تشظي القوي المدنية السودانية، الأسباب والمآلات (2)

ما تعرضنا له في المقال السابق تحت هذا العنوان، حول أسباب التشظي – المؤسف – نواصله في هذه الحلقة بالتطرق للأسباب الخاصة بالتكوين الداخلي للكيانات السياسية، المرجو أو المأمول تلاحمها من أجل وقف الحرب المدمرة المستمرة في بلادنا.
صحيح أن لكل تنظيم سياسي، الحق في تحديد شأنه الداخلي الذي يحكم نشاطه وينظمه. في نفس الوقت، وبالضرورة أن يتأثر ذلك بحركة المجتمع وبالصراع الدائر فيها سلباً أو إيجاباً.
كما هو معلوم، ورد خبر لقاء أحزاب الأمة ، الشيوعي والبعث في القاهرة للتفاكر وتوحيد الجهود حول وقف الحرب. ولا شك أن ذلك الخبر قد وجد استحساناً واسعاً وشكل بارقة أمل وخطوة إلي الأمام نحو تحقيق بناء الجبهة المدنية العريضة. ولكن للأسف لم يدم ذلك الشعور طويلاً. لقد أصدرت مركزية الحزب الشيوعي بياناً، بأن من مثلوا الحزب في ذلك الإجتماع لم يكونوا مخولين من قبل الحزب وبذلك يكونوا قد مثلوا أنفسهم وليس الحزب. وحتماً، لمركزية الحزب الشيوعي الحق في ممارسة انفاذ اللائحة الداخلية التي تحكم عملها. ولكن المثير للدهشة أن يأتي ذلك البيان بعد فترة طويلة نسبياً – أو علي الأقل تم إرساله متأخراً- خاصة في موضوع حساس كهذا. والغريب أيضاً، إشارة البيان إلي عدم الموافقة علي الإجتماع مع تجمعات سياسية! رغم أن الإجتماع المشار إليه لم يضم تجمعات سياسية.
ما ورد آنفاً، يؤكد الصرامة “عالية الدرجة” في التنظيم الداخلي للحزب الشيوعي السوداني؛ وهو أمر ليس للآخرين حق في التدخل فيه. ولكن الأمل ما زال معقود في أن يثبت الحزب الشيوعي الخطوة إلي الأمام في الجهود الرامية إلي بناء الجبهة المدنية العريضة،بعد هاتين الخطوتين الي الخلف!
في الجانب الآخر، جانب القوي المدنية المنضوية تحت راية قحت/تقدم، وخاصةً الحزبية منها، يلاحظ أن عملها الداخلي يتم بمرونةً زائدة، تتسبب في خلل تنظيمي يهدد تماسك هيكلها. والمثال الأوضح نراه فيما رشح حول الصراع الدائر في حزب الأمة. وذلك شئ غير إيجابي في ظروف السعي إلي تماسك ووحدة القوي المدنية الرامية لوقف الحرب.
يبدو أن النقيضين، الصرامة التنظيمية العالية والهشاشة في ضبط العمل الداخلي، تمثلان، عوامل مؤثرة سلباً في مسيرة بناء الجبهة المدنية بغض النظر عن إيجابياتها في مجال آخر.
إضافة إلي العوامل الداخلية المنظمة لعمل الكيانات السياسية، (درجة صرامتها، مركزيتها…)، وأثرها علي الواقع والأحداث في البلاد، هنالك عوامل ترجع الي عمق ونضوج التجربة للكيانات السياسية المختلفة. هذا بالطبع إذا غلبنا حسن النوايا. في هذا الإتجاه، يبدو أن الإستعجال الذي صاحب تكوين “تقدم”، حيث تم لقاء أديس أببا قبل إجتماع لجنته التحضيرية (السداسية)، المكونة من قحت ومبادرات إعلان المبادئ والمنصة! مما اضطر الحاضرين الي تأجيل الإجتماع ليومين علي أمل إلتحاق بعض المدعويين. إضافة إلي ذلك، يبدو أن ضعف أو قلة التجربة قد تسببت في إضافة عناصر سياسية (الحكم الفدرالي) لإعلان أديس أببا الموقع بين رئيس “اللجنة التحضيرية” لتقدم وقائد الدعم السريع. وهذة “الهفوة”، – لنكون أيضاً حسني النية – أثرت تأثيراً سالباً وأعطت الفرصة لفلول النظام البائد لدمغ تقدم بالتواطئ مع الدعم السريع؛وأبعد من ذلك، اتهامها بفرية الحاضنة السياسية له!
خلاصة القول، إن تشظي القوي المدنية الديمقراطية، “المؤسف”، يمكن إرجاعه أيضاً إلي عوامل متعلقة بطبيعة التنظيم الداخلي الذي يتسم بالصرامة المركزية العالية السقف أو الهشاشة المخلة إضافة إلي ضعف التجربة السياسية. مآلات كل ذلك نجدها في التشظي المؤسف للقوي السياسية المدنية، في هذا الوقت الحرج والمحزن الذي تمر به بلادنا.
الحسن النذير
صراحة صرت اكره استخدام هذه الثلاث كلمات في السياسة السودانية وهي تشظي، رحم وحضن، مثل كرهي لاستخدام الكلمات القميئة اللا انسانية التي تعبر عن انحطاط القيم وسيادة الشر وبغض الحياة وكره الخير وهي كلمات لاتروج الا وسط الموت والقتل والدمار والحرب، مثل بل وجغم وفتك ومتك.