مقالات سياسية
جوبا : ماِلك على السودان؟
( بتحوير لأغنية شعبية - جوبا الإتفاقية لا جوبا المدينة الحبيبة)

مدخل
والحساَنية في شنو ؟ سلام بلا غرض طيبين بلا مرض؟ أول القصيدة …. كفر مشروعية الإتفاق التمييز الإيجابي اتفاق جوبا صمد يعلو ولا يعلى عليه 1 – مدخل الفقيد التجاني الطيب حكى لقراء الميدان في مارس العام 1986 عن كادرشيوعي اسمه عبد الرحمن حمزة عين نفسه في العام 1951، متفرغاً شيوعياً بلا تفويض من أية جهة، واختار “خميس” إسماً حركياً له. بذلك كان خميس هذا أول متفرغ في تاريخ الشيوعيين السودانيين، أي قبل إبراهيم زكريا ذاته. المهم هنا أن خميس جمع كتبه وكراساته واشترى حماراً ليحمله ويحمل كتبه وكراساته. المهمة التي اختارها خميس لنفسه تمثلت في نشر الدعوة الى السلام والإشتراكية في المنطقة الواقعة من بلدته كريمة الى الحدود الشمالية مع مصر. على مبعدة نحو 440 كيلومتر من كريمة وفي الثامن عشر من ابريل من عام 1951 ذاته جلس في محكمة جنايات الخرطوم قاض بريطاني اسمه تردول لمحاكمة وصفتها صحيفة الرأي العام وقتها بأنها “اولى محكمة من نوعها في البلاد بل إنها قد تكون أولى محكمة من نوعها في أي قطر من أقطار العالم”. القضية أسمتها الصحيفة “قضية أنصار السلام” وجرى تحريكها بموجب المادة الرابعة من قانون الجمعيات غير المشروعة الذي يعود أصله الى العام 1924. نحو عشرين شيوعياً وقفوا أمام القاضي البريطاني بينهم كنداكة اسمها خالدة زاهر السادات. ومجلس العموم البريطاني سمع بالقضية واصبح لازماً إفادته بحقيقتها. بيد أنني هنا بصدد الكلام عن اتفاقية جوبا للسلام التي انعقدت في اكتوبر العام 2020. عن محاكمة أنصار السلام أنشد تخصيص مقالة أخرى بأكملها. هذا وعيد. 2- والحسانية في شنو ؟ القاريء قد يذكر أن إتفاقية جوبا لسلام السودان جرى عقدها في 3 اكتوبر العام 2020. ولعله يذكر ايضاً ان الفريق اول محمد حمدان دقلو هو الذي وقع نيابة عن حكومة السودان الإنتقالية باعتباره النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي (لا أحد يعلم ما هي الجهة التي منحته ذلك المنصب). منذ ذلك التاريخ عصف بالبلاد إنقلاب البشير العسكري الكيزاني الذي وقع في 25 أكتوبر 2021 يعني بعد نحو عام من توقيع ذلك الإتفاق. أحسب أن إنقلاب البرهان قد أجهز على اتفاق جوبا تماماً. (كان قد وُلِد محتضراً لكنه كان مُدمى ونهماً بالغ الجشع). فالبرهان حل مجلس السيادة: أودع حمدوك وبعض وزرائه المدنيين الحبس ثم عين مجلس سيادة جديد هو رئيسه في الخميس 11 نوفمبر وحميدتي (مهندس اتفاق جوبا) نائباً لرئيس مجلس السيادة. ذلك بالطبع يعني أن البرهان وحميدتي شريكان في جريمة الإنقلاب العسكري. الجماعات المسلحة التي وقعّت على اتفاقية جوبا أيدت انقلاب البرهان- حميدتي الكيزاني لأنها لم تعترض عليه ولم تحرك ساكناً ضده سوى التشبث بمناصبهم الوزارية والسيادية ومخصصاتهم. في مدرسة الحقوق – جامعة الخرطوم درسنا قبل ستين عاماً، قاعدة قانونية تقول: ‘’He who comes to equity must come with clean hands’’ من ينشد العدالة عليه السعي اليها بيدين طاهرتين. وقادة الجماعات المسلحة الذين أيدوا وباركوا إنقلاب البرهان / حميدتي في 25 أكتوبر2021 لا يحق لهم نشدان الإنصاف لقضيتهم. لا يمكن ليدين ملطختين بالدماء أن تقرع أبواب العدالة والإنصاف ملتمسة الدخول. اكثر من مائة شهيد قام البرهان وشركاؤه بتقتيلهم بتهمة التظاهر السلمي ضد ذلك الإنقلاب. بهذا تكون أيدي البرهان وحميدتي والجماعات المسلحة التي وقعت على اتفاقية جويا ملطخة بمزيد من الدماء. برغم ذلك فإن الدعم السريع قد يرغب في إعادة الروح الى تلك الإتفاقية لتحييد جماعات دارفور المسلحة ولمحاولة الإفلات عن تبعة جرائم الحرب والتطهير العرقي التي ارتكبها مع “رب دارفور” في عهد البشير والتي ارتكبتها قواته هناك على أيام هذه الحرب النتنة. كما أن البرهان وشركاءه يتعاملون مع الجماعات المسلحة الموقعة على جوبا باعتبارها حليفة منذ الإنقلاب المشئوم ويلتمسون إغواء الجماعات الدارفورية المسلحة بالإبقاء على تلك الإتفاقية حية عشماً في استنفار تلك الجماعات للدخول في ساحة الوغى ضد الجنجويد خصمها اللدود. أدرك أن هناك أوجاع حقيقية ظل يعيشها الملايين من أهلنا في السودان وفي المنافي وفي بعضها يجد السوداني نفسه “عن القرى وعن الترحال مردود”. كما ذكرت في “حرب الإخوة الأعداء النتنة”. ادرك ايضاً، كما أشرت ذات مرات، أن العديد في قناعة تامة بأن السيف هو بالفعل أصدق أنباءاً من الكتب جميعها وأنه حتى الأجابر أنفسهم يخرون ساجدين في حضرة صبي أشعث أغبر يتأبط كلاشينكوفاً على أهبة الإنطلاق، لكنني أدرك أيضاً انه إذا كان “الحرب أولها كلام” فإن آخرها كلام أيضاً. أحسب ان الناس في حاجة إلى كلام يبشرهم بأن هذه الحرب النتنة في طريقها الى النهاية وأن السودان في طريقه الى أن يعود الى سابق عهده، لكنني، يا ويحي، ليس لدي سوى حكمة زهير إبن ابي سلمى التي لا تسمن ولا تغني عن جوع : ….” لكل شيء وإن طالت لجاجته إنتهاءُ”. وقالوا للأرمل في موكب الجنازة وكانوا متجهين بالمرحومة الى المقابر: الله سيرزقك مثلها أو من هي أفضل وأبرك منها فرد الأرمل، وهو كوز فيما يبدو، “أعلم ذلك ولكن ماذا عن ليلتنا هذه؟” ‘’I know, but what about tonight?’’ أما ضيق أهلنا في السودان وفي المنافي بالإنتظار ولهفتهم الى الوقف العاجل للحرب فانه لا ينطلق من دوافع انانية دنيئة وانما من جزع حقيقي من خراب البلاد والعباد ومن أن التكلفة البشرية والمادية والنفسانية للحرب النتنة سيظل ينوء بكاهلها جيلان اثنان على أقل تقدير. وكلما طال أمد هذه الحرب النتنة كلما تفاقمت عواقبها، بطبيعة الحال. برغم ذلك فإنني لا أحسب أن الكلام عن اتفاقية جوبا هو كلام طير في باقير أو أن “الناس في شنو والحسانية في شنو”. الكتابة عن الماضي تزودني بقدر من الأمل المتجدد في شيء اسمه شعب السودان وفي إيمان يترسخ بثورة ديسمبر التي تنوعت صنوف التآمرضدها والإنقلاب عليها. إن ديسمبر حية وباقية في قيمها التي يتسع مداها وتتجذر بفعل تجربة هذه الحرب النتنة. حية. إنها حية وباقية لأن الثورات كما الشعراء عند جان كوكتو لا يموتون وإنما يتظاهرون بالموت، كما ذكرت في مقالة ديسمبر. قاريء قطيم قد يفكّر لماذا يكتب لنا من غرفة تطل على حديقة روغرين اللندنية عن الشعب وكفاح الشعب؟ نحنا ناس كَسرة معرّدين. كفاح الشعب معرّد معانا لى وين؟ فأقول له: أنا شيوعي من منازلهم بلا حدود: شيوعيتي “تلوح كباقي الوشمِ في ظاهرِ اليد” قالوا تلوح معناها تلمع، كما قال طرفة بن العبد أو “عصارة حنّاء بشيبٍ مُرّجَلِ” كما قال امرء القيس. (رغم انني لا استخدم الحناء ولا غيرها في شعر رأسي) حفيدي، نوح أوسغار نصيري، كان في الخامسة وحين رأى الكتب تكتظ بها الرفوف والطاولات في غرفة جلوسنا قال: ‘’If you are to read all these books, that means you are not very clever” أي: إذا كان عليك قراءة كل هذه الكتب فذلك يعني أنك لست بالغ الذكاء. وأنا استلهاماً لتلك المعادلة نظرت الى اتفاقية سلام جوبا: هذه 250 صفحة كاملة من الحجم الكبير. فكرت: أهذه اتفاقية سلام ام إتفاقية كلام؟ اتفاقية سلام أم صحيح البخاري؟ إذا انكبت الجماعات المسلحة بقواتها على قراءة تلك الصفحات فانها لن تجد وقتاً كافياً للقتل والتقاتل. بذلك، وبذلك وحده قد تكون هذه اتفاقية للسلام او لوقف العدائيات على أقل تقدير. (اكتشفت لاحقاً أن طول الوثيقة يعود الى انها ليست إتفاقية سلام واحدة بل اتفاقات سلامات عدة.) لن يكون على أية جماعة مسلحة قراءة نص الإتفاقية بأكمله: هناك ديباجة وباب أول للقضايا القومية وباب ثامن للأحكام الختامية وما بينهما من أبواب مخصص لجماعات مسلحة بعينها على التوالي رغم وجود اتفاقات مع أطراف مثل مسار الشرق (باب رابع) وسلام مسار الشمال (باب خامس) ومسار الوسط (باب سادس). أهل هذه المسارات الثلاثة لم يكن لهم وجود عسكري معروف أو كيان مدني محدد المعالم. 3- سلام بلا غرض طيبين بلا مرض؟ لا. هناك غرض هو محاولة الإنقضاض على ثورة ديسمبر. اما المرض فهو حاصل كما يعلم القاريء ولكن اتفاقية جوبا لا تخاطبه فهي لا تشير الى مدلول نحو ثلاثين عاماً من حكم كيزان المؤتمر الوطني على البلاد برمتها ولا حتى على دارفور وجنوب النيل الأزرق وكردفان. إن اي اتفاق سلام يستلزم ان تسبقه حالة حرب. هل يمكن تسمية ما ظل يقع في دارفور وجبال النوبه وجنوب النيل الأزرق خلال نحو 17 عاماً من حكم البشير/ الترابي حرباً بين طرفين أم إنها حالة حرب من طرف واحد؟ القاريء يدرك ان ما يحدث في غزة هذه الأيام ليست حرباً بين دولة إسرائيل وقطاع غزة ليست حرباً بين طرفين وانما هي حالة عدوان فاضح لا اكثر ولا اقل. كذلك كان الحال في دارفور وجنوب النيل الأزرق وكردفان. طرف تتولى فيه القوات المسلحة تحت قيادة لجنة البشير الأمنية وعلى رأسها البرهان توجيه الضربات الجوية فيما تتولى مليشيا الجنجويد الضربات البرية بأسلحة متقدمة تقتيلاً واغتصاباً في ارتكاب لجريمة التطهير الإثني ضد الزغاوة والفور والمساليت والنوبة. حرب بين طرفين أم عدوان بالسلاح الجوي وقوات الجنجويد البرية ضد المدنيين والنساء والأطفال؟ بين عامي 2003 و2005 قامت حكومة المؤتمر الوطني بقواتها المسلحة وجنجويدها بتقتيل نحو 200 الف من المدنيين في دارفور وحدها ولحق بهؤلاء في السنوات اللاحقة 100 الف دارفوري آخرون. معظم هؤلاء كانوا من النساء والاطفال. تحالف الجيش الكيزاني مع الجنجويد ارتكب فظاعات شهد عليها المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية. طائرات الجيش السوداني والت ضرباتها الجوية بلا هوادة والجنجويد أحرقوا القرى والمحاصيل الزراعية وخربوا المزروعات والبيوت بعد نهبها وفوق كل ذلك قاموا باغتصاب الأمهات والفتيات والأطفال. ذلك افضى أيضاً الى تهجير وإجلاء نحو مليوني وسبعمائة الف دافوري. كم عدد “شهدائكم” يا البرهان ويا حميدتي في “حرب” دارفور؟؟ إذا كانت سجلات الجيش تحمل اسماء “شهداء” فإن هؤلاء ليسوا أحياءاً عند ربهم يرزقون ولكنهم أحياء يرزقون في دنيانا الزايلة هذه. هناك دراسات تقدر الكلفة المالية لحرب دارفور بنحو 41 مليار دولار بعضها مصروفات من المجتمع الدولي كتكاليف قوات حفظ السلام الدولية ولكن ربعها مصروفات عسكرية مباشرة. حرب دارفور كلفت 13 % من الناتج القومي وحكومة المؤتمر الوطني صرفت في العشرين عاماً المنصرمة 1.3 % من ميزانياتها على الصحة العامة واقل من 1 % على التعليم. ذلك يعني ان شعب السودان بأكمله خسر وعاني من جراء حرب المؤتمر الوطني بجيشه وجنجويده ضد شعب دارفور وجنوب النيل الأزق وكردفان. تقول احصائيات انه اعتباراً من اكتوبر 2014 بلغ أثر العدوان الحكومي مليوني من مواطني جنوب النيل الأزرق وكردفان: نصف مليون منهم أضحوا مهجرين وربع مليون لجأوا الى جنوب السودان والى إثيوبيا قلت: لسنا هنا بصدد حرب بين بلدين مختلفين أو طرفين متكافئين . نحن هنا حيال مؤسسة عسكرية ظلت عبر السنين تلهب الأطفال والمدنيين والنساء بقصف جوي لا ينتهي وذراعها المرتزق المجهز بالأسلحة البرية المتقدمة والمتمثل في الجنجويد يقتل ويحرق ويغتصب بلا حدود بينما البشير الذي تحكم لجنته الأمنية الفترة الإنتقالية يفتي للترابي بانه شرف للغرباوية ان يقوم باغتصابها أحد الجعليين. الحرب كانت من طرف واحد، بذلك كان مطلوباً ان تقول المؤسسة العسكرية بشقيها لقواتها: أرضاً سلاح ومن ثمة تنكب على المكاشفة بمدى الجرائم الشنيعة التي ارتكبها الجيش والجنجويد/الدعم السريع في حق شعوب دارفور وجنوب النيل الأزرق والبلاد بأسرها إذ ان تلك الجرائم تكلفها رهقاً .. العسكر والمدنيون كانا، نظرياً، شريكين سواسيةً خلال الفترة الإنتقالية. ولكن لا أحد بوسعه أن ينكر أن أحد الشريكين كان أكثر سواسّية ً من الآخر one is more equal than the other وكان ممكناً تشجيع مكاشفات علنية للحقيقة بغية اشاعة شيء من روح المصالحة وتخفيف الإحتقان. لا يمكن لاتفاق سلام ان يتم في فراغ وأن يكون ذا معنى من دون الإعتراف بالمشكلة بجذورها وتجلياتها ودون إشراك شيء اسمه الشعب في الوقوف على ما تم وما يتم. لا يمكن لسلام أن ينعقد ولغته الوحيدة “ولسوف يعطيك ربك فترضى” و”اصل الريدة هاك” حصصاً في المناصب والمنافع والأموال. لا يمكن تحرير اتفاق سلام حقيقي في بلاد بنيتها برمتها في حالة عطب ولا قدرة لجهاز دولتها إلا على القمع الدموي بلجنة البشير الأمنية، بالجنجويد وبوزارتي داخلية ودفاع في قبضة العسكر وفي منظومة عدلية لا تصلح حتى للتعامل مع قضايا حركة المرور- كما تبدى جلياً في جريمة الفض الدموي لإعتصام القيادة. أعترف أن ذلك الفهم لعملية السلام لم يكن متيسراً انتهاجه والقتلة يتصدرون جلسات ذلك المحفل في جوبا. لعل بعض القراء يذكون وصف حمدوك للإتفاقية، متباهياً، بأنها “سلام أنجزناه بأيدينا وبمجهوداتنا الذاتية” وكذلك ما كتبه في الفيس بوك عن الإتفاقية التي لا علم لي إن كانوا قد سمحوا له بمتابعة اعمالها دع عنك المشاركة في مداولاتها – حيث كتب أنه “يهدي السلام الموقع، كما أنه إنجاز شخصي يعود اليه شخصياً، يهديه الى الأطفال الذين ولدوا في معسكرات النزوح واللجوء والآباء والأمهات الذين يشتاقون لقراهم ومدنهم ينتظرون من ثورة ديسمبر وعد العودة والعدالة والتنمية والأمن.”. الغشيم: يتباهي باتفاقية تدخل عليه خمسة وزراء يمثلون أطراف العملية المدنية الموقعين على الإتفاقية لا يختارهم هو ولا حيلة له عليهم قط. خمسة وزراء آخرين فضلاً عن وزيري الدفاع والداخلية ليسوا مسؤولين أمامه ولا ولاية له عليهم. ذلك قد يجعل سلطاته كرئيس وزراء أو وزارة لا تزيد كثيراً عن سلطات ناظر خط في البطانة – مع اختلاف المقدار. {هناك وصف ساقه المتنبي لاثنين قتلا جرذاً وطافا به متباهين ببطولتهما. وبعد الإشادة بجسارتهما تساءل المتنبي: ….. “وأيكما كان من خلفه؟ فإن به عضة في الذنب”. وفي اتفاقية جوبا أكثر من عضة واحدة في الذنب!. (هناك من بقي من أصدقاء يحسبون محقين انني اغلظ القول ضد حمدوك. هؤلاء ينسون ان مذمة حمدوك حين تأتي من شيوعين بلا حدود او شيوعيين من منازلهم امثالي تصب في ميزان حسناته لدى اسياد المجتمع الدولي ولدى الجنرالين الأخوة الأعداء المتقاتلين. كلاهما يدرك بتجربة الفترة الإنتقالية أن حمدوك ابن حلال يمكن التفاهم معه ولي ذراعيه الإثنين من دون ان يجأر بالشكوى أو حتى العتاب وأهم من ذلك أن لا ضررًا بالغاً قد يصيبهما على يديه في التعاطي معه أو مع أمثاله.) _____ في ما بقي من قول انشد تسجيل بضع ملاحظات وخواطر قانونية وعامة عن تلك الإتفاقية. هذه تتعرض لبعض نواحي الضعف والركاكة فيها منها سيادة نصوصها على الوثيقة الدستورية وهذا أمر لا يجوزدستورياً، وخطل فهم مبدأ التمييز الإيجابي فيها وكذلك الجسارة أي البجاحة هنا، التي دفعت بممثلي حكومة انتقالية وبقادة بعض الحركات المسلحة فضلاً عن تنظيمات مدنية يبدو أنها يتم تأسيسها لتوها، الى الجزم بأن تلك الإتفاقية هي الجهاز التشريعي الأسمى الصمد لا طوال الفترة الإنتقالية ذاتها وحسب بل الى عشر سنوات قادمة. 4 – أول القصيدة كفر المادتان 6 و 7 من الوثيقة الدستورية للعام 2019 وضعتا السلام كأولوية للتحقق خلال الأشهر الستة الأولى للفترة الإنتقالية. هذا التوقيت هو اول القصيدة الذي يعني الكفر بالثورة وبقيمها. تلك الأشهر الستة من الفترة الإنتقالية كان من الألزم والطبيعي تكريسها لتفكيك نظام البشير بلا هوادة وذلك بأعادة تشكيل القوات المسلحة والدفع بها في اتجاه تحقيق مهنيتها وقوميتها وبنص قوانين ناجزة التنفيذ ومنظومة عدلية تستحق ذلك الإسم. خلال ذلك كان يمكن للإعلام لعب دور استراتيجي في بث ثقافة السلام. ذلك يعني فضح جرائم نظام البشير- الترابي الكيزاني بجيشهما وبلجنته الأمنية في الإنتهاكات الشنيعة للقانون في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. هناك جهات اجنبية وأخرى محلية قامت برصد بعض تلك الإنتهاكات. كان على الإعلام القيام بتقديم شهادات حية على الجرائم التي ارتكبها نظام الترابي – البشير طيلة ثلاثة عقود من الزمان.. يبدو أن وزير الإعلام كان يحسب أن ذلك ليس شغله. .إن اي اتفاق سلام يستلزم ان تسبقه حالة حرب (إنني أكرر القول لأنني أكتب على الهواء رغم اني اسعى الى ألا أنطق عن الهوى.) 5- مشروعية الإتفاق الإتفاق لا يدعي لنفسه الشمول. عديدون وصفوه محقين، بانه اتفاق محاصصات لا اتفاق سلام. هناك حركتان مسلحتان لم تحضرا مداولاته ورفضتا مخرجاته. ربما تكون هنك جهات مدنية كانت تود اللحاق باتفاق السلام هذا تأسياً بالجماعات المدنية الأخرى. باب سلام جوبا كان مفتوحاً: المادة 8 من الباب الثامن تفتح باب الانضمام الى الاتفاق امام اطراف جديدة بشرط موافقة الاطراف المعنية بالإجماع. ما يعني ان أي طرف من الأطراف الموقعة على الإتفاق ينعم بحق فيتو ضد من يهم بالإنضمام الى الإتفاقية. صعب اخذ اتفاقية جوبا مأخذ الجد عند النظر الى بعض أطرافها الموقعة عليها حميدتي كان ممثل الحكومة الإنتقالية والبرهان كان على رأس قائمة الشهود. هناك كيانات مدنية يبدو ان تكوينها قد تم لتوه على شرف مؤتمر جوبا: هناك حركة تحرير كوش وكيان الشمالية اللتان يضمهما مسار الشمال تحت اهداف تشمل التنمية ومصالح النازحين والمهجرين بسبب السدود. هذه اهداف نبيلة دون شك ولكن الإهتمام بها ليس حكراً لأحد تحديداً. لا ارمي الى توجيه إساءة شخصية لمدنيين حسبوا انه يحق لهم العودة الى مناطقهم المكلومة هي الأخري بفتات من مائدة اللئام المبسوطة في جوبا. هناك ما يسمى بمسار الوسط وهو إئتلاف يضم أحزاب سياسية وجماعات صوفية تحت قيادة الجبهة الثورية الديمقراطية وهو يقول إن وجوده يتركز في ولاية الجزيرة والنيل الأبيض وسنار وولاية الخرطوم. ” وهناك المجموعات المنقسمة على نفسها التي يضمها مسار الشرق. وهناك ما تسمى تمازج وهي جناح من أجنحة الحركة الشعبية لتحرير السودان. المادة 9 من الباب الثامن تلزم الوافد الجديد بجميع التزامات الإتفاق وشروطه كما لو كان طرفاً أصيلاً فيه. المشكلة أن الوثيقة الدستورية المبرمة العام 2019 والمعدلة في أكتوبر 2020 تجعل اتفاق جوبا جزءاً لا يتجزأ منها وفي حالة التعارض يزال ذلك التعارض بما يتوافق مع اتفاق جوبا. (المادة 24.1 مثلاً). بذلك فان اتفاق جوبا الذي ابرمته جهات لا صفة تمثيلية معلومة لها يعلو على الوثيقة الدستورية التي نشأ الإتفاق ذاته بموجبها. اتفاق جوبا المخلوق يعدّل خالقه رغم ان تعديل الوثيقة الدستورية لا يجوز إلا بموافقة ثلثي عضوية المجلس التشريعي الإنتقالي. بل إن اتفاق جوبا يحدد معالم دستور السودان المقبل كما يحدد ترتيبات مؤتمر نظام الحكم في السودان: موعده وجدول اعماله بإشارة قوية الى من يحق لهم حضوره. وكذلك فان طرفي ذلك الإتفاق قررا إنشاء نظام حكم اقليمي فيدرالي في السودان (مادة 25.2)، كذلك فان الإتفاق قرر حصصأ في التعليم الجامعي في التخصصات العلمية لأهل دارفور في الجامعات الحكومية داخل دارفور وخارجها تستمرباعفاء عن رسوم الدراسة للعشر سنوات المقبلة على الأقل. والى ذلك تكلم اتفاق جوبا للسلام باسم الحكومات المقبلة المتعاقبة حيث قرر في المادة 29.4 باب ثان – فصل ثان تقاسم الثروة: “تلتزم حكومات السودان المتعاقبة بالسعي مع المجتمع الدولي والإقليمي على توفير الدعم اللازم لمشروعات التنمية والسلام في دارفور”. ووفقاً لإتفاق جوبا فإن على الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشر المقبلة على الأقل الإلتزام بالمدفوعات السنوية المقدمة باسم التمييز الإيجابي لدارفور (750 مليون دولار أمريكي) وذلك طبعاً فوق مستحقات دارفور في موازنة الدولة. كما يظل على الحكومات المتعاقبة خلال تلك الفترة إنفاذ الحصص التي قررها اتفاق جوبا لا في القبول في الجامعات فحسب وانما في جهاز الدولة من قضاء ونيابة عامة وهيئات ومفوضيات عامة. لا حصص محددة لمواطني المنطقتين: جنوب النيل الأزرق وكردفان. ويبدو أن اتفاق جوبا لا يضع نفسه فوق دستور السودان وقوانينه فحسب وانما يراوده العشم في ملاواة القانون الدولي: المادة 17.1 من الباب الأول تقرر أن “الحكومة سوف تلتزم بإصدار العفو العام في الأحكام القضائية الصادرة والبلاغات المقدمة ضد القيادات السياسية وعناصر الحركات المسلحة فيما يتصل بانخراطها في تلك الحركات.” معلوم ان القانون الدولي لا يسقط بعض تلك الجرائم بالتقادم ولا باختلاف الولاية القضائية. لذلك فان المادة 1.31 من اتفاق القضايا القومية نصت على أن ذلك العفو العام الوارد في هذا الإتفاق لا يسري على جرائم الحرب والجرائم الضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم العنف الجنسي والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. 6- التمييز الإيجابي الذين ما فتأوا يهللون لمفهوم التمييز الإيجابي الذي يتكرر ذكره مراراً في الإتفاقية باعتباره حلاً سحرياً لمعضلة التهميش وجبر الضرر قد لا يدركون أن ذلك المبدأ منافٍ للقانون في المملكة المتحدة وفي أمريكا ذاتها كمان. المهللون لهذا المبدأ يفترضون أن التمييز الإيجابي جباية من الآخرين لصالح ناسهم أو الوجه الآخر المعاكس للدقنية أو مجرد إكرامية أو عطية مزيّن. حين يتصل الأمر بالمزايا المالية. أنظر، مثلاً، المادة 75 من اتفاق الجبهة الشرقية والتي تنص على تخصيص الحكومة لمبلغ إبتدائي قدره 348 مليون دولار وتنص تحديداً على ان ذلك المبلغ هو “من اشكال التمييز الإيجابي وليس خصماً من اية تمويلات أخرى لشرق السودان من الموارد الإتحادية.” انظر كذلك الى المادة 29.6 -باب ثان- فصل ثان – تقاسم الثروة: “إضافة الى حصة دارفور من تحويلات المفوضية القومية لقسمة وتخصيص ومراقبة الموارد والإيرادات المالية، تلتزم حكومة السودان بدفع مبلغ 750 مليون دولار امريكي سنوياً ولمدة عشر سنوات تحول لصندوق دعم السلام والتنمية المستدامة في دارفور” والفقرة التي تليها: 29.7 “تلتزم حكومة السودان بسد الفجوة المالية المطلوبة لتنفيذ اتفاق السلام في دارفور. ورغم ان الحكومة (أي حميدتي، ممثل حكومة الفترة الإنتقالية في المفاوضات التي افضت الى الإتفاق “التزمت بتوفير مبلغ وقدره مائة مليون دولار امريكي خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التوقيع على هذا الإتفاق”: في المادة 29.8 إلا إن المادة تغفل الإشارة التي الجهة التي تتلقى هذا المبلغ الذي يبدو انه فتح خشم لا اكثر. بيد أن الأمر يغدو أكثر خطورة حين يتصل بالمحاصصات في الفرص المتنافس عليها. الحرب في دارفور كانت فادحة الثمن من جهة أرواح أهلنا والفظاعات البشعة التي ظلوا يعانونها عبر السنين. المادة 28 التمييز الإيجابي – الباب الثاني – اتفاقية دارفور – الفصل الثاني: بروتوكول تقاسم الثروة تنص على أن “مباديء التمييز الإيجابي سوف تنطبق على ولايات اقليم دارفور والمناطق الأخري المهمشة تاريخياً والمتضررة من الحرب في السودان عند تخصيص الموارد حتى تتمكن من مضاهاة المناطق الاخرى والولايات المتقدمة عليها من جهة التنمية وتقديم الخدمات للمواطنين” يعني لا يلزم الإعتذار عن تخصيص موارد إستثنائية لمناطق شهدت ظروفاً استثنائية مثل دارفور ولكن حين يكون الأمر تخصيص الحصص لفرص تنافسية مثل المناصب ومقاعد البحوث والدراسة فإن مثل ذلك التمييز الإيجابي يغدو مفسدة على أحسن التقديرات بما قد يفضي اليه من مجافاة لمبدأ العدالة و ترسيخه للضغن الإجتماعي. ففي مكان آخر من اتفاقية جوبا – الباب الثاني – فصل اول: تقاسم السلطة، تنص مادة 18 على أن “يمثل جميع المواطنين السودانيين تمثيلاً عادلاً في الخدمة المدنية والهيئات والمؤسسات العامة والمفوضيات والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى على كافة المستويات العليا والوسيطة” وهذا فهم جليل طالما ظل معنى الإنصاف والعدل هو الجدارة. ولكن سرعان ما تنص المادة 19 على أنه “تُكفل مشاركة مواطني دارفور في جميع مستويات الحكم ومؤسسات الدولة والخدمة المدنية من خلال معايير عادلة لتقاسم السلطة”. ولكن يبدو ان هذه المعايير العادلة لتقاسم السلطة تعني محاولة الإنتفاع من مبدأ التمييز الإيجابي المًساء فهمه عبر تحديد الحصص والذي يتكرر النص عليه في الوثيقة. أولى الإشارات الى التمييز الإيجابي جاءت في الباب الأول من الإتفاقية: المادة 1.21 نصت على ان التقسيم العادل للسلطة والثروة والتمييز الإيجابي لصالح المناطق المتأثرة بالحروب والمناطق الأقل نمواً الخ، ضروة لبناء دولة السلام المستدام والحكم الرشيد. وهذا امر لا غبار عليه إذا وقف عند حدود الموارد المخصصة للإقليم، لا للافراد. أكان من صاغوا هذه الإتفاقية على دراية بأن التمييز الإيجابي منافٍ للقانون في بريطانيا بحكم قانون المساواة للعام 2010 ؟ أكانوا على دراية بأن هناك فرقاً بين التمييز الإيجابي positive discrimination الفعل الإيجابي؟ في قوانين المملكة المتحدة، مثلاً ؟ positive action وبين الأول يعني تعيين شخص ما من ذوي السمات المميزة المحمية في منصب ما اعتماداً على سمته المتميزة ودون اعتبار لمقدرته على النهوض بذلك العمل هو أمر مناف للقانون. بذلك فان نظام الحصص الرامي الى تفضيل ذوي السمات المتميزة يعتبر تمييزاً إيجابياً وهو مناف للقانون في بلد مثل بريطانيا. ولكن القانون البريطاني يسمح بالفعل الإيجابي Positive Action وهو يعني انه في حالة تكافؤ المؤهلات يجوز تفضيل أشخاص من الفئات المحمية على المؤهلين الاخرين وهناك قضية بريطانية يبرز فيها الفرق بين المفهومين هي : Furlong v. Chief Constable of Cheshire Police وفيها كسب المدعي القضية بسبب تظاهر سلطات الشرطة هناك بأن حالة تمييز إيجابي هي حالة تمييز مباشر ذلك ان حق المدعي في الترقي الى ضابط شرطة جرى حرمانه منه لصالح من هو أقل تأهيلاً منه بسبب ان الأخير من ذوي الفئات المحمية. صدر الحكم باجماع المحكمة في فبراير 2019. في الحالة الامريكية كانت الجامعات قد تبنت منذ ستينيات القرن الماضي مبدأ التمييز الإيجابي Affirmative / positive discriminations بهدف تشجيع التنوع في المؤسسات الأكاديمية. ولكن المحكمة العليا الأمريكية قضت في العام 2023 بعد إجراءات ظلت تحتدم في ساحات المحاكم الآمريكية منذ العام 2013 في شان قضية: Students for Fair Admission v. Harvard وفي القضية المصاحبة: Students for Fair Admission v. University of North Carolina بان العنصر أوالأصل الإثني لا يجوز ان يظل عاملاً من عوامل القبول في الجامعات. ذلك يعني أن جامعة هارفارد لم يعد مسموحاً لها قانوناً اعتبار العنصر الإثني مثلاً أحد إعتبارات القبول في صفوفها. أما أهلنا في اتفاقية جوبا للسلام فيريدون للدارفورية ان تكون الإعتبار الوحيد للتمييز الإيجابي لا أحد الإعتبارات. في العام الدراسي 2020 تنافس نحو61 الف متقدم على ما يقل عن الفي مقعد دراسي في جامعة هارفارد وتتضمن عملية القبول التي قد تستغرق أشهراً، معاينات مباشرة شاملة للمتقدمين. ويكون على مسؤولي القبول النظر والتحري في عدة بينات بينها الإنجاز الأكاديمي والنشاطات الإضافية. كما يكون على المتقدم تحرير مقالات مطلوبة واتاحة توصيات أكاديمية وشخصية. ويشارك مجلس مكون من 40 أكاديمياً في عملية قبول كل طالب. برغم ذلك لم يعد مسموحاً لجامعة هارفارد و نورث كارولانيا وغيرها من الجامعات والمؤسسات الأمريكية إعتبار الإثنية حتى كواحد من الإعتبارات الواردة في صدد القبول بالجامعات. لقد حسم قرار المحكمة نزاعاً ظل لعقود من الزمان محتدماً في ساحات المحاكم بين جامعتي هارفارد ونورث كارولانيا من جهة ومنظمة اسمها “القبول المنصف في الجامعات”. وكان هدف مبدأ التمييز الإيجابي تشجيع التنوع الإثني في الجامعات والمؤسسات. اتفاقية جوبا تكتظ بالحصص المنوحة للدارفوريين مطلقاً في المجالات كافة على سبيل التمييز الإيجابي. إن الفقه القانوني في بلاد مثل الولايات المتحدة يتعامل مع تلك المحاصصات باعتباها منافية للقانون لانها تجافي مبدأ المساواة بين المواطنين كحق دستوري مكفول في فقرة الحماية المتساوية في التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي. ففي قضية: Regents of the University of California v. Blake قضت المحكمة العليا الأمريكية في يونية 1978 بعدم قانونية سياسة كلية طب جامعة كاليفورنيا المتعلقة بتخصيص 16 مقعداً من مقاعد الكلية المائة كل عام لطلاب الأقليات الإثنية. اما اتفاقية سلام جوبا فهي تكتظ مترعة بالحصص للدارفوريين في كل مجال. -المادة 1.21 من الباب الأول – اتفاق القضايا القومية بين الحكومة وأطراف العملية سلام جوبا – تضع اساساً نظرياً للتمييز الإيجابي: “أن التقسيم العادل للسلطة والثروة، والتمييز الإيجابي لصالح المناطق المتأثرة بالحروب والنزاعات المسلحة والمناطق الأقل تقدماً ومعالجة قضايا التهميش والمجموعات المستضعفة والأكثر تضرراً – ضرورة لبناء دولة السلام المستدام والاستقرار والحكم الرشيد”. لكن لا التمييز الإيجابي ولا نظام الحصص التفضيلية هو سبيل الى بناء حالة سلام وحوكمة مستدامة. كلاهما مجلبة للغبن الإجتماعي إذا تحقق وخيبة أمل مريرة إذا أخفق وهو الأمر المرجح. الحصة الوحيدة المقبولة عندي هي حصة المرأة في عضوية المؤسسات الدستورية. هذه الحصة ليست على حساب اية فئة إجتماعية بعينها. أما حصص الخدمة المدنية والمنظومة العدلية ومؤسسات التعليم العالي فتنفيذها يعني ان على السودان أن يخم ويصر… المادة 27.1 من الباب الثاني المتعلق بدافورتقضي بان يقوم الطرفان بتعيين / استيعاب نساء ورجال دارفور لشغل 20 % من مناصب الهيئة القضائية وذلك خلال ما لا يزيد عن 6 أشهر من تاريخ التوقيع على الإتفاقية واضعين في الإعتبار معايير الكفاءة والمؤهلات والتمييز الإيجابي لصالح رجال دارفور ونسائها. والمادة 28.1 تنص على تعيين نساء ورجال دارفور على 20% من منصب مكتب النائب العام خلال ما لا يزيد عن 6 أشهر من تاريخ التوقيع على الإتفاقية واضعين في الإعتبار معايير الكفاءة والمؤهلات والتمييز الإيجابي لصالح رجال دارفور ونسائها. ( هذه شطارة: تتكلم عن معايير الكفاءة والمؤهلات والتمييز الإيجابي بنفس واحد؟) اما المادة 29 فهي تتصل بالمؤسسات التعليمية فقد أصبح لزاماً خلال السنوات العشر التالية على الأقل تخصيص نسبة 15 % لطلاب دارفورفي التخصصات التالي ذكرها: الطب – البيطرة – الإنتاج الحيواني – المعامل الطبية – الصحة العامة – الأشعة – علم العقاقير- الهندسة جميع التخصصات العلمية من بين المقبولين في الجامعات واالعاهد العليا الحكومية في السودان فضلاً عن نسبة لا تقل عن 50% فيما يتعلق بالجامعات والمعاهد الحكومية في دارفور. 29.1.2 وافق الطرفان على الإعفاء من الرسوم الدراسية لرجال دار فور ونسائها الدارسين في جامعات دارفور الحكومية وذلك لعشر سنوات قادمة إعتباراً من تاريخ التوقيع على اتفاقية السلام الشامل 29.1.3 عملاً بسياسات التمييز الإيجابي وافق الطرفان على إعفاء رجال دارفور ونسائها الدارسين في الجامعات الحكومية خارج منطقة دارفور للطب والبيطرة والإنتاج الحيواني والمعامل الطبية والصحة العامة والأشعة وعلوم العقاقير والهندسة وجميع التخصصات العلمية، من الرسوم الدراسية لمدة عشر سنوات من تاريخ التوقيع على اتفاقية السلام الشاملة شريطة أن يظل الطلاب المقبولون عند نهاية المدة المذكورة معفيين من دفع الرسوم الدراسية 29.3 يكون لازماً تخصيص 20% من المنح والبعثات الدراسية والتأهيلات وفرص التديب في داخل السودان وفي خارجه _____ القاريء بوسعه أن يلاحظ بيسر خطل تلك المحاصصات فهي رغم عجزها عن تعريف دارفورية المتقدمين للمناصب والدراسات توصم خريجي دارفور ومهنييها كافة بانهم من درجة أدنى بسبب اعتمادهم أو إعتماد بعضهم على التمييز الإيجابي لا المقدرات الأكاديمية والمؤهلات كما إنها قد تفرز إحساساً بالغبن لدى الآخرين الذين فاتهم القطار دون التوقف عند محطاتهم. القاريء يدرك أيضاً ان تخصيص نسبة مئوية بعينها لطلاب دارفور في التخصصات العلمية مثلاً لا يعني ضمان انتفاعهم بتلك الدراسات ونجاحهم. (كان مألوفاً في كلية الحقوق بجامعة الخرطوم خلال أوائل الستينيات أن يكون عدد طلاب السنة الأولى نحو عشرين لا يتخرج منهم بعد انقضاء السنوات الخمس أكثر من خمسة أو ستة طلاب). ذلك يعني أن تخصيص كل تلك الفرص المجانية لدراسة أي تحصص لا تضمن النجاح ولا التخرج . _____ كان من الأفضل اعتماد الفعل الإيجابي أو الفعل المباشر بدلاً عن التمييز الإيجابي حيث يجوز تفضيل المنتمين الى فئة محمية لدى تساويهم مع الآخرين في المؤهلات والمقدرات في حالة الفعل المباشر. بذلك فانه لا يجوز تحديد حصص بعينها في جهاز الدولة لفئة دون اخرى. ففي مكان آخر من اتفاقية جوبا – الباب الثاني – فصل اول: تقاسم السلطة، تنص مادة 18 على أن “يمثل جميع المواطنين السودانيين تمثيلاً عادلاً في الخدمة المدنية والهيئات والمؤسسات العامة والمفوضيات والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى على كافة المستويات العليا والوسيطة” أما المادة 19 التي تليها مباشرة فهي “تكفل مشاركة مواطني دارفور في جميع مستويات الحكم ومؤسسات الدولة والخدمة المدنية من خلال معايير عادلة لتقاسم السلطة.” _____ وفي الإتفاق المبرم بين الحكومة الإنتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وجبهة تحرير السودان الثورية – الفصل الثاني – تحت عنوان السلطات والصلاحيات – تنص المادة 9.9 على أن سكان المنطقتين لهم الحق في المشاركة في إعادة كتابة تاريخ السودان بحيث يتم الإقرار بالمساهمات المختلفة التي قدمها شعب السودان كي يضفي مضموناً وقيمة للوحدة الوطنية” اتفاق جوبا يتعامل مع هذا النص الهزلي باعتباره تنازلاً خاصاً يصب في خانة التمييز الإيجابي كما لو ان الاخرين محظور عليهم إعادة كتابة تاريخ السودان وفقاً لتصوراتهم. عوضاً عن التمييز الإيجابي الذي ترفضه القوانين في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة كان الألزم اعتماد الفعل الإيجابي او المباشر الذي لا يفضل أفراد المحمية إلا بعد التساوي مع المنافسين تماماً في كل مقدرة ومؤهل. قبل ذلك يمكن بل ينبغي التركيز على تعليم قبل جامعي متميز. ذلك قد يعني ان تحوي الصفوف الدراسية نصف العدد المألوف في أنحاء البلاد الأخرى وتخصيص حوافز إضافية للمعلمين وإتاحة فرص المدارس الداخلية التي يكرس الطلاب الوقت لما هو مدرسي في بيئة تعليمية لا مانع في أن تضاهي بيئة التعليم في المدارس الخاصة الأوربية الإرتباط. أما أعتماد نظام الحصص الذي يحفل به اتفاق جوبا فان الإصرار على تطبيقه قد يعني آخر الأمر تشجيع انفصال السودان عن دارفور أو انفصال دارفور عن السودان. (المادة 30.1.28 تشير الى حق حكومة أقليم دارفو في أن يكون لها شعارها الخاص وعلمها الخاص) . 7- اتفاق جوبا صمد يعلو ولا ُيعلى عليه اتفاق جوبا يضع نفسه فوق القانون والدستور بل هو يحدد الخيارات السياسية المستقبلية بصرامة: فالإتفاق يرسم حدود الفترة الإنتقالية ومؤتمر نظام الحكم المرتقب الى درجة تحديد موعده وجدول اعماله بتلميحات قوية الى هوية المشاركين. المادة 21.2 من اتفاق القضايا القومية ينص على إدراج اتفاقية السلام الموقعة في الوثيقة الدستورية. وفي حالة التعارض يزال التعارض بتعديل الوثيقة الدستورية. وفي المباديء العامة لتقاسم السلطة – فصل أول – باب ثان تفيد المادة 2 بان السودان “دولة فيدرالية مستقلة ذات سيادة تكون فيها السيادة للشعب وتمارسها الدولة وفقاً لأحكام الوثيقة الدستورية.” لاحظ أن السودان موصوف بأنه دولة لا بأنه جمهورية وأن اتفاق جوبا قضى بان السودان دولة فيدرالية فد مرة.!!! المادة 79 من الوثيقة لدستورية في العام 2019 المعدلة في اكتوبر العام 2020 تعتبر اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع عليه في اكتوبر 2020 جزءاً لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية وفي حالة التعارض بينهما يزال التعارض بما يتوافق مع اتفاق جوبا. المادة 24.1 – باب ثان فصل اول – تقاسم السلطة تنص على “سيادة احكام هذا الاتفاق على الوثيقة الدستورية حيث أن الطرفين اتفقا على “إدراج اتفاقيات السلام الموقعة، في الوثيقة الدستورية وفي حالة التعارض يزال التعارض بتعديل الوثيقة الدستورية”. كيف يكون ذلك؟ إن اتفاقيات السلام تتم بموجب الوثيقة الدستورية: المادتان 6 و 7 من الوثيقة الدستورية للعام 2019 وضعتا السلام كأولوية للتحقق خلال الأشهر الستة الأولى للفترة الإنتقالية. واتفاقيات السلام تتم بموجب ذلك. وتعديل الوثيقة الدستورية يقتضي موافقة ثلثي عضوية المجلس الدستوري. اتفاق جوبا يحدد جدول أعمال المؤتمر القومي الدستوري وجدول أعمال نظم الحكم ويكاد يحدد هوية المشاركين في المؤتمرين. ….في المادة 9.1 من اتفاق القضايا القومية يقرر اتفاق جوبا ان المؤتمر “خاطب القضايا المحورية وحدد كيفية حكم السودان ومعالجة قضايا البناء الوطني والوصول لعقد اجتماعي لبناء نظام جديد قائم على الديمقراطية والمواطنة والعدالة الإجتماعية”. وفي المادة 9.2 يحدد اتفاق جوبا كيف تقوم مفوضية صياغة الدستور والمؤتمر الدستوري بالتحضير للمؤتمر الدستوري القومي وكيف يلزم أن تبدأ عملها “القائم على المشاركة والتشاركية والشفافية والشمول” 9.3 “… تقوم مفوضية المؤتمر الدستوري ولجنة الصياغة بتحديد معايير موضوعية يتم وفقها اختيار المشاركين في المؤتمر القومي الدستوري.” 9.5 يحدد اتفاق جوبا تسعة من القضايا والموضوعات كجدول أعمال غير حصري للمؤتمر القومي الدستوري بينها الهوية والمواطنة وعلاقة الدين بالدولة وقضايا الحكم والسلطة السياسة الخارجية وكيفية إجازة الدستور القومي الدائم وفي المادة 9.6 يجد اتفاق جوبا انه من الضروري التنبيه على التزام حكومة السودان بتوفير التمويل اللازم للمؤتمر الدستوري !!!!!! . هل مثل هذا الكلام يُدرج في اتفاقية سلام؟ هل هناك طرف آخر يجوز أن يتجشم ذلك العبء؟) المادة 10.1 تفيد بالإتفاق على عقد مؤتمر نظام الحكم وتحديد جدول أعماله ولكن المادة 10.2 تذكرنا بأن مخرجات ذلك المؤتمر لا يجوز لها الإخلال بالإلتزامات الواردة في اتفاقات مسارات التفاوض المختلفة. 10.2 اتفاق على نظم الحكم الإقليمي دون الإخلال بالإلتزامات الواردة في اتفاقيات مسارات التفاوض المختلفة. كذلك يفيدنا اتفاق جوبا في المادة 10.3 أن مؤتىمر نظام الحوكمة يرمي الى إعادة النظر في حدود المناطق وتقسيماتها الإدارية. وكأن هذا لا يكفي فالمادة 5 .25 تقول: “اتفق الطرفان على تحديد صلاحيات وسلطات اقليم دارفور التشريعية والتنفيذية بموجب هذا الإتفاق على الا يعدل مؤتمر نظام الحكم في هذه الصلاحيات والسلطات إلا بالإضافة .” رغم صفحاتها التي تربو على مئتين وخمسين صفحة فهي لا تعدو اتفاقاً صفوياً بين القتلة على رأسهم برهان “رب دارفور” وحميدتي زعيم الجنجويد والمرتزقة من جهة وبعض لوردات الحرب الذين عينوا انفسهم أولياء دم حصريين لديات مقتل نحو ثلاثمائة ألف من اهل دارفور والتعويض المالي عن اغتصاب الالوف من نسائها وعن تهجير مليوني دارفوري خلال الاعوام التسعة عشر المنصرمة. ففشل العسكر عن شراء الحلو وعبد الواحد وقواتهما جعل الإتفاقية مجرد وقف لبعض العدائيات من طرف بعض جماعات مسلحة قد تكون قد عادت لتوها من بعثات ارتزاق عسكري في ليبيا. اما صندوق التعويضات المنشود الذي سال لعاب العسكر وزعماء الجنجويد في ترقبه أنهراً كما سالت الدماء التي أراقوها خلال ثلاثين عاماً من حكم البشير- الترابي ومنذ اندلاع ثورة الشعب الراهنة فهو ليس من النوع الذي يكفي ان يقولون له: افتح يا سمسم فتتدفق الدولارات في حساباتهم البنكية. إن الدول المانحة المنهكة بسبب تداعيات الكرونا وحرب أوكرانيا ليست في عجلة من امرها كي تستغني عن مئات الملايين من الدولارات وراء سراب سلام لا استدامة له قط. ليس من العدل أن ينوء شعب السودان جيلاً بعد جيل بتكلفة حرب أهلية لعب الترابي واترابه الدور الأعظم في إشعال فتيلها ولعب شريكه القديم البشير وجنرالاته ومرتزقته الدور الأعظم في شن الحرب بلا هوادة ضد المدنيين والنساء في دارفوروجنوب النيل الأزرق وكردفان. الديباجة تصور الإتفاق باعتباره انجازاً تاريخانياً: فهي تثمن المساهمات المقدرة للمجتمع الإقليمي والدولي بما في ذلك اليوناميد والأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي ودول الترويكا والإتحاد الأوربي والجامعة العربية والهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) والإشقاء في دول الجوار. أعلم أن اهل الإتفاق يودون تصوير الإتفاق باعتباره قد نال مباركة كل تلك المنظمات الوقورة الرصينة كما انه يعكس عصارة فكرها وتجاربها. وربما بسبب قلة الذوق والحياء أو حب النفس أغفلت الديباجة الإشارة الى دور المجتمع المدني في الغرب مثل منظمات حقوق الإنسان: العفو الدولية والمادة 19 وريدريس وهيومان رايتس واتش والى دورأمثال وولي شوينكا و جورج كولوني. وكذلك دور سودانيين داخل السودان وفي الشتات في فضح البشاعات التي ارتكبها جيش البرهان وجنجويد حميدتي: بينهم منظمة حقوق السودان السودانية (شرو) وأسماء مثل محمد عمر بشير وفاروق أبو عيسى وفاطمة أحمد إبراهيم وأمين مكي مدني وحسن سنادة ودكتور حمودة ويس محيسي. احسب أن هؤلاء لم يكن ليشرفهم أن يأتي ذكرهم بخير في محفل أقامه حميدتي والبرهان. لندن فبراير 2024
المشكله في الاتفاقية دي زي مفصلها فكي جبرين علي أهله والسؤال هل ينطبق على أهل دارفور كل مقيم بها حتي إذا كان من الشمال أو الدمازين ولا الشرق أو وسط السودان ولااا الحنك شنوووو 🤔🤔🤔