
في البدء كانت المنطقة الجغرافية المعروفة الآن باسم السوآن عبارة عن ممالك، وكانت أقدمها مملكة كوش في الشمال. وقد امتدت حدود هذه المملكة من منطقة الشلال الأول شمالاً جتى منطقة كبوشية الحالية والتي تعرف بمنطقة البجراوية. كانت مملكة كوش تعبد الإله آمون رع، إله الشمس، وقد بنوا له الهياكل في جبل البركل وفي البجراوية. وفي القرن الرابع الميلادي دخلت مملكة أكسوم الحبشية من الشمال الشرقي وهزمت مملكة كوش النوبية التي نزح جزء من سكانها المهزومين إلى كردفان ودارفور، ودخلت المسيحية السودان.
أقام النوبيون المتبقون بالشمال ووسط السودان ثلاث ممالك مسيحية هي نوباتيا، في الشمال، والمقرة، وعلوة التي كانت عاصمتها سوبا. ثم ظهر الإسلام في القرن السابع الميلادي. وفي خلافة عمر بن الخطاب فتح عمرو بن العاص مصر. ثم جاء الخليفة عثمان بن عفان وأرسل عبد الله بن أبي بن أبي سرح ليفتح شمال إفريقيا. لكن ابن أبي سرحقرر أن يفتح السودان المسيحي ولكنه وجد مقاومة شديدة من رماة الحدق في منطقة دنقلا المسيحية، وانتهى بإبرام إتفاقية البقط مع السودان والتي بموجبها تعهد السودانيون بدفع مبلغ من المال والذهب والعبيد سنوياً مقابل الدقيق والقمح من مصر، وبقي السودان مسيحيا.
بالتدريج هزم ابن أبي السرح ليبيا وبقية شمال افريقيا حتى وصل المغرب وادخل الأمازيغ (أي البربر، كما سماهم الرومان) الإسلام وسبى نساءهم وأطفالهم. مع هزيمة المغرب انتهى الدور الجهادي الإسلامي وبالتدريج بدأ دور التجار والدعاة في نشر الإسلام في غرب إفريقيا (دول الساحل). أول هذه الدول التي انتشر فيها الإسلام عن طريق التجار والدعاة كانت موريتانيا التي دخلها الإسلام في القرن التاسع الميلادي. ثم بالتدريج وصل الإسلام إلى مالي في القرن العاشر الميلادي وأصبحت تمبكتو في مالي مركزاً مهماً للدراسات الإسلامية وأصبحت بها مكتبة عامرة ما زالت موجودة. وجلبوا لها أساتذة من القاهرة وموريتانيا وتعلم أهلها اللغة العربية التي أصبحت لغة التدريس. وفي القرنين العاشر والحادي عشر دخل الإسلام غانا وبلاد تكرور التي أصبحت فيما بعد جزءاً من نيجريا. واصبح شمال نيجريا مسلماً بينما استمر جنوبها مسيحيا. بنهاية القرن الرابع عشر الميلادي كان الإسلام قد استوطن في تشاد واصبح حوالي نصف سكانها مسلمين والنصف الأخر مسيحيين أو لا دينيين. وبما انه لم تكن هناك حدود جغرافية بين القبائل فقد انتشر العرب والإسلام في دارفور.
بنهاية القرن التاسع الميلادي هاجر بعض العرب وبعض القبائل الإفريقية المسلمة إلى منطقة النيل الأزرق في منطقة سنار وكونوا مملكة سموها مملكة الفونج. وحتى الآن لم يستطع المؤرخون التعرف إلى أصل الفونج ولكن لا خلاف على أن الفونج كانت أغلب مكوناتها من القبائل الإفريقية، وخاصةً تلك القبائل النيجيرية.
بالنسبة إلى دخول القبائل العربية إلى السودان فالمتفق عليه أن أغلبها جاء من شمال إفريقيا عن طريق المغرب وموريتانيا وبقية دول الساحل الإفريقي. ولكن هناك قبائل عربية مثل الحضارمة الذين أتوا عن طريق باب المندب واستقروا في شرق السودان، وهناك قبائل صغيرة هاجرت من جنوب مصر واستقرت في شمال السودان وزحف بعضها إلى شرق السودان.
القبائل التي أتت من مصر ومن حضرموت كانوا من المسلمين السنة لا يتبعون أي مذهب صوفي، بينما القبائل التي أتت من المغرب ودول الساحل الإفريقي كان أغلبهم يعتنقون الإسلام الصوفي مثل القادرية والتجانية التي كانت الأغلبية في المغرب ومالي ودول الساحل.
منذ الفرن السادس الميلادي حتى القرن السادس عشر كان شمال ووسط السودان مسيحياً. ولكن في عام 1504 غزت ممملكة الفونج وسط وشمال السودان وسقطت على إثر ذلك الممالك المسيحية مع سقوط مملكة علوه وعاصمتها سوبا. وبذلك انتهت عشرة قرون من المسيحية في السودان. ونسبةً لأن أغلب المسلمين الذين كونوا مملكة الفونج كانوا يتبعون الإسلام الصوفي، أصبح غالبية المسلمين في السودان صوفيين يؤمنون بالأولياء وزيارة الأضرحة والتبرك بقبور الأولياء. (أنظر الخريطة أدناه)
المصدر الرئيسي:
Ira Lapidus, A History of Islamic Societies, Cambridge University Press, 1988
نبذة جيدة
شكراً سيد حيدر على المرور والتعقيب. أنا قد اختصرت الموضوع كثيراً نسبة لضيق المساحة وزمن القاريء
كامل النجار
الف شكر وتقدير يا استاذ كامل النجار هذا تلخيص في غاية الوضوح … شخصياً استفد منه ايما فائدة في مراجعة بعض معلوماتي المغلوطة والمرتبكة حول دخول الاسلام الي السودان … وسوف يشكل هذا مرشداً مشجعاً للمزيد من الاطلاع علي خفايا وتشابك هذا الموضوع … اكرر لكلم شكري ..
لك كل الشكر والتقدير استاذ نادر الرشيد على المرور والتعقيب ويسعدني أن يكون المقال قد شجعك على المزيد من الاطلاع
تحياتي لك
كالعادة تاريخنا مزور نسبة لقلة الباحثين اربد ان اعقب علي نقطتين:
اولا الاتفاقية التي وقعها ابن أبي السرح مع النوبيين تسمي باتفاقية البقد وليس البقط والبقد تعني القسمة او التقسيم بلغة النوبيين الذين صدوا هجوم جيش ابن أبي السرح ( رماة الحدق) ومنعوهم من التقدم جنوبا وتمت الاتفاقية بين الجيشين لكن للأسف ما زكر عن الاتفاقية ودون غير صحيح وكل بنودها تميل لصالح جيش ابن أبي السرح وهذا غير صحيح فكيف لجيش فشل في هزيمة عدوه ان يفرض شروطه ويرغمه علي تقديم العبيد سنويا؟!! ثم هنالك اكبر اكذوبة بأن النوبيين اختلطوا بالعرب وهذا لم يحدث …
ثانيا من ضمن بنود الاتفاقية بناء مسجد وتم هذا الأمر فعلا فكان مسجد دنقلا العجوز بمنطقة الغدار شرق القولد فهذا المسجد مازال موجودا ويسمي بمسجد ابن أبي السرح وهو اول مسجد في السودان ….
زول قاعد في ناصية كلامك صحيح 100% للأسف هناك تزوير في تاريخ السودان و للأسف الشديد تاريخ السودان القديم لا يتم تدريسه في المدارس و كأن تاريخ السودان بدأ بدخول العرب السودان.
تاريخ مزور حتي نخاخ الشعب كنا اقوياءقبل الإسلام كيف اصبحانا ضعفاء بعد الإسلام.
شكراً لك يا زول قاعد ف الناصية وليني كنت قاعد معاك في الناصية جم ست القهوة. وثانيا يؤسفني أن لا اتفق معك على اسم اتفاقية ابن ابي السرح مع النوبة فكل المصادر التي قرلأتها تقول عنها اتفاقية البقط وليس البقد. وسبب الاتفاقية رغم عدم مقدرة المسلمين من التقدم هو اجراء لإنهاء القتال وعدم استزاف الطرفين. وفي مقابل الذهب والغبيد تحصل النوبة على القمح والدقيق وأشياء أخرى. أما بناء المسجد فقد أتى متاخراً بعد أن اسلم أهل النوبة وسموا الجامع باسمه تكريماً له لأنه أول من حاول إدخالهم في الإسلام.
تحياتي لك
هل انت كامل النجار أم نجارتا ولماذاا لم تكتب اسمك ككاتب للمقال؟ لنرى تعليق نجارتا إن كان مطبلا لك مؤيداً أم منتقداً
يا جط ما علينا الا الدعاء …
محمد معانا ما تغشانا !!
😎 السيد جط استاذي كامل النجار لا يحتاج لتطبيل و لا تأييد من اي انسان على سطح هذه البسيطة و لمن لا يعرف كامل النجار فهو عالم حقيقي لإنه طبيب و جراح و دارس للديانات خاصة الاسلام لدرجة انني اعتقد انه من كبار من فهموا الديانات الابراهيمية عامة و الإسلام خاصة و تكرمه بالكتابة للراكوبة لهو تشريف لهذه الصحيفة الإلكترونية 😳😳
كانت دائما يدور في خاطري سؤال مفاده ماذا لو لم يدخل الاسلام السودان هل كنا سنكون نفس الشعب ؟ 😳
كما ارجو ان يتفضل استاذي كامل النجار بمحاولة التثبت من اصول الفونج لان لدي اصدقاء كثر ينتمون لهذه المجموعة السكانية و قد لمست فيهم صفات جميلة يتفردون بها لم ارها في القبائل ذات الاصول النيجرية و هذا ليس ذم لتلك القبائل النايجرية فهم ايضا لديهم صفات يتميزون بها 😳
لفائدة قراء الراكوبة ارفق رابط لكتابات استاذي كامل النجار التي خطها على مر السنين في الحوار المتمدن 👇🏿
https://www.ahewar.org/m.asp?i=1204