الى من يعُوسْ في حرَّهُمْ

عثمان بابكر محجوب
بدأ مسلسل حروب السودان من الجنوب عشية استقلال البلاد ، وما زال هذا المسلسل مستمرا . نودع حربا لنستقبل أخرى كأن الحرب مؤسسة دستورية لا يمكن دونها ان تجري أية عملية لتداول السلطة او التوصل الى استقرار سياسي في بعض أجزاء البلاد وليس كلها او نهب ثروات البلد. واذا لم نداو”ي” أمراضنا الثقافية ونجد لها العلاجات المناسبة ستنفصل مناطق أخرى عن البلاد كما انفصل الجنوب ولا أسمي هذا الانفصال استقلالا، لانه اذا كان اخوتنا في الجنوب يعتبرون حكم الاخونجية احتلالا فكل السودان كان واقعا تحت نفس الاحتلال الاسلامي وكان من الاجدى لهم ان يشاركوا اهل الشمال في نضالهم ضد طغمة الاسلام والمسلمين طغمة البشير وفلوله بدل النفاد بجلدهم وحدهم . خصوصا وان انفصال الجنوب لم يثمر لاهله حياة سعيدة ولم يحصل اي نمو او تقدم او رفاهية بل بقيت كل أمراض البلد الام منتشرة فيه . ونأمل هنا ان لا يفهم من هذا الكلام اننا لا نحترم خيارات أهلنا في الجنوب بل لنؤكد على حقيقة يتجاهلها الجميع بان السودان الكبير لا مكان له في الرؤية الاستراتيجية للجهات النافذه التى ترسم خرائط الدول في النظام الاقليمي . لذلك نؤكد بان انفصال الجنوب لم تكن اسبابه داخلية بحتة رغم وحشية حكام البلاد في معالجة ملف الجنوب بل ان الاستعمار البريطاني هو من زرع بذور الفتنة والشقاق ونمت هذه البذور على يد حكام اغبياء من اهل البلاد .
ان هذا الاستعراض السريع لمسألة الجنوب ليس الهدف منها الدعوة الى عودة الجنوب الى حضن السودان الكبير بل باعتبارما حصل للجنوب نموذجا لمخطط مدروس لتفتيت السودان الى دويلات لا شأن لها، برعاية أميركيةهذه المرة . ومع ذلك هناك قوى تدعي الوطنية تراهن على أميركا كراعية لانتقال البلاد الى الحكم المدني الديمقراطي ، نقول لهذه القوى. لا تكونوا خرافا بل تنبهوا الى السم الاميركي المزروع في دسم حقوق الانسان والديمقراطية . تذكروا دائما هذه الحكمة : يخاف الخروف من الذئب طيلة وجوده على قيد الحياة وفي نهاية المطاف يأكله الراعي . وما نلحظه من تحركات دولية واقليمية في الفترة الاخيرة تشكل مؤشرا على عدم نضوج فرصة توقف الحرب بل على العكس نجد ان هناك رغبة دولية مفضوحة لاطالة أمد الحرب ومنها : الترويج لقرار يصدر عن مجلس الامن الدولي لهدنة رمضانية وليس لوقف اطلاق نار دائم رغم ان المجتمع الدولي يعلم ان رمضان بالنسبة للسوداني العاقل هو شهر الشؤم وليس شهر البركة بعد ان تشرد الملايين منهم فيه والباقي يقبعون على حافة المجاعة وكانت بداية المحنة في رمضان ولسان حال بعض المهجرين يردد خلف ابي نواس :
إِذا مَضى مِن رَمَضانَ النِصفُ ***** تَشَوَّقَ القَصفُ لَنا وَالعَزفُ
والقسم الاخر يردد :
اِستَعِذ مِن رَمَضانِ ****** بِسُلافاتِ الدِنانِ / وَليَكُن في كُلِّ يَومٍ *****لَكَ فيهِ سَكرَتان لكن لا يستطيعون تحقيق ذلك بسبب العوز والفقر والجوع والهموم والامراض بعد ان شردهم اتباع من يامرون بالصيام ويحرمون الخمر . اضافة الى ذلك لماذا بعد زيارة البرهان وحميدتي الى ليبيا سمعنا بمبادرة ليبية –تركية مشتركة لرأب الصدع فهل تركيا بلد قاصر لم يبلغ سن الرشد حتى يتلطى خلف شبه حكومة لدولة منهارة فاشلة .ناهيك عن اصرار اميركا على حكم مدني لا توجد خلفه قوة مدنية فاعلة على أرض السودان. وكيف يمكن للاخونجية والجنجويد الاقدام على الانتحار الذاتي والتنازل عن السلطة !؟ أهل عندهم فائض أخلاقي أم سفالة ودنائة منقطعة النظير؟!.والحية لا تلد الا حية انها اميركا فاعقلوا يا اولي الالباب . والى شعبنا المقهور والمعذب والملوع والمشرد نقول ليس لدينا الا دعوتكم الى الصبر لا التكيف ولا الاصطفاف خلف دواعش الجيش وبرابرة الجنجويد وحثالة الاخونجية وحريم تقدم الود زايدية .حرب السودان طويلة وبات واضحا عنوانها وهو الصراع على النفوذ في البحر الاحمر وطالما ان اميركا لن ترتب الوضع في شرق السودان لصالحها لن يكون هناك الحرب . والى المغرمين بالثنائيات نقول ان شرق السودان بات المركز وباقي البلاد هي الهامش لكن ليس لان عبدالفتاح ابو شنب وزمرته هناك بل لان شرق السودان يقع على شاطئ البحر الاحمر وما يجري في تشاد حاليا يجب ان ينتقل بالعدوى نحو ارتريا لانها ستلعب هناك دور الافعى بالتكافل والتضامن مع اثيوبيا .