مقالات سياسية

المترسب من تجربة الرق في فكر و ثقافة السودانيين (2)

عند معظم متخصصي علم الإجتماع القبيلة تحالف عسكري و إقتصادي و من أراد الإستزادة يمكنه الرجوع لدكتور عبد الله علي ابراهيم في كتاب فرسان كنْجرت. ليس للقبيلة أي إتساق عرقي بالتالي ستكون فكرة النقاء العرقي المتوهمة غير حقيقية. و الآن مع التقدم في علوم الوراثة إتضح أن البشر مختلطون. هنالك أمر جدير بالتنبيه في وقتنا الحالي في السودان  تنحصر اللحمة القبيلية ( كتحالف عسكري و إقتصادي له قيادة كالنظارة مثلا)  بشكل عام في وسط عرب دارفور و كردفان بشكل رئيسي و عند البجا بالبحر الأحمر. لا نعرف عن نظارات و عموديات فاعلة في أجزاء السودان الأخري. حتي عند الفور أهل السلطنة و المساليت لا توجد أشكال لعموديات و نظارات يٌسمَع لها، إنما توجد عائلات السلاطين و الشراتي التاريخيين بلا أي سلطة حقيقية علي أرض الواقع.

لقد هزمت الطرق الصوفية في أجزاء السودان المختلفة الروح القبلية و إستبدلتها بزعامات رمزية تتمثل في مشايخ الطرق الصوفية. و الإنتماء للطريقة الصوفية في السودان لا يشبه الطوائف في المشرق العربي فعو انتماء روحي له أسس مختلفة. لذلك كان من الإيهامات المزعجة لصق كلمة الطائفية بحزبي الأمة و الإتحادي الديمقراطي و ذلك في نظري نوع من الإستلاب العروبي ( نسبة لأيديولوجيا القوميين العرب).  هذه المباحث تقع من ضمن إختصاصات الأكاديميين في علوم الإجتماع و التاريخ.

من يستخدم التحشيد القبلي من السياسيين و العسكريين يبيع الوهم و له مآرب سياسية و عسكرية أخري. معلوم لدينا جميعا العطايا التي منحها الإسلاميون و الدعم السريع لبعض الناس علي أساس أن يدّعَوا أنهم قيادات قبلية و أكبر دليل علي ذلك تِرِك و من أدعي أنه ناظر البطاحين و بيت النظارة القديمة عند البطاحين معروف و لا سلطة له علي الناس الآن.  حتي الموجود في دارفور و كردفان هو مجموعة حواكير ( حيازات أرض) كبيرة إقتطعها سلاطين الفور لبعض الناس لضمان ولاء مجموعات سكانية  في مساحات جغرافية محددة من مواطني سلطنة الفور و المسبعات و و المساليت. هذا وهم كبير علينا الإنتباه له و تفويت الفرصة علي من يريدون إستغلاله. إرتباط الدعم السريع بالرزيقات أيضا إيهام آخر  يقف وراءه الإسلاميون لأعطاء صراعات المرعي و الحواكير الزراعية أبعاد أخري غير حقيقية أو واقعية بعيدة عن الحقيقة و هي طرد السكان و تهجيرهم للحوز علي أراضيهم من أجل الإستثمار خاصة التعدين الجائر. محمد حمدان دقلو فرد تم توظيفه لمهمة محددة منذ 2013م عن طريق الحركة الإسلامية و قبله كان موسي هلال و كوشيب المسؤلان عن فظاعات الجنوجويد في بداية الألفية الحالية. و المهمة كانت التصدي لحركات دارفور المسلحة المطالبة حينها بالتنمية المتوازنة و التمثيل في الحكم علي أساس مركزي.

أورد الدكتور كمال الصليبي في كتابه عن الرحلة الحقيقية للنبي إبراهيم ما يفيد بأن الأسلاف الذين تتسَمّي بهم قوميات محددة غالبا ما تحيل أسماءهم لمناطق محددة او جبال او أشجار أو وادي لكن هؤلاء الأسلاف الأسطوريون ليسو أناس حقيقيون و هم اسطوريون بالفعل. هذا مبحث مهم لفهم طريقة عمل السلطة في العالم القديم و تبرير الملك و السيطرة علي الناس و معاشهم بإجتراح الأساطير و إيهام البسطاء بها.

خلال كتابتي لهذه المقالات إنتبهت لغيات مباحث و دراسات علم الإجتماع أو المتخصصين فيه عن معالجة مظاهر و تقلبات هذا المارد القبلي الذي لم نقم بالتركيز عليه فيما مضي ربما لأننا خُدِعنا بإتساع المراز الحضرية و العيش السلمي بين المكونات الأثنية للسودان. الكلام عن أصول القوميات السودانية ودراستها يجب أن يكون في أعلي جدول أولويات المتخصصين. غياب الدراسات فتح الطريق لبائعي الأوهام ليستغلوا ذلك في تبرير افعالهم السياسية و العسكرية و إيجاد الكادر البشري الذي يخدمها و يحقق لهم المصالح التي يريدون. هذه الحٌمى القبلية يجب أن تتوقف و للأبد ببساطة لأنها لا تنتمي لعالم اليوم.

فشل الدولة القومية (السودانية) في تلبية حاجات سكانها لا يجب أن يرجعنا لعصر القبائل بل يجب أن يدفعنا دفعاً لبناء الدولة علي أسس العدالة و المساواة و بناء السلام

 

الدار الما داري وانا مالي بيه بس خلاص يا بلالي وانا مالي بيه

الدار الما داري وانا مالي بيه والبلد الما بلدي ما بمشي ليه

أي نشاور أمي كان ترضى كان تابا ننبني لي بيت في حي الجلابة

أي يا الماشي فوبريكا انت الليمون وانا الجدول بسقيكا

الدار الما داري وانا مالي بيه بس خلاص يا بلالي وانا مالي بيه

أي يا يمة يا أية الجمال شايلة وماشة البديرية الجمال شالت

أي طيراتا عجاجا بياكلني عبو لي زادي النسير مع القمري

 

التحية لهذه البت التي قلعت يدها من أهلها لتلحق بحبيبها و تني لها داراً في حي الجلّابة مع المهاجرين. هذه أغنية تغنت بها الراحلة المقيمة عشّة الفلاتية ( و هي من الهوسا المهاجرين للسودان) و تسّمت بهذا الأسم لضرورات الإعلام و الشهرة. تغنت بها مع غيرها من النساء و تسجيلها في الإذاعة بصوت القيثارة الوطنية السامقة عشّة الفلاتية. لاحظ البديرية بالنسبة لها مكان و ليس حِمَي قبلي تجأ إليه. بالمناسبة هنالك بديرية دهمشية إلي الغرب من منطقة الشايقية و هم في إختلاط مع الشايقة حتي علي مستوي الأنغام و الغناء و عندنا أغنية الريلة من شعر إسماعيل حسن تغني بها محمد وردي.

طه جعفر الخليفة

أونتاريو – كندا

11 مارس 2024م

‫7 تعليقات

  1. هل كانت (تجربة الرق) ام (تجارة الرق). اختر المصطلح الصحيح عندما تكتب. كانت تجارة مربحة عالميا و للاسف تربح الزبير باشا و غيره منها. The Slave Trade wasn’t and has never been an experimental thing. It was a serious business and a solid TRADE

  2. أحييك أخ طه كلام غاية في الروعة والعقلانية والتحليل المفيد في زمن تسنم الجهلاء فيه مراكز القوة على حين غفلة. أحييك وأحيي القضارف وأسرتك صاحبة القدح المعلى في التعليم حفظكم الله.

  3. 😎 كتب السيد طه و الصحيح ان اسمه هو ط هـ كما تنطق الحروف المتقطعة في القرآن ؛
    ” ليس مطلوباً من الدين الإسلامي تحريم الرق فهذا نوع من قراءة النص المقدس خارج سياقه التاريخي”
    السؤال للسيد ط هـ هو ما موقفه ممن يصدعون رؤوسنا بان الاسلام صالح لكل زمان و مكان ؟

    بالمناسبة تعليقي هذا كان على الجزء الاول من مقالك
    العبودية في الإسلام
    سردار أمد
    الحلقة الأولى
    العبودية كانت موجودة قبل الإسلام بين الأمم المتوحشة والشعوب الهمجية التي كانت بعيدة عن الحضارة، ولكنها أيضاً كانت جزءا من النظام الاجتماعي والديني في زمن النبي محمد وما بعده من التاريخ الإسلامي، وكان الإنسان يباع ويشترى في الإسلام كما الحيوانات، الإسلام لم يحرم العبودية أو الرق، حتى لو كان هذا العبد مسلماً ( لكن المسلمين سواسية كأسنان المشط !!)، 99% من المسلمين, لو سألتهم عن العبيد لقالوا لك “طبعاً الإسلام حرم امتلاك العبيد فهو دين العدالة والمساواة”، جوابهم نابع من كون تحريم العبيد من البديهيات عندما يكون هناك مذهب ما يدعو للعدالة، وهو يظن أن الإسلام هو ذلك المذهب (باعتبار انه مسلم بالوراثة)، و في النهاية بعد قوله إن العبيد محرم، لا مشكلة لديه لو اتضح له أن امتلاك العبيد محلل في دينه، فيحاول الدفاع عن الفكرة مستخدماً كل المبررات التافهة والطرق المتخلفة، وهنا لا أعرف ما الفرق بين عَبَدة البقر وعَبَدة غير البقر عندما يُنتَفَى التفكير.
    * * *
    العبودية في القرآن:
    القرآن ليس فقط لم يحرم العبودية بنص أو آية، بل الأنكى من ذلك أنه أقرها وثبتها من خلال سن القوانين المنظِمة لمجتمع العبيد،، كما أنه شجع على امتلاك العبيد وذلك في آيات الزواج والنكاح فقد تم التطرق للعبيد في القرآن في 29 آية على الأقل ، وذكر” مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ” 15 مرة، ((فقد تكرر ” مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ – مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ – مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ” في القرآن بالآيات التالية: سورة النساء 3 – سورة النساء 24- سورة النساء 25- سورة النساء 36- سورة النحل 71- سورة المؤمنون 6 – سورة النور 31- سورة النور 33 – سورة النور 58 – سورة الروم 28- سورة الأحزاب 50 (ذكرت مرتين) – سورة الأحزاب 52- الأحزاب 55- المعارج 30 ))
    بالرغم من كثرة تكرار هذه الجمل إلا أنه في مجرى حديث شيوخ المسلمين وفقهائهم عن أيةِ آية من تلك الآيات عندما يصلون إلى ” … أو ما ملكت أيمانكم … ” يتوقفون محاولين تغيير الموضوع,أو تفسير ما قبلها، أو ما بعدها، لأن الموضوع فيه إحراجٌ وبُعدٌ عن المنطقِ، وليس هناك عاقل بالغ راشد إذا سمع تلك الكلمات وتفسيراتها الحقيقية يستطيع تقبلها.
    ومن الناحية اللغوية هناك فرق كبير بين عباد الله وعبيد الله: ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) آل عمران182، تفسير ابن كثير لهذه الآية ” قال تعالي:ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وإن الله ليس بظلام للعبيد أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً ” هذا ما يقوله ابن كثير.
    فكلمة عباد بشكلٍ عام تضاف إلى لفظ الجلالة فيزداد العباد تشريفاً فيقال عباد الله ، أما كلمة عبيد فهي تطلق على عبيد الناس والله معاً وعادة تضاف إلى الناس، والعبيد تشمل الكل محسنهم ومسيئهم، والعباد يراد بها عبد الله، فالألف في كلمه عباد تستخدم للتشريف أما الياء في كلمه عبيد فتستخدم للتذليل والتحقير أو ما دون التشريف، وكما سيمر معنا لاحقاً هناك فرق كبير بين العباد والعبيد حتى في أمور العبادة، فالعبيد مثلاً صلاة الجمعة ليست مفروضة عليهم كي لا ينشغلوا عن خدمة عباد الله (أسيادهم).
    فالآيات القرآنية تؤكد على وضعهم وحقوقهم كعبيد، والجانب الشرعي في الرق يركز على الاستِعباد، وعلى تحرير الرِقاب ككفارة في بعض الحالات، وعلى الحرية الجنسية، والمسلم له أجران، أجر عندما يستعبِِد الرقاب، وأجر عندما يحرر رقبة من هذهِ الرقاب الكثيرة، وطبعاً أن المُستعبَد أكثر بكثير من المُحَرَر في حال كل ما تمنوه أدركوه.
    هل مسألة تحريم العبيد في الإسلام هي كتحصيل حاصل؟
    بعض المفكرين (…) المسلمين يقولون، أن الإسلام (وخير ما يمثله القرآن) سن قوانيناً نهايتها عدم وجود العبيد كتحصيل حاصل، أستغرب جداً لهذا الكلام ولهذا الدجل والكذب، ألا يقولون أن القرآن لكل زمان ومكان (الآيات المتعلقة بالعبيد والمنظمة لحياتهم المختلفة عن حياة الأحرار أين نضعها في هذا الزمان)، ألا يقولون أنه كامل مكمل، كيف كامل مكمل وهو لم يحرم العبودية… هل تركها معتمداً على اجتهادنا الشخصي، كامل مكمل وحلل أمتلاك العبيد، ومعلوم أن تحريم المحلل في القرآن والإسلام مثله مثل تحليل المحرم ، فكيف للمسلمين تحريم أمور حللها القرآن!! وهناك آية موجهة للنبي بخصوص تحريمه لشيء محلل، فقد أقسم أن لا ينام مع إحدى الجواري (ماريه) مع العلم أن الله حلل النوم معهن:
    (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) )) سورة التحريم
    ألم يقل محمد اليوم أكملت لكم دينكم؟ كيف أكملها وترك وراءه سوق النخاسين!! كيف حرم رب محمد الخمر( على مراحل) ولم يحرم الرق، بل على العكس ففي بداية الإسلام لم يكن مسموحاً أن يصبح لمسلم ولا المسيحي ولا حتى اليهودي عبدا. الآيات متعلقة بالجواري والعبيد نزلت بعد موت خديجة أي بعد نزول الوحي بحوالي عشر سنوات، وليس من بداية الدعوة، وكلها تؤكد على حرية ممارسة الجنس معهن، كيف حارب محمد الأصنام المقدسة لدى أهل قريش ودعا لتوحيد الله بشكل مباشر وبجرأة كبيرة،« إن الله حرم بـيع الخمر والميتة والخنرير والأصنام » ولم يحارب فكرة حيازة وبيع وشراء البشر، بل ثبتها في نهايات دعوته، ألم يكن موضوع حيازة العبيد والجواري والسراري والمخصيين له تلك الأهمية حتى ينزل فيها نص صريح يحرمها، مع أن هناك الكثير من الآيات القرآنية نزلت لأبسط الأمور الخاصة بحياة محمد ،نزلت مثلا من أجل زواجات محمد ،ومن اجل تمييز نسائه عن غيرهن (وإنهن أفضل من المحصنات) وكيفية الدخول لبيته, وعدم إطالة الجلوس لديه، وآيات تحلل له مضاجعة من يشاء وتوسعه في النكاح من دون زواج وعدم تزوج نساءه بعد موته ….الخ، لا أعرف كيف تنزل آيات كثيرة من أجل شخص يقول ” أنا بشر مثلكم “، ولا تنزل آية واحدة فقط تحرر مجتمع بأكمله.
    رغم كل تلك العيوب فمشايخ وفقهاء الإسلام وعلماؤهم يمتدحون فقه الرق في الإسلام ويعتبرونه من مظاهر عظمة الشريعة الإسلامية ودلالة على مناسبتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان معتبرين أن خاتمتها تحريم امتلاك العبيد كتحصيل حاصل. لا أعرف أين مظهر العظمة وكيف حرر الإسلام العبيد كتحصيل حاصل في هذا الزمان من دون آية قرآنية, مع العلم أن الغرب والمجتمعات الحرة والمعاهدات الدولية، وكل ما هو ليس إسلامي هي التي حرمت الرق في النهاية، ( إلا إذا كانت بنود المعاهدات والمواثيق الدولية هي أجزاء من القرآن كتحصيل حاصل).
    لكن كما هناك إسلاميون يدّعون أن الإسلام حرم العبودية كتحصيل حاصل، فهناك أيضاً مسلمون في يومنا هذا يدافعون عن تشريع وفقه الرق بقوة، ويعتبرونه تشريعا أبديا ابد الدهر، كما القرآن أبدي أبد الدهر، وفي الحقيقة هؤلاء هم المسلمون الحقيقيون، وهذه هي حقيقة الإسلام. ” فقد حث الشيخ السعودي البارز سعد البريك الفلسطينيين حديثاً للقيام بذلك بالضبط مع اليهود، قائلاً: إن نساءهم من حقكم شرعاً، لقد أحلهن الله لكم، فلماذا لا تستعبدوهن؟!!
    وفي عام 2003 أصدر الشيخ السعودي صالح الفوزان فتوى قال فيها أن الرق جزء من الإسلام وأنه جزء من الجهاد، وأن الجهاد سوف يستمر طالما بقي الإسلام، ثم هاجم الشيخ فوزان علماء المسلمين الذين قالوا عكس ذلك زاعماً أنهم “جهلة وليسوا علماء بل مجرد كتّاب”، وأضاف أن أي شخص يقول مثل هذه الأشياء هو كافر ملحد، جدير بالذكر أن الشيخ الفوزان كان يشغل المناصب التالية عند إصداره هذه الفتوى: عضو مجلس كبار رجال الدين الذي هو أعلى هيئة دينية في المملكة العربية السعودية وعضو مجلس الأبحاث الدينية وخطيب مسجد الأمير متعب في الرياض ومحاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي هي مركز التعليم الوهابي الرئيسي في الدولة ” المرجع: مجموعة من الباحثين – نقلا عن answer.com تحت عنوان Islam and slavery- ترجمة: مركز الحوار للثقافة.
    * * *
    غباء أم استغباء أم الأثنين معاً:
    – قال عمر مقولته الشهيرة والتي لا يعرف السادة المسلمين بالوراثة معناها حتى الآن ( يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ).
    – قال محمد: ( ثلاثة أنا خصيمهم يوم القيامة … ورجل باع حراً فأكل ثمنه ) رواه البخاري وابن ماجه.
    – وعلماء المسلمين عند سؤالهم عن تحريم العبيد يتذرعون بأن الإسلام أوصى بالمعاملة الحسنة للعبيد، وإن محمد أعتق عبده.
    هم من خلال الأمثلة الثلاثة السابقة يحاولون اللعب بالألفاظ وغش الناس، عند اعتبارهم ذلك الكلام دليلا على تحريم العبيد، والحقيقة أن كل ذلك الكلام غير متعلق بالموضوع أصلاً وفصلاً، وفيه خلط كثير للأمور…. فحسن المعاملة شيء أما تحريم امتلاك العبيد فشيء آخر … وفيه إنكار لكثير من الآيات القرآنية المتعلقة بالعبيد، والمقصود من تلك الكلمات عدم استعباد الحر، ولا يُعنى العبيد بذلك الكلام لا من قريب ولا من بعيد، فالعبد عبد والحر حر، وهناك قوانين خاصة تنظم حياة العبيد في الإسلام، والحاج المصري الذي أساء إليه عمرو كان من سادة مصر وليس من العبيد ، وعمر بن الخطاب معروف بأنه في زمانه كان يمنع الجواري من ارتداء الحجاب، حتى انه ضرب جارية لآل أنس رآها مقنعة، وقال لها لا تتشبهي بالحرائر (يعني الأحرار أو المحصنات- وليست كل المسلمات محصنات وأحرار أو حرائر) ، و إذا كان محمد حرر ذلك العبد بعد كل تلك الويلات فإن حكيم بن خويلد بن أسد ابن أخي خديجة قد أعتق في الجاهلية مائة رقبة، ثم لماذا يذكرون في كل مناسبة أن محمد حرر عبداً واحداً، ولا يذكرون أن محمد أعتق في مرضه 40 عبداً ، (يوحون بأنه كان له عبد واحد وحرره، ولا يذكرون انه تم استِعباد الكثير بعد ذلك، ولا احد يقول أستَعَبدَ، بل يقولون حرر وأعتق، هل ورثهم عن جده وأعتقهم ؟!).
    لو كان نهج محمد يدعو فعلاً لتحريم العبيد فلماذا لم يبدأ هو بنفسه، ولماذا أعتق في بداية الدعوة عبده، وبعد ذلك نال الكثير منهم بعد أن قوي دينه وأشتد إيمانه، حتى انه لما مات ترك خلفه أربع سراري، وقال ابن القيم : قال أبو عبيدة : كان له أربع : ماريه وهي أم ولده إبراهيم، وريحانة ، وجارية أخرى جميلة أصابها في بعض السبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش. ” زاد المعاد- 1 / 114 ). وترك نبي الرحمة من العبيد غيرهن أيضاً، وكان مجموع التركة حوالي 20 رأساً من العبيد.
    ولم يقتصر امتلاك العبيد على محمد فقط بل أن نساءه امتلكن الكثير من العبيد، وحررت زوجته عائشة 67 رأساًً (محمد تزوج عائشة بعد وفاة خديجة، وكان عمرها 9 سنوات، فمن أين لها هذا الكم من العبيد هل سبتهم أم اشترتهم بأموالها أم أموال أبو بكر الصديق، وهل كان البيع والشراء نشطاً لتلك الدرجة؟! وكيف تمكنت من حيازة أو امتلاك ذلك العدد الكبير منهم، وهي التي تزوجت النبي محمد في منتصف مسيرته الإسلامية وليس من بدايتها؟! وأين ذهب التدرج في حل مشاكل المجتمع كما يدعون؟!
    نشب خلاف بين عائشة وبين عبد الله بن الزبير فأنذرت أن لا تُكلمه أبدا. … لكن في النهاية كلمته…. وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة … !! (البخاري ج 7 ص 118).
    السبب الرئيسي أن رفاق النبي وأصحابه وأهله وباقي القرشيين كانوا يدفنون البنت حية هي الخوف من العار، هل تعرفون أي عار يقصدون، العار الذي تجلبه لهم إن لم يستطيعوا حمايتها وسبيت في غارة وتحولت إلى أداة للاستمتاع، وقريش بعد أن أصبحت قوة تغير على الغير وتسبي بناتهم ونساءهم، لم يعد لها داعي أن تدفن بناتها أحياء، ربما كان على غير القرشيين دفن بناتهم أحياء كي لا تصبحن سبايا وأداة متعة للمسلمين ودين الرحمة، الدين الذي كان الأحرى به منع السبي وليس التوسع فيه.
    فعثمان بن عفان لما مات ترك خلفه ألف مملوك (المصادر:الطبقات الكبرى لأبن سعد- السيرة الحلبية- مروج الذهب).
    وفي أيام بني أمية بلغت غنائم موسى بن نصير سنة 91هـ في أفريقية 300.000 رأس من السبي، فبعث خمسها إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك 60.000 رأس (لأن الغنيمة خمسها لله حسب سورة الأنفال الآية41، ويمثله الوليد بن عبد الملك). ” وأستقدم موسى بن نصير معه إلى دمشق 30000 ثلاثون ألف عذراء من الأسر القوطية النبيلة ” (أبن الأثير 4/295)
    الخليفة العباسي المتوكل على الله، كان له أربعة آلاف سرية وطئهن كلهن … ( المصدر مروج الذهب ج2 ص 92- تاريخ الخلفاء السيوطي ص 277- الأصفهاني مقاتل الطالبيين ص 598)، يبدو أن الدولة كلها كانت مشغولة بقضيب خليفة المسلمين حفظ الله سره وادخله فسيح جنانه وأنعمه برحمته، ولما قبض صلاح الدين على قصور الفاطميين بمصر، وجد في القصر الكبير (12000) نسمة ليس فيهم فحل إلا الخليفة وأهله وأولاده، ووجد إلى جانب القصر بئر تعرف ببئر الصنم كان الخلفاء يرمون فيها القتلى (المقريزى في المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني).
    والعبيد لم يكونوا طبقياً من الدرجة الثانية، بل كان لدى العرب في الإسلام الطبقات الاجتماعية التالية: أولاً العرب ، ثانياً الموالي ، ثالثاً الأقباط المصريين ، رابعاً العبيد والرقيق (كأسنان المشط

  4. السؤال للسيد ط هـ هو ما موقفه ممن يصدعون رؤوسنا بان الاسلام صالح لكل زمان و مكان ؟

    ببساطة بجعل الفقه عموما يتماشي و لا يتعارض مع منجز الإنسانية الحضاري. مثلا تعدد الزوجات غير مقبول أخلاقيا في العلاقات الزوجية المبنية علي الحب بما يثيره من مشاعر سالبة عند الزوجة اوالحبيبة بذلك تيم منعه قانونيا. في دولة المواطنة التي تشترط المساواة بين المواطنين لا يمكن أن نرفض إتاوة علي غير المسلمين بسبب معنقداتهم فهذا يهدم فكرة دولة المواطنة . إنتهي زمن الجهاد بمعناه كحرب من أجل إجبار الآخرين علي إعتقاد بالإسلام . و الأمثلة كثيرة . الواجب هو أن يكون الفقه في مستوي الإخلاق و الحس السليم و هذا يكون معيارنا لقبول أو رد الأحكام الإسلامية . ليس للدين علاقة بالسياسة . السياسة التي نطمع لإنجازها في السودان مبنية علي أسس الدولة المدنية الديمقراطية و مباديء التداول السلمي للسلطة و مباديء حريات الفكر و المعنتقد و التعبير . لم توجد في التاريخ دولة دينية بل كان هنالك نظام حكم يسيطر عليه متدينون بدين محددة . لذلك أرجو الإحتفاظ بالتاريخ في مكانه كتاريخ و لا داعي أبدا للرجوع لما قاله الأولون من فقهاء و علماء و الأئمة و غيرهم . أذا أت تكون مسلماً فدونك الثرآن و عندك الفهم و اللغة تفسرها كما يناسبك و ليس أكثر. و لك الشكر و أنا إسمي “طه” فارجو منك شاكراَ عدم أخذ اسمي بالصورة التي ذهلت لها فهذا يعكس عدم الإحترام . ناقش أفكاري و لك الشكر علي ذلك و اترك اسمي في حاله . موضوعنا ليس الإسلام و مناقشته موضوعنا المترسب من ثقافة الرق في فكرنا و ثقافتنا و هذا ما نناقشه. لا يعنينا ما حدث في العراق أو السعودية عبر التاريخ ببساطة لأن هارون الرشيد مواطن عراقي كان حاكما في زمن ماضي فهم يعني العراقيين فقط. السادة الأجلاء عمر بن الخطاب و ابوبكر و علي و عثمان هم من عرب الحجاز فلنترك تاريخهم هناك ليهتم به السعوديون. حفاوتنا بهم يجب ان تكون فقط في ناحية أنهم كانوا أصحاب النبي (ص) الذي صار شخصاً عالميا تهتم به شعوب كثيرة لما تركه من أثر طيب في تاريخ الإنسانية من فكر و إرشاد و لنحافظ علي الأمور في هذه الحدود فقط. الين أمر شخصي جدا و الوطن يجب أن يكون ديمقراطياً و عادلاً و مسالما إلا فلا حاجة لنا به

    1. 😎 السيد المحترم طه لك العتبى حتى ترضى و ما كان يجب ان انجر لصغائر الأمور و سارد على ما اوردت من نقاط في معرض الرد على سؤالي خصوص صلاحية الاسلام لكل زمان و مكان 😳

  5. 😎 اقوى دليل على عدم صلاحية الاسلام لاي زمان و اي مكان هو ان مواثيق حقوق الانسان قد ابانت عوار و خطا الاسلام فيما يخص العبودية و زواج الصغيرات و ظلم المرأة في المواريث و كراهية غير المسلم و لو لا ان المسلمين قد اجبروا على التوقف عن استرقاق البشر لما توقفت ممارسات الاستعباد لانها أوامر الأهبة 😳

    في أوهام الشعار الإسلامي “صالح لكل زمان ومكان”
    حسن محسن رمضان

    أحد أهم إشكاليات الوعي الإسلامي المعاصر أنه يتفاعل مع الواقع المحيط به من خلال مُسلّمات (قواعد أو شعارات) هو يتوهم أنها صحيحة راسخة ذات براهين غير قابلة للنقد أو النقض. فالوعي الإسلامي ينطلق ابتداءاً من تلك المُسلّمات أو الشعارات، مُفترضاً صحتها، في تفاعله مع إشكالات محيطه الاجتماعي والسياسي، جازماً بسببها بأن الحلول النهائية لكل هذه الإشكالات المعاصرة التي تواجهه لابُد وأن تأتي من قاعدة نصية أو فقهية موجودة في مكان ما في الإسلام كدين. إلا أن الحقيقة هي أن الواقع ونصوص التاريخ تنبز تلك الشعارات وهذه القناعات بأنها مزيفة ولا تملك أية براهين عقلانية أو تطبيقات ناجحة أياً كانت سواء تاريخية أو معاصرة. فبسبب تلك القناعات المزيفة فإن أغلب، إن لم يكن كل، التطبيقات السياسية والاجتماعية الإسلامية هي تطبيقات تصادمت ولا تزال مع واقع حقيقي مُعاش ملموس يقع خارج حدود نصوصها وفقهها، وتصادمت ولا تزال مع طبيعة إنسانية متنوعة متباينة ثرية على عكس الافتراض السائد في كل النصوص المقدسة بأن الإنسان هو ذو نَسَق أو سياق واحد. فشعار (الإسلام هو الحل)، مثلاً، لا يملك أي مضمون حقيقي واقعي، لا تاريخي ولا معاصر، ليرقى إلى تطبيقات اجتماعية أو سياسية فاعلة تخرج بالمجتمع الإنساني الحديث من أية إشكالية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية تواجهه. بل على العكس، فإن التطبيقات المعاصرة (المملكة العربية السعودية، إيران، أفغانستان) أثبتت أن هذا الشعار يتصادم بشكل مباشر مع التنوع الانساني الأصيل ضمن المجتمع ليفرز صراعاً داخلياً موضوعه الأساس هو رفض هذه التطبيقات “السلفية الإسلامية” والدعوة إلى تحجيمها أو ربما إلغائها. فلا وجود حقيقي لأية ديناميكية حركية حقيقية داخل هذا الشعار (الإسلام هو الحل) خارج حدود السلطة السلفية (سلطة شيخ الدين وفقهه ونصوصه وفتاواه على تصرفات المجتمع وحراكه السياسي والاقتصادي والفكري في السياق السني والشيعي) تتيح أية فرصة للتطور خارج إطار هذه الذهنية الإسلامية التي تضع “النص” مقدماً على “العقل” وبداهته وإبداعاته. ولهذا السبب بالذات لا يزدهر شعار (الإسلام هو الحل) إلا في ظل الديكتاتوريات، بل في ظل أسوأ أنواع الديكتاتوريات على الإطلاق، ليفرز مجتمعاً إما فقيراً معذباً مقموعاً متصارعاً أو مجتمعاً متأخراً يعاني صنوف الكبت ينتهز الفرصة تلو الأخرى لينفس عنها خارج حدود بلاده.

    كتب الدكتور فرج فودة في كتابه (الحقيقة الغائبة) فقرة معبرة جداً فيما يتعلق بشعار (الإسلام هو الحل). فقد كتب رحمه الله: “إنك إنْ انتقلت من عهد عثمان إلى عهدنا الحاضر، لا تجد شيئاً قد اختلف أو استجد سواء بالنسبة لحل مشاكل المجتمع، أو بالنسبة لمواجهة السلطة إن انحرفت، من خلال منظور إسلامي، ودونك ربطهم بين تطبيق الشريعة وحل مشاكل المجتمع، وأسألني وأسأل نفسك: كيف ترتفع الإجور وتنخفض الأسعار إذا طبقت الشريعة الإسلامية؟ كيف تحل مشكلة الإسكان المعقدة بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ كيف تحل مشكلة الديون الخارجية بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ كيف يتحول القطاع العام إلى قطاع منتج بما يتناسب وحجم استثماراته في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية؟ هذه مجرد عينات من الأسئلة، على الداعين للتطبيق الفوري للشريعة والمدعين أنها سوف يترتب عليها حل فوري لمشاكل المجتمع أن يجيبوا عليها. وهم إن حاولوا الإجابة وجدوا أنفسهم أمام المأزق الذي يدور هذا الحوار حوله، وهو وضع برنامج سياسي متكامل. بل إن تفرغهم للإبداع (النقلي) من اجتهادات القرن الثاني الهجري يمكن أن يقودهم إلى تعقيد المشاكل بدلاً من حلها“.

    إلا أن شعار (الإسلام هو الحل) لم يكن إلا نتيجة لمقدمة زائفة ترسخت في الوعي الإسلامي يلخصها شعار آخر يتعلق بنصوص الشريعة الإسلامية وأحكامها وهو (صالح لكل زمان ومكان). هذا الشعار (صالح لكل زمان ومكان) برز فجأة في الثقافة الإسلامية ليتقبله المسلمون على أنه حقيقة لا شك في مضمونها ومِنْ ثم انعكس على قناعاتهم ومفاهيمهم وانتاجهم الثقافي والفكري. إلا أن الحقيقة التاريخية تنبز هذا الشعار بأنه مزيف لا يملك حظاً من الحقيقة حتى في تصرفات أهل القرن الأول من الإسلام وفي قناعاتهم. فإشكالية تفاعل النص المقدس مع الواقع الديناميكي برزت فور وفاة النبي محمد مباشرة والذي بدا، أي الواقع المحيط بالصحابة، أنه تجاوز ظاهر كلمات النص بمراحل كثيرة. عندها بالذات، وما تلاها من أحداث، برزت حقيقة أن الشعار الذي يفترضه الوعي الإسلامي (صالح لكل زمان ومكان) على أنه صحيح لا شك فيه فيما يتعلق بالنص القرآني وشرائعه أو أقوال النبي وسُننه هو شعار مخترع مبتدع لم يعرفه أصحاب القرن الأول من الإسلام ولا تصرفوا على أساسه. فالتاريخ الإسلامي الأول وسيرة الصحابة أنفسهم ينبز هذا الشعار بالتزوير والاختراع في الوعي الإسلامي. ومن المتوقع هنا أن القارئ الكريم المتعاطف مع شعارات الإسلام السياسي سوف يتوقف عن القراءة رافضاً ما قرأءه حتى الآن من المقالة، ولكننا نقول له: مهلاً، حتى تقرأ الأمثلة المضروبة أدناه لعلها تُقنعك.

    فمثلاً، آية الصدقات (أوجه صرف الزكاة)، نص قرآني واضح جداً في القرآن ولا يحتاج إلى تأويل، وهي هذه: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم … الآية) [سورة التوبة، الآية 26]. هذا نص واضح صريح ومباشر في أن من يستحق الصدقات (الزكوات) هم هؤلاء بالذات دون غيرهم، ولم تستثن الآية (النص) آي زمان أو مكان منهم. ما يهمنا من هذه الآية هو نصيب المؤلفة قلوبهم، أي الناس الذين يُعرف عنهم بأن إيمانهم ضعيف أو ذوي شك أو ربما كفار فيعطون من أموال الزكاة حتى تتم استمالتهم (تألفهم) للإسلام، ولا يوجد أي خلاف بأن النبي قد عمل بهذه الآية وأعطى المؤلفة قلوبهم أموالاً وأنعاماً حتى يستميلهم للإسلام. ومع هذا النص الصالح لكل زمان ومكان، ومع هذه “السُنة” النبوية المؤكدة، فإن عمر بن الخطاب منع سهم المؤلفة قلوبهم ورفض إعطائهم إياها كما هو مشهور عنه، ولم يتعرض لأي معارضة أو إنكار عليه من أهل القرن الأول (الصحابة) بسبب أن هذا النص القرآني هو (صالح لكل زمان ومكان) بدون استثاء. بل إن أحدٌ لم يدّعي هذا الشعار في نصوص تاريخ هذا القرن ولا في الأزمان القريبة التي تلته. وليست آية الصدقات (الزكوات) هي الوحيدة ضمن هذا السياق، بل الأمثلة كثيرة، يقول ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة:

    “وقد أطبقت الصحابة إطباقــاً واحداً على ترك كثير من النصوص لما رأوا المصلحة في ذلك، كإسقاطهم سهم ذوي القربى وإسقاط سهم المؤلفة قلوبهم، وهذان الأمران أدخلُ في باب الدين منهما في باب الدنيا. وقد عملوا بآرائهم أموراً لم يكن لها ذكر في الكتاب والسنة كحد الخمر فإنهم عملوه اجتهاداً، ولم يحدّ رسول الله (ص) شاربي الخمر، وقد شربها الجمّ الغفير في زمانه بعد نزول آية التحريم. ولقد كان أوصاهم (ص) في مرضه أن أخرجوا نصارى نجران من جزيرة العرب، فلم يخرجوهم حتى مضى صدر من خلافة عمر، وعملوا في أيام أبي بكر برأيهم في ذلك باستصلاحهم. وهم الذين هدموا المسجد بالمدينة، وحوّلوا المقام بمكة، وعملوا بمقتضى ما يغلب في ظنونهم من المصلحة، ولم يقفوا مع موارد النصوص”.

    والجملة المحورية في النص أعلاه هي: “وعملوا بمقتضى ما يغلب في ظنونهم من المصلحة، ولم يقفوا مع موارد النصوص”. وتجربة عمر بن الخطاب على الخصوص غنية ومتشعبة في هذا المجال، وقد تطرقت لها مصادر متعددة بالنقد والتحليل وحتى الإعجاب. فلا تقف الدلائل عند تلك الحادثة المتعلقة بالمؤلفة قلوبهم فقط، ولكنها تستمر في كل سياق الزمان المدني (نسبة إلى المدينة المنورة) قبل وبعد وفاة النبي محمد لنرى خلافاً على أسرى بدر، وعلى حجاب زوجات النبي، وعلى صلح الحديبية، وعلى نحر النواضح (الإبل التي تحمل الماء) في غزوة تبوك، ونرى عمر يضرب في صدر أبا هريرة ليوقعه أرضاً ومانعاً له عندما أرسله النبي ليبشر المسلمين، هذا إلى جانب الرفض المطلق من جانب عمر في أن يدع النبي يكتب كتاباً قبل وفاته قائلاً كلمته المعبرة (حسبنا كتاب الله). ثم امتدت هذه التجربة بعد وفاة النبي محمد لتشمل محاور متعددة في مجابهة حتى نصوص ثابتة. هذا الامتداد لتجربة عمر بن الخطاب الفقهية لما بعد وفاة النبي استعدى حتى أدبيات الخوارج (الإباضية) في الرد على مهاجميهم من المذاهب الأخرى وخصوصاً السُنية منها. فمثلاً، أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني يكتب مخاطباً خصومه بتهكم وسخرية واضحين:

    “قد وقع بعد رسول الله (ص) في شريعته شبه النسخ، وفي أحكام نصوص القرآن والسنة المتفق عليها بإجماع الأمة بعد رسول الله (ص) النسخ، أو الاستثناء إن كان كبر عليكم النسخ، أو التخصيص إن ضقتم ذرعاً بالاستثناء، أو تفسير المجمل إن عزّ عليكم التخصيص، بل مصادمة المنصوص لعلل ومعان طرأت، فأجازوها وأمضوها ولم يشكوا بعد تركهم حكم المنصوص، وهي السنن التي أحدثها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم، والفيء، وعتق أمهات الأولاد على مواليهم، وإسقاط الجزية والذل والصغار عن نصارى بني تغلب، ورد أراضي الفيء مشاعاً لجميع المسلمين شركاء أهله الذين غنموه”.

    وبعد صفحات كثيرة تناول فيها أبو يعقوب الوارجلاني مواضيع متعددة ومتشعبة، كتب عبارة مُعبّرة جداً في مضمونها عن الإشكال الخطير في هذه التجربة والتي يتجاوزها الفقهاء متعمدين لصالح تأصيلهم المستحدث المبتدع بعد قرن من الزمان من وفاة عمر. قال الوارجلاني عن فترة خلافة عمر:

    “لو أن ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم قاموا في طلب سهامهم، وانتصروا لأحكام القرآن أنْ تكون ماضية إلى الأبد، لكان فيه ما فيه” .

    يقصد الوارجلاني، لو أن المؤلفة قلوبهم وذوي القربي حملوا السلاح وقاتلوا عمر بن الخطاب والمسلمين في المدينة المنورة الذين أوقفوا العمل بالنص الواضح الصريح الذي لم يستثني زماناً أو مكاناً بالعمل به، فماذا سوف يفعل الفقه الإسلامي عندها، أو “لكان فيه ما فيه” على حسب تعبيره.

    ويختم الوارجلاني شرحه السابق أعلاه بهذا السؤال (التحدي) لفقهاء المسلمين والذي نحن بدورنا نطرحه عليهم اليوم:

    “إن ساغ لعمر ما ساغ له من ذلك، فما بال الغير ألا يسوغ له ذلك في غيره، وهو اليسر في دين الله عزّ وجل؟ ولو وقع التشابط والقتال على هذا كله، فأيهما المُبطل؟”.

    يقصد، إن جاز لعمر بن الخطاب ومعه كل الصحابة في زمنه أن يتصرفوا في تلك النصوص (الصالحة لكل زمان ومكان) إما بإيقاف العمل بها أو تجزئتها أو تغييرها فكيف لا يجوز لنا ذلك؟ أليس اليُسر في الدين يستدعي ذلك؟ ولو قاتل المسلمون عمر بن الخطاب ومعه جميع الصحابة على ما فعلوه، فأيهما سوف يكون معه الحق وأيهما المُبطل؟ وأخيراً نتساءل نحن: وهل هذه السيرة وهذا التاريخ يدلان أصلاً على صحة شعار (صالح لكل زمان ومكان) أم يتهمانه بأنه باطل مزيف؟

    الخلاصة هي أن شعار (صالح لكل زمان ومكان) هو شعار مزيف لا يملك أية تطبيقات واقعية ولا تأصيل عقلاني يرفعه إلى مجال التداول الواقعي. الإشكالية الحقيقية هي رسوخ مثل هذا الشعار وما ينتج عنه من شعارات مرادفة ضمن الوعي الإسلامي المعاصر ليفترض هذا الوعي الواهم بأنه يملك الحل لـ “كل شيء”. إذ النتيجة الحتمية لأية تطبيقات عملية لهذه الشعارات هي، وبدون أي شك، الفشل الذريع في مواجهة الإشكالات المعاصرة للمجتمعات المسلمة. الإشكالية الأخطر والأشد وقعاً هي أن وقائع التاريخ وسيرة أفراده مع ما صاحبهما من تطبيقات عملية كارثية راهنة في زماننا المعاصر هذا لمثل هذه الشعارات لن تفلح أبداً في إقناع المجموع العام من المسلمين بأنهم، وببساطة، واهمون.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..