مقالات سياسية

كتب في معرض القاهرة تكافح التطرف وتضبط مثقفين روجوا له

لا يمكن مواجهة التطرف بأساليب قانونية فقط، إذ هو توجه فكري بالأساس ولا يقاوم جذريا إلا بالبحث والفكر التنويري. من هنا تصدى العديد من الباحثين في مصر للتيارات الدينية المتشددة عبر كتابات تكشف زيف ادعاءات هذه الحركات وتحقق في تاريخها وتكشف عن أسرار اشتغالها بمن هم خارجها من أهل الثقافة والفكر.

حوى معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين التي ستختتم في السادس من فبراير الجاري مجموعة من الإصدارات التي ناقشت بعض الأفكار المتطرفة، وكشفت عن التنوع في تعرية المناهج، وفضحت أسرار الجماعات من الداخل، مسلطة الضوء على مثقفين ارتدوا قناع التحديث للترويج لأفكار تيار الإسلام السياسي.

يُعد كتاب “الفكرة والقناع” للصحافي المختص بالشأن الديني محمود عبدالله تهامي حول أنساق التضليل عند منظري الجماعات المتطرفة من أهم هذه الإصدارات، وفضح الخداع الذي مارسته نخب مستقلة روجت لأفكار مؤسسي الجماعات الدينية عبر دسها داخل مقولات وتصديرها في منتجات معرفية اتخذت الأقنعة ستارًا للتمويه والتحايل على القراء.

تتبع تهامي نماذج الانحياز إلى فكر الإسلاميين في مؤلفات وكتابات العديد من النخب الليبرالية واليسارية، لافتا إلى مغالطات عقلية وتاريخية استندوا إليها، ورد الأفكار إلى جذورها لإظهار اتساقها مع أفكار الإسلام السياسي.

واستبعدت الأقنعة التي ارتداها بعض المثقفين والمفكرين من خارج الإطار التنظيمي للجماعات اللغة الصدامية، لكنها تسربت بنعومة محدثة تغييرًا وبلبلة في كل المجالات لإخفاء الصورة الوحشية للإسلاميين والجهاديين.

كتب فكرية تتمدد داخل المجتمع بسلاسة

لفت الباحث محمود عبدالله تهامي إلى أن أدلجة التاريخ تمت بتحويله إلى مجموعة من القوانين والمعادلات الرياضية التي ركزت على تلميع صورة جماعات الإسلام السياسي وقادتها، حيث تؤخذ هذه القوانين وتطبق على الوقائع التاريخية ثم يُعاد إخراجها لقراء التاريخ ومحبيه وباحثيه.

جرى في هذا السياق التضليلي تفسير أسباب نجاح الهجرة النبوية باتباع الرسول محمد (ص) لمجموعة من القواعد والشروط التي وضعها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر لأتباعه، ما حوّل التاريخ إلى تجارب جسدت أفكار جماعة الإخوان في أجلى صورها.

أماط الكاتب اللثام عن بعض الشخصيات المشهورة في الوسط الثقافي والفكري والتي برعت في التضليل وقدمت خدمات كبيرة لجماعات الإسلام السياسي، استنادًا إلى تلقي جمهورها أطروحاتها بالقبول بالنظر لثقته بها بحجة الإخلاص للفكر والثقافة، واصفًا ما حدث بأنه أكبر عملية تدمير لثقافة المجتمعات العربية، نتج عنها تمدد مُرعِب للأصوليات الدينية مع ازدياد نفوذ الجماعات، خاصة جماعة الإخوان المسلمين.

وظفت جماعة الإخوان الكثير من الشخصيات المؤثرة من خارجها؛ حيث أنها الأقدر من منظريها المنضوين داخل التنظيم على بسط نفوذها داخل المشهد السياسي والثقافي والديني بطريقة ما كانت لتحدث لو كان هذا المفكر أو ذاك عضويْن في الجماعة.

سمحت هذه التكتيكات بتمدد الجماعة داخل المجتمع المصري ببساطة وانسيابية وأدت في النهاية إلى تضخم الاحتيال الإخواني إلى درجة زرع أعضائها في تيارات منافسة ومعادية، ما جعل تيارًا تقدميًا مثل اليسار المصري ملغمًا بالكثير من العناصر الإخوانية التي أخفت انتماءها الحقيقي.

وأدى هذا إلى كوارث مختلفة، في مقدمتها إلباس الأفكار الإخوانية ثوب اليسار للتمكن من السيطرة على أجياله اللاحقة، فمن يحلو له سماع مقولات وخطب اليسار سيجد منفذًا للدخول في جماعة الإخوان من مكان آمن، ما أدى إلى رجعية أصولية وسيطرة على المشهد العام بشقيه التقدمي والمحافظ.

واتهم تهامي المفكر الراحل حسن حنفي بتقديم خدمات تنظيرية جليلة لجماعات الإسلام السياسي، ونزل إلى الميدان بنفسه لتأسيس تيار إسلامي جديد باسم “اليسار الإسلامي” رغبة منه في أن تستأنف الحركات الإسلامية، مثل الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية، دورها.

وارتدى أستاذ الفلسفة ودارسها في فرنسا حسن حنفي الأقنعة التي سمحت لأفكار الإسلاميين بالتجدد والاستمرار مُسخرًا إمكاناته البحثية لخدمة الإسلام السياسي، حيث أنتج فكرًا يعبر عن عقلية غريبة عن مجال الفلسفة تعيش وتفكر بمنطق الاستضعاف عندما نصح الحركة الإسلامية بأن تنظر إلى الحركة العلمانية باعتبارها من المؤلفة قلوبهم، تمهيدًا لإعادتهم إلى البديل الإسلامي، متوحدًا مع المستضعفين من المسلمين الأوائل.

وألح حنفي على أفكاره بحكم وظيفته كأستاذ للفلسفة مستترًا بقناع التجديد والنهضة، ومنضويًا تحت أحزاب يسارية، ورافعًا شعارات ناصرية، ومبشرًا بثورة إسلامية لم تكتحل عيناه برؤيتها.

وانخرط الراحل مصطفى محمود، وهو عالم وطبيب وكاتب مصري، في معسكر التقدميين اليساريين عام 1970 مع وصول الرئيس المصري أنور السادات إلى السلطة متسمًا لدى الجمهور بسمات المنفتح أو العائد من الإلحاد، ورجل العلم والفلسفة الذي ربط بطريقة شعبية بين الدين وبعض الأمور العلمية ليخرج إلى الجمهور بخلطة توافقية في صورة مشروع إعلامي أسماه “العلم والإيمان”.

ومن موقعه خارج الإطار التنظيمي للجماعات دفع مصطفى محمود آلاف الشباب إلى أحضان المتطرفين عبر طرح نبوءة مفادها قرب سقوط المعسكرين الشيوعي المتمثل في الاتحاد السوفييتي والغربي الرأسمالي وأن المسلمين سوف يتسلمون قيادة العالم قريبًا، ولم يكن أمام هؤلاء الشباب إلا العمل على تحقيق النبوءة ليكونوا من الجيل الذي يصنعه الله على عينه بعد خلو العالم من أهم قوتين عالميتين.

وحث تهامي في ختام كتابه المثقفين المتقاعسين من غير المتواطئين على إدراك خطورة التمدد الأصولي في شرايين المجتمع، وعلى الكشف عن الأقنعة المستترة في مجالات عدة مثل الفلسفة والتاريخ والنقد الأدبي، والتي يكمن تحتها مسخ مشوه ينتظر الفرصة للانقضاض على الجميع.

إقامة الوطن

حوى معرض القاهرة هذا العام أيضًا كتاب “عمائم ناسفة.. ما بين الإخوان والأزهر” للكاتب والباحث السيد الحراني، وكشف عما أسماه تناقضات وتحولات خطاب شيخ الأزهر أحمد الطيب قبل وبعد ثورة يونيو 2013، ساردًا جزءًا من الأخطار التي توضح كيف يمكن مستقبلًا تسلل تيار السلفية الجهادية والإخوان إلى رأس مشيخة الأزهر عبر حجرة هيئة كبار العلماء.

وسلّط الكتاب الضوء على الأخطار التي تعرضت لها مؤسسة الأزهر عبر صراع محموم دائم بين شيخ الأزهر ومرشد الإخوان، وهي التي مازالت مستمرة في ظل وجود بعض القيادات التي ثبت مؤخرًا عبر تحقيقات رسمية في قضايا إرهابية انتماؤها إلى تنظيم الإخوان المسلمين، ما يؤشر على ضعف الثقة تجاه اتخاذ خطوات جدية لتجديد الخطاب الديني.

وسرد الكتاب بعض المواقف التي كانت تحتم على شيخ الأزهر أن يتخذ خلالها إجراءً من أجل تحجيم دور من أسماهم بـ”الإخوان الأزهريين” أو التقليص من صلاحيتهم وهو ما لم يحدث.

قال الحرّاني إنه لا يأمل من الأزهر إلا التجديد والإصلاح وتنظيف هيئاته من بعض “العمائم الناسفة” التي تعتلي المنابر وتعبث بعقول شباب القرى وكل تيار متشدد يعمل على تشويه الدين الإسلامي بمفاهيم وسلوكيات خاطئة لا تمت للدين والتراث بصلة.

كما صدر للباحث محمد يسري كتاب “بيت العنكبوت”، وينطوي على قراءة في الأصول المؤسسة لجماعة الإخوان، مناقشًا أوجه الشبه والاختلافات بينها وبين الخوارج والشيعة والمرجئة والصوفية، ومقارنًا بين حسن البنا وجمال الدين الأفغاني والقطب الصوفي السيد أحمد البدوي.

وجمعت بين البنا والأفغاني مساهماتهما في التقريب بين السنة والشيعة، حيث يشترك الإسلام السني والشيعي في سرية الدعوة والمظلومية والاعتقاد في الإمامة كونها ركنًا من أركان الدين.

جماعة الإخوان وظفت الكثير من الشخصيات الثقافية المؤثرة من خارجها حيث ساهمت في الترويج لها ولأفكارها
تأثر حسن البنا وفقًا لمؤلف الكتاب بالقطب الصوفي السيد أحمد البدوي نظرا إلى اعتماده على التربية والعمل الحركي والسري والدعوة الخاصة والأستاذية والأوراد والمنامات والدعوة إلى إقامة الخلافة، حيث اعتبر البنا دعوة البدوي جهادًا في سبيل الله لانتزاع الحكم من المماليك.

وكشف الباحث محمد يسري عن أن جماعة الإخوان التي احتار في تصنيفها عقديًا، حيث تتشابه مع العديد من الفرق، أقرب إلى التلون المستمر بكل ألوان الطيف العقدي والفكري إلى درجة رفعها شعارات ليبرالية رغم انطلاقها من فكرة الحاكمية الإلهية.

وفي عدة لقاءات تلفزيونية للرئيس المصري الراحل محمد مرسي أثناء توليه رئاسة حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، قال إنه لا يوجد خلاف عقائدي بين المسلمين والمسيحيين وإن قطع يد السارق ليس من الشريعة، وإن المرجعية لاختيار الرئيس بيد الشعب ولا مانع من أن يكون مسيحيًا ومن تولية امرأة رئاسة الحزب.

وأقر قادة الإخوان بأنهم قبلوا الديمقراطية كبديل عملي عن الشورى وأنهم ليسوا ضد الإلحاد وأن العلمانية ليست ضد الدين.

ومن إصدارات معرض القاهرة للكتاب هذا العام كتاب “كنت إخوانيًا وأصبحت مصريًا” للباحث طارق البشبيشي، الذي قدم له القيادي السابق في الجماعة والكاتب ثروت الخرباوي، مشيرًا إلى أن البشبيشي عندما انضم إلى الإخوان صار كمن سلبوا منه البصر والسمع وكان يظن أن كل ما يقولونه له هو الدين، لكنهم لم يسلبوا منه الفؤاد الذي ظل نقيًا وطنيًا ولا يمكن أن يقضي بعض الصدأ على أصالة المعدن.

وأدرك طارق البشبيشي، الذي كان قياديًا في جماعة الإخوان قبل أن يغادرها ويصير أحد أشرس نقادها، أنه لا يمكن أن يُمارَس الدين بالبندقية والقوة والإرهاب، إنما الدين هو الحب والعدل والسلام.

وبدأ البشبيشي في مراجعة أفكاره ويومًا بعد يوم شعر بأنه أصبح غريبًا في مدينة الإخوان، وهم أيضًا شعروا بأنه يفكر بشكل مختلف عنهم وقبل أن يتركهم انتقدهم بشدة وحطم أصنامهم وكسر غرورهم وكشف سوءاتهم مؤمنًا بأن إقامة الوطن من إقامة الدين.

وصف الخرباوي كتاب البشبيشي بأنه هدم جديد لمعبد الإخوان، وتحطيم لعقيدتهم المزيفة حيث يرفع عنهم الغلالات الدينية التي كانوا يخفون بها مطامعهم الدنيوية.

وتحدث المؤلف عن التنظيم من الداخل وكيف أنه يزرع في ضمير أفراده أفكارًا مختلفة عن الأدبيات التي يعلنها لعامة الناس، وكتب عن سطوة المرأة الإخوانية التي لم يتطرق إليها أحد من قبل وروى قصصًا عنها، وعن قسم الطلاب وانتخابات النقابات المهنية وعن قسم الدعوة وكيفية تلاعبه بالدين ليحقق أهدافه، وكل هذا من واقع التجربة المؤلمة التي مر بها.

وقال البشبيشي في خاتمة كتابه إنه كتب هذه السطور عن تجربته منذ اللحظة الأولى لتجنيده في صفوف الإخوان وحتى المغادرة والخصومة الصريحة من أجل ألا تتكرر التجربة على الأقل مع من وقعت عيناه على كلامه، وإنه سرد التجربة حتى يعلم أهل مصر كيف كانوا يستخدمون الدين في خداعهم وحتى يستفيق أهل الخير فلا يعطون أموالهم لهؤلاء دعمًا لتجذر تنظيمهم في المجتمع.

وقال إنه أخرج تجربته إلى النور ليرى ولي الأمر الذي يدفع بأبنائه إلى صفوف الإخوان واهمًا أنه عمل من أجل الدين، كيف كانوا يستغلون براءتهم، ويدرك كل صاحب مسؤولية ما يجري من خلف ظهره، راجيًا أن يكون الكتاب براءة له أمام ربه أولا ثم أمام نفسه وأمام كل الناس.

هشام النجار – العرب

‫3 تعليقات

  1. الذين تركوا تنظيم الاخوان من السودانيين جبناء ، يخافون الاخوان ولذلك لا يكتبون تجربتهم ، اما الذين كانوا فى ما يسمى المؤتمر الوطنى واستفادوا من اموال الدولة ورضعوا من ثديها وخربوا وافسدوا فهؤلاء اجبن من ان يكتبوا ، سمعت بعض الافادات لمبارك الكودة الذى كان اخوانيا متطرفا وشغل محافظا فى ظل الانقاذ فى عدة مناطق منها الخرطوم والحيصاحيصا ، وقد ذكر بوضوح بأنهم كانو ا يمولون المؤتمر الوطنى من الحكومة ، ذكر ذلك فى اوديوهات ، لكنه بالطبع غير مستعد لكتابة ذلك فى كتاب وذكريات لأنه يخاف اخوانه ، وعنده اخوانه اهم من الحقيقة والصدق ، وبالطبع تذكرون يسن الذى قال انه لم يرى فى حياته فسادا مثل فساد الاسلاميين وكان هو احد قادتهم الا انه طبعا لم يكتب ذلك فى كتاب وقد توفاه الله وتذكرون ايضا المرشد السابق صادق عبدالله عبدالماجد الذى ذكر نفس الكلام ، ولكنه ايضا لم يكتب ذلك فى كتاب ، اما افادات الترابى فى قناة الجزيرة لأحمد منصور فهى طبعا للاستهلاك الاعلامى ولكنه الترابى هو عراب كل ذلك الفساد والاستبداد ، اخوان السودان اكثر فسادا واستبدادا من بقية اخوان الدنيا وهم بالطبع منغلقون على ذاتهم وفيهم كبر يعتقدون انهم هم وحدهم الذين يحملون لواء الاسلام الصحيح وفى سبيل هذا يحق لهم القتل والسحل ونهب اموال الدولة والناس . قاتلهم الله انما يأفكون

    1. اخي علي كلامك صح مائة في المائة لكن الكاتب خالد ابواحمد الذي خرج عنهم في قبل عام 2000 قدم جهد كبير خالص والله مئات المقالات في النت وكتابين (عباقرة الكذب) و(تأملات) انا قريت الكتاب الاول فيه توثيق لكل جرائم النظام
      وللكاتب مكتبة مقالات كاملة في جريدة (الديمقراطي) وفي (الراكوبة) وغيرها
      اعتقد لو تم توزيع الكتب االتفضح نظام الكيرزان ممكن تحصن الشباب من عمايل الكيزان

  2. اولاً ربنا يرحم العالم الجليل الدكتور مصطفي محمود!! ليس له ذنب ان يكون منتجه الفكري القيم وقود و دافع لبعض المتطرفين!! اماً الإخوان فهمهم للدين ك حقايق لا يكمن لشيوعي ان يجادلهم فهم حقا أهل مكه ، لكن الإخوان اشتروا الضلاله بالهدي ، و تتخذوا كلام الله تجارة!! شواطين كذابين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..