مقالات سياسية

جنوب كردفان بين الأمل والاضطراب: الكارثة الانسانية الصامتة والموت البطئ

المستشار اسماعيل هجانةبعد عقود من النضال السياسي وسقوط النظام السابق في السودان، أصبحت آمال الكثيرين، وخاصة في منطقة جنوب كردفان التي مزقتها الصراعات، معلقة على وعود ثورة ديسمبر. وكانت هذه ثورة تهدف إلى الدخول في عصر السلام والعدالة والحرية، بعد سنوات من الاضطراب والدمار الناجم عن الحرب الطويلة، التي عانت من جنوب كردفان – جبال النوبة من ويلاتها وأهوالها ، بل كان لها الحظ الأوفر من التدمير الممنهج. فكانت الثورة بمثابة النفاج الذي بدأت تطل به احلام وتطلعات ابنائها نحو المستقبل خاصة بعد زيارة حمدوك الى ماودا التي ود البشير بصلاة الجمعة فيها و(حدث ما حدث). تلك التحركات التي قادها ايضا ابناء الولاية المكلومة و المفجوعة بفعل سياسات الخرطوم ايضا بصيص أمل في ظلام خموم كوابيس الحروب الممتدة فيها. ومن بين أولئك الذين أعربوا عن مثل هذه التطلعات كان محمد علي محمد، الذي شغل مؤخراً منصب نائب حاكم ولاية جنوب كردفان، والذي لم يكن تعيينه يمثل علامة فارقة شخصية فحسب، بل كان بمثابة منارة أمل للمنطقة التي تحملت وطأة الأزمات المتعددة الأوجه في السودان.إن رواية الإقليم، المتشابكة بعمق مع نسيج المشهد الاجتماعي والسياسي الأوسع في جنوب كردفان والسودان، تلقي الضوء على تعقيدات الانتقال من المقاومة إلى الحكم في بلد يشوبه الانقسام والصراع. تعكس رحلته من نشاطها المحموم وهو يقاتل ضد القادة الفاشيين للنظام السابق إلى الحلم بالشفاء وإعادة بناء مجتمع تؤكد التحديات التي يواجهها أولئك الذين يسعون إلى تحويل المُثُل الثورية إلى حقائق ملموسة.وكانت ولاية جنوب كردفان، مثلها كمثل أغلب مناطق السودان، بمثابة ساحة معركة لمصالح متضاربة، حيث يعاني شعبها بشدة من القصف الجوي وأهوال الحرب. كانت احلام وتطلعات مواطني الاقليم تنصب نحو فرصة لتوجيه المنطقة نحو المصالحة والسلام. ومع ذلك، فإن اندلاع الحرب، التي سعرها فلول النظام السابق، شكل عقبة كأداء أمام هذه التطلعات، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات داخل المجتمع السوداني وأحبط جهود المصالحة الوطنية.إن الحرب في السودان، والمؤثرة بشكل خاص في رواية  استقالة محمد من منصبه كوالي لجنوب كردفان، هي بمثابة تذكير قاتم بتكلفة الصراع على السكان المدنيين. لم يؤدي التصعيد إلى تعطيل حياة الملايين فحسب، بل أدى أيضًا إلى تعميق الشقوق داخل المشهد السياسي في السودان، مما يجعل الطريق إلى السلام شاقًا بشكل متزايد. ويعكس الحوار الذي أجراه محمد مع مالك عقار، وهو شخصية رئيسية في الحكومة الانتقالية في السودان، مدى يأس وإلحاح أولئك الذين يسعون إلى وقف العنف. ومع ذلك، فإن التغيرات السريعة في موقف عقار، من وسيط قد يكون قادراً على تجاوز الانقسامات إلى شخصية وقعت في شرك ديناميكيات الزخارف التي تلعبها المرحلة الانتقالية في السودان. ويسلط هذا التحول الضوء على موضوع أوسع يتمثل في الخيانة وخيبة الأمل التي يشعر بها كثيرون ممن علقوا آمالهم على قادة الحركات المسلحة ابان الثورة لإعطاء الأولوية لسلام الأمة على حساب المصالح الشخصية أو الفئوية.إن امال مواطن إقليم جنوب كردفان – جبال النوبة مدفوعة بموقفه الثابت ضد الحرب والتزامه بمُثُل ثورة ديسمبر، تسلط الضوء على الشعور العميق بالمسؤولية الذي يشعر بها أولئك الذين يعملون ليل نهار من اجل احداث تغيير ايجابي يصب في مصلحة الإقليم وانسانه. إن سرد قصصهم هي شهادة على الصراع المستمر بين السعي إلى السلطة والضرورة الأخلاقية لخدمة مصالح الناس، وخاصة في أوقات الأزمات. كما أنه يعكس خيبة أمل واسعة النطاق بين المواطنين السودانيين إزاء فشل قادتهم في تجاوز الانقسامات السياسية والعمل بشكل جماعي من أجل تعافي البلاد.يعكس الصراع الدائر في السودان، وخاصة تأثيره على المدنيين، تعقيدات الانتقال من نظام ديكتاتوري إلى مجتمع ديمقراطي. ولم تتسبب الحرب في معاناة إنسانية هائلة فحسب، حيث شردت الملايين وأصبحوا في أمس الحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ولكنها أعاقت أيضًا الجهود المبذولة لإعادة بناء النسيج الاجتماعي والسياسي الممزق في البلاد. مع ذلك تظل الأصوات الداعمة الى خيار المصالحة في الإقليم وتجنيبه المواجهات العسكرية جزء اصيل من الدعوة الصادقة إلى السلام والتحول الديمقراطي، مهمة للغاية في تذكيرنا بالتكلفة البشرية للصراع والحاجة الملحة إلى بذل جهود متضافرة لتحقيق المصالحة والاستقرار.إن الجهود المتعمدة لتصعيد الصراع في المنطقة إلى أزمة شاملة، من خلال استمرار تأجيج التوترات العرقية من خلال القنوات الرسمية والواجهات المختلفة والمتعددة والمتفقة على الخراب، تمثل كارثة تلوح في الأفق بالنسبة لجنوب كردفان. وتتطلب هذه الاستراتيجية، الشفافية للجميع، وعياً حاداً من جانب سكان المنطقة ورفضاً جماعياً للاستسلام للخطاب التقسيمي الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة وزعزعة استقرارها، ودفعها إلى صراع لا نهاية له. إن ندائي الثابت هو العمل من أجل الحفاظ على المنطقة من كارثة يمكن أن تتجاوز تداعياتها الحرب الجارية الآن ويصعب علاجها. إن هذا المخطط لإدامة الاضطرابات في المنطقة يعمل على تسهيل استمرار استغلال ثرواتها ومواردها الهائلة – وهي سرقة تم استبعاد السكان المحليين منها منذ فترة طويلة، لصالح قلة مختارة.ان هذا الاقليم، الذي يكتنفه صراع صامت، لكنه عنيف جدا، يقف بمثابة شهادة واضحة لا تقبل الشك أو التشكيك على الآثار المدمرة للحرب على الظروف الإنسانية. لقد قطعت هذه الأزمة الخفية شرايين الحياة للخدمات الإنسانية، مما أدى إلى إغراق المنطقة في حالة من العزلة تميزت بصرخات  وأنين الأمهات وأطفال تركوا بلا رعاية أو حماية أمام وحوش الحروب بما في ذلك تجار الأزمات. ويتطلب الوضع المزري اتخاذ إجراءات جريئة وشفافة لضمان تقديم المساعدات غير المشروطة، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لأصحاب المصلحة الدوليين والمحليين إلى الوقوف بحزم، ورفض الاستسلام للابتزاز أو التهديدات. إنها دعوة واضحة مني وللجميع للالتزام الثابت باختراق حصار الصمت، وضمان وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها، وبالتالي استعادة ما يشبه الأمل لسكان الإقليم المحاصرين في كوابيس الموت جوعا ومرضا وفي افضل الاحوال بطلقة. فليكن نداءنا هذا معبرا عن حاجة الاقليم الى تدخل عاجل وفوري لإنقاذ ما يمكن انقاذه ولا تنقصنا الحيلة او الارادة.و بتحليل الأوضاع في الإقليم، و السياق الأوسع للصراع السوداني، يصبح من الواضح أن الطريق إلى السلام محفوف بالتحديات. وتشمل هذه التحديات التغلب على الخصومات السياسية العميقة الجذور، ومعالجة مظالم المجتمعات المهمشة، وإعادة بناء الثقة في دولة مزقتها عقود من الصراع. إن السرد الخاص بجنوب كردفان – جبال النوبة، وبالتالي السودان، هو تذكير صارخ بقدرة شعبها على الصمود، وتوقها إلى السلام، و الأهمية الحاسمة للقيادة التي تعطي الأولوية للرفاه الجماعي للأمة على المكاسب الشخصية.لقد أصبح التغلب على التحدي المعقد المتمثل في تقديم المساعدات الإنسانية إلى المنطقة أمرًا بالغ الأهمية بشكل متزايد، خاصة وأن المسارات التقليدية عبر بورتسودان لم تعد قابلة للحياة. وفي ضوء هذه الظروف، أصبحت ضرورة إنشاء ممرات إنسانية عبر البلدان المجاورة، وخاصة جنوب السودان، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وهذه الضرورة الملحة والقاطعة تتطلب اتخاذ إجراءات فورية. و يتعين على جميع الأطراف المشاركة في الصراع، بغض النظر عن انتماءاتهم، وضع استراتيجية قابلة للتطبيق تضمن التدفق المتواصل للمساعدات المنقذة للحياة، دون عوائق أو شروط أو تأخير. باعتبارنا مشرفين على مجتمعنا، تقع على عاتقنا مسؤولية جماعية دعم هذه الجهود، مع إعطاء الأولوية لرفاهية الفئات السكانية الضعيفة، وخاصة النساء والأطفال، الذين لديهم الحق الأساسي في السلامة والحياة. إن نجاح هذه المبادرات الإنسانية ليس مجرد التزام أخلاقي، بل هو شهادة على إنسانيتنا والقيم التي نعتنقها كأبناء هذا الإقليم وأنه من الواجب الاخلاقي ان نفعل المستحيل من أجله انسانه ونتناسى مرارتنا الشخصية.بينما يواصل السودان اجتياز مراحله الانتقالية المعقدة، مع بروز شبح الحرب الواسعة التي لا أمل فيها نهايتها قريبا،  فإن تجارب ابناء الاقليم قد تكون بمثابة قصة تحذيرية و منارة للأمل. ويذكرون أنه على الرغم من النكسات، فإن التطلعات إلى الحرية والسلام والعدالة التي أشعلت ثورة ديسمبر لا تزال حية. إن الطريق إلى تحقيق هذه المُثُل طويل ومليء بالعقبات، ولكن من خلال تفاني وتضحيات أولئك الملتزمين بالقضية قد يتمكن الإقليم ومن خلال السودان ذات يوم من تحقيق أحلام ثورته. واحي ابناء الاقليم الحادبين على وقف نزيف الأرواح فيه من خلال مبادرات جريئة وقوية تصب في مصلحة جميع المواطنين ومتجاوزين حالة الانقسام الممنهج التي تكرس لها المؤسسات القابضة ومن خلفها قوة اجتماعية واقتصادية تستغل المؤسسات الامنية والعسكرية لقمع وقهر الآخر، لتكون لها الغلبة في  استدامة إحكام السيطرة على مفاصل الدولة ومواصلة حكم البلاد.

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. كفيت وفيت يا السيد المستشار
    جنوب كردفان تعاني من كوارث حقيقية تتمثل الحرب والجوع المرض والجهل مع توقف المدارس وضياع الاجيال
    لذلك لابد من مبادرات لإصلاح هذا الوضع الحرج الذي تمر به الولاية ولابد من النظر لمعاناة المواطن الذي أصبح في جزيرة معزولة عن بقية ولايات السودان.
    ولابد من فتح ممرات أمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمواطن الولاية الذي فقد كل شي في هذه الحرب العبثية.
    ولابد من تناسي المرارات والقرارات القبلية وتجاوز الخلافات السياسية بين المكونات والعمل علي رفع المعاناة عن المواطن عبر الاتفاق علي الحد الأدنى من القواسم و المصالح المشتركة في سبيل تقديم الخدمات الإنسانية التي تليق بهذا المواطن الكريم
    وانا علي يقين كل ماذكرته لم ينطبق علي أرض الواقع ،ما لم يتفق الجميع علي اقالة الوالي الحالي للولاية ،لأنه شخصية خاملة لم يقدم اي مبادرات إنسانية تخدم انسان هذا الولاية المغلوب علي أمره منذ تعيينه.

  2. مستشارنا العزيز ، جزيت واوفيت ؛ هذه الكلمات تحمل في طياتها حقيقة لا يدركها الا من عاش ببقاع تلك الجبال الشامخة ويعرف خُبث ومنهجيات النظام البائد الذي دوّن في دفاتره واوصي بها اجياله قائلا : ان الحل الوحيد لجلوسنا علي عرش هذه البلاد هو جعل اقليمي جنوب كردفان ، النيل الازرق ، دارفور في نزاع دائم ولا يسنحوا لابنائهم بفرصة التفكير في التعليم ولا حتي التفكير في ابسط حقوقهم بل وجعلهم يفكرون ليل نهارهم في الحرب والدانة والجبخانة ( وفلان ضربو وفلان كتلو ) .
    لكن شاءت اقدار الله ان يخرج من غياهب الجب ومن تلك الغابات اليافعة امثال اسماعيل هجانة وامثال الدكتور عبدالله حمدوك من ينادون ويطالبون بوحدة هذا الاقليم ووقوف ابناء شعبه في صف واحد ، متناسيين تلك الفتن القبلية التي زرعها فلول النظام السابق .
    دمت مطالبا بحقوق هذا الاقليم .
    الصادق صديق كوكو

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..