العدل الصرح الغائب

بسط العدل وإقراره هو أهم الدعائم الأساسية التي يقوم عليها صرح الدين الإسلامي، فالعدل أساس الحكم، والنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام تحرى القسط والسويَّة في كل معاملاته، وفي شتى ضروب حياته، وبتتبع سيرته الزاخرة بالعظا والعطاء نجده قد دعا إلي العدل في الحكومة، وحَسَم مادة الخصومة، وآثر الإنصاف، ولزم حلسه، ونزع الخلاف، واتقى الجور والشطط، والعدل هو قاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية فالله سبحانه وتعالى يقول: ( َقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ). الحديد:20. وقال عز من قائل ِ: (إنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). النمل:9.
والعقوبة هى «عبارة عن ردة فعل المجتمع تجاه العدوان الذي وقع عليه أو وقع على بعض أفراده، بدون وجه حق، والعدوان في مواجهة العدوان يعتبر عدلاً، لأنه قضاء على أسباب هذا العدوان ومنع انتشاره في ربوع المجتمع وإنقاذ سفينته من أن تهوي في أعماق البحار».فالعقوبة إذن من شأنها أن تعيد العدل والحق إلي نصابه كقيمة ثابتة يفنى المجتمع ويتناحر دونها، ويعتدي القوى منهم على الضعيف المهيض الجناح، وتجعل قانون الغاب هو السائد على ظهر البسيطة، وإضافة إلي ذلك فإن الجريمة «تثير شعور هذه الانفعالات الجماعية بإنزال العقاب على كل من يعتدي على قيم المجتمع، وإلا اتخذت هذه الانفعالات الجماعية شكل الانتقام من الجاني أو ذويه».
ومن شعائر العدل المساواة في الشريعة الإسلامية أنها عامة تشمل جميع شرائح المجتمع شريفهم ووضيعهم، أميرهم وخادمهم، دون النظر إلي شرف المذنب الأثيل، ومجده الأصيل، أو علمه الغزير، بل نجدها تطبق على كل من اجترح ذنباً، أو اكتسب إثماً، ضاربة بهيبته ومكانته الاجتماعية عرض الحائط »، حتى إن الدية المقدرة في الشريعة الإسلامية حقاً للمجني عليه أو ولي دمه في جرائم القتل والجروح، وإتلاف الأطراف تساوي بين الناس أياً كان المركز الاجتماعي للمجني عليه، فهي لا تزيد ولا تنقص بزيادة أو نقص قدره».
ومبدأ المساواة في العقوبة لم يكن في شريعة الإسلام مجرد نظريات تحفل بها طيات الكتب، وثنايا الفكر، وخطفات الأحاديث، بل كان واقعاً ملموساً عاشته البشرية على أوسع نطاق في عهود الإسلام الزاهرة، فالسيرة العطرة لخير البرية عليه أزكى الصلاة وأفضل التسليم، وخلفائه البررة الميامين، وصحابته الأجلاء عليهم رضوان الله ورحمته، تخبرنا عن أبواب الجور التى كانت موصدة، ونيران الحيف التى كانت خامدة، وسيول العسف التى كانت هامدة، تلك الحمم والنيران التي لم تستعر وتفدح كاهل الأنام في شتى أرجاء المعمورة بالمؤن المجحفة، والأجعال الثقيلة، والعدوان الموبق، إلا بعد أن طوى الزمان خيرة القرون الثلاثة، فهناك الكثير من الأحداث والوقائع التي سجلها التاريخ بكل فخر وإعزاز، تروي عظمة هذا الدين وسعيه الدؤوب لتطبيق دعائم العدل والإنصاف، ويكفي أن القرآن الكريم ذلك الكتاب المحكم السبك، الدقيق العبارة، الذي يأخذ بعضه برقاب بعض، قد حوى بين دفتيه على أعظم برهان يدعو للعدل ويطبقه بتجرد ضارباً بالسخائم والأحقاد عرض الحائط، يتجلى فى قوله تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). المائدة:8.
أما السنة فهي حافلة بالأمثلة التى تدعو إلي نهج الهدى وسواء السبيل «فعن عائشة رضى الله عنها أنّ قريشاً أهَمّهُمْ شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟) ثم قام فاختطب فقال: (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايْمُ الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها). وفى رواية: (فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتشفع فى حد من حدود الله؟) قال أسامة: استغفر لي يارسول الله، قال: ثم أمر بتلك المرأة، فقُطِعت يدها). وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام فى حجة الوداع: (يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ولا فضل لعربى على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟ فليبلغ الشاهد الغائب)، إن هذا المبدأ السامى الذي وضعه نبى الإسلام هو الذى جعل وفود الناس تترى طائعة مختارة لحمى الدين الخاتم، لائذة به من مرائر العنت والجور، ففي ذلك العهد مات ضمير الإنسان، وتأسنت روحه وسادت معالم الظلم والشطط على قيم العدالة والإخاء، في تلك الحقبة تغول الجبابرة ووجهاء القوم على مهيضي الجناح ممن لم يرزقوا منعة القبيلة، أو عزوة الحسب والمال، فسلبوهم حريتهم وسخروهم لإرضاء نزواتهم وشهواتهم، وقيض الله لهم الحرية على يد هذا الدين العظيم الذي أبان فيه نبيه المعصوم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن أساس التفاضل ليس النسب الرفيع أو المال الوفير، أو نفوذ القبيلة وسطوتها بين القبائل، وإنما أساس التفاضل قيمة سامية هي التي تحدد مكانة الشخص ورتبته عند الخالق عزوجل وعند عباده، فالتقوى والورع هو الذي يقود العبد إلي مقامات رفعية، وفضاءات لا يحلق معها جاه عريض، أو شرف تليد.
والمساواة هي أهم عامل جذب أولئك القوم لاعتناق الإسلام، والذود عن حياضه، بعد أن لاح لهم أن الناس كافة شريفهم ووضيعهم أمام الشرع سواء، وأن الدين الخاتم لا يكترث لتلك التقاليد الممجوجة التي كانت سائدة قبل فترة وجيزة فيفضل عرقًا على عرق، ويعضد لونًا على لون، بل الناس جميعهم باختلاف مشاربهم وسحناتهم سواء، «لا فضل لعربى على عجمي إلا بالتقوى» ففي هذا الحديث نستشف حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على توطيد مبدأ المساواة، ومحاربة عادات تغلغت في الصدور، ورسخت فى الأفهام، وصارت سجية يزاولها الناس دون اكتراث أو استهجان، وهي قضية التباهي بالأنساب وتصنيف الخلق إلي طائفتين الأولى ذات شرف باذخ، وعزوة تناطح النجوم، وتزاحم موكب الجوزاء، وأخرى وضيعة النسب، موصومة الحسب، ينظر لها ذوو السيادة ومن ينزعون إلي عرق كريم، كما ينظر الرجل إلى قلامة ظفره، لقد كانت هذه الفوارق غائرة في أعماق المجتمعات، ولعلها ما زالت و لا يحطمها إلا تقرير هذا المبدأ السامى الذى يرد الناس جميعهم باختلاف مشاربهم وسحناتهم إلي رب ذرأهم من عدم، وأنشأهم من فراغ، ولهذه الأحاديث صور تفوق الإحصاء.
ولقد سعت التشريعات الحديثة أن تقتفى أثر الإسلام في هذا التطبيق من حيث المبدأ، لكنها «لم تبلغ ما بلغه الإسلام من الكمال في التطبيق حتى في أرقى الدول المتقدمة وأشدها حرصاً على الديمقراطية، فالتعويض عن المجنى عليه يتفاوت بتفاوت الوضع الاجتماعى للمجنى عليه، وللعقوبة حد أدنى وأعلى كما للقاضى سلطة تقديرية فى أن يختار منها مايراه تبعاً لمصلحة الجانى أو مراعاة الصالح العام».
إن الحكم الإسلامى يلزم الراعي والرعية على حد سواء بحقوق وواجبات، يخضع لها الأقوياء فضلاً عن الضعفاء، وتسرى أطرها على الناس قاطبة تدفع عنهم شراً، وتورد عليهم سروراً بقدر متساو، ولا تكون حكرًا على عرق دون عرق، ولا على طائفة دون أخرى، فالجميع أمام شرع الله سواء.
ومن أوجه العدالة، في عقوبات الحدود والقصاص والتعازير، أن العقوبة تتناسب مع الجريمة تناسبًا تاماً، فلم يشرع سبحانه وتعالى كما يقول ابن قيم الجوزية في «الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا فى السرقة اعدام النفس، وأن ما شرع لهم فى ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه واحسانه وعدله، ومن المعلوم أن النظرة المحرمة لا يصلح الحاقها فى العقوبة بعقوبة مرتكب الفاحشة، ولا الخدشة بالعود بالضربة بالسيف، ولا الشتم الخفيف بالزنا والقدح فى الأنساب، ولا سرقة اللقمة والفلس بسرقة المال الخطير العظيم».
وينبغي أن نلاحظ أن الشريعة الإسلامية الغراء لم تكفل العدالة للمعتدى عليه فحسب، بل شملت المتهم والجاني أيضاً، فلقد وضعت ضوابط ومعايير حتى لا يعاقب الشخص بدون جريرة أو دليل دامغ، فالأصل براءة الذمة والحدود تُدرأ بالشبهات، كما وضعت أحكاماً خاصة فى طرق إثبات الجناية.
د.الطيب النقر
تعليمات الشيخ للمشير:
إذهب الي المحكمة !!
اذهب دافع عن نفسك !!
“إذا كان الحق عليكم تقوموا تعرضوا .. تقلبوا …
المحكمة حكمت ضدي القاضي فاجر …القاضي غشاش
القاضي كذاب” !!
https://www.youtube.com/watch?v=H4PS63lVfRY
“إن الحكم الإسلامى يلزم الراعي والرعية على حد سواء بحقوق وواجبات، يخضع لها الأقوياء فضلاً عن الضعفاء، وتسرى أطرها على الناس قاطبة تدفع عنهم شراً، وتورد عليهم سروراً بقدر متساو، ولا تكون حكرًا على عرق دون عرق، ولا على طائفة دون أخرى…”
و لا تكون حكرا على دين دون دين (كحق غير المسلم في الترشح لرئاسة الدولة)؟ و لا على نوع دون آخر (كحق المرأة في الترشح لرئاسة القضاء)؟
😎 كيف يكون العدل هو اساس الاسلام و انت تعلم ان مفهوم العدل لم يتحقق من. ظهور الاسلام و الي اليوم 😳
الجنة في الإسلام ومهزلة العدل المطلق
حيدر الفيتوري
دائما مانصطدم بعوائق فكرية ومعنوية عديدة حينما نتحدث عن مسألة العدل من الناحية االإنسانية( النسبية ) والناحية ( المطلقة ) أي الإلهية التي لايعلي عليها ,
فالعدل في اللغة بمعنى السوية، والتسوية وفي العرف العام استعمل بمعنى رعاية حقوق الآخرين، في مقابل الظلم (الإعتداء على حقوق الآخرين)، وعلى ضوء ذلك عرف العدل بأنه “إعطاء كل ذي حق حقه” إذن فلا بد أن نتصور أولاً موجودا له حق، لتكون رعاية حقه “عدلا” والإعتداء عليه “ظلما”، ولكن أحيانا يوسع مفهوم العدل، ويستعمل بمعنى “وضع الشيء في موضعه أو القيام بكل فعل على وجه حسن” وعلى وفق هذا التعريف، يكون العدل مرادفا للحكمة، والفعل العادل مساويا للفعل الحكيم.
وما يجب علينا التأكيد عليه هنا: هو أن كل عاقل يدرك بأن أي أحد لو اختطف قطعة خبز من طفل يتيم، وبدون مبرر، أو أنه أراق دم إنسان بريء فقد إرتكب ظلما واقترف عملا قبيحا، وعلى العكس من ذلك، لو أخذ أحد قطعة الخبز المختطفة من يد الغاصب وأعادها إلى الطفل اليتيم، أو أنه عاقب القاتل الجاني، العقوبة التي يستحقها، فإنه قد عمل عملا حسنا وصائبا، ولا يعتمد هذا الحكم بالحسن والقبح بالعدل والظلم، على الأمر والنهي الإلهي، فإن هذا الحكم يحكم به حتى من لايؤمن بوجود الله >
هذه كانت مقدمة بسيطة عن مفهوم العدل بالوجه العام , أما موضوعي في هذه المقالة فهو يتحدث عن المفهوم الخاص للعدل الإلهي في الديانة الإسلامية .
كنت قبل فترة وجيزة أخوض حوارا مع أحد الإخوة المهتمين بهذا الشأن حيث أنه كان يبدل جهدا كبيرا في محاولة إقناعي بأن الإله في الإسلام يحاسب جميع الناس بحسب أعمالهم وإستند في هذا الموضوع علي الأية ( فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .
ولكن هل يصح هذا القول علي غير المسلمين ؟
قمت بالرد علي محاوري بسؤال عن مطلقية العدل في الإسلام أي أن الأمر في هذه الحالة سيتعلق بالجنة والنار , وقلت له ( لو إفترضنا مطلقية العدل في هذا الأمر فهل سيدخل غير المسلم الجنة ؟ مع العلم بأن أغلب الناس الغير مسلمين يعيشون علي هذه الحياة بطيب وكرم وعدل وبأخلاق حميدة , علما بأنهم يعلمون بالإسلام وبعضهم درسون ولم يقتنعوا به كدين من عند الله !! .
فما كان لصديقي إلا أن يجينبي تلك الإجابة الصادقة الصريحة وقال : نعم لن يدخلوا الجنة أبدا ولن يشموا ريحها فليست العبرة أن تكون أخلاقهم حميدة ، بل العبرة انقيادهم لله تعالى ولأوامره ، ألا ترى إلى المجوسي أو البوذي الذي يعبد النار مثلا أو الأصنام من دون الله ، ولم يعبد الله ، ويقر له بالعبودية دونما سواه ، وكذلك النصارى الذين قالوا إن الله إتخذ ولدا ، وغيرهم من المشركين هؤلاء أساءوا الأدب مع الله تعالى ، وسبوه وشتموه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفئاً أحد ) رواه البخاري ( 4974 ) ، فهؤلاء كيف تكون أخلاقهم حميدة وهم يسيئون الأدب مع الله عز وجل ، مع أن الله عز وجل جعل لهم الأسماع والأبصار ، ويسر لهم كل شي ، وأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ، وأسبغ عليهم نعمه ، فكان حقه عليهم أن يشكروه فلا يكفروه ، فلما لم يمتثلوا ذلك استحقوا غضب الله ونقمته ، قال تعالى : ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) الكهف . إنتهت الإجابة وبينت إجابة هذا المحاور البعض من معاني الديكتاتورية الإلهية في الإسلام ومهزلة العدل المطلق .
تعالوا الأن لنفصل الموضوع أكثر ونستعين ببعض النصوص من القرأن والأحاديث لنتبين فيها ( هل سيدخل غير المسلمين الجنة أم لا ؟؟ )
قبل عدة سنوات ذهبت لزيارة صديق لي كان يعاني من بعض المضاعفات المرضية في المستشفي فجلست وتبادلنا الحديث وإذ بممرضة إيطالية قد بلغت من السن عتيا وكانت ترتدي صليبا علي رقبتها تدخل الغرفة لتعاين صديقي وتستبدل له كيس التغذية المعلق وخرجت بعد ذلك ,
وحينما إستشرت أحد الأطباء عن تلك الممرضة أخبرني بأنها طبيبة إيطالية متقاعدة جائت هي وصديقاتها لهذه البلاد ليتبرعن بما تبقي من عمرهن في مهمة المريض دون مقابل , فأعجبني مقال الطبيب وتحرك في عقلي سؤال حينها , تلكن الممرضات بالرغم مما يقمن به إلا أنهم غير مسلمات
فهل سيدخل الجنة لقاء خدمتهن في هذا المجال .
مرت الأيام وقدمت إلي أحد المشائخ لأحكي له الموضوع وأسأله بصفته رجل دين يملك من العلم في أمور الدين مالا يملكه عوام الناس .
فسألته نفس السؤال ولم تختلف إجابته كثيرا عن إجابة محاوري القديم إلا أن إجابة هذا الشيخ كانت تحمل الكثير من الأدلة والتفاصيل بما لاتترك مجالا للشك بأن كل من هم علي غير دين الإسلام مع علمهم بالرسالة لن يدخلوا الجنة بتاتا .
كانت إجابة الشيخ هي كالاتي : أما فيما يخص موضوع الغير مسلمين بصفة عامة فقد أنزل الله ايات عدة تبين مصيرهم أولها في قوله تعالي ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) فالمعني من الأية واضح وضوح الشمس وبإمكان القارئ الرجوع للتفاسير المعتمدة , وأتبع الشيخ إجابته وساندها بحديث النبي محمد الذي قال فيه ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم .
الصراحة صدمتني إجابة الشيخ حينها ولكني شددت علي سؤاله مرة أخري ( ولكن ياشيخ كلنا نعلم بأن الجزاء علي جنس العمل فالله في سورة القارعة يقول ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ) وهؤلاء الكفار منهم من تبرع بحياته في بيل عمل الخير في الدنيا فهل يعقل أن يحاسبهم الخلق لأنهم لم يؤمنو بدينه فقط !؟؟
رد الشيخ مسرعا وبنبرة صارمة وقال : هذه الأيات تنطبق علي المسلم فقط يا بني فالكافر، الذي يحسب أنه قد عمل عملاً وأنه قد حصل شيئاً، حينما يوافي اللّه يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش على أفعاله لم يجد له شيئاً بالكلية، كما قال تعالى: { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} وساند الشيخ إجابته بالأية في سورة النور ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ-;—;– إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ-;—;– وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) أي بأن الكفار أعمالهم الخيرة والحسنة في الدنيا ليست إلا سراب يختفي يوم القيامة فلا يجدون منه شيئا !! .
ولنا في قصة الغلام اليهودي الذي كان يخدم النبي محمد خير مثال وأسمي عبرة في هذا المعني أنس بن مالك رضي الله عنه .( أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ : أََسلِم . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ لَه : أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ . فَأَسلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ ) رواه البخاري , فالناتج من هذه القصة أنه بالرغم من أن هذا الغلام من أهل الكتاب وأنه كان يخدم النبي محمد إلا أنه حينما إستلقي علي فراش الموت وإقتربت ساعته لم ينفعه كونه كتابي ولا أنه كان يخدم النبي محمد لأنه لم يكن ليدخل الجنة لولا أنه نطلق الشهادتين لهذا قال محمد في أخر الرواية ( الحمد لله الذي أفلته من النار ) .
وهكذا إنهارت مفاهيم العدل الإلهي المطلق في الإسلام أمام مفاهيم العدل الإنساني الذي يكون فيه الناس سواسية حيث لا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وملحد وبوذي كلهم سواسية في الجزاء والعقاب تحت ظل محاكم إنسانية لاتفرق بين أهل العقائد في الحكم !! .
رسالتي في هذه المقالة أوجهها لأخوتي المسلمين بصفتي مسلم سابق : اإستفيقوا يا إخوتي فلإله الذي يجازي الناس إستنادا علي أديانهم ليس إلها عادلا ولا يملك أدني متطلبات العدل النسبية الموجودة في الفطرة الإنسانية السليمة ولا يستحق العبادة أبدا فالإله الحقيقي ( إن وجد ) بعدله المطلق هو الذي يحاسب الناس إستنادا علي أعمالهم من خير وشر في الدنيا , ليس علي معتقدات الناس ! فلتغيروا نمط تفكيركم ولنعش بأمان وسعادة متقاربين ولنتحاور في إختلافاتنا إستنادا علي المنطق الإنساني الحر لا المنطق الديني الدوغمائي فمسألة العدالة المطلقة أسمي بكثير مما وصفت في الكتب التي أسميها ( مكدسة )