كيف يمكن فهم إصطفاف المؤتمر السوداني مع الجنجويد

احمد داوود
من ضمن المنظورات الشائعة لفهم اصطفاف المؤتمر السوداني مع الجنجويد اعتبار هذا الاصطفاف كتكتيك مركزي من ورثة الامتيازات في إطار سياسة تقسيم الأدوار لهزيمة الأعداء التاريخين و الورثة المحتملين لدولة ما بعد الاستعمار.
هذا التكتيك حسب المنظور السابق يتيح للمركز اعادة موضعة خصومهم الجنجويد في إطار محدد لكي ما يسهل احتوائهم .
و حيث أن الجنجويد صار يمثل تهديدا مباشرا لمصالح ورثة الامتيازات فكان من المهم وضع الاستراتيجية المثلي للتعامل معه .
وفي هذا السياق برز علي السطح مسألة الاطاري و الخلاف حول الدمج مع تباين وجهات النظر حول الإطار الزمني .
صحيح ان الواجهات السياسية و المدنية و العسكرية المختلفة لورثة الامتيازات كانت تتبنى وجهات نظر متباينة حول ضرورة تحديد سقف زمني لعملية الدمج ما بين العامين وحتي عشر سنوات .
لكن المهم هنا أنه تم ثبيت ” الدمج ” ، أي استيعاب الدعم السريع داخل مؤسسة الجيش التي يسيطر عليها ورثة الامتيازات .
وهي القضية التي لم تثر أو تطفو علي السطح منذ سقوط البشير الا من خلال لجان المقاومة و قوي التغيير الجذري.
لقد كان واضحا رسوخ حقيقة أن يظل الدعم السريع كقوي مستقلة و مساندة للجيش بعلاقاتها الخارجية و مصادر تمويلها المستقلة عن ميزانية الدولة . ” نعمل بانسجام” كما يردد علي الدوام الكمبرادور حمدوك.
لكن هذه الاستراتيجية حدثت عليها تحولات كبيرة حين كشر الجنجويد عن انيابهم و صاروا يبرزون اطماعهم في العلن عبر تصريحات مسمومة علي شاكلة ” العندو شهادة بحث يجيبها ” و عن ضرورة تحطيم سلطة الجلابة و احقية العطاوة في السلطة كما يردد عبدالرحيم دقلو باستمرار ، بجانب السيطرة علي المواقع الاستراتيجية في الدولة.
علي اي حال ، دفع ذلك ورثة الامتيازات الي وضع استراجيتهم في إزالة هذا التهديد بعجالة ، و حوصر الجنجويد بين خياري ” الحل ” و ” الدمج ” . ولما كان الدمج هو المخرج الأفضل ، انحاز له الجنجويد علي أساس انه افضل الشريين.
لكن كيف يتم الدمج، و عبر اي آلية، و ما هو السقف الزمني؟ .
لم تكن الوصفة و الإجابات التي قدمها ورثة الإمتياز مرضية . بالنسبة للجنجويد كانت خطة محكمة لاستئصالهم و تذويبهم داخل أنظمة العنف المركزية مع الإبقاء علي ادوارهم القديمة كمجرد أدوات عنف و كلاب حراسة.
لقد استفز الجنجويد و دفع الي إبراز وحشيته. لقد كانت وصفة ورثة الامتيازات ترتكز علي نصائح عميل المخابرات يوري بيزمنوف الذي يري انه لكي تواجه قوة متفوقة عليك ، يجب عدم الاصطدام معها بشكل مباشر وإنما توظيف اندفاعها و توجيهها ميكانيكا في إتجاه الاصطدام بقوة أخري مساوية له في القوة أو أكبر منها . وهو ما حدث بالتحديد.
حيث وفر ورثة الامتيازات كل شروط الحرب ومن ثم تركوا الجنجويد لكي يتكفل بالباقي . التدمير و القتل و الاغتصاب ..تفهم في هذا السياق.
يستشهد أصحاب المنظور السابق بالدور الذي لعبه عرمان قبل اليوم و محاولاته المستميتة لاختراق و تصفية الجيش الشعبي لصالح ورثة الامتيازات ، وكيف اجهض المخطط و أنتهي الامر بعزله من منصبه و إبعاده من المناطق المحررة .
من المثير للدهشة أن بصمة عرمان كانت واضحة للغاية في الإطاري سواء أكان ذلك في شكل القضايا المطروحة أو حتي بالسقوف الزمنية المقترحة .
علي اي حال وفق هذا التحليل يعتبر انحياز المؤتمر السوداني و وجود كيكل في صفوف الجنجويد كتكتيك مركزي في سياق عملية تقسيم الأدوار لهزيمة الجنجويد .
بالنسبة لي ، هذا التحليل غير صحيح بالمرة وهو ابن الوعي و التنظير الجنجودي ، و النقطة الأخطر أنه نفي مباشر و محاولة لاخفاء حقيقة مشروع الجنجويد المتمركز عرقيا في السيطرة علي البلاد .
صحيح و كما تعزز التجربة ، يلجأ ورثة الامتيازات علي الدوام لتطوير و تبني آليات و أساليب مختلفة لهزيمة خصومهم ولكن ليس من ضمنها تهديد مصالحهم المباشرة.
هذه الحرب في الحقيقة دمرت إمكانيات منظومة الامتيازات و القوي الاجتماعية المعبرة عنها . حيث نهبت الابناك و الأسواق، ودمرت البني التحتية و الاقتصادية تدميرا كاملا. هل يستحق هزيمة الجنجويد كل هذه التضحيات ، رغم توفر أساليب ربما قد تكون اقل كلفة ؟.
من ضمن التبريرات التي يقدمها أصحاب المنظور السابق هو أن ورثة الامتيازات علي استعداد لتقديم الوطن ككبش فداء طالما أنه يضمن هزيمة أعدائهم التاريخيين. وطالما أنه لا يمكنك هزيمة الجنجويد الذين يحلمون بوراثة الواقع فليس أمامك سوي خيارين، أما تخريب الواقع عليه أو الانضمام له و تفكيكه من الداخل ، وهذا ما فعله ورثة الامتيازات بالضبط.
لتعزيز هذه الفرضيات يحث أصحاب المنظور السابق الي النظر فيما وراء هذا الواقع. بالنسبة لهم لا يمكن وعي هذا الواقع فقط بالاعتماد علي انعكاساته الظاهرية. الظاهر مضلل برأيهم. يجب التعمق في باطنه .
الخطاب لا يعكس الواقع ، الانحيازات و البني الداخلية و الانحيازات و الأهداف المضمرة هي الاكثر قدرة علي عكس هذا الواقع .
ففي هذا الإطار يري المنظور السابق أن المواجهة قد اتخذت منذ البداية طابعا عرقيا، و بالتالي طالما الامر يتعلق بوجود كلي لجماعة عرقية ما في فضاء الدولة الجديدة ، فيجب في هذا السياق إن استحال الانتصار ، الإبقاء علي الاقل علي الوجود بحد ذاته .
اي لو فشلت عناصرك المدسوسة في الأجسام السياسية و العسكرية للآخرين في هزيمتهم أو تهيئه شروط تفكيكهم يجب علي اقل تقدير أن تستغل وجود عناصرك بداخل تلك الأجسام للحفاظ علي مصالحك او وجودك كجماعة أو عرق .
من اجل تعزيز هذه الفرضيات يستدل أصحاب هذا المنظور بعدة مواقف من ضمنها موقف تيار البحر والنهر الذي يمثل اليمين المتطرف لورثة الامتيازات من قحت و الاستعاضة عن الهجوم عليها بالهجوم علي الغرابة بشكل عام ولو أنهم كانوا في خندق واحد مع الجيش .
يضع هذا التكتيك عوائق جمة أمام طموح الجنجويد في الحكم . عليه أن أراد الحكم أن يتطهر أولا و يغسل ايديه من دنس الانتهاكات التي إرتكبها ، لكن حتي لو حدث ذلك و تطهر من تلك الاثام فإنه لن يستطيع أن يحظي بالقبول من جموع السودانيين الذين سوف يذكرون علي الدوام ارثه الملطخ بدماء اخوتهم العزل .
ربما أن الجزء الخاص بطبيعة الهجوم و أشكاله واهدافه و التكتيك صحيح ، لكن هذا بالتأكيد لا يثبت صحة الفرضية السابقة .
صحيح ان البنية الاجتماعية لقحت و قوات كيكل مركزية بامتياز ، لكن ذلك لا ينفي تناقض مصالحها مع مصالح التيارات الأخري من ورثة الامتيازات.
بالتالي عندما ينخرط كيكل و قحت في صفوف الجنجويد فذلك لا يدلل علي إنهم طابور خامس و اذرع المركز داخل منظومة الجنجويد في سياق الاستراتيجية العامة لهزيمته .
كيكل و قحت وحتي جماعة عرمان هم فاعلين مستقليين تحركهم المصالح الانتهازية للفئات الإجتماعية التي يمثلونها .
علي اي حال يمثل المنظور الذي يتعامل مع اصطفاف المؤتمر السوداني و قوات كيكل في خندق واحد مع الجنجويد ، يمثل منظور جنجويدي بامتياز .وهي محاولة للتعتيم علي مشروع الجنجويد الحقيقي و توفير مسوغات موضوعية للتخلص من قحت متي ما أنتهي دورها كغطاء سياسي و مدني .
[email protected]
كلام خرابيط