مقالات سياسية
رواية قصيرة.. الجزيرة قبل السقوط..

خليل محمد سليمان
محمد احمد من افقر سكان القرية، تحسبه من الاغنياء من فرط إرتداء ثوب العفة..
له من الابناء اربعة اذكاهم و انجبهم تخرج في الجامعة بلا عمل ..
عمنا محمد احمد له اقرباء اثرياء اصحاب فضل علي الجميع، و ايديهم مبسوطة بالخير..
جمال مركز لقضاء حوائج الناس، الكل يقصده و يُعتبر بنك تسليف القرية حيث لا يسأل عن السداد، فبسط الله له في الرزق..
ما من رجل او إمرأة في القرية لم يستلف من جمال إلا عمنا محمد احمد..
امنية حمزة دخول الكلية الحربية، فبعد تخرجه تقدم لثلاث دفعات علي التوالي و لم يوفق..
يجتاز كل المعاينات بكفاءة عالية، في الإختبارات الرياضية، و التحريرية، فيغيب إسمه في الكشوف الاخيرة، حيث يتصدرها السواقط في كل المعاينات..
كل ذنبه انه ليست لديه واسطة، او جاه، او سلطان ليدفع به، و يدعمه او ينال ” التزكية” العبارة المشهورة في دولة المشروع الحضاري..
إستسلم حمزة للامر الواقع و اصبح يد عمنا محمد احمد اليمنى في الزراعة، و العمل اليومي بالاجر حتي يقوم بتلبية إحتياجات اسرته..
قامت الحرب و دعى داعي حماية العرض، و الشرف، حيث الكل رأى كيف أُستبيحت الاموال، و الاعراض نهباً، و إغتصاباً..
اخبر حمزة والده بأنه يريد الذهاب للإنخراط في احد المعسكرات للقتال في صفوف الجيش..
لم يعارض عمنا محمد احمد ابنه في إختياره، فشجعه غير مبالي بنوائب الدهر حيث يعتبر يده اليمنى، و ضراعه الاخضر..
قائلاً ابشر يا ولدي ربنا يحفظك..
بلغ حمزة الي المعسكر فسألوه إن كان يملك ثمن الباتة ( حذاء للتدريب) فيمكنه الإنخراط في المعسكر، و إن لم يكن يمتلك ثمنها فعليه ان يأتي بعد إسبوع..
نعم حضر بعد إسبوع، و إنخرط في التدريب ..
إتصل حمزة بعمنا محمد احمد فأخبره بأنهم يتناولون وجبتين في اليوم، مرتبه في الوجبة رغيفة عيش واحدة، نسبة للبرد فإشتكى من الجوع ليلاً.
طلب من عمنا محمد احمد ان يتصرف له في مبلغ 20 الف ليشتري بها تمر يعينه ليلاً..
ذهب عمنا محمد احمد الي جمال فطلب منه ان يسلفه مبلغ 20 الفاً..
لأن هذا الامر مخالفاً للعادة فكان لجمال ان يسأل عن السبب لأن الامر جلل..
فسأله مالك في شنو يا عم محمد احمد..
قال له : و الله حمزة مشي المعسكر و قال عايز يشتري تمر لأنو بجوع بالليل..
ارسل عمنا محمد احمد المبلغ لابنه حمزة الذي اكمل تدريبه، ثم أُرسل الي وادي سيدنا..
بعد اسابيع إتصل احد بعمنا محمد احمد ابلغه بإستشهاد إبنه حمزة، و طلب منه إن كان عنده احد الاقرباء في مناطق الثورات يمكنه إستلام الجثمات..
لم و لن تنتهي الرواية بإستشهاد حمزة لطالما في جسد عمنا محمد احمد عرقاً ينبض، و لا تزال الحرب مستعرة..
ملحوظة..
القصة حقيقية، فالاسماء مستعارة و غير حقيقية، نسبة لظروف الحرب و حفاظاً علي هذه الاسرة الكريمة..
عن نفسي نذرت ان اصل هذه الاسرة، لا يمنعني من ذالك إلا الموت، فإن مت قبل هذا فسيسألكم احداً ان تقوموا بذلك عني..
هذا هو إنسان الجزيرة المغدورة.. كان إستشهاد إبننا حمزة قبل سقوط مدني بإسبوع..
لا ادري هل يعلم الاموات بما يدور في ديارهم، و اهلهم؟
هل علم حمزة بخبر من باعوا داره، و ارضه جزيرة الخير و العطاء؟
ما قولك، و انت في العلياء عند مليكٍ مقتدر يا حمزة..
بربكم كم من هذا الحمزة، و عمنا محمد احمد؟
حسبي الله و نعم الوكيل..
و ما زالت المآسي مستمرة
و ابناء قادة الجيش في نعيم في انقرة و كوالالامبور و القاهرة
قصص حزينة، ولكن فيها تضارب غريب يعبر عن التضارب داخل نفسك، فأنت دائما ما تنتقد الجيش وتصفه بانه جيش كيزان ونمر من ورق وليس لديه خطط استراتيجية وقادته عبارة عن خونة وبأنه كل ما ينعصر من الدعم السريع يصب جام ضعفه على المواطنين الأبرياء ويمطرهم ببراميل من االبارود شديد التدمير، وفي نفس الوقت تتحفنا بقصص بطولية لرجال ضحوا بأنفسهم للوقوف مع هذا الجيش الكيزاني المهترئ، مثل هذه القصة وقصة الشهيد مصعب فما هو المغزى او الرسالة التي تريد ان توصلها لنا؟ هل هي قدح جديد للجيش لعدم تقديره هذه البطولات او أنه لا يستحق مثل هذه التضحيات، أم هي قدح في حق هؤلاء لمساهمتهم مع مثل هكذا جيش، ام هي أن أمثال هؤلاء رموا بانفسهم للتهلكة إما عمدا او بسبب جهلهم لحقيقة هذا الجيش أو سؤ تقديرهم ان مساهمتهم لن تغير شيئا من حال هذا الجيش. الا تتفق معي بان رسالتك غير واضحة! واقرب إلى فلم سمك، لبن، تمر هندي.
له الرحمة والمغفرة وربنا يصبر أبوه…ولكن من باع ودمدني ولماذا هذا التفريط ؟ ولماذا لم يهاجم الجيش ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل
ما تصدق حكاية البيع دي، متروك للقائد تقدير الموقف العسكر ومن ثم اتخاذ قرار الانسحاب اذا كانت هنالك احتمالية مهلكة لجنوده. واصلا هو يحارب لماذا فقائده العام له قصر منيف بتركيا وابناؤه يدرسون في الخارج بأرقي الجامعات؟
بحارب من اجل قائده ولا من اجل وطنه