. بل وقيل إن هؤلاء هم أولو الأمر المطلوب طاعتهم في الآيات، كما أوضح الفخر الرازي في التفسير الكبير للآية ٥٩ النساء. ومع المنافع والمصالح أضاف رجال الدين، ببعض التساهل، إلى أهل الحل والعقد الأشراف والأعيان؛ أي الأثرياء من المسلمين.
واختلف الفقهاء حول عدد أهل الحل والعقد اللازم لاختيار الإمام بين ثلاثة آراء، آخرها وأحدثها أن يكون من كل بلد واحد، وأقدمها حد أدنى للاتفاق على المرشح بستة أشخاص سيرًا على سنة الخليفة عمر عندما رشح ستة للخلافة من بعده، ثم رأي ثالث يصل بأهل الشورى إلى عدد ثلاثة أفراد يتولاه أحدهم بموافقة اثنين، احتجاجًا بعقد النكاح الذي يصح بحضور ولي وشاهدَين، وبعدها يحكم الخليفة الذي اختاره صديقاه أو شقيقاه مدى الحياة.
ورغم كل هذا التوسع في مسألة الشورى فإنها لا تطابق الديمقراطية لا معنًى ولا تاريخًا ولا فلسفة ولا أغراضًا. بينما ظل أهل الحل والعقد مجرد تبرير للمُلك العضود عبر التاريخ الإسلامي. وسرعان ما اختفت حكاية أهل الحل والعقد وأصبحت ذكريات باهتة مدونة في كتب يقرؤها المتخصصون وحدهم، مع الجهل الذي ساد بلاد المسلمين بفضل هؤلاء المتخصصين ذاتهم. حتى جاءت الصحوة الإسلامية كصحوة أهل الكهف، فإذا بها تواجه زمنًا قد اختلف بالكلية عن زمن السلف، وبيدها عملة لم تعد صالحة لأيامنا.
•••
يقف وراء إصرار المتأسلمين على العودة إلى قديمهم طوال الوقت لينبشوا في ركامهم عما يمكن أن يكون بديلًا لمنجز الإنسانية منذ فجرها حتى اليوم، آية مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ، معتبرين إياها تعميمًا على كل العصور وكل الأمكنة حتى نهاية الأزمان. وهو ما جعل المسلم يعتقد أن القرآن مصدر وحيد للمعرفة الصادقة لأي شأن أو صنف من صنوف المعرفة، وأنه لا إنجازَ صحيحًا ما لم يُبنَ على القرآن. ووصل الأمر بالمسلم — إثباتًا ليقينه — إلى مواجهة علوم الطب العلاجية بشرب بول الجمل الذي كان يباع في معرض القاهرة الدولي للكتاب كعلاج مسلم ضد العلاج الكافر، وبنفس القياس يواجه الديمقراطية بالشورى؛ فهي بالنسبة للديمقراطية كبول الجمل بالنسبة للبنسلين. ولأن المسلم يبني كل إنجاز ممكن على مقدَّسه فهو يتصور أن أي إنتاج واضح للآخرين ناتج بدوره عن كتابهم المقدس؛ الإنجيل أو غيره. ولأن المنجز العلمي العالمي أصبح داخل كل بيت في العالم كله، وفيه المسلمون، واضحًا جليًّا أمامهم، فقد اعتبروا أنفسهم مهزومين على مستوى العقيدة؛ لذلك يشنون حربًا عقيدية إسلامية على الغرب الصليبي لتدميره، وساعتها تتساوى الرءوس بعد خراب ديار المتقدمين ليتخلفوا كالمسلمين؛ انتصارًا للإسلام ومقدساته على الغرب ومقدساته.
والذي لا يلحظه الإسلاميون وهم يستحضرون الشورى من وراء سجف زمانٍ مات واندثر، أن الشورى نظام قبَلي الأصل، وأن النظام القَبَلي هو أقدم تاريخيًّا وأبعد إلى الوراء إلى ما قبل بُناة الأهرام وقيام دولة مصر القديمة بأزمان طوال. وقد تطورت مصر بعد النظام القَبَلي الأول عبر قرون متطاولة حتى انتهت صلتها بالشورى وأقامت بعدها دولتها الكبرى بقانونها بمؤسساتها بنظامها الهرمي التراتبي التخصصي الدقيق، وعندما أقامت الدولة المركزية الأولى في فجر الأسرات ٣٢٠٠ق.م (حسب تقدير ماير) كانت قد تجاوزت نظام القبيلة بثلاثة آلاف سنة أخرى مثيلة سابقة. ويأتي اليوم أبناء مصر من المسلمين ليطلبوا العودة إلى تلك الأزمنة القَبَلية ليستخدموا أدواتها وقوانينها وقيمها في مواجهة الحداثة. يريدون عودتنا إلى ما قبل عصر الأسرات!
المصري فقد حضارته وتاريخه وأصبح قبليًّا، بطولاته ليست هندسة معمارية عظيمة، ولا هندسة ري دقيقة، ولا اختراعًا ولا كشفًا، إنما هي بطولات زغلول النجار ومصطفى محمود اللذين اهتمَّا بإثبات أن القرآن قد احتوى كل ما اكتشفه العلم الإنساني وكل ما يكتشفه بعد، في خرافات تلفزيونية، أو في صفحات أكبر صحف مصر، ليس فيها من العلم غير الحكي البدائي في ليالي سمر القبيلة حول البعير، حكي ألف ليلة وليلة، حكيٌ لم يُنتج شيئًا في الواقع حتى الآن، وهو غير قابل لأن يُنتج شيئًا سوى ضياع المسلمين في مزيد من العودة إلى الوراء.
ويصبح «العلم والإيمان» مدرسة وجمعيات كبرى بل وعقيدة عند المسلمين، وهو ما لم ينتج أكثر من حكايات هابطة لتسلية المسلمين وحدهم في صحراء جهلهم القَبَلي؛ فحتى وهو يُنتج، يُنتج إنتاجًا حكائيًّا أنانيًّا لا يصلح بالمرة لغير المسلمين ولا يسلي غير المسلمين. وغير واضح لدينا أن المنتج العلمي الغربي هو لكل البشرية، بينما علمنا المختلط بإيماننا منتج تمت صياغته دون وضع الفائدة في الاعتبار؛ لذلك هو لا يفيدنا ولا يفيد غيرنا. بينما العلم بمفهومه الغربي أفادهم وأفادنا. عندما ترى الاعتقاد بالعلمية التامة للقرآن حسب برامج العلم والإيمان راسخة لدى أطباء ومهندسين وحقوقيين مصريين عن يقين، فهو ما يعني أن الشر والسوء قد حدث للوطن بغضِّ النظر عن كل الكوارث الأخرى؛ لأنه يعني أننا أمسينا نخلط بين الخيال والحقيقة، وهو الهذيان، هو الجنون.
الإخوان المسلمون يريدون إصلاح حالنا المتدهور بإحياء الموتى لينظموا لنا حياتنا كما كانت حياة من هم في مقابر الألف الميلادي السابع، وهي شهادة على الذات شديدة المرارة؛ لأنها تعني فقد الثقة الكامل بالذات، والشعور بالتدني والنقص الحاد في تكوين شخصية الفرد والمجتمع، بعد أن تكاثر على المسلم ما يقدمه له المشايخ كل يوم من أحمال تضاف إلى الإسلام ولم تكن فيه، ويزوِّرونه عليه بالباطل؛ فالقرآن هدًى للناس وليس فيه أينشتين ولا جاليليو؛ لأنه ببساطة لم يكن في زمانه لا أينشتين ولا جاليليو، وخاصة مع ظهوره في مكانه بالجزيرة التي كانت خالية من كل معرفة سوى علم الأنساب وشعر الفخر والهجاء. أصبحوا يقدمون الشورى للمسلمين كبديل تام الموافقة للديمقراطية، فيبتدعون في الإسلام ما لم يكن فيه، وهو البدعة المكروهة المنهي عنها شرعًا ونصًّا. لقد أضافوا للإسلام ما يجعل أبا بكر الصديق يرسب في أي امتحان للتربية الإسلامية اليوم.
المسلم يعتبر كل ما يأتي من الغرب هو شرٌّ تم تدبيره بليلٍ للمسلمين بالذات دون الهندوس والبوذيين والسيخ وكل الملل والنحل بأعدادهم الهائلة في العالم؛ لذلك يرفض حتى تقاليد المائدة الغربية كالشوكة والسكين؛ لأن له آدابًا خاصة للمائدة؛ فالأكل جلوسًا على الأرض مع وضع اليد اليسرى تحت الفخذ اليسرى واستعمال اليمنى فقط! هو رجوع كامل إلى القَبَلية رغبةً في المغايرة والتمايز، ومع تصوُّر المسلمين أن عادات الغرب بدورها مستمدة من دينهم فإنهم يكرهون تفوُّق ديمقراطيتهم. وسبق وتصدَّى مشايخنا للمطبعة والهاتف وللمذياع وللتلفاز ولقوانين الأمم المتحدة بإلغاء الرق، ولا زلنا ضد حقوق الإنسان، عن تصور أن الاعتراف بها هو اعتراف بقوة دينهم على ديننا؛ لذلك نرفض كل جديد يأتي من هناك، إلى أن يفرض نفسه علينا ويجد فتوى تائهة تبيحه ذات يوم ما دام نافعًا وبلا ضرر ولا ضرار.
منطق المسلم يقوم على ربط التفوق العلمي للديمقراطيات الغربية بدينهم الذي لا بد أن يكون متفوقًا ما دام هذا إنتاجه؛ لذلك يتصدى المسلم لكل جديد يأتي من عندهم دون أن يكون مشاركًا فيه ولا حتى دون أن يفهم ما هو، كوقوفهم صفًّا مرصوصًا ضد استنساخ الخلايا الجذعية في كوريا الجنوبية، دون أن يعرفوا لا ما هو الاستنساخ، وما هي الخلايا الجذعية، ولا حتى أين هي كوريا الجنوبية! فيصلوا هم إلى استبدال الأعضاء التالفة بأعضاء سليمة جديدة، ونصل نحن إلى بول الناقة.
إن علمنا الذي يصف البول كدواء هو علم هابط متخلِّف يقف عند فجر البشرية، وربطه بدين المسلمين هو إهانة لهذا الدين، ولأن كل الحضارات قامت على علوم لا علاقة لها بأي دين، فالوحي لم يأتِ مندليف، ولا نزل جبريل على أحمد زويل؛ كذلك الديمقراطية عندما نريدها، علينا أن نأخذها دون أن نمررها على ذائقتنا الدينية أولًا، مثلها بالضبط مثل جدول العناصر.
وإن من يقف من مشايخ التطرف أو مشايخ الصحوة ضد الديمقراطية ليستبدلوها بالشورى، هو من أنصار الاستبداد؛ فبما أن الشيخ ليس ملكًا ولا حاكمًا حتى يقف ضد الديمقراطية التي قد تهدد مركزه، فهو مأجور إذن للاستبداد ضد شعبه. إن الشيوخ يقومون بدور القوادين لحكام المسلمين المستبدين؛ ليأتوهم بالشورى التي لا بتهش ولا بتنش … بحسبانها الديمقراطية، في خدعة لئيمة وغير نظيفة لرعاياهم من مسلمين بسطاء. ولولا هؤلاء المشايخ لعرف الشعب المسلم الديمقراطية منذ زمان، ولكان الآن يركب قطار الحداثة مثله مثل بقية الشعوب المحترمة. ولولا المسكنات الإسلامية في وسائل إعلام المستبدين وتعليمهم الموجه للناس لكان حالنا غير الحال؛ لأن أصل الديمقراطية وتعريف الناس بها في بلادنا يتم سرًّا، لكن تعريفهم بالإرهاب والدكتاتورية الدينية والسياسية فهو العلني. الشورى هي العلني، أما الديمقراطية بأسسها الحقوقية والتي تسمى العلمانية فهي في بلادنا كُفر يجازى صاحبه بجزِّ الرقبة مع تهليل المؤمنين المصلين المكبرين.
لقد استدعوا الشورى رغم علمهم أنها غير ملزِمة للأمير، وهو ما يجيز للأمير عدم استخدامها من الأصل ما دام سيمكنه رفضها، وهو ما حدث تاريخيًّا. وانتهى شأن الشورى؛ لأنه قد ثبت بالوقائع أنه لو تقدَّم عشرة للخليفة بآرائهم واختار هو رأي المشير العاشر فقط، كما فعل عمر عندما أخذ برأي عبد الرحمن بن عوف؛ فالمعنى أن التسعة لم يستطيعوا أن يُلزموا الخليفة بمشورتهم، وهذا عكس الديمقراطية تمامًا، هذا هو عين الاستبداد وجوهره المتين.
هذا ناهيك عن كون الأمير نفسه أحد أعضاء جماعة الشورى، وله أن يأخذ في هذه الحال برأي نفسه وحده ويرفض رأي العشرة جميعًا؛ فالشورى منطقًا وتاريخًا غير ملزِمة، ومن يقول بإلزامها مثل قرضاوي الجزيرة، فإنه يقولها وهو خفيض الصوت متردد وعلى استحياء؛ لأنه يعلم أنه مزور يُلبِس الاستبداد ثوب الديمقراطية بتَقِيَّة من طرف اللسان. ثم إنَّ سن قوانين جديدة أو تعديل تشريعات وقوانين قديمة، كان في زمن صاحب الدعوة الإسلامية يتم عن طريق الناسخ والمنسوخ بفعلٍ رباني دون شورى من أحد. أما الديمقراطية اليوم فتقوم عبر مجلسها التشريعي بوظيفة الناسخ والمنسوخ؛ فهي التي تعدِّل التشريع وتُصدر الجديد وتُلغي القديم؛ لذلك فإن الشورى المقصودة عند مشايخنا لم يكن لها أي علاقة بسن قوانين إسلامية؛ فالشريعة الإسلامية هي من عند الله، وليس في إمكاننا إعادة النظر في أي تشريع إسلامي؛ لأن ذلك سيكون اعتداءً على حدود الله حسب نظريتهم القانونية. إذن فإن الشورى لا هي في العِير ولا هي في النفير، ولم يرد عن القرآن أو السلف الصالح ما يفيد بإمكان تدخُّل الشورى في التشريع بإلغاء قوانين إسلامية قديمة أو تعديلها. مضافًا فوق كل هذا أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم مطردة التطور مع تعديل دائب لما يرتبط بها من مفاهيم حقوقية وتغير للأرقى دومًا فيما يتعلق بمفاهيم العدل والحرية والمساواة … إلخ، بينما الدين ثابت، وليست الديمقراطية الغربية هي نهاية التاريخ كما يقول فوكوياما؛ فالعلم لا يأخذ ما طرحه فوكوياما إلا على سبيل الفانتازيا؛ لأن التطور العلمي يفرض قيمه الجديدة باستمرار؛ ومن ثَم قوانينه الجديدة التي تصون القيم الجديدة، فإذا قلنا إن ديمقراطية اليوم هي الشورى القرآنية، فماذا ستكون شورانا غدًا؟ وماذا عن قرآننا هنا؟ ثم علينا مقارنة تفسير الطبري لشورى النبي صحابته بأنه كان يشاورهم تطييبًا لقلوبهم مع عدم إلزامية هذه الشورى والمضي فيما أُمر به وإن خالف مشورة الصحابة؛ علينا مقارنة هذا بما يفعله قادة المسلمين من مشايخ مجددين، فهم يفعلون ذات الفعل تأكيدًا لاتباعهم السنة النبوية، يسمعون لنا ويسمعون لغيرنا، لكن ما نقوله أو يقوله غيرنا هو عندهم تطييبًا لنفوسنا وامتصاصًا لغضبنا؛ لسلبنا حرياتنا وكرامتنا، وبعد السماع تُطلَق الوعود غير الملزِمة. ذات السياسة سياسة الحكومة المباركة؛ تسمح للشعب بقول ما يريد ويفعل السادة ما يريدون. إنها بالضبط نظام الشورى … هذه هي السنة النبوية، لكنها وإن كانت صوابًا إيمانيًّا في زمنها بالتسليم لنبوة النبي، فإنها اليوم تصبح استبدادًا يقوم على مجلس الشورى … هكذا يقول الشرع. أما الديمقراطية فهي تتطلب الحرية والمساواة، وفي بلادنا يعرف الحكام والفقهاء الحكماء أن من يعلِّم طيور حظيرته الطيران … بات بلا عشاء.
•••
منذ انكفاءة مساحة الانفتاح العربي الإسلامي مع الإمام أبي حامد الغزالي، تجاوز الله عن سيئاته، وتحريمه علم الكلام على العوام عن طريق اللجام (إلجام العوام عن علم الكلام؛ كتابه الأشهر) تحرِّم المعاهد الدينية والحكومات الإسلامية تدريس الفلسفة الغربية في بلادها، بقدر ما تدرِّس وتعلِّم فلسفة العرب الغزاة حيةً في مدارسنا إلى أن يظهر لها وريث مناسب يوظفها لنفسه، ومنها حكاية الشورى.
إنهم يستبدلون الديمقراطية بالشورى، وهي ليست فقط غير ملزِمة بالمرة، ولكن باختلافٍ تام في المعنى المؤدي في النهاية للغرض والهدف؛ لأن الشورى في الحالات الثلاث المشهورة كانت إزاء حالات طارئة وعسكرية وتحتاج إلى أهل الحرب والخبرة؛ لذلك كانت الإشارة للشورى كما سلف دومًا محددة بأمرٍ «حزَبَهم»؛ أي بالمسلمين؛ أي نازلة شديدة نزلت بهم. والحكايات الثلاث لا تعني أن تلك هي الديمقراطية؛ لأن ما في الحكايات المذكورة هو طلب النصيحة من الخبراء في الشأن. هنا نستمع مرة أخرى للدكتور معروف يشرح: «إن مفهوم المستشار هو الإنسان المتخصص الذي يُستعان برأيه في مسألة من المسائل في الشئون العسكرية أو الفنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو نحوها، في كل منحًى من مناحي الحياة. ففي جميع الدول اليوم مستشارون، سواء على شكل هيئات أو أفراد أو مؤسسات يستعين بهم صاحب القرار عند اتخاذ قراره. ولا شك في أن آراءَهم غير ملزِمة له؛ لأن صاحب القرار يطَّلع على مجمل الآراء ويتخذ قراره؛ فهذه هي الشورى … وأرى أن أهل الشورى هم أهل الذكر: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (الأنبياء: ٧).» ا.ﻫ.
وبغضِّ النظر عن رأيه فيمن هم أهل الذكر فإن المعنى في الاستشارة هو أخذ النصيحة من متخصص؛ كما أخذها النبي في موقعة بدر من «الحُبَاب بن المنذر» كمحاربٍ محنك. وهو أمر دائم الحدوث في حياتنا منذ وجود الإنسان على الأرض؛ فالتشاور يتم داخل الأسرة في شكل تناصُح، وفي مجموعات العمل في الحقول والورش والمصانع والحروب والتجارة والبيع والشراء … حتى في مجموعات الصيد في بدائية البشرية؛ فالناس تبحث عن النصيحة وتحصل عليها من الخبراء. حتى وقت المرض عندما يبحث الناس عن علاجٍ يخفف الآمهم، فتأتيهم النصيحة في صورة وصفاتٍ أو أدعية! ويؤكد المعنى البسيط الفطري للشورى بكونها النصيحة حديثٌ منسوب للنبي ﷺ: «لا خاب من استخار ولا ندم من استشار.» فالاستخارة والشورى اختيار بين بدائل تحتاج نصحًا وإرشادًا. ويقول الشيخ يوسف قرضاوي: «إن المسلم يستعين بأمرين يساعدانه على اتخاذ القرار: أحد هذين الأمرين ربانيٌّ وهو استخارة الله تعالى، وهي صلاة ركعتين يعقبهما دعاء مضمونه أن يختار الله له خير الأمرين في دينه ودنياه، والثاني إنسانيٌّ وهو استشارة من يثق برأيه وخبرته ونصحه وإخلاصه … وقد حفظ المسلمون من تراثهم: «لا خاب من استخار ولا ندم من استشار.» وقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) يستشيرون النبي، فيشير عليهم بما يراه صوابًا. واستشارته فاطمة بنت قيس في أمر زواجها، وقد أبدى الرغبة فيها رجلان: معاوية وأبو جهم، فقال لها: «أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه»؛ أي يضرب النساء، واقترح عليها أن تتزوج أسامة بن زيد. وكان الرسول ﷺ يستشير بعض أصحابه … وفي أزمة حديث الإفك يستشير علي بن أبي طالب ويسأل أسامة بن زيد» (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده، مكتبة وهبة، القاهرة، ٢٠٠١م، ص١٢٣).
ثم يضيف في كتابٍ آخر محاولًا تبرير نظام الشورى، بدون آليات توضح كيفية التطبيق ومؤسسات تحميه وتحافظ عليه من سوء التفسير أو الاستخدام، قوله: «أما عدم وضع الصيغ التفصيلية فذلك لحكمةٍ ذكرها حكماء الإسلام … يقول العلامة رشيد رضا … في تفسير المنار، آية (آل عمران: ١٥٩) جملة أسباب منها؛ أن هذا الأمر يختلف باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية في الزمان والمكان، وكانت تلك المدة القليلة التي عاشها ﷺ بعد فتح مكة، فبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، وكان ﷺ يعلم أن هذا الأمر سينمو ويزيد، وأن الله سيفتح لأمته الممالك ويُخضِع لهم الأمم، وقد بشَّرها بذلك. فكل هذا كان مانعًا من وضع قاعدة للشورى تصلح للأمة الإسلامية في عام الفتح وما بعده في حياة النبي ﷺ، وفي العصر الذي يتلو عصره، إذ تفتح الممالك الواسعة، وتدخل الشعوب التي سبقت لها المدنية، في الإسلام أو في سلطان الإسلام؛ «إذ لا يمكن أن تكون القواعد الموافقة لذلك الزمن صالحة لكل زمن»، والمنطبقة على العرب في سذاجتهم، منطبقة على حالهم بعد ذلك وعلى حال غيرهم. فكان الأحكم أن يترك ﷺ وضع قواعد الشورى للأمة تضع منها في كل حالٍ ما يليق بالشورى. ومنها أن النبي لو وضع قواعد مؤقتة للشورى بحسب حاجة ذلك الزمن لاتخذها المسلمون دينًا، وحاولوا العمل بها في كل زمان ومكان، وما هي من أمر الدين» (الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه، مكتبة وهبة، القاهرة، ص١٢٣).
إن قرضاوي بذلك يقول إن مسألة الحكم والشورى هي ليست من الدين في شيء — وهو المرجع الأعظم لكل الفرق الإسلامية اليوم — ويعتبرها مسألةً خاضعة للمكان والزمان.
ويقتبس قرضاوي من محمد الغزالي داعمًا لرأيه؛ إذ يقول الغزالي: «أما الفكر الإسلامي فهو عمل الفكر البشري في فهمه، والحكم الإسلامي هو عمل السلطة البشرية في تنفيذه، وكلاهما لا عصمة له» (نفس المصدر السابق، ص١٥٩).
أما الديمقراطية فشأنٌ آخر ناضج معقد متشابك، يهتم بسَنِّ القوانين والتشريعات ومتابعتها، وتتبعها مؤسسات تصون قيمها وتملك قدرة المحاسبة، بما يتنافى ليس مع ما يطرحه الإسلاميون فقط، بل مع كل الأديان؛ لأنه شأنٌ إنسانيٌّ بحت، ولأن الأديان تتعامل مع قوانين وتشريعات تأتي من السماء مفروضة على الناس فرضًا، والمؤمن هو الملتزم بهذه القوانين، وهي أصلًا ألوان من التعبد والقوانين الأخلاقية. وفي بلادنا يقوم رجال الدين — عبر شيء اسمه الفتوى وإعادة التفسير — بصك قوانين جديدة طوال الوقت لم تكن في صلب الإسلام الأول، ليتم لهم تسخير المسلمين والسيطرة على أرواحهم، كأنَّ ربَّ الإسلام قد سها أو نسي أن يُصدر مثل تلك التشريعات فقاموا يسدُّون النقص نيابة عنه؛ كتحريم شرب السجائر التي لم يعرفها زمن الدعوة ليقول تشريعه بشأنها، وكفرض الحجاب للمرأة ركنًا من أركان الإسلام؛ هذا ناهيك عن كمٍّ هائل من الأحاديث يستخرجون منه بالقياس أضعافه من أحكام وشروط على عاتق المسلم، ولا يكتشفون أن تلك الأحاديث ضعيفة أو أنها إسرائيليات إلا عندما نستشهد بها نحن.
وكان عربي الجزيرة يعرف أن الشورى هي النصيحة وليست هي الديمقراطية؛ حيث إن الديمقراطية كانت معروفة قبل الإسلام بقرون، فقال شاعرهم:
إذا بلغ الرأيُ المشورةَ فاستعِن برأي نصيحٍ أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوَّة للقوادم
وهي ذات الأبيات التي استشهد بها الشيخ قرضاوي في كتابه «ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده» (ص١٢٢)، للتعبير عن ذات المعنى هنا.
ويقول آخر:
الرأي كالليل مسودٌّ جوانبه والليل لا ينجلي إلا بإصباح
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى مصباح رأيك تزدَدْ ضوءَ مصباح
العربي كان يعرف الشورى كرأي نصيح قبل الإقدام على المهمَّات الممكن اختيارها بين بدائل متاحة، وهو معنًى لا علاقة له بالديمقراطية؛ خاصةً إذا ما تذكرنا الحديث الذي يُنهي مسألة الشورى حتى كرأيٍ في الإسلام، وهو: «اسمعوا وأطيعوا وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه زبيبة.»
ولأن طاعة الإمام كانت طوال التاريخ الإسلامي هي المرجوحة على ما سواها، يحاول قرضاوي أن يكشف لنا سلبية الشورى حتى مع اقتصارها على مفهوم النصيحة، إذ يقول: «بعد غزوة أحد التي شاور النبي فيها أصحابه، ونزل عن رأيه إلى رأي أكثريَّتهم، فكانت النتيجة ما أصاب المسلمين من قَرْح» (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده، مكتبة وهبة، القاهرة، ٢٠٠١م، ص١٢٦).
في سياق بحثه حول الشورى الإسلامية يعرض الكاتب الإسلامي الدكتور بشار عواد معروف قولًا للكاتب الإسلامي فهمي هويدي، وهو الملقَّب بالمستنير، يقول فيه هويدي: «لا يحسبنَّ أحدٌ أنه يمكن أن تقوم لنا قيامةٌ بغير الإسلام، أو أن يستقيم لنا حالٌ بغير الديمقراطية؛ إذ بغير الإسلام تزهق روح الأمة، وبغير الديمقراطية — التي نرى فيها مقابلًا للشورى السياسية — يحبط عملها؛ بسبب ذلك نعتبر أن الجمع بين الاثنين هو من قَبِيل: المعلوم بالضرورة من أمور الدنيا.