الأصوات غير المسموعة: كشف طبقات الصمت في أزمة الاتصالات في السودان

المستشار اسماعيل هجانة
كشف الصراع اليوم في السودان، ان مناطق كردفان ودارفور لا تعاني من وطأة العنف فحسب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان فحسب، بل تعاني أيضاً من انقطاع شديد في الاتصالات السلكية واللاسلكية. إن الاستعادة المفاجئة لخدمات الإنترنت والاتصالات في دارفور وبعض مناطق كردفان، في أعقاب تهديدات قوات الدعم السريع، تكشف بشكل صارخ أن الانقطاع المطول خلال الأشهر العشرة الماضية لم يكن بسبب عوامل لا يمكن السيطرة عليها بل كان عملاً متعمدًا. يثير هذا الكشف أسئلة انتقادية حول الغضب الانتقائي والسرد المحيط بانقطاع الاتصالات في السودان.
وفي حين أثار انقطاع الخدمة مؤخراً في بورتسودان إدانة واسعة النطاق، وسلط الضوء على الظلم الواضح ضد المواطنين، يتساءل المرء عما إذا كان نفس المستوى من التعاطف والإدانة الصريحة سيمتد نحو محنة دارفور الطويلة. ويثير التفاوت في الاستجابة تساؤلات عميقة حول القيمة التي تولى لحياة وحقوق سكان دارفور. لمدة عشرة أشهر، ظل أهل دارفور محرومين من حقهم الأساسي، وتحملوا الصمت والإهمال. فهل ستثير محنتهم ذات يوم نفس التعاطف والإدانة التي قد تثيرها انقطاعات الكهرباء لمدة عشر ساعات في مناطق أخرى؟
وفي خضم أزمة الاتصالات هذه، دعونا نسلط الضوء بشكل جاد على الوضع في مخيم زمزم للنازحين داخلياً في شمال دارفور على الأزمة الإنسانية الحادة التي تتكشف بسبب نقص الخدمات الصحية والتغذية. وتفيد التقارير في هذا المخيم أن طفلاً يموت كل ساعتين بسبب غياب الأنشطة المنقذة للحياة والرعاية الصحية الأساسية. ويؤكد هذا الواقع المأساوي الحاجة الماسة إلى مساعدات إنسانية فورية وشاملة لمعالجة سوء التغذية الحاد والأزمات الصحية التي تعاني منها الفئات السكانية الأكثر ضعفا، ولا سيما الأطفال. إن الصمت الذي يحيط بمحنة سكان زمزم، والأزمة الأوسع في دارفور، ينبئنا بالكثير عن التفاوت في الاهتمام والعمل من جانب المجتمعين الوطني والدولي.
إن صمت الشخصيات البارزة، وفي معظم الأحيان تأييدها، فيما يتعلق بالحرب التي دامت عقدين من الزمن في دارفور، يتناقض بشكل حاد مع وطنيتهم الصاخبة المكتشفة حديثاً عندما وصل الصراع إلى الخرطوم. ويسلط هذا الانقسام الضوء على تحيز متأصل بعمق، حيث يتم تطبيق القومية والغضب بشكل انتقائي، وغالباً ما تطغى عليه المصالح والمكاسب الشخصية. إن الخطاب حول الوحدة الوطنية والخيانة يبدو حالة جوفاء عندما يقتصر فهم “الأمة” على المصالح والولاءات الفردية، متجاهلاً الهوية الجماعية وحقوق جميع السودانيين.
وفي دولة حيث يحتكر النقاش حول الكرامة والسيادة أولئك الذين يساويونها بالثروة الشخصية والسلطة، فإن الجوهر الحقيقي لهذه القيم يظل غريباً عن تجارب أهل دارفور. إن استحضار الدين والأخلاق أثناء الانخراط في أفعال تتحدى اللياقة الإنسانية الأساسية لا يؤدي إلا إلى زيادة النفاق، والابتعاد عن المبادئ التي يزعمون أنهم يدعمونها.
إن نضال دارفور وكردفان هو امتداد لنضالات كل السودانيين من أجل المساواة والاعتراف هو بمثابة شهادة على الظلم المنهجي والإهمال المتأصل في النسيج الاجتماعي والسياسي في السودان. إن مطالبة المنطقة بالمساواة في المعاملة والحقوق ليست مجرد نداء من أجل التواصل، ولكنها دعوة إلى العدالة والكرامة ووضع حد لعقود من التمييز والعنف. لقد حان الوقت لتحول السرد من الغضب الانتقائي إلى دعوة موحدة للمعاملة العادلة للجميع، مع الاعتراف بأن الحروب التي شنت ليست سوى مظهر من مظاهر القمع والازدراء المتأصل في أروقة السلطة. ولن يتسنى للسودان أن يتحرك حقاً نحو السلام، وأن يتجنب الحاجة إلى الصراع الناشئ عن الظلم المنهجي وانعدام المساواة إلا عندما تحصل دارفور، إلى جانب كل منطقة أخرى، على مستحقاتها.
[email protected]