مقالات سياسية
الوجود المكثف للسودانيين في مصر: هل هو إضافة للعلاقة المصرية- السودانية أم خصما عليها؟؟

أحمد محمود أحمد
يمكن القول وبشكل تاريخي وضمن واقع العلاقة المصرية- السودانية فقد ظهر بعض المثقفين والسياسيين السودانيين الذين تشكلت لديهم مواقف حادة تجاه مصر، وهؤلاء يمكن تتبع أثرهم منذ حقبة محمد أحمد المحجوب وحزبه حزب الأمة والذي تغيرت مواقفه قليلا في السنوات الأخيرة، وانتهاءً بمثقفي الإفريقانية الذين رأوا في مصر جانبها العروبي والذي يتناقض مع السودان الإفريقي حسب منظور هؤلاء..وبعد هذه الحرب في السودان وجد المثقف والسياسي التقليدي والمثقف الإفريقاني نفسه لاجئا نحو مصر ومعه المثقف العروبي والشيوعي والليبرالي والإسلامي ومعهم ملايين السودانيين والذين لجأوا إلى مصر قبل هذه الحرب أو بعدها، وبالتالي فيجب طرح بعض الأسئلة الجوهرية هنا بعد تواجد هذا العدد الكبير لجميع الفئات السودانية في مصر: هل هذا اللجوء لمصر يعبر عن نزوع شعبي عفوي يعبر عن محتوى ثقافي لا يطرح سؤال التباينات، أم هذا اللجوء مثله ومثل أي لجوء لأية دولة مجاورة؟ وهل يغذي هذا الوجود السوداني هذه العلاقة التاريخية بين البلدين أم سيسعى لتفكيكها ضمن رؤية تراعي إمكانية حدوث صدامات واحتكاكات على مستوى القاعدة الشعبية؟ وهل ستنجح مصر الرسمية في فهم هذا التحول الجديد وبالتالي السعي لتأسيس علاقة حقيقية بين الشعبين خارج نمط السلطات المصرية السابقة الرافعة لشعار نحن أخوة وأشقاء دون أن ينعكس ذلك في التعامل مع الواقع السوداني وبجدية؟ وهل سيتحول هذا الوجود المكثف للسودانيين في مصر إلى جالية سودانية داخلها أم سيعود كل هؤلاء إذا ماانتهت هذه الحرب؟ ما هي طبيعة رؤية المثقف التقليدي ومثقف الإفريقانية بعد أن وجد نفسه داخل مصر وغالبية شعبه داخلها؟
*الأجوبة الصعبة*:
الأسئلة السابقة تبدو أجوبتها صعبة ومعقدة ولكن قبل الإجابة على هذه الأسئلة تفصيلا فهنالك تحديات حقيقية عبر هذه المرحلة التي لجأ فيها غالبية السودانيين لمصر وهي:
التحدي الأول:
لقد وفد السودانيون إلى مصر وهي في أصعب ظروفها من حيث الواقع الاقتصادي والتدهور المعيشي، وفي مثل هذه الظروف قد تلجأ القواعد الشعبية إلى تحميل طرف ما طبيعة الأزمات التي تعيشها وضمن حالة التوافد المكثفة للسودانيين قد تعتقد بعض هذه القواعد بأن سبب هذه الأزمات نتج عن وجود السودانيين مما سينعكس ذلك في طبيعة التعامل اليومي معهم…كما أن الواقع الاقتصادي المعقد لدى السودانيين سيؤدي إلى كثير من المشاكل ذات الطبيعة التي قد تؤدي إلى الانحرافات وبكل أنواعها مما سيشكل ذلك كحالة تشويه لصورة السودانيين عند المصريين..
التحدي الثاني:
اللجوء في ظروف الحرب يحمل معه نمطه السلبي حيث عرفت مصر السودانيين الوافدين إليها وبشكل تاريخي كطلبة أو زائرين أو متعالجين وهؤلاء يمثلون سلوكا إيجابيا في التعاطي الإيجابي مع القطاعات الشعبية ويعكسون الثقافة السودانية ضمن تجلياتها السمحة، ولكن وبعد هذه الحرب فقد وفدت كل فئات المجتمع السوداني مستصحبين مع كل هذا كل التداعيات التي تحدثها الحرب مع التداعيات التي أحدثها حكم الإسلاميين عبر الثلاثة عقود الأخيرة وبالتالي توقع ظهور سلوكيات من البعض قد تؤدي لتوتر في العلاقات الشعبية..
التحدي الثالث:
هذا التحدي هو التحدي القانوني الذي يواجه السودانيين في مصر وكيفية ترتيب أوضاعهم المرتبطة بالإقامة وما ينتج عبر ذلك من توترات لدى السودانيين مما ينعكس سلبا في النظرة للدولة المصرية.
التحدي الرابع:
هذا التحدي يرتبط ببعض عيوب الشخصية السودانية وعدم الوعي لدى البعض أو القلة في التعامل مع فكرة الانتقال لبلد آخر وبالتالي تشكل إحساس دائم بالتميز وعلو القيم عند المقارنة بقيم الآخرين ومع عزة النفس التي تدفع البعض أو هذه القلة للقول بأن مصر لا تقدم لنا جميلا، بل أنها هي المستفيدة من وجودنا لأننا قد جئنا إليها ب( قروشنا) وبالتالي محاولة نسف الفكرة القائمة على العلاقة التاريخية بين البلدين والتي من المفترض أن لا تكون قائمة على فكرة المصالح المجردة وحدها كما يروج لذلك بعض الرهط من السودانيين..كما أن حالة التعالي السابقة والناتجة من البعض أو لنقل القلة قد تعبر عن عدم الوفاء بالجميل والذي يقدمه الشعب المصري وفي حدود إمكانياته ، يضاف إلى هذه التحديات تحدي العملية التعليمية وبالتالي فقدان دور المدرسة في التوجيه وصياغة وعي موحد عند النشء، هذا بالرغم من وجود مدارس سودانية عديدة في مصر، لكن قد لا تتوفر الفرص للجميع في ظل هذه الظروف المعقدة..هذه بعض التحديات والتي على ضوئها سنحاول الإجابة على تلك الأسئلة المعقدة والمطروحة في صدر هذا المقال، والتي يتصدرها هنا ذلك السؤال المرتبط بفكرة اللجوء إلى مصر، فهل هو يعبر عن نزوع شعبي تجاه هذا البلد أم هو مجرد واقع مفروض يأتي متحللا من أية دلالات ثقافية وتاريخية؟ وفي تقديري فإن الاتجاه إلى مصر وضمن المخزون في الذاكرة السودانية وبعيدا عن السياسة يعبر عن توجه غير مقيد بأية عقبات أو حواجز ثقافية حيث لا يسأل المواطن العادي والمنتقل لمصر عن طرق التعامل في ذلك البلد، إذ وضمن ذاكرة ثقافية مشتركة فهو يشعر أنه ينتقل لمجال ثقافي واحد مع الوعي بالخصوصيات في كلا المجالين، ولهذا فالانتقال إلى مصر عند المواطن البسيط يعبر عن اتجاه نحو بلد تحمل سمات بلده دون أن يغرق في الأسئلة التي يغرق فيها المثقف الذي يذهب نحو التاريخ لتحميل مصر كل ما يحدث في السودان من تداعيات..أما السؤال المتعلق بوجود السودانيين في مصر وهل هذا الوجود من الممكن أن يغذي هذه العلاقة أم سيساهم في تفكيكها بدرجة أو أخرى؟ وفي النظر لهذا السؤال وإذا ما أدخلنا التحديات السابقة فإن الإجابة تبدو ذات حدين وهما، الأول: ضمن منظور عام فهنالك يوجد تقدير لدى الكثير من السودانيين لمواقف مصر تجاهم وبالذات بعد هذه الحرب، وقد فتحت حدودها لعدد كبير منهم للدخول لأراضيها في بداية الحرب، كما أن الخطاب العام سواء كان الرسمي أو الشعبي يبدو مرحبا بالسودانيين في مصر، أما ثانيا، فيمكن لهذا التقدير أن يتأرجح وذلك نتيجة لأصطدام السودانيين بكثير من العقبات والتي ذكرناها في خانة التحديات والتي يمكن أن تساهم وبدرجة ما في تعكير صفو هذه العلاقة إذا لم توجد ترتيبات تخفف من الواقع الذي يعيشه السودانيون في مصر..أما السؤال المرتبط بمدى تفهم مصر الرسمية لهذا الوجود السوداني المكثف في أراضيها، وبالتالي سلوك طريق مغاير لطرق السلطات التي حكمت مصر والتي ترفع شعار الأخوة والأشقاء دون إعطاء ذلك الشعار مدياته الحقيقية، فإنه سؤال تستطيع أن تجيب عليه القيادة في مصر، ونأمل من القيادة المصرية الحالية تطبيق ذلك الشعار على أرض الواقع حتى تكون هذه المرحلة مرحلة انفتاح حقيقي على السودانيين والوقوف معهم من أجل علاقة مستقبلية تزال فيها الحدود بين الشعبين..ضمن هذه الأسئلة المعقدة يأتي سؤال رؤية المثقف السوداني المعادي لمصر والذي وجد نفسه فيها ومعه الملايين من شعبه، فهل سيغير هذا المثقف منظوره تجاه مصر ويدرك مدى أهميتها للسودان وبأن هذا اللجوء المكثف لمصر يحمل إشارة علاقات متميزة بين البلدين وفق المنظور الثقافي والتاريخي، وبالتالي يجب أن يسعى هذا المثقف لطرح منظور جديد تجاه هذه العلاقة وتطويرها لخدمة شعبه أولا وبعده الشعب المصري، أعتقد أن هذه المرحلة ستفرز وعيا جديدا يعيد فيه المثقف النافر عن مصر مسلماته وينفتح حول حوار جديد من أجل ترسيخ هذه العلاقة..أما الإجابة عن سؤال، هل سيتحول هذا الوجود المكثف للسودانيين في مصر ليتحول البعض منهم إلى جالية سودانية مقيمة في مصر كما حدث للكثير من السودانيين ومنذ مرحلة بناء السد العالي، الراجح وإذا ما أنتهت هذه الحرب فهناك أعداد كبيرة قد تعود للسودان نتيجة للظروف الصعبة التي يواجهها البعض في مصر، وهذا لا يعني إن كل السودانيين والمتواجدون في مصر سيعودون وبالذات الذين غادروا السودان قبل الحرب وكيفوا أوضاعهم في مصر واضعين في الاعتبار أن نهاية الحرب لا تعني تغيير الأوضاع على الأرض في السودان حيث يحتاج الأمر لسنين عديدة لإعادة البناء في دولة قد انهارت كل بنياتها التحتية منذ حكم الإسلاميين وحتي قيام الحرب وما بعدها ، هذا الأمر يرجح بقاء الكثيرين من السودانيين داخل مصر وقد يكون هذا الوجود ذا أثر إيجابي في مجرى هذه العلاقة مستقبلا..
*الحلول الممكنة ومن أجل علاقة صحية*
الحرب هي استثناء في حياة الإنسان إذ أنها تفرز قيما من شأنها أن تتناقض مع القيم الإيجابية لهذا الإنسان وبالتالي تحويله لشخص عدمي لا يكترث بنفسه ولا بالآخرين، ولهذا فإن الإفرازات السلبية لهذه الحرب يمكن أن يكون لديها تأثيرها على مستوى العلاقة الشعبية وللمقيمين في مصر وللتخفيف من أثر ذلك يقدم كاتب هذا المقال وبكل تواضع هذه المقترحات علها تساعد السودانيين المقيمين في مصر لكي يعيشوا حياة كريمة أولا وأن يكون انفتاحهم على أهل البلد الذي يعيشون به قائم على الوعي بذواتهم وكذلك بذوات الآخرين وهذا الأمر يمكن أن يكون موجها لكل السودانيين الذين لجأوا إلى بلدان أخرى وهذه المقترحات هي:
1- على القوى السياسية السودانية والمدنية والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان أن تكون في تواصل دائم مع السلطات المصرية من أجل حلحلة الإشكاليات القانونية وتسهيل إقامة السودانيين في مصر والعمل على إعفائهم من رسوم الإقامات حتى ولو تحمل الأمر ليكون ذلك دينا يتم دفعه إلى مصر بعد هذه الحرب مع التأكيد على تفعيل الاتفاقيات السابقة بين البلدين..كما على هذه القوي السياسية والمدنية فتح قنوات مع السودانيين سواء عبر الندوات والمنشورات أو الوصول لمناطقهم من أجل توعيتهم باتجاه احترام تقاليد وقوانين البلد الذي يقيمون به..والأهم أن تقوم هذه القوى وعلى رأسها تقدم وبالتنسيق مع الدولة المصرية بالاتصال بالمنظمات الدولية من أجل دعم السودانيين ماديا سواء عبر بوابة الأمم المتحدة وحتى الاتصال بالدول الصديقة والشقيقة من أجل إيجاد حل للمعضلة المالية سواء كان للمقيمين في مصر أو الدول الأخرى ..
2- للقوى السياسية والمدنية المصرية ومعها الإعلام أدوار مهمة في هذه المرحلة تجاه السودانيين المقيمين في مصر وذلك عبر التوجيه للقاعدة الشعبية المصرية في تفهم ظروف السودانيين عبر هذه المرحلة والوقوف معهم ومن أجل علاقة أخوية تعكس المعنى الذي تشكل في تاريخ العلاقة بين البلدين.
3-ضرورة إقامة مؤتمر تشترك فيه كل القوى السياسية والمدنية المقيمة في مصر وبمشاركة القوى السياسية والمدنية المصرية من أجل الوصول إلى تفاهمات مشتركة حول وضع السودانيين ومستقبل العلاقة المصرية- السودانية أثناء الحرب وما بعدها..في النهاية يأتي اختيار مناقشة واقع السودانيين في مصر استنادا للمفاضلة العددية فقط ولاختبار قضية تاريخية هي العلاقة المصرية- السودانية حيث كل سوداني وفي أي مكان يجب أن يتم تناول قضيته والوقوف معه..
مقال مميز و موفق
الخطاب من عنوانه : تعلموا يا ناس أن تقدموا اسم بلدكم كما يفعل كل العالم .
العلاقات السودانية – المصرية اذا كنت سودانيا
العلاقات المصرية – السودانية اذا كنت مصريا
و اذا لم تكن من اي من البلدين فاختار حسب الأهمية او القرب من هذه أو تلك أو المزاج الشخصي
اقتباس : محاولة نسف الفكرة القائمة على العلاقة التاريخية بين البلدين والتي من المفترض أن لا تكون قائمة على فكرة المصالح المجردة
تعليق : العلاقة الرسمية قائمة على المصالح و الدليل على ذلك ان اتفاق الحريات الاربعة مطبقة بطريقة الكيل بمكيالين لصالح الجانب المصري و ذلك مع تهاون القيادات الرسمية في السودان في حقوق المواطن السوداني و مصالح البلاد