آفاق بناء قوة دافعة نحو السلام في السودان

د. بخيت أوبي
بعد اندلاع الحرب الأخيرة في السودان، وما أفرزته من آثار سلبية مدمرة على مستوى البلاد، ووقعها التراجيدي في حيوات المواطنين على مختلف الاصعدة، وبروز مؤشرات قوية على استمرارها وتوسع نطاقها، وزيادة تعقيداتها يوما بعد يوم، بتجديد التباينات والتصدعات القديمة على المستوى المجتمعي والسياسي وتدخل أطراف فاعلة محلية، وإقليمية ودولية، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان الحديث. كلها عوامل يجب النظر إليها بعمق وجدية في تناول جذور محصلة الأزمات المتطاولة في البلاد، وإيجاد صيغة توحد كل هذا الشتات غير المتجانس في مرمى مشترك يلامس آفاق المستقبل، ومن جملة هذه الصيغ المقترحة التي برزت على السطح الجبهة المدنية الموحدة لوقف الحرب واستعادة السلام والديمقراطية للبلاد انطلاقا من مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة.إلا أن بناء هذه الجبهة يتطلب تخطيطًا وتنظيمًا جيدًا. في هذا السياق يمكن اقتراح بعض النقاط التى يمكنها أن تكون محورا للنقاش والتداول، ومن هذه الإشارات.
١- تشكيل فرق عمل متعدد التخصصات يتألف من نشطاء، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وممثلين عن المجتمع المدني، وقادة قبليين وممثلين عن الأحزاب السياسية، الحركات المسلحة، لجان المقاومة، والشبكات الاجتماعية التقليدية والحديثة. يجب أن يكون لديهم رؤية واضحة للسلام وقدرة على العمل معًا.
٢-تحليل الوضع الحالي في السودان بصورة شاملة، بما في ذلك التوترات العرقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وذلك بالبحث عن الأسباب الجذرية للنزاع وتحديد العوامل المؤثرة في استمرار الحرب.
٣- إن عملية توعية الجمهور مهمة لبناء الدعم والتأييد لجبهة مدنية موحدة، وذلك بتنظيم حملات إعلامية وورش عمل وندوات لتوعية الناس حول الأهمية الحقيقية لوقف الحرب وآثارها السلبية على السودان وشعبه، مع التركيز على القواعد الجماهيرية ، وقادة المجتمع التقليديين والشخصيات التاريخية و القادة الروحيين، والشرائح المختلفة للمجتمع.
٤-بناء التحالفات وذلك بالتواصل مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والجهات الحكومية المهتمة بالسلام وحقوق الإنسان . أن بناء تحالفات وشراكات مع هذه الجهات تعزز من قوة وتأثير الجبهة .
٥-إعداد خطة عمل شاملة تحدد الأهداف والأنشطة والموارد المطلوبة والجدول الزمني. يجب أن تكون الخطة قابلة للتنفيذ وتراعي جميع جوانب العمل اللازمة لتحقيق الهدف المنشود وأن تراعى ديمقراطية المشاركة تخطيطا وتنفيذا.
٦-التنسيق والتعاون وذلك بتنسيق الجهود مع المنظمات والأطراف الأخرى المهتمة بوقف الحرب في السودان. وكذلك تكوين شبكات وعلاقات قوية لتعزيز التعاون وتبادل المعلومات والخبرات.
٧-الضغط السياسي وذلك بممارسة الضغط السياسي على الأطراف المتحاربة والجهات الدولية للتوصل إلى حل سلمي. يمكن القيام بذلك من خلال الحملات العامة واللوبيات والاجتماعات الدبلوماسية والمشاركة في المفاوضات والاتصال بالجماهير بالداخل والجاليات في الخارج.
٨تنفيذ البرامج الهادفة وذلك بتنفيذ برامج ومشاريع عملية تهدف إلى تعزيز السلام والتنمية المستدامة في المناطق المتأثرة بالحرب. يمكن أن تشمل هذه البرامج التوعية، والتعليم، والرعاية الصحية، وتوفير فرص العمل، والمشاركة الفاعلة في الإغاثة وتقديم الخدمات وزيارة النازحين داخليا، وحشد الدعم لهم .
٩-مراقبة وتقييم الجهود المستمرة لضمان تحقيق النتائج المرجوة. استخدم مؤشرات الأداء والتقارير الدورية لتقييم التقدم المحرز وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
١٠-الاستدامة وذلك بالمحافظة على استدامة الجبهة المدنية الموحدة من خلال بناء القدرات المحلية، وتأهيل القادة المحليين، وتعزيز التمويل المستدام، وتحفيز المشاركة المجتمعية المستمرة، وضمان التنوع في المشاركة وتجاوز التصورات القديمة.
هذه بعض المقترحات حول بناء الجبهة، ولكن نجاحها يتوقف على تغيير العقليات القديمة ونظم الإدارة الممركزة المتحكمة، واستحداث نظام إدارة ومشاركة مرنة تستوعب كل الحادبين على تحقيق الأهداف وتجاوز مناهج المشاركات الصورية، والاساليب الفاشلة المنتجة للأزمات في السودان منذ استقلاله، بصورة لازمة الاصرار والالتزام وتكريس الجهد في تحقيق الأهداف وعدم ربطها بالأشخاص والمطامح والمصالح.