مقالات سياسية

مصر والحرب السودانية

د. أماني الطويل

يتواصل معي الكثيرون من القيادات والرموز السياسية السودانية بشكل شبه يومي؛ بشأن التساؤل عن طبيعة الموقف المصري في السودان في هذه المرحلة، ويتذكرون مقولة الرئيس السيسي الشهيرة بشأن ليبيا التي قال فيها، إن ليبيا خط أحمر، ويطرح هؤلاء جميعا سؤالا مركزيا هو، هل السودان أقل أهمية لمصر؟

بطبيعة الحال، يتحسب معظمهم، لما أسموه غياب مصري عن التفاعلات السودانية الذي يمكن أن يؤدي إلى معادلات عسكرية وسياسية مرتبكة، في توقيت دقيق، وذلك سواء في مجهودات وقف الحرب، أو في معادلات ما بعد الحرب، والتي هي من المأمول أن تحقق توازنا للسودان، لن يستقيم دون دور مصري، أصبح يعترف به جميع الفاعلين، خصوصا الدوليين.

ويبدو أن هذه التساؤلات قائمة على غياب شبه كامل للتصريحات السياسية المصرية؛ بشأن التطورات السودانية، وكذلك توقف الحديث المصري، والتفاعلات المرتبطة بمبادرة دول جوار السودان بالقاهرة، التي نجحت مصر في حشد كافة دول جوار السودان فيها في منتصف العام الماضي، وعقدت هذه المبادرة اجتماعا وحيدا في أنجمينا عاصمة تشاد، ثم توقفت، بعد أن قال سامح شكري وزير الخارجية المصري فيه إن الموقف في السودان ضبابي وغير واضح.

الأسئلة التي تصلني مرتبطة أيضا بموقف مصر من مبادرة إيجاد التي نشطت في الملف السوداني، بعد خفوت صوت مبادرة دول جوار السودان، لدرجة أعتقد البعض فيها، أن مصر اعتمدت هذه الآلية وحدها؛ لحل المشكل السوداني، طبقا لما رشح من كينيا بعد وجود الرئيس السيسي في الخريف الماضي هناك، أو هكذا ذاع.

الأسئلة السودانية مرتبطة أيضا بالموقف المصري من طرفي الصراع السوداني، وإلى أي مدى يمكن أن تتفاعل مصر مع قوات الدعم السريع، وقائدها حميدتي، وذلك بعد أن حقق انتشارا ميدانيا على الأرض في مواقع مهمة، خصوصا في منطقة وسط السودان المتفاعلة تاريخيا مع مصر.

ومع عدم وضوح الرؤية المصرية الراهنة، بالتأكيد هناك تأويلات كثيرة منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي السودانية منها، أن هناك انتشارا عسكريا مصريا على الحدود الجنوبية، أو أن هناك مسرحا يعد لقتال الدعم السريع في الولاية الشمالية، وهكذا مما لا نستطيع معه تبين الواقع أو الحقيقة، من الخيال أو السعي وراء الفبركات الإعلامية التي تضمن انتشارا لمنصة هنا أو هناك.

على الصعيد المصري، فإن الرأي العام يلاحظ بالتأكيد، أن مصر غائبة سياسيا عن السودان، وهو أمر مقلق للشارع المصري الذي يرتبط وجدانه تاريخيا بالسودان والسودانيين، خصوصا مع تزايد التواجد السوداني في مصر، وتداخله في النسيج الاجتماعي، وحضوره في المشهد العام للشوارع والأحياء والميادين المصرية، بل وقطاع الأعمال الخاص في مصر، وأيضا في المجالات الخدمية، وذلك مع حصول الأطباء والمهندسين، وغيرهم من المهنيين على تصاريح عمل في مصر بكافة القطاعات.

وبطبيعة الحال ليس لدى إجابات شافية لهؤلاء المتسائلين في مصر، أو في السودان ولكني أتفق، مع أن الغياب المصري السياسي العلني عن المعادلات الراهنة يشكل خسارة مشتركة لمصر وللسودان معا، على قاعدة أن مصالح كلا البلدين متأثرة بالأخرى، بل هل مصنفة بالحيوية، والتي تحوز على أعلى درجات الأهمية الاستراتيجية، فلا يمكن مثلا ألا يكون هناك تصريحات من الخارجية المصرية بشكل شبه دوري عن ضرورة وقف الحرب، أو التنوير بالمجهودات المصرية في هذا المجال، أو تطورات الرؤية المصرية بشأن التفاعلات السودانية.

وفي سياق مواز، فإن موقف الجامعة العربية يبدو غير نشط على المستوى المطلوب على الرغم من حضور ممثل عنها لقمة الإيجاد الأخيرة المنعقدة بكمبالا، حيث أنه من المطلوب، أن يكون هناك خلية عمل، لا ينقطع نشاطها اليومي؛ بشأن الحالة في السودان على الصعيد الإنساني على الأقل.

وعلى الرغم، ما أسلفت سابقا، فإنه لا بد لنا أيضا، أن نرصد تحركات مصرية بشأن السودان موجودة، ولكنها غير علنية، لا يتم الكشف عنها، ولا عن أي من مخرجاتها منها مثلا، تعاون الخارجية المصرية مع الجانب الفرنسي في جمع بعض الحركات المسلحة الدارفورية مع ممثل للجيش، والدعم السريع بالقاهرة، ومنها أيضا، تعاون مع دولة البحرين في لقاء بين نائب رئيس قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، والفريق أول شمس الدين الكباشي نائب قائد الجيش، وعضو المجلس السيادي السوداني، الذي قام طبقا للتسريبات بزيارات غير معلنة لكل من مصر والإمارات.

وطبقا لذلك، يبدو أن التحرك المصري في الملف السوداني هو تحرك جزئي، بمعنى أنه يتم اللجوء إلى آلية فصل الملفات السودانية بعضها عن بعض، والتعامل معها كل منها على حدة، وذلك على أمل، ربما أن التقدم في أحد الملفات، ربما يكون دافعا؛ لتقدم ملف آخر وهكذا.

ويبدو لنا أيضا، أن التحرك المصري حذر للغاية، خصوصا مع وجود إرادة سودانية مشتركة لطرفي الصراع باستمرار الحرب، رغم إعلانات حميدتي قائد قوات الدعم السريع المتواصلة، بأنه يقبل التفاوض، ويريد السلام، فضلا عما يرشح في تصريحاته من ملامح لمشروع سياسي مستقبلي.

هذا التقدير بشأن موقف حميدتي الواقعي من الحرب قائم على معلومات، رشحت لنا، أن الرجل يمول طرفي الحرب بمعنى، أن له علاقات مع بعض أطراف المؤتمر الوطني المنخرطة في القتال على الأرض، ويقوم بتمويلها. ويثار هنا السؤال، هل يريد حميدتي استمرار الحرب؟ هل هذه الحرب هي طريقه إلى السلطة التي أعلن لدوائر ضيقة، أنه يريدها منذ عام ٢٠١٩؟ وإذا لم يكن حميدتي يريد استمرار الحرب، فمن يريد استمرارها على هذا النحو الذي يكبد السودانيين أثمانا إنسانية باهظة كل لحظة.

الحذر المصري ممتد أيضا؛ بسبب أداء الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي، وقائد الجيش الذي يملك، ومن معه إرادة استمرار الحرب؛ فيرفض التفاوض رغم الوزن السياسي، والمعنوي للجيش في المعادلة الحالية، ويذهب إلى إيران والجزائر لضمان دعم تسليحي للجيش السوداني.

وإذا كان الدعم الجزائري للسودان (إن حدث) هو ضمن التفاعلات الإقليمية العربية، وقد تكون تداعياته محسوبة، وغير مكلفة، فإن اللجوء إلى إيران له تداعيات غير محسوبة في ظني من جانب الفريق البرهان. ذلك أن استدعاء إيران للمنصة السودانية الملتهبة، والمشاطئة للبحر الأحمر، هي حسابات مرتبطة بالشرق الأوسط والحرب في غزة، ذلك أن السودان هو إضافة للمنصات الإيرانية في كل من اليمن ولبنان والعراق، وذلك من شأنه، أن يخل بموازين قوى دقيقة، وحرجة في المنطقة، لا يستطيع السودان في حالته الراهنة احتمال تداعياتها في علاقته بمحيطه الإقليمي، خصوصا الخليجي منه، فالسودان حينما استدعي إيران في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان سلطة قائمة ودولة متماسكة، أما الآن فالوضع مختلف.

إجمالا مع تقدير أن الأعباء المصرية بشأن الحالة السودانية هي ضخمة، ومضافة لأعباء أخرى إقليمية لا تقل حساسية ولا ضخامة، ولكن يبقى السودان في وجدان المصريين حالة، تستدعي عناية فائقة من جانب الفاعلين الرسميين، وتنويرا دائما بالتطورات على الصعيد السياسي والعسكري، وذلك استجابة لحالة الاهتمام الكبير من جانب الرأي العام المصري بالسودان، وأهل السودان.

سودانايل

‫4 تعليقات

  1. يبدو ان السيدة امال الطويل تقرأ في كف اليد الموقف المصري او تبصر في فنجان قهوة حيث ان مقالها يشبه قراءة الابراج صالح لكل يوم وممكن اعادته بعد سنة حتى ولو تغيرت الاحداث في السودان الى منعطف اخر لكن هناك ملاحظة بسيطة ملفته تمرير اتهام للدعم السريع بتمويل فلول البشير او قسم منهم لتشكك بان الدعم السريع هو من لا يريد وقف الحرب . كتبت مقالا طويلا لتمرير هذة الفكرة . هنا لا ندافع عن الدعم السريع بل ندينه لكن هذه السيدة تثبت ان كل مسلم او مسلمة هو من الاخوان المسلمين لكن النسب المئوية الاخوانية في عقله تختلف وكنت اظن كل رجل مسلم تكفيري بالولادة ويتدرج نحو الارهاب لكن بعد قراءة ما كتبته هذه السيدة بت متأكد بان المرأة المسلمة ارهابية بالولادة .

  2. الرسالة التي نفهمها من هذا المقال هي الغموض و التشويش حيث ان الكاتبة المحسوبة على الاجهزة الامنية و الاستخباراتية وضحت انزعاج مصر من ذهاب البرهان الى الجانب الايراني و بدرجة اقل الى الجانب الجزائري و لكنها في نفس الوقت أكدت على أن مصر لا ترغب في التفاهم مع حميدتي حيث ذكرت كلاما ككلام الطير في الباقير حين قالت ان حميدتي يمول بعض اطراف المؤتمر الوطني لاستمرار الحرب لانه يريد الوصول الى الرئاسة

    ما يفهم من هذا المقال هو ان الاستاذة أماني تؤيد ان تقول ان مصر في منزلة بين المنزلتين

  3. ليس لدى مصري الكثير أن تفعله سياسيا ولا عسكريا لعدة اسباب دائما الحكومات المصرية والمخابرات المصرية بوجه الدقة (لأن السودان منذ الاستقلال يعتبر حالة مخابرتية في مصر) و كانت المخابرات المصرية تعتمد على كبار ضباط الجيش ومعروف الجيش السوداني طوال تاريخه لم يخلو من اختراقات المخابرات المصرية وبصورة فاضحة وسقط الجيش كهيبة وكقوة تحتكر السلاح في السودان بظهور الجنجويد ومسح كرامة الجيش بالارض وكشفوا ان الجيش أسد من ورق بل اكثر من ذلك اصبح الكثيرين من السودانيين مفتونين بشجاعة وبسالة الدعامة وهكذا هم السودانيين يفتننون بالشجاعة والبسالة ولا يبخسون الاخرين أشياءهم وإن اختلفوا معهم وسقط شعبيا بعد تنفيذ مخطط المخابرات المصرية وفض الاعتصام كما فضت رابعة متجاهلين الفروقات الكبيرة بين مزاج الشعبين ثانيا مصر كانت تعتمد على الحزب الاتحادي الديمقراطي سياسيا وعلى وجه التحديد على اسرة الميرغني والبعض من اسرة المهدي ولكن الاسرتين اصبحوا غير فاعلين لا هم ولا احزابهم يمتلكون تلك الفعالية في الشارع السياسي السوداني وبذلك فقدت مصر اليد الضاربة في الدخل لتنفيذ مشاريعها وهذا واضح في تجميعها اضعف وارخص مجموعة سياسية سودانية امثال جبريل واردول والتوم هجو وعسكوري ومبارك الفاضل لعل وعسى أن تستطيع أن تناور بهم سياسة في الداخل السوداني وهذا يوضح وضع مصر البائيس في السودان.، وهذا غير الحسابات الصعبة خارجيا فهي تقع بين سندانة الامارات ومطرقة السعودية وللطرفين خطوط حمر لا يستطيع السيسي تعديها وبالاخص محمد بن سلمان فقد اصبح الرجل رقم صعب في المنطقة بل في العالم وخطوطه الحمر لا يتعداها حتى الكبار وإن افترضنا أن السيسي تحصل على ضوء اخضر دون دعم اقتصادي من دول الخليج فمصر تعاني و عمرها لا تدخل حرب دون دعم خليجي وعربي وليس حيث لديها مقدرة اقتصادية على تحمل نفقات الحروب ذلك وإن توفر لها الغطاء الاقتصادي فمن يضمن لها عدم تدخل بعض دول الايغاد في الحرب إن تدخلت مصر ومن يضمن لها حدودها وفي الارض جيش لا يستهان به حتى اصبحت قوات الدعم السريع قوة ضاربة تقارن بقوات فاغنر بقليل من الدعم الوجيستي لها لا تعرف مصر أين ومتى تتوقف قوات الدعم السريع وكيف تنتهي الحرب إن تورطت اكثر من ذلك. بالرغم من أن مصر وافقت على ضرب قوات الدعم السريع بمعلومات مغلوطة من المخابرات و قيادات الجيش السوداني لكنها اكتشفت أن المخابرات ضعيفة ومعظم الضباط الكبار في الجيش السوداني لهم ولاء مزدوج بين مصر والاسلاميين وانهم لم يكونوا شفافين بقصد أو دون قصد في تقييم قوة الدعم السريع أو مقدرة الجيش في سحق الدعم السريع خلال ساعات وإنهاء المشكلة في ضربة خاطفة قبل أن تستنجد قوات الدعم السريع باصدقائها لدعمها سياسيا واقتصاديا وربما عسكريا إن طال امد الحرب وبذلك تورطت مصر كما تورط السودان في الحرب و كعادة الحروب تعرف متى وكيف تبدأها ولكن لا تعرف متى و كيف تنهيها واعظم مثال لذلك ورطة امريكا في اوكرانيا

  4. القيادات و الرموز السياسية التي تواصلت معكي و كل من يظن ان مصر ( الرسمية ) تريد الخير للسودان عايشين في وهم كبير و هؤلاء ليس قيادات سياسية بل نكب سياسية و مصر هي العدو الأول للدولة السودانية و لديها سياسة واضحة جداً تجاه السودان و هي سياسة زعزعة الاستقرار السياسي و الامني في السودان و لقد وضحت جليا في زمن حكومة الفترة الانتقالية من خلال الزيارات المتكررة لمدير المخابرات المصرية المدعو عباس كامل.
    مصر العدو الأول للدولة السودانية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..