
المعرفة والفنون ومعضلة الشرك والتجسيد الإلهي
تمثال لوفينمخك (الرجل الأسد) المنحوت من العاج في شكل إنسان برأس لبؤة ، والبالغ من العمر أربعين ألف عام ، والذي وجد في كهف هولنشتاين- استاديل في المانيا، يُعتبر أقدم تجسيد عرفته البشرية حتى الآن. أما كهف تغوا- فغيغ (الأخوة الثلاثة) المتعدد الحجرات ، في منطقة اريج في فرنسا ، فقد احتوى مجموعة من اللوحات والنقوش من العصر الحجري عمرها ألف وأربعمائة عام من قبل الميلاد. على جدران إحدى غرف ذلك الكهف العتيق ، تسمى ب-الحرم ، توجد رسوم لحيوانات مختلفة منها الخيول والوعول والماموث والبيسون بجانب اثنين من الكائنات النصف – بشرية – نصف – حيوانية وصورة مركزية في شكل إنسان مركب من أعضاء حيوانات مختلفة أطلق عليه اسم الساحر أو ‘الإله ذو القرنين’ فسر على أنه نوع من الروح أو رَب للحيوانات عظيم.
في أساطير حضارة المايا القديمة وقع رجل ، معدم فقير ، في حب امرأة مُترفة ، جميلة ، هيفاء ، شقراء ، فأخبرته أنه إذا أراد أن يرى شعرها يتجدد ، ينعم ويطول ، وجب عليه أن يمسكها من شعرها ويسحبها فوق أرض محروقة حتى تنبت له محصولاً من الذرة الشامية شهِّيا ، طاعما ووفيرا. لم يتردد الرجل المتيم فأضرم ناراً في حطب من عظام وجَرَّ معبودته فوق الأرض المحروقة حتى تتمكن من النهوض مجدداً من تحت الرماد وتصعد إلى السماء وتصير امرأة – آلهة ، أصغر سنًا وأكثر فتنة وخصوبة وجمال ، تهبه الحياة الدنيا ، وتنير له جنبات الطريق إلى حيث جنان المتعة والخلود.
كان إندرا ، كبير آلهة الديانات الهندوس – فيديه ، وإله السماء والعواصف والحروب ، يشارك الناس حياتهم العادية ويشرب عصير نبتة سوما المسكرة والمقدسة. عندما قام ثعبان الجبل ، التنين – فريترا ، بتَكديس مياه الجبال ومنع الأنهار السبعة من الجريان ، اندلعت الفوضى ومات الزرع وعطش الإنسان فقام إندرا بقتله وحرر الأنهار السبعة من قبضة ثعبان الجبل ليستعيد التوازن بين الطبيعة والإنسان.
افرودايتي ، آلهة اليونانيين القدماء ، كانت مرآة لكوكب الزهرة على الأرض وأم لكل الكائنات وإلهة للحب والخصوبة والزواج والإنجاب. تبدت افرودايتي في العديد من الأعمال الفنية من نحت ورسم في صورة امرأة في غاية الحسن والجمال والإغواء ، والإغراء. في قصة ملحمة “الإلياذة” الشعرية خرجت افروديتي ، آلهة اليونانيين القدماء ، من البحر وسارت حافية الأقدام على طول ساحل رماله الناعمة لينبت على أثر خطاها زهور البنفسج والياسمين والأقحوان كتجسيد لقدرتها في التحكم في الطبيعة. ولأن ذات افروديتي فيها طعم ماء البحر المالح وملمس زبده الطافح ، فقد كانت في بعض الأحيان تتبدى للعالمين كمخلوق ثنائي الطبيعة ، نصفه الأسفل سمكة ، والأعلى منه إنسان – حورية للبحر تغري للحب المقدس والحرام. أما حُبُها الجارف ل – آريس ، إله الحرب ، الفارس، الفارع – الوسيم ، فقد أشعل أُتون نار حرب طروادة وأحكم العداء بين الآلهة المشاركة بنفسها في وطيس المعارك الحامية.
في عصور الحضارات الكوشية القديمة ، كان ينظر إلى حكام النيل الكوشيين القدامى على أنهم تجليات إله السماء على الأرض. فعند بدايات الهداية كانوا يصعدون من أعماق البحار والأنهار ليعتلوا شاهق الجبال تقربا لشعاع نور الشمس ثم يستووا على هاماتها ليتَبدَّوا للإنسان في صورة إله رجل – إنسان. الإله رع، في تطوره اللاهوتي – الأسطوري نحو إله كامل القدرات ، سرمدي الحضور ، في البداية إكتسب قدرات للإله اتوم ، إله الشمس واهبة الحياة من هواء وماء ودفء ونور ليصبح ’اتوم- رع‘ عند قائظة الظهيرة و ’خبري-رع‘ عند حمرة المغيب – المهيب. مع نظيرته الإلهة رأيت – تاوي أنجبا الإله رع – سَخْمت وبَسْتْت وحَتحْور الذين مثلوا فيه طبيعة التريث والحكمة ، لكن أيضا نذق التهور والانتقام. أما مع الآلهة الأم ‘موت، فقد أنجبا خونسو ، إله القمر الذي يشع نوره فيضيء للمسافرين طريقهم في سماوات الدجى الحالك.
أما الملك الكوشي ابيدَماك ، إله الحرب الذي حقق الانتصارات وهزم الأعداء ، فقد جُسِّد على واجهة معبده الواقع على سفح جبل النقعة على شكل ثعبان يخرج من زهرة لوتس وبجانبه الملك ناتاكاماني والكنداكة امانيتور وهما يمارسان سطوتهما على السجناء. أما على الجانب الآخر من المعبد فقد ظهر الآلهة آمون في صورة رجل برأس صقر جارحٍ – كاسر وبجانبه حورس ، إله السماء والنيازك والنجوم.
الأديان الإبراهيمية ، السماوية ، الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام ، على الرغم من اختلاف رسالة أنبيائها إلا أنها توحدت حول قصة الخلق الإلهي لآدم الذي نُفِخَ فيه من روح ربه فكان أن “خلق الإنسان على صورته”. ثم بعد ذلك ، وفوق قمة جبل في صحراء سيناء ، تبدى الله لنبييه موسى ناراً من تُقابة وكلمه تكليماً ، وبعثه رسولاً يهدي شعبه المختار من اليهود إلى طريق الخلاص والصلاح. أما “عقيدة الثالوث المسيحية” فقد وحدت بين نبيها عيسى وخالقه الإله ليصبحا مع بعضهما ناسوتاٌ بعثت فيه روح من القدس ثالثة. أما في دين الإسلام تأصل التجسيد في ترقي المسلم الصالح ، العارف بدينه ، إلى جوار عرش ربه في أعالي السماء ليتنزل بعد ذلك ويكون ظلّاِ الله على الأرض ورسولاً له يهدي عباده المؤمنين.
وهكذا كانت للآلهة القديمة أسماء ذات مغزى وصور وأشكال ذات معنى. فقد كانت تمشي على الأرض ، تشارك الناس حياتهم العادية ض ، تتجول على شواطئ البحار وتسبح في مياه الأنهار. كانت تتقبل التضحيات ، تأكل الطعام ، تقع في الحب ، تُغار ، تغضب ، تكره ، تتزوج وتنجب الأطفال. كانت توصف بالحسن والجمال ، وطول القوام ، وتمارس الغزل والإغراء والإغواء. في أحيان كانت تتملكها بوادر الحكمة والتًّروي ، وفي أحيان أخرى كان يعتريها عاطفة التهور والتشفي والانتقام. وأيضاٌ ، كانت تخوض الحروب الضروس وفيها تصاب وتُجرح وتضام.
فإذا كانت الآلهة تستعصي ببعد السماء وتتخفى من وراء حجب عالم ما وراء الطبيعة ، وإذا كان التاريخ في الأديان بداياته أزلية ونهايته سرمدية ، فلا مفر إذاٌ من إحالات المقارنة الجسدية والإشارات الزمنية لمعرفة كنه الخالق الذي يمتلك كل أسباب الحياة والوجود والأشياء.
أرجع علماء اللاهوت معضلة التجسيم الإلهي لعجز وقصور اللغة بالإحاطة بالطبيعة المتناهية للخالق المتسامي ، لذلك لجأوا للحيل اللغوية لتفادي السقوط في ارتكاب خطيئة الشرك بالله. توماس اكويناس ، القديس المسيحي ، قال بِتَماثُل الوصف والموضوع. بمعنى أن الوصف الذي يطلق على الإله ليس بذلك الذي يوصف به البشر – فالحلم عند الله يختلف عن الحلم عند الإنسان. أم حيلة اللاهوتي اليهودي ، ميمونيدس ، فكانت إسقاط الصفات السلبية على الخالق من مثل ’لله لا يفتقر للحيوية‘ حتى يمكن تفادي إسناد الصفة الإنسانية ’يحيى ‘لذاته المنزه عن الوصف والتمثيل. أما في دين الإسلام قال المعتزلة بخلق القرآن باعتبار أن كلام الله صفة محدثة من صفاته المقدسة ؛ فالله متكلم وقد “كلم موسى تكليما”. كذلك وحد المعتزلة بين أزلية الذات الإلهية وصفاته المحدثة حتى لا يُوحَىَ بوجود شركاء مع الله في القدم. مع كل ذلك ، وعلى الرغم من مبدأ التأسيس على فقه التوحيد في الأديان الإبراهيمية ، لم يتفق علماء لاهوتها على تبرير توحيد ذات الإله وصفاته لعدم مقدرة الإنسان على تصور وجود مجرد من وراء الطبيعة من دون الرجوع إلى تجربة إدراك حسي مُسبق.
نحن ، نفتح أعيننا فنرى العالم من حولنا- نتعرف على العالم حرفيا. نشاهد كسوف الشمس فيعلم جمعًنا أن العام قد شهد الحدث الكوني المذهل والبديع. نسمع غناء العندليب فنسجل صوته على جهازنا المحمول وفي وقت لاحق من تلك الأمسية الرائعة نسمعه للفتاة التي تحاول إثارة إعجابها. نسير على شاطئ البحر حافيي الأقدام حيث تلامس مياهه الباردة رماله الدافئة تماما كما فعلت الآلهة الإغريقية افرودايتي ، ليس لكي نعطي معنى للحياة ، لكن لمجرد الاستمتاع بذلك الشعور الندي.
هكذا نرى ما يراه الجميع بالفعل ، ونسمع ما يسمعه الجميع بالفعل. نرى اكتمال القمر في ليل صفاءه أو لا نراه ؛ نميز غناء العندليب من بين زققة العصافير أو لا نميزه. للتحقق من صحة معرفة حواسنا نقوم بإرجاعها لنفس الواقع الذي أتت منه – الواقع المحيط الذي يمثل المعيار لحكمنا على حقيقة معرفتنا للأشياء. فإما معرفة صحيحة ، جيدة ومتناسقة مع الواقع أو كاذبة ، سيئة ومتناقضة معه. بيد أن ترجمة هذه الحواس إلى مفاهيم يعتمد على صحة مخزوننا المسبق من نوع تلك المعرفة. فعندما يرى أحدنا صورة مختلفة ، أو يسمع صوتًا نشازاً ، فإننا نحكم على تصوراته على أنها أوهام – تصور مشوه لواقع ماثل. أما إذا رأينا أشياء لا يراها سوانا أو سمعنا أصواتًا لا يسمعها الآخرون ، فنعتبر ذلك هلوسة لقيامها من دون محفز خارجي.
وهكذا أيضاً نرى اللوحة المرسومة أو العمل المنحوت أو المنقوش كإشارات بصرية مصدرها محفز طبيعي ، حقيقي ، تُتَرجم في مراكز العقل إلى نمط صوري يترسخ في ذاكرة الإنسان كمرجعية للقياس المعرفي – التصوري اللاحق. فالنص هنا هو نص معرفي – صوري – تخيلي ، رسماً ، أم نحتاً ، أو نثراٌ كان. لذلك ، إذا كنا نريد فهم النص الفني وتفسيره كانعكاس وتجسيد لمحتوى فِكْر وأيديولوجيا راسِمَهُ الفنان ، أو متلقيه الفرد الإنسان ، فلا مفر من إرجاعه للواقع الذي أتى منه ولا مفر من سياق التاريخ فيه ، ولا غِنى عن تماسك وتناسق المرجعية المعرفية التي تحكم على حقيقة أصله مصدره. أما إذا كان ذلك النص المعرفي – الصوري – التخيلي ليس له مرجعية في الواقع وخارج سياق زمانه ، فهو ليس أكثر من وهم – تصوري لواقع غير موجود.
إذاً ، في سياق هذه المقاربة المفاهيمية لمعضلة الشرك والتجسيد ، يمكن اعتبار الفن أداة فعالة من أدوات التناص المعرفي التي تحرر النص المعرفي الإبداعي من قيود سياق زمنه القديم وتعيد صياغته في نص معرفي جديد بعيد عن الأحكام الجزافية ، النمطية ، المُبتَسرة وبذلك تمكنه من تبادل المعاني والدلالات مع مجموعات النصوص المعرفية والثقافية الأخرى.
😎 المحترم عثمان و كاني بك لا تعرف عداء المجتمعات المسلمة تجاه الفنون و حرية الابداع 😳
جناية الإسلام على الفنون والآثار
علال البسيط
من ينظر إلى تمثال أبي الهول ويحقق في وجهه، يرى تشويها لحق به، فيتهم الزمن، ويحسبه من فعل تقادم الدهر وتعاقب عوامل الطبيعة، ولا يقوم بخاطره أن يكون فعلا اسلاميا مبيتا لكن التاريخ يأبى إلا أن يفضح جهالات الاسلام وأتباعه، وجنايتهم على معالم الأمم وآثارهم.
لم يكن محمد إلا أعرابيا جاهليا، وجلفا جافيا غليظ القلب، لا يستهويه فن ولا جمال، ولم يكن يشغل باله سوى ما يغنمه في غزواته مما يسد به ما بين لحييه، فإذا أكل مسح يديه بأقدامه وقام يثخن في الأرض، وأما أساليب الحضارة و التمدن وما اتصل بهما من فنون ومعارف، وأبنية مشيدة، وعمران شاهد، التي هي عنوان رقي الجماعات الذين يسكنونها، فإن محمدا كان منها خلوا، وعنها معرضا.
لقد حارب محمد بأفق ضيق، وفكر محدود، كل الأعمال الفنية وما يتصل بأساسات الرسم والنحت والتصوير والموسيقى، التي يعبر بها الانسان عن تصوراته الكونية، وتفاعلاته مع الطبيعة، فحرم التصوير الفني وصناعة التماثيل وإقامة النصب، معتبرا ذلك تعديا على اختصاصات الله، وخلقا يضاهي به الفنان خلق الإلاه، ورتب على الابداع الفني عقوبات أخروية تتوعد الفنانين من مصورين ونحاتين وموسيقين، بأصناف من العذاب الجهنمي، يستوي فيه من أقام تمثالا أو رَقَم ثوبا أو نقر دفا.
تروي لنا عائشة في ذلك هذا الحديث، قالت:(( حشوت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نمرقة فيها صور، فلما جاء فقام على الباب تغير لونه حين رآها، واحمر وجهه، قالت: يا رسول الله تبت إلى الله ماذا أذنبت؟ قال: ما هذه؟ قلت: اشتريتها لك لتجلس عليها فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة!! يقال لهم: أحيوا ما خلقتم وإن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة)). قال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) معلقا: هذا الحديث من أصح ما يروى عن النبي في هذا الباب ..ثم قال: قد صرح بأن الصورة في الثوب لا يجوز اتخاذها، ولا استعمال الثوب الذي هي فيه، وذكر فيه من الوعيد ما ترى، وهو غاية في تحريم عمل الصور في الثياب وغيرها!! (…)هذا ما يوجبه ظاهر هذا الحديث وهو أشد حديث روي في هذا الباب وهو أحسنها إسنادا، وأصحها نقلا!. وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: كان على بابي درنوق فيه الخيل ذوات الأجنحة، فقال النبي :ألقوا هذا!!.
وفي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله إن جبريل أتاني البارحة فلم يمنعه أن يدخل علي إلا أنه كان في البيت حجال وستر فيه تماثيل وكلب، فأمر بالتمثال أن تقطع رأسه!! وبالستر أن يشق ويجعل منه وسادتان توطآن، وبالكلب أن يخرج!! وفي (صحيح) مسلم عن علي أن محمدا قال : (لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته ). وفي حديث آخر : (من مر برأس التمثال فليقطعه حتى يكون كهيئة الشجرة ).
وعلى هذا المبدأ المعادي للفن والابداع، صار المسلمون بعد محمد يفتون الناس بحرمة الفن والتصوير، ويفنون كل ما قدروا عليه من تماثيل وقطع فنية، مثلها اليوم بات محجا لملايين الباحثين والدارسين لتاريخ الانسانية، وتشكل موضوعا ومادة أساسية لعلم الاثار الذي هو فرع من علم الإناسة (الأنثروبولوجيا) أو علم العاديّت، (الأركيُلُوجِيا) الذي يتيح للعلماء دراسة أشكال الحياة عند الأمم القديمة بدراسة مخلفاتها، من خلال فحصها وقراءة مشخصاتها.وما يكتشفه عالم الآثار، بدءًا من الصروح الكبيرة وانتهاء بالحبوب، يسهم في رسم صورة عن معالم الحياة في المجتمعات القديمة.ويقرر الآثاريون بأن البحث الآثاري هو السبيل الوحيد لكشف حياة المجتمعات التي وُجدت قبل اختراع الكتابة منذ خمسة آلاف عام تقريبًا. كما أن البحث الآثاري نفسه يشكِّل رافدًا مهمًا في إغناء معلوماتنا عن المجتمعات القديمة التي تركت سجلات مكتوبة فهو بهذا المعنى داخل في علم التاريخ، والجناية في حق الآثار بقدر الجناية في حق التاريخ.
لكن محمدا وأصحابه لم يقيموا اعتبارا للفنون باعتبارها قيمة جمالية، وبيانا إنسانيا راقيا، وسيطرت على المسلمين لقرون طويلة فكرة شيطنة الفن والتنفير منه والزراية على من يتعاطى شيئا من ذلك، وما تراه من تحقير للممثلين والمغنين في المجتمعات الشرقية هو أثر لما أدخله الإسلام في النفوس من جهة التنقيص على الفنون عامة.
لقد أتى رجل عبد الله بن عباس فقال: إني رجل من أهل العراق أصور هذه التصاوير(يسأل عن حكمها) فقال ابن عباس: سمعت رسول الله يقول من صور صورة يكلف يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ. بل كرهوا حتى تصوير الأشجار والجمادات، فإن الحافظ ابن أبي شيبة ذكر عن مجاهد (من كبار التابعين) أنه كان يكره أن يصور الشجر المثمر!!.
وعلى هذا ظلت تتهافت آراء أئمة الاسلام في الجناية على الفنون والآثار فيأتي أبو حامد الغزالي من أهل القرن الخامس في الفصل الذي حذر فيه من منكرات الحمامات(من كتابه الاحياء) ليدعو تلاميذه إلى تشويه كل ما تصل إليه أيديهم من وجوه التماثيل التي يكثر تزيين الحمامات بها، لأن (مشاهدتها منكرة، وغير جائزة) قال: ((ويكفيه أن يشوه وجهها ويبطل صورتها!!)) وقال في منكرات الضيافة: إسدال الستور وعليها الصور..وسماع الأوتار أو سماع القينات. وعد من المنكرات (( صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص وجميع ما تزخرف به الدنيا، فكل ذلك كرهه ذوو الدين، فأما عمل الملاهي والآلات التي يحرم استعمالها فاجتناب ذلك من قبيل ترك الظلم)) ولا شك أن مثل هذه الآراء التي يبثها الاسلام في عروق أهله كان لها الاثر البالغ في جمود حركة العمران على نمط واحد وتوجه الفن المعماري الاسلامي الى أنماط متكررة محصورة في أشكال معينة، وإن كان من خروجٍ عن هذا النسق العام فهو في فترات معينة من التاريخ، وفي ظروف فصل فيها الفن عن من سماهم الغزالي (ذوو الدين) وتمرد فيها جمهور المسلمين عن آراء الفقهاء.
وظل انتهاك الفنون والآثار مصاحبا لحركة الفتوح الاسلامية والبلاد التي استوطنها الاسلام، وسيطرت دعوة الغزالي ومن سبقه من المشرعين الاسلاميين، على عوام المسلمين فشوهوا وشعثوا كل ما اتصل بهم من تماثيل ورسوم ومنحوتات، ومن ذلك ما ذكره المقريزي في ( المواعظ والاعتبار) عن شخص يعرف بالشيخ ((محمد صائم الدهر)) جعل شغله الشاغل تشويه وجوه التماثيل في مصر، قال: ((قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة 780- لتغيير أشياء من المنكرات، وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه، فهو على ذلك إلى اليوم))، ويذكر المقريزي في موضع آخر أنه شوّه صورة وجوه سباع الحجر التي على قناطر السباع خارج القاهرة كما فعل بوجه أبي الهول!! وهكذا سار أتباع محمد في البلاد ينتهكون الفنون ويحطمون النصب والتماثيل ظنا منهم أن هذا الفعل من جملة القربات، ولا نشك أن لو توفر ل((صائم الدهر)) هذا في زمنه شيئا من ((الديناميت)) لنسف تمثال ((أبي الهول)) نسفا كما فعلت ((طالبان)) بتمثال ((بوذا)) في باميان.
وهذا مذهب هيئة كبار العلماء في السعودية وعيالهم من السلفيين في مصر فقد سئل الهالك محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء الرسمية وأحد أقطاب السلفية عن حكم التماثيل فأجاب:(( صنع التماثيل المجسمة محرمة لا تجوز، لأن النبي ثبت عنه أنه لعن المصورين!!، وثبت أيضاً عنه أنه قال: “قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي”، وهذا محرم.)) مجموع الفتاوى.
وسئل: هل يلزم طمس الصورة من المجلات حتى الإسلامية أو لا؟
الإجابة: ثبت في صحيح مسلم عن أبي الهياج أنه قال له علي بن أبي طالب: “ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله :ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته”. وعلى هذا فإن هدي النبي أن تطمس جميع الصور، لكن ما شق التحرز منه، وشق على الإنسان طمسه فإن هذا الدين ليس فيه حرج!!، لكن لا يجوز لأحد أن يقتني المجلات من أجل الصور التي فيها، لأن اقتناءها محرم، حتى الصور الفوتوغرافية سواء للذكرى أو للتمتع بها حيناً بعد حين أو لغير ذلك.
وسئل المفتي الاسبق في السعودية عبد العزيز بن باز: ما حكم التماثيل التي توضع في المنازل للزينة فقط وليس لعبادتها؟!!
فأجاب : لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ولا في المكاتب ولا في المجالس، لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله الدالة على تحريم تعليق الصور وإقامة التماثيل في البيوت وغيرها. لأن ذلك وسيلة للشرك بالله، ولأن في ذلك مضاهاة لخلق الله وتشبهاً بأعداء الله، ولما في تعليق الحيوانات المحنطة من إضاعة المال والتشبه بأعداء الله وفتح الباب لتعليق التماثيل المصورة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى الشرك أو المعاصي. وقد وقع الشرك في قوم نوح بأسباب تصوير خمسة من الصالحين في زمانهم ونصب صورهم في مجالسهم، كما بين الله سبحانه ذلك في كتابه المبين حيث قال سبحانه: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا} الآية، فوجب الحذر من مشابهة هؤلاء في عملهم المنكر الذي وقع بسببه الشرك)).(مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. المجلد الرابع).
فهذه هي نظرة الاسلام للفن والتصوير والنحت وأن على الفنانين أن يطوحوا بأقلامهم، والنحاتين بأدواتهم، والمصورين بكاميراتهم، وعلى معاهد الفنون الجميلة أن تقفل أبوابها وتتوجه إلى دراسة حكم أكل الضفادع وكيفية الاستنجاء على أيدي الفقهاء، ويعودوا إلى البداوة والأعرابية المحمدية ووحشيتها الغابرة، كأن لم يكن علم ولا فن ولا تهذيب، فما هذه الفتاوى في حقيقتها إلا لسان البهيمية الاسلامية حين تتعاطى لغة الاجتماع، فلا جرم أن تنطق إذ نطقت، بمعاني السفه والفقر والخراب.
ثم ما أفقرهم في مأخذ الحجج واستنباط البرهين، فإن هذا الذي له (القدرة) العقلية التي تسمح له اليوم(بكل وسائله ومنتجاته العلمية) بعبادة تمثال ((طلعت حرب)) مثلا لاعتقاده فيه، تسمح له بعبادة حشرة مقدسة لاعتقاده أنها تحمل أسرار الخليقة، ثم إن القرآن نفسه يتلو علينا أسطورة سليمان مع الجن وفيه: ((يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ)) ويقول المفسرون المسلمون في خرافاتهم التي تضج بها كتب التفسير أن هذه التماثيل كانت من زجاج ونحاس ورخام، وروي أنهم(أي الجن) عملوا لسليمان أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه. فكيف يحرمها الإسلام ويحلها لسليمان قبله ما دام دين الأنبياء واحد كما يزعم محمد خصوصا وأن علة التحريم غير منتفية في الحالتين؟! وليست عقول أنسب لهكذا تفكير من عقول أصحاب الفضيلة هؤلاء الذين هم أنفسهم لا يكفون عن الطواف بحجارة الكعبة ويرون فيها بناء ملكوت السماء.
مات ((محمد صائم الدهر)) وطواه الزمن بالنسيان والخزي، لأنه كيان مهلهل قائم على غير أساس، وبقي أبو الهول باسطا ذراعيه على رمال الجيزة يتوسط الأهرام في شموخ ومجد، لا يبالي بأولئك الحفاة العراة الذين يتسلقون أطرافه بسيوفهم الحقيرة الصدئة، ولحاهم المخضبة بالدماء، و أقدامهم المتشققة، وهو كل يوم يعلن انتصاره على شريعة محمد ببقاء رأسه بين كتفيه الخالدين، وهم كل يوم يشهدون على فشلهم
ياحليلو الدكتور!!
كحوار مركزية اوربية لايملك من تاريخ اجدادو، “شروي نقير”، والكارثة كلها هنا!!
وكنتيجة اهو ده حالنا الي اليوم، نكتل في بعض بالوكالة، كنتيجة للصراع مابين يسار طمبارة هكس باشا، ويمين طمبارة علاء “باشا” الارناؤوطي!!
يا دكتور:
الهات، والهة الاغريق اباء سادة عالم اليوم، من امثال الطرمبة، كانن اماتك، السودانيات واباءك السودانيين، اتدري هذا؟
نعم اسم قارة اوربا ماخوذ من اسم سودانية!
نعم “اثينا” ماخوذ من اسم سودانية!
نعم مؤسس اثينا كان سوداني، او ده كلو هو كلام اباء اوربا، حيرانا، خريجي خلاوينا، او مش كلام اجدادنا!
نعم السودان الواحد ده كان هو “الجنة” بالالف واللام، لدي الهة اوربا، دعك من الاوربيين!!
نعم السودان الواحد ده كان هو اول قبلة، والهة اوربا كانو بحجو سنويا للسودان الحالي عشان يستمتعو باكل “الكرامة” فرحانين، في كريمة الواحدة دي، ايو جبل البركل، اتدري هذا!!
ياخي من مهد لقيام مملكة الرومان كان جدنا ترهاقا، اتدري هذا، “ملك العالم” طبقا للتوراة؟
بناءا عليه، مفاهيم “شرك” و”تجسيد” الهي، زي ماقتا، ده، هو فهم الاخرين، خريجي خلاوينا، لي تعاليم اجدادنا شيوخ ذات التصوف، شغل اسقاط لي طريقة تفكيرم هم، المادية التجثيمية، بالسليقة، كما في نموذج الوهابية اليوم!!
ياخي قبل 40,000 الالماني ماكان حتي مضغة في رحم امو السودانية، ام البشرية واصل البشرية!!
ياخي لما الرومان غزو بريطانيا اليوم، “عامن اول” قالو سكان يريطانيا كانو “اثيوبيين” اي سودانيين، تقول لي المانيا؟
باختصار شديد جدا، سبب الدمار الاحنا عايشنو ده هو ازمة فقدان الهوية العايشنها، ولهذا مستعبدينا بدو الاعراب، بضقلو بينا كما كورة الشراب، من بعد قرون العبودية، “وفغن” للكتاب والسنة!!
يكفي “غوش” محرك “البرخان” قاعد وين، او حمرتي محركو منو!!
دكتور اسامه لك التحيه
مقال قمه فى الروعه يعكس عمق ثقافتك،
بمجرد ان قرأت عنوان المقال عرفت أن هذا المدعو نجارتا سيكون من اوائل المعلقين برد ليس من بنات افكاره ولكن بمقال اخر معاد للأسلام من احد كتاب موقع (الحوار المتمدن) وبما انه لص مأجور فهو لا يجتهد فى انتاج معرفه او يثرى الحوار بتعليق يعكس قناعاته الشخصيه فهو لا يفعل اكثر من ان ينقل اراء الاخرين وبذلك فهو ادنى وأحط من ان يكون عنصر فاعل.
اما المعلق بشاشا فقد اجتهدت كثيراً لكى أخلص لما يريد ان يقوله ومازلت اتسائل هل هو فعلا استوعب مقال الدكتور؟ وما علاقه حميدتى وبرهان وقوش بالمقال؟
ده غير الخرمجه والهذيان والمعلومات التى لم نسمع عنها حتى فى حكاوى الحبوبات التى اوردها فى صدر تعليقه نصيحه للأخ بشاشا ان لا يحاول الكتابه مره اخرى .
عموما يا دكتور اسامه اتمنى ان تواصل الكتابه فى موضوع الفنون وعلاقتها بالتصور الانسانى للخالق
وهل الفنون هى نتاج تقليد فطرى للبيئه المحيطه بالأنسان (الموسيقى والغناء مثلا) أم انها نتاج لقصور الوعى البشرى فى استيعاب مظاهر الطبيعه الخارقه ( النحت والتجسيم والرسم مثلا)
😎 و هل استطيع انا ان اكتب عن الاسلام بمثل ما فعل كتاب الحوار المتمدن ؟😳😄
انا انقل كتابات أساتذة مثل سيد القمني و كامل النجار حتى يرى المسلم الطقوسي ما يخفيه عنهم المسلم السياسي يا سعادتك 😳
هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟
سيد القمني
[email protected]
أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ
هـل الإنسان حـبـر وورق ..؟؟
سماحة الإسلام وأخلاق الإسلام
تخلف مصر وتقدم أوروبا..الجذور والأسباب
كيف تخلف المسلمون؟..الوثيقة القادرية نموذح
ان اساس بلاء و دمار المسلمين هو كتب الروايه و “علماء الروايه” و بداية الاصلاح هو التمسك بالقران و اعتبار كتب الروايه كتب تاريخ
مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ.
هـل الـمـســلـمـون يـسـيـئـون لـلـرســــل وهـم لا يـشـعــرون..؟
أكبر جرائم البشرية
السؤال جد هام ، وأيضا جد حساس ، لكنه سؤال مطروح الآن بقوة في كل الدراسات الشرقية ، وعلينا أن نطرحه أيضا على أنفسنا بهدوء نركن فيه إلى جانب العقل قبل القلب ، وقبل النقل ، وأن يكون هدف الإجابة ليس الانتصار للإسلام أو الانتقاص منه ، أن يكون الهدف هو مصلحة البلاد والعباد في زمن نتأرجح فيه على أرجوحة يقف إسلامنا في جانبنا على طرفها فوق جرف هار بلا قاع ، وعلى الطرف الآخر تقف بكل ثقلها حضارة الإنسان المدني الحديث ، قد تهتز باهتزازنا ، قد تتمسك بطرفه لكيلا نسقط في قاع التاريخ المنسي ، لكنها لن تستمر كذلك طويلا دون جهد مضاعف من جانبنا للحؤول دون السقوط في ثقب التاريخ الأسود.
وللمباشرة والدخول إلى صلب الموضوع يمكن طرح السؤال ببساطة :
هل تخلفنا الذي يتندر به الركبان هو تخلف معرفي حضاري أم هو تخلف ديني ؟
سيجيبنا أهل الدين كعادتهم المتعجلة في الإجابة للوقوع في الفخاخ ، إن تخلفنا يعود إلى نقص شاب إيمان المسلمين ، مما أدى إلى تخلي ربهم عنهم ، وأخلص الأمريكان للصليب ويسوع فنصرهم ، وهكذا تبدو الدنيا وفق هذه الرؤية كما لو كنا زمن آلهة جبل الأوليمب وأساطير الأدويسة والإلياذة ، وهي قفزة هائلة إلى بطن الخرافة وارتداد نحو الأسطورة في التفسير ، والعجيب أن هذا التفسير لتخلف المسلمين هو ما يروجه رجال دين المسلمين عبر كل الوسائل الإعلامية والدينية.
وما يفوت المشايخ وهم يطرحون رأيهم في أسباب التخلف تأثيما للناس وتذنيبا ، أنهم هم المسئول الأول عن الدين الإسلامي طوال تاريخه ، وأنهم يدعون حتى الآن أنهم المسئول عن الإسلام في الأرض ، وممن ثم فإذا حدث التخلف في الجانب الديني فإنهم سيكونون هم المسئول الأول عن هذا التخلف ، ومن ثم لن يمكن استمرار الثقة بهم بعد تخلف دام عشرة آلاف عام. لم يرعوا فيها دين الله حق رعايته التي حملوا مسئوليتها. فإن ردوا علينا أنهم لا سيطرة لهم على الإيمان داخل نفوس المؤمنين فهي منطقة ضمير حرة ، قلنا لهم : قلتم قولة حق ، لكنكم أيضا كنتم حراس الإيمان والمفتشين في الضمائر والحاكمين على الناس والمنفذين الأحكام حتى هذا اليوم ، ويكفي للقارئ إلقاء نظرة واحدة على ملخص أعمال معهد البحوث الأزهري لعام 2004 وحده ليعرف عدد من أمسكهم هذا المعهد بتهم تتعلق جميعا بصدق الإيمان.
ولأنهم كانوا القاضي والخصم والحكم والجلاد عبر التاريخ حماية لهذا الدين ، ولأنهم يزعمون أن تخلف المسلمين بسبب ابتعاد المسلمين عن دينهم ، ولأنهم كانوا المسئول طوال التاريخ عن الدين في الأرض ، فإن من قصر في حق دينه كل هذا التقصير لم يعد مؤتمنا على الدين ولا على الوطن ولا على الناس.
لا مخرج لمشايخنا من هذا الفخ التاريخي إلا الاعتراف للناس بصدق الإيمان ، وسحبهم كل تكفيراتهم وتأثيمهم للمسلمين البسطاء الذين لم يتربحوا بهذا الإسلام لا اليوم ولا أمس ، ولم يقبضوا الهبات والأموال والصدقات والزكاة والرضي السلطاني ليحافظوا عليه. حافظوا عليه فقط لإنه دينهم وجزء عظيم من ثقافتهم وهويتهم ، حافظوا عليه وهم يأكلون الفقر والفقر يأكلهم ، ولأنهم ببساطة يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه.
وبعد هذا الاعتراف والسحب عليهم الاعتراف أن تخلفنا هو في الجانب العلمي المعرفي الحضاري ، وهنا وبعد الاعتراف والسحب عليهم الانسحاب ، لأنه لا مجال لرجال الدين في البحث العلمي في مختلف العلوم ، بل هو مجال الفلاسفة وعلماء الاجتماع والتاريخ والرياضيات والفيزياء والكيمياء ، وهذه علوم خارج نطاق الدين ولا يفهمها رجاله ، لأنهم حتى اليوم يعيشون زمن القرن العاشر الميلادي يأسرون الأمة كلها داخل أسواره ، ويريدون أن يدخلوا في منافسة حضارية مع أمم تعيش في القرن الحادي والعشرين ؟ إنكم سادتي خارج المنافسة.
فهل يبدو من ذلك أن الإسلام هو الذي أدى إلى تخلف الأمة ؟ إن السؤال هنا يغفل تقدم الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأول. إذن الإسلام ليس سبب التخلف !!
لكن إذا كان ذلك كذلك وأنه دين تحضر فلماذا نحن اليوم متخلفون؟
يبدو أن هناك أختلاطا ما في المسألة يؤدي إلى التباسها ، هو أن الدين في حد ذاته كدين ليس طرفا في الموضوع ، إنما هو خارج اللعبة وبرئ من التخلف كما هو برئ من التقدم. وأن الإسلام كدين في حد ذاته لم يكن عنصرا في إنجازات الرازي والفارابي وابن الهيثم ، وليس عنصرا في اختفاء العلماء من بلادنا منذ هذه الكوكبة اليتيمة التي نستدعيها نندب عليها حضارتنا الموؤدة دفاعا عن الإسلام والإسلام منها برئ. فبالإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلقوا عليها لفورتها القاطرة نحو قطار الحضارة باسم النمور الآسيوية. . وبالإسلام نفسه تعيش بقية دول المسلمين في مؤخرة الأمم.
إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين. لكنها في كيفية استثمار هذا الدين ، فهناك من استثمره في التقدم ، ومنه من يستثمره في التخلف.
هناك من احترم الدين فصانه بعيدا عن آلاعيب السياسة ودسائس المشايخ والسلاطين ، وهناك من مازال يستثمره حفاظا على خط فكري نظري واحد ليظل سيد الموقف في كل شأن وكل أمر ، وهو موقف لا تشغله الأمة ولا الناس ولا الدين بقدر ما تشغله سيادته وسيطرته على العقل المسلم واستمرار هذه السيادة السلطوية المستمدة من تعبد الناس.
إنه الموقف الذي يمثله كل مشتغل بالإسلام مهنة ومصدرا للربح ، والذين يمكنهم تشكيل وعي الناس وفق الرغبات السلطانية والسلطوية. وهو الوعي الذي يتم وفق رؤية بعينها واحدة لا صح سواها ، يزعمون أنها هي صحيح الإسلام وغيرها كافر آثم ، مما لم يعط فرصة للرأي الآخر يوما بالظهور ، لذلك لم تظهر معارضة في تاريخ المسلمين ، وإن ظهرت فكانت وسيلتها الأيديولوجية قراءة أخرى لنفس الإسلام ، لكن هؤلاء غالبا ما انتهى أمرهم في التاريخ الإسلامي في مجتمع لا يعرف سوى فرقة واحدة هي الناجية.
ها قد عثرنا على سبب أول يرتبط بالإسلام :
انعدام وجود رأي آخر يؤدي إلى جدل مثر ونقاش حول الدين وحول الحياة لتفرز جديدها ، كما حدث عندما اختلف المسيحيون الأوائل في تفسيرات الإنجيل ، وحول الذات والروح القدس ، فاجتمع المختلفون في مجامع اعتمدت على قوة حجة المتعارضين ، لينتهي الأمر بقرار يتفق علية الأغلبية ، لتظهر خلافات جديدة لتعقد مجامع جديدة ، وهكذا كان مجمع نيقية ومجمع خلقدونية ومجمع أفسس. . إلخ. كانت هذه بقايا ثقافة اليونان والرومان ، أما على الجانب الإسلامي فكان أول مجمع وآخر مجمع هو مجمع سقيفة بني ساعدة التي تقرر فيها شأن الفهم الإسلامي السائد سياسيا ودينيا وغيره باطل الأباطيل.
ودخل هذا الفهم محنا حتى استتب له الأمر مرورا بحروب أهلية طاحنة بدأت بحروب الردة وليس انتهاء بكربلاء ، فظلت المنطقة الممنوعة المقموعة تظهر عبر التاريخ بقوة ثم لا يلبث أن يتم قمعها وإبادة أصحابها من الزنج إلى الحشاشين إلى القرامطة وغيرهم لم يبق منه جميعا غير المبدأ الخليفي القبلي الأول سائدا لا يقبل منافسة من سواه ، بزعم أنه صحيح الإسلام كما يريده الله ، كما لو كانوا قد عرجوا للسماء واستمعوا هناك إلى كل التفاصيل العجيبة التي دونوها في فقههم وتحليلاتهم وتحريماتهم وتفسيراتهم وفتاواهم من فهم الله نفسه ، وأنه قد خصهم بالفهم دون غيرهم.
ولأن المسيحية من فجرها حدثت ناس زمنها بلغتهم ومفاهيمهم فأعطت ما لقيصر لقيصر وما لله لله فصلا للسلطات ، قياما على مأثور يوناني مازالت مبادئ الديمقراطية لها فيه روائح.
فإن منظومة الخلافة الإسلامية المسربلة بالدين وحلف رجاله المحترفين كانت هي نموذج الدمج الكامل للسلطات دينية ودنيوية ، باحتساب النبي الذي حاز كل السلطات بيديه في دولته الناشئة ، نموذجا سنيا للحكم بحاكم مطلق السلطات والنفوذ وبرأي ديني واحد مطلق السيادة ، غير مفرقين ما بين النبي كنبي أوحد خاتم النبيين ، وبين ذواتهم كوارثين للنبوة والتي لا تورث.
يبدو أن سبب التخلف في النهاية هم رجال الدين أنفسهم مع حلفهم الانتهاري عبر التاريخ ، ثم ألا يبدو خطابهم اليوم خطابا يعود للقرون الوسطى إذا ما قورن بلغة الحداثة اليوم؟
تعالوا نقارن : في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الفصل بين السلطات ، يتحدث مشايخنا – أجلك الله – عن الدمج الكامل للسلطات الدينية والدنيوية في دولة مسلمة.
في الوقت الذي يتكلم في العالم عن الحرية وحق التفكير والإبداع والإعلان عن الرأي المخالف بحماية الدولة ، يتحدث مشايخنا عن الخطوط الحمراء للأمة وثوابتها التليدة.
في الوقت الذي يتكلم في العالم لغة العلم والمدنية والحضارة نتكلم نحن بفقه الأموات ولغة زمان مضى لا يريدون له أن يمضي.
في الوقت الذي يرفع فيه العالم كل القيود عن الحريات نتحدث نحن هنا حد الردة والخروج عن معلوم من الدين بالضرورة وعدم الاجتهاد مع نص.
في الوقت الذي يحكم فيه العالم على ما يكتب المفكر من منطق الحجة والبرهان ومدى المصلحة المتحققة من هذه الكتابة ، تحاكم مجامعنا المفكرين وتدينهم وتهدر دماءهم. وبالمناسبة أتذكر هنا أن المجمع المنوه عنه سبق وطالب مصادرة بعض أعمالي ، وتمت محاكمتي ، وتمت تبرئتي من تهمة الكفر (الازدراء بالأديان) والإفراج عن كتابي ، فإذا كانوا يؤكدون صحة الحديث النبوي : “من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما” ، فهل مع براءتي يكون الأزهر قد باء بها؟
وفي الوقت الذي تتحرك فيه الدنيا في وثبات عملاقة علميا واقتصاديا يدعو مشايخنا إلى الثبات ، لا بل إلى العودة إلى الخلق ، إلى الزمن النبوي حيث خير القرون وهو ما أدى لاحتقار المسلم لزماننا ورفضه له بكل حضارته ومنجزاته.
في الوقت الذي يصبح فيه علم التاريخ علما مخبريا يقوم على التدقيق بأجهزة وأدوات ومركبات كيميائية وتساعده الجيولوجيا والطبوغرافيا والآلسنيات والأركبولوجيا والأنثروبولوجيا لكي نصل إلى صدق وثيقة واحدة فواحدة لنرى التاريخ كما كان في زمانه قدر الإمكان. فإن مشايخنا يمنعون مثل هذا العمل في التاريخ الإسلامي ، ويرفضون تدقيقه ، ويجرمون وصف الآشياء بأسمائها الحقيقية ، بعد أن تم تزييف هذا التاريخ على المسلمين لصالح مذهب بعينة وفئة بذاتها هي الحاكمة وهي المتفقهة.
وفي الوقت الذي تفتح الدنيا أبوابها للنقد لأنه باب المستقبل ونافذة النور لإصلاح الشأن باستمرار نحو الأفضل بجميع ألوان النقد لذلك هي تتقدم ، فإن المسألة عندنا تقوم على مبدأ الستر وتجميل التاريخ الإسلامي ، والذب عنه ، وإحدى وسائل هذا الذب هو عدم كشف عواره ، وإن أي نقد سوف يصب في خانة العداء للإسلام.
وفي الوقت الذي تصبح فيه أعظم نظريات العلم الحديث من الماضي باكتشاف جديد ، ليتحول العالم كله نحو الكشف الجديد ، فإن مشايخنا يرون فهمهم للإسلام صالحا لكل مكان وزمان ، وأنهم المرجعية الدائمة في كل شأن من كيفية التغوط إلى كيفية إطلاق الصواريخ.
في الوقت الذي تبحث فيه الأمم عن أخطائها لإصلاحها أينما كانت فإن مشايخنا صنعوا للمسلمين وعيا لا يرى في نفسه عيبا كما لو كان الاعتراف بالخطأ كفرا ، والأنكى أنه يرى الدنيا كلها عيوبا وأنه الوحيد المنزه.
وفي الوقت الذي يتحرر فيه الفرد من كل قيود المجتمع أللهم إلا القانون الساري على الجميع على التساوي ، فإن مشايخنا يلزموننا السنة في كل سلوك أو بادرة تبدو منا أو قول نقول ، يلازموننا حياتنا الشخصية من الصباح حتى موعد الجماع ويدخلون معنا الكنيف وغرفة النوم. وقد زيد في هذه السنة المستحب عند الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، حتى أصبح المسلم كالإنسان الآلي يردد طوال الوقت الأذكار والأدعية ، مما يدفعه في النهاية إلى حالة ذهان مرضي واضحة في شارعنا الإسلامي.
وفي الوقت الذي تجاوز فيه العالم فكرة الوطن بحدوده إلى عالمية الإنسانية بعولمة هي فرز زمانها الطبيعي ، فإننا خارج هذا كله ، بل نحن لم نصل بعد إلى مرحلة أسبق هي مرحلة المواطنة ، لأن مشايخنا لا يرون للمسلم وطنا سوى دينه وجماعته المتشرذمة من بلاد واق الواق إلى بلاد ماو الماو. فالإسلام هو الوطن وشعب الإسلام هو أي فرد مسلم في العالم. فتضيع الأوطان من المسلمين فيصبحون خارج الجغرافيا بعد أن أصبحوا خارج التاريخ.
وبينما تستفيد الشعوب من نكساتها وهزائمها في منافساتها الحضارية من أجل إصلاح الذات والتقدم على طريق المنافسة ، فإننا نلجأ في هزائمنا لنقف صفوفا وراء مشايخنا لنعلن الحروب في المساجد ضد الأعداء بالدعاء والتزام الطقوس إثباتا للرب أننا صالحون ، وأنه سينظر إلينا بشفقة ويسامحنا ويبرز للدنيا عجائبه فجأة ، فتزول أمريكا وإسرائيل وربما كل الشعوب المتحضرة لنبقى نحن أسيادا على المسكونة دون أن تحقق هذه الدعوات سوى مزيد من الخسائر والتخلف في الواقع ، لأن مشايخنا يجعلون التقدم ثمرة للصلاة والدعوات الصالحات التي قد تغفر الذنوب لكنها أبدا لا تأتي بأي تقدم.
ولو كان للصلاح والتقوى والدعاء الصادق أي دور في التقدم ، لكان سلفنا الصالح هم الأحق بصنع الصواريخ والمضادات الحيوية وهندسة الوراثة ، ولوصلنا إلى القمر ببركة دعاء الوالدين. إن الدعاء لتطهير النفس والصلاة للبعد عن الفحشاء والمنكر ، وليس لاكتشاف الذرة أو أسس الحضارة ، ولم يكونا يوما سببا في أي تقدم أو أي انتصار.
إن التقدم والتحضر هو شأن الإنسان وممكناته وإرادته وقدراته ، التقدم يقوم به عقل حر مطلقا من كل قيد ، لديه القدرة على رفض كل ما هو ضد قوانين العقل والكون ، وهو وحده القادر على إقامة التحضر ، والعقل يقول إن الأخذ بالحداثة والانغراس الفوري فيها هو الطريق إلى التحضر والتقدم.
يقول لنا مشايخنا – رحمك الله – إن المقصود مما يقوله أمثالي أن نعيش كأهل الغرب وانحلالهم الخلقي لكي تنهار أمتنا بتقليدهم ، كما لو كنا متقدمين حقا نخشى الانهيار ، وكما لو أن حياة أهل الغرب قد أدت إلى تخلفهم وانهيارهم.
ومن هذه الفكرة التي ترى الحداثة غزوا ثقافيا مقصودا منها ضرب أمتنا في دينها بعد أن أعاد الاستعمار تشكيل نفسه باستخدام أساليب جديدة ، أي فكرة أن الغرب صليبي يشن عليه حملة صليبية ، لا تفهم هل الغرب صليبي يميني متدين متطرف في تدينه ، أم أنه محل فجور وانحلال وإلحاد ؟
إذن لا علاقة للدين ولا الإيمان بتقدم أو تخلف ، إنما هناك دائما في وجود الجريمة من هو صاحب مصلحة مستفيد ، وهي جريمة تاريخية في حق أمة بكاملها جنى عليها رجال الدين المحترفين ، وكانوا طوال الوقت المسئولين عن الإسلام والمسلمين ، فكان حاميها طوال عشرة قرون هو حراميها.
الدكتور سيد القمني وتخلف المسلمين
كامل النجار
[email protected]
2010 / 7 / 28
الدكتور القمني، بدون أي شك، مفكر كبير وكاتب متمكن من مادته التي يكتب عنها، وأنا أتابع أغلب ما يكتب وأتفق معه في معظمه. ولكن كما يقول المثل العربي: لكل جواد كبوة ولكل سيف نبوة، فقد نبا الدكتور القمني في مقاله الموسوم “هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟” المنشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 27/7/2010. حاول الدكتور القمني أن يلقي باللوم في تخلف المسلمين، الذي لا يشك فيه أي ذي بصيرة، على شيوخ الدين الإسلامي، ويعفي الإسلام من هذا التخلف. وهو في هذا المقال بات كمن يلوم المرأة التي تُغتصب على جريمة الاغتصاب لأنها لم تغطِ جسدها بالعباءة، بدل أن يلوم الرجل الذي اغتصبها. فشيوخ الإسلام لم يأتوا بأقوال مقتبسة من البوذية أو الماركسية، وإنما نطقوا بما أتى به القرآن وكُتب الأحاديث. فالإسلام هو الذي اغتصب تلك العقول البريئة، سواء أكانت عقول العامة أو عقول الشيوخ، رغم أنها عقول محجبة ولم تعرف السفور الفكري منذ مجيء الإسلام.
شيوخ الإسلام قد بالغوا في عدائهم للعقل وكفروا كل من تحدث بغير ما يتحدثون به، فلامهم الدكتور القمني على ذلك بقوله ( لا مخرج لمشايخنا من هذا الفخ التاريخي إلا الاعتراف للناس بصدق الإيمان ، وسحبهم كل تكفيراتهم وتأثيمهم للمسلمين البسطاء الذين لم يتربحوا بهذا الإسلام لا اليوم ولا أمس ، ولم يقبضوا الهبات والأموال والصدقات والزكاة والرضي السلطاني ليحافظوا عليه. حافظوا عليه فقط لإنه دينهم وجزء عظيم من ثقافتهم وهويتهم ، حافظوا عليه وهم يأكلون الفقر والفقر يأكلهم ، ولأنهم ببساطة يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه) انتهى.
هؤلاء المسلمون البسطاء الذي يمثلون أكثر من تسعين بالمئة من تعداد المسلمين، هم الطبقات الكادحة من الفلاحين والعمال والحرفيين والنساء اللاتي لا عمل لهن غير إنتاج وتربية الأطفال. وهم في الغالبية أميون لا يفهمون لغة خطباء المساجد، إن سمح لهم كسب قوتهم بارتياد المساجد. ولكن مع ذلك (حافظوا عليه فقط لإنه دينهم وجزء عظيم من ثقافتهم وهويتهم، حافظوا عليه وهم يأكلون الفقر والفقر يأكلهم ، ولأنهم ببساطة يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه) كما يقول دكتور القمني. فما الذي جعل هؤلاء البؤساء يحبون دينهم ويرفضون التخلي عنه؟ السبب الرئيسي في ذلك هو الثقافة الإسلامية التي شربوها مع لبن أمهاتهم وهم أطفال. هم تربوا على أن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الصحيح وما غيره محرّف وأتباعه ضالون. تعلموا ذلك في بيوتهم قبل أن يرتادوا المساجد أو كتاتيب تحفيظ القرآن. فالثقافة الإسلامية التي استقاها آباؤهم بالوراثة هي المسؤولة عن هذا التخلف، وهي التي جعلتهم يعتبرون الإسلام هويتهم الوحيدة. وقد استقوا هذه الثقافة من تعاليم وأفعال محمد وتناقلوها شفهياً على مر العصور، فأصبحت طبيعة ثانية لهم كالفطرة، لا تحتاج إلى شيوخ الإسلام لزرعها فيهم.
يسأل الدكتور القمني: (فهل يبدو من ذلك أن الإسلام هو الذي أدى إلى تخلف الأمة ؟ إن السؤال هنا يغفل تقدم الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأول. إذن الإسلام ليس سبب التخلف !!) انتهى. من الغريب أن يصدر مثل هذا الاستنتاج من رجل بمكانة الدكتور القمني، لأن الاستنتاج مبني على فرضية غير صحيحة. فهل فعلاً تقدمت الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأولى من تاريخ الإسلام؟
القرن الأول من تاريخ الإسلام ومنذ هجرة محمد إلى المدينة، انقضى معظمه في غزوات محمد الشهيرة، وفي الحروب الاستعمارية التي شنها عمر بن الخطاب على مصر والعراق وفارس، ثم القتال على السلطة بين معاوية وعلي بن أبي طالب، ثم القتال بين الخوارج وعلي بن أبي طالب. وتبع ذلك قتال معاوية وابنه يزيد وبقية خلفاء دولة بني أمية مع أهل مكة والمدينة ومع الحسين بن علي، ثم في إخماد الثورات العديدة على بني أمية والتي كان الحجاج بن يوسف فيها سيف معاوية المسلول، كما كان خالد بن الوليد سيف الإسلام الذي رفض عثمان بن عفان أن يرده إلى غمده رغم الجرائم العديدة التي رتكبها.
ثم جاءت الدولة العباسية في القرن الثاني واستمرت ستة قرون لم تشهد شيئاً من التقدم غير بيت الحكمة الذي ترجم التراث الإغريقي والروماني إلى العربية، وكان الفضل في ذلك راجعاً إلى المترجمين النصارى من أمثال حُنين بن إسحق الذي كان كبير المترجمين للمأمون. ثم جاء الخليفة المتوكل وشن حرباً ضروساً على المعتزلة الذين كانوا قد استفادوا من ترجمة التراث الإغريقي وحاولوا النهوض بالفكر الإسلامي، فقتل المتوكل أعداداً كبيرة من أصحاب الفكر الحر وأجبر الشيوخ والفهاء على تبني فكرة أن القرآن أزلي وليس مخلوقاً. وبقية خلفاء الدولة العباسية شغلوا أنفسهم بجباية الضرائب التي صرفوها على القصور واللهو والمجون.
القلائل من المفكرين المسلمين الذين استفادوا من ترجمة التراث الإغريقي كانوا فارسيين أصحاب حضارة عريقة وعلم، أُجبروا على الإسلام. فنبوغهم في الفلسفة والمنطق لم يكن لأنهم أسلموا وإنما لأنهم كانوا أهل علم واستغلوا فرصة ترجمة التراث الإغريقي إلى العربية، فزادوا في علومهم وطوروها. وكان هناك أفرادٌ يُعدون على أصابع اليدين من العرب. وحتى هذه القلة من المفكرين حاربهم فقهاء الإسلام من أمثال حجة الإسلام الغزالي وكفروهم وحرقوا كتبهم. وبما أن الدولة العباسية كانت قد غصت بالعبيد والموالي، شغلت ثورات الزنج والبرامكة والموالي أغلب سنوات الدولة. ولم يُثبت لنا التاريخ أي تقدم حضاري سوى الفن المعماري الذي اقتضته حاجة الخلفاء إلى بناء قصور فخمة تحتوي الغلمان والجواري والزوجات. وحتى الفن المعماري كان مصمموه من فارس وبيزنطة وبقية البلاد ذات الحضارات السامقة التي احتلها المسلمون. والجدير بالذكر أن القرنين الثاتي والثالث بعد الهجرة شهدا ظهور فقهاء المذاهب الأربعة السنية (مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل)، الذين شتتوا المسلمين إلى مذاهب متناحرة عقائدياً، مع ظهور البخاري الذي ملأ الإسلام بكل أنواع الخزعبلات. فالتقدم الوحيد في العلوم في تلك الفترة من تاريخ الإسلام انحصر في سرقة الصفر من الهند والزعم بأنه اختراع إسلامي، ثم بداية علم الجبر وعلم النبات وبعض البصريات، وفي نفس الوقت، والشكر للبخاري، أصبح العلاج ببول البعير والحبة السوداء المقومات الرئيسية لعلاج الأمراض في كل أجزاء الإمبراطورية الإسلامية. فهل كان هناك فعلاً تقدم في القرون الأربعة الأولى من تاريخ الإسلام؟
يقول الدكتور القمني (لكن إذا كان ذلك كذلك وأنه دين تحضر فلماذا نحن اليوم متخلفون؟
يبدو أن هناك أختلاطا ما في المسألة يؤدي إلى التباسها ، هو أن الدين في حد ذاته كدين ليس طرفا في الموضوع ، إنما هو خارج اللعبة وبرئ من التخلف كما هو برئ من التقدم. وأن الإسلام كدين في حد ذاته لم يكن عنصرا في إنجازات الرازي والفارابي وابن الهيثم ، وليس عنصرا في اختفاء العلماء من بلادنا منذ هذه الكوكبة اليتيمة التي نستدعيها نندب عليها حضارتنا الموؤدة دفاعا عن الإسلام والإسلام منها برئ. فبالإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلقوا عليها لفورتها القاطرة نحو قطار الحضارة باسم النمور الآسيوية. . وبالإسلام نفسه تعيش بقية دول المسلمين في مؤخرة الأمم. إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين. لكنها في كيفية استثمار هذا الدين ، فهناك من استثمره في التقدم ، ومنه من يستثمره في التخلف) انتهى.
طرح الدكتور القمني هنا عدة نقاط أجد نفسي عاجزاً عن قبولها. يقول اولاً: (إذا كان الإسلام دين تحضر، فلماذا نحن متخلفون؟) وقد وجدت صعوبةً جمة في فهم أن يكون الإسلام دين تحضر. لكي نفهم ذلك علينا أن نُعرّف كلمة “حضارة”. يقول قاموس أميركان هيرتدج American Heritage
Dictionary
الحضارة هي: An advanced state of intellectual, cultural, andmaterial development in human society, marked by progress in the arts andsciences, the extensive use of record-keeping, including writing, and theappearance of complex political and social institutions.
(الحضارة حالة متقدمة من التطور العقلي، والثقافي، والمادي في مجموعة بشرية، من علاماتها التقدم في مجالات الفن والعلوم، وانتشار التدوين، بما فيه الكتابة، وظهور أنظمة سيلسية واجتماعية متقدمة) انتهى.
ويقول سارتر في بيانه التاريخي في مؤتمر السلام ونزع السلاح عام 1962: ( الفقافة هي وعي الإنسان الدائم التطور بنفسه وبالعالم الذي يعيش ويعمل ويكافح فيه. وإذا كان هذا الوعي صحيحاً وإذا لم يزوّر تزويراً متعمداً منظماً، فإننا سنترك بالرغم من أخطائنا وجهالاتنا تراثاً سليماً لللاحقين، وأما إذا أخضعنا عملنا لنزعات العدوان فإننا سنجعل أطفالنا الذين يستهلكون هذه الحقائق المسمومة فاشيين أو يائسين، ألا فلنحذر هذا الخطر المهدد) ( علي شبيب ورد: العنف والسلام في الخطاب الثقافي-إيلاف 27 أبريل 2005)
فهل كان للإسلام حضارة، حتى في القرون الأربعة الأوائل التي ذكرها دكتور القمني؟ بالطبع لم تكن هناك أي حضارة أو تطور عقلي لأن الذين استفادوا من ترجمة التراث الإغريقي كانوا أقلية، وقد تأكد فقهاء الإسلام وأولي الأمر من تكفيرهم وحرق كتبهم، وظل العامة من المسلمين في أميتهم. حتى بعض الفقهاء كانوا أميين أو لا يحسنون الكتابة، مثل الإمام مالك الذي كان يعتمد على الإلقاء الشفهي في دروسه، وجمع طلبته، بما فيهم محمد القاسم كتاب المدونة للإمام مالك. فالقرآن لم يوصِ بتعلم القراءة والكتابة، ومحمد والخلفاء الراشدون لم ينشئوا مدرسة واحدة تعلم الناس القراءة والكتابة. وكذلك الحال في الدولة الأموية. واستمر أغلب المسلمين أميين كرسولهم، حتى يومنا هذا. أما مجالات الفن والعلوم فقد حرّم الإسلام الفنون من غناء ورسم ونحت، وبقية العلوم فقد حصرها الإسلام في العلوم الدينية فقط، وكان محمد يتعوز من شر علمٍ لا ينفع. أما الأنظمة السياسية المتقدمة فلم يكن لها وجود في الإسلام منذ أن قال القرآن (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم)، وظل نظام الحكم وراثياً منذ بداية الدولة الأموية إلى نهاية الخلافة العثمانية في عام 1924. وما زال العالم الإسلامي كله يُحكم بالوراثة أو بالبندقية العسكرية. فحسب تعريف الحضارة لم تكن هناك أي حضارة إسلامية. فهل نلوم شيوخ الإسلام على ذلك أم نلوم التعاليم الإسلامية نفسها التي لم يحض القرآن فيها على تعلم القراءة والكتابة، وحرم القرآن الفائدة على الديون وبذلك قضى على نظام الشركات المتقدم الذي كان تجار مكة قد برعوا فيه وأقاموا عدة أنواع من الشركات تعمل بنظام المرابحة والبيع المؤجل، وبرعوا كذلك في تحديد المقاييس والأوزان التي ما زال بعضها مستعملاً في عالم اليوم. ألغى الإسلام كل هذه الشركات وأتى محمد بديلاً عنه بوزن الصاع، وأصبحت الزكاة تقاس بصاع أو صاعين من الشعير بدل الوزن. وفرض الإسلام على الرعاة والمزارعين والتجار ضرائب العُشر وغيرها مما أدى إلى إفقار العامة وإغناء الخلفاء والوزراء. فهل يمكن أن نلوم شيوخ الإسلام على هذه التشريعات القرآنية والسنة المحمدية؟
أما قول الدكتور (فبالإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلقوا عليها لفورتها القاطرة نحو قطار الحضارة باسم النمور الآسيوية) قول لا يمكن أن نقبله. فالنمور الأسيوية هي: هونج كونج، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وبعضهم يضيف تايوان للقائمة. فالأولى والثانية دول علمانية يدين أغلب شكانها بالبوذية، وكوريا الجنوبية أغلبها كاثوليك وهي دولة علمانية، وماليزيا التي يكوّن المسلمون فيها حوالي 60 بالمائة، يحكمها قانون علماني ويغلب على سكانها المسلمين الفقر والجهل، وجُل رأس مالها في أيدي الأقلية الصينية الذين يكوّنون حوالي ثلاثين بالمئة. فتقدم ماليزيا لم يأت بسبب الإسلام، بل رغماً عنه.
أما قوله الآخر: (إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين. لكنها في كيفية استثمار هذا الدين ، فهناك من استثمره في التقدم ، ومنه من يستثمره في التخلف) قول نختلف معه فيه. كل الأديان منذ نشأتها شجعت على تقوية نفوذ رجالات الدين لأنهم الحافظون لكلمات الإله. فالأديان لا تنطق بتعاليمها إنما ينطق بها ممثلو الإله على الأرض، وكلٌ يحسب تأويله للنص. وبما النصوص في كل الأديان قابلة للتأويل فقد تعود رجالات الدين على تأويلها لصالحهم وصالح الحكام، مقابل رشاوى السلاطين لهم، ولا لوم عليهم في ذلك لأنها الطريقة الوحيدة التي يكسبون بها قوتهم. فالمشكلة في الأديان التي أتت بنصوص مائعة وقابلة لعدة تأويلات. وقد أوّل رجالات الكنيسة الكاثوليكية النصوص بما يبيح لهم السيطرة على العامة وحتى على الملوك، وقتلوا العلماء الحقيقيين اعتماداً على هذه النصوص، وبذلك آخروا تطور العلم والبشرية. وجاراهم فقهاء الإسلام في نفس الأسلوب. فالأديان تؤخر البشرية، وليس لدينا حتى مثالاً واحداً لدين أدى إلى تقدم البشر ثقافياً أو مادياً أو حتى أخلاقياً لأن رجالات الأديان يعظون بالتقوى ويأتون بما يندى له الجبين من الأفعال، وكل ذلك اعتماداً على تأويل النصوص.
وقد أدان الدكتور القمني الدين الإسلامي بنفسه عندما قال: (فإن منظومة الخلافة الإسلامية المسربلة بالدين وحلف رجاله المحترفين كانت هي نموذج الدمج الكامل للسلطات دينية ودنيوية ، باحتساب النبي الذي حاز كل السلطات بيديه في دولته الناشئة ، نموذجا سنيا للحكم بحاكم مطلق السلطات والنفوذ وبرأي ديني واحد مطلق السيادة ، غير مفرقين ما بين النبي كنبي أوحد خاتم النبيين ، وبين ذواتهم كوارثين للنبوة والتي لا تورث) انتهى.
فإذا كان نبي الإسلام نفسه قد كرّس كل السلطات في يديه، وأمر بالاغتيالات السياسية بدون أي خوف من محاسبة الآخرين له لأنه هو ممثل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، كيف نلوم شيوخ الإسلام إذا فعلوا أو طالبوا بفعل ما فعله نبي الإسلام؟ ولماذا يكون نبي الإسلام مختلفاً عن كل الأنبياء قبله، فيسوع لم يملك السلطات الدنيوية في يديه، وكذلك لم يفعل موسى الذي جعل أمور الدنيا في يد الكهنة من قبيلة لاوي. وإذا كان الإسلام القصد منه تقدم المسلمين سياسياً ومادياً، لماذا لم يُشرّع محمد لنظام الحكم بعده، ويعلمهم كيف يتبادلون السلطة، قبل أن يموت؟ أم أن الموت فاجأه وهو ما زال في انتظار الصبي الوريث؟
ثم يقول الدكتور القمني: (وفي الوقت الذي تفتح الدنيا أبوابها للنقد لأنه باب المستقبل ونافذة النور لإصلاح الشأن باستمرار نحو الأفضل بجميع ألوان النقد لذلك هي تتقدم ، فإن المسألة عندنا تقوم على مبدأ الستر وتجميل التاريخ الإسلامي ، والذب عنه ، وإحدى وسائل هذا الذب هو عدم كشف عواره ، وإن أي نقد سوف يصب في خانة العداء للإسلام) انتهى.
صحيح أن شيوخ الإسلام لا يتقبلون النقد، ولكنهم بذلك يتبعون خطى رسول الإسلام الذي يقول لهم في لبقرآن (وما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) (غافر 40) والجدال هو النقاش وتبيان الخطأ، أي النقد. وكذلك (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) (غافر 56). وكذلك (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتهم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذاً مثلهم) (النساء 140). فالنقاش في آيات الله ممنوع منعاً باتاً. وعندما قال محمد لأصحابه في موقعة بدر “إذا رأيتم أحداً من بني هاشم فلا تقتلوه” ورد عليه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بقوله “أنقتل آباءنا وأبناءنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف”. فلجأ محمد إلى عمر بن الخطاب الذي أراد أن يقتل حذيفه لنقده ما قال رسول الله (ملخص السيرة لابن كثير، ص 217). فالنقد غير محتمل إطلاقاً، لا في القرآن ولافي أفعال وأقوال محمد. فشيوخ الإسلام لديهم سند من القرآن والسنة لمنع النقد. ولذلك عندما انتقد صالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، وأبو عيسى الوراق، وبشار بن برد، وحماد عجرد، وأبان بن عبد الحميد اللاحقي، ومحمد بن عبد الله بن المقفع، وعبد المسيح الكندي، وأبو الحسن أحمد بن يحيي الراوندي (ت 298هجرية وألف كتاب “الدامغ” وكتاب “الزمرد” في نقد القرآن) الإسلام، كان مصيرهم القتل أو السجن وحرق الكتب.
ويقول د. سيد القمني كذلك (وبينما تستفيد الشعوب من نكساتها وهزائمها في منافساتها الحضارية من أجل إصلاح الذات والتقدم على طريق المنافسة ، فإننا نلجأ في هزائمنا لنقف صفوفا وراء مشايخنا لنعلن الحروب في المساجد ضد الأعداء بالدعاء والتزام الطقوس إثباتا للرب أننا صالحون ، وأنه سينظر إلينا بشفقة ويسامحنا ويبرز للدنيا عجائبه فجأة ، فتزول أمريكا وإسرائيل وربما كل الشعوب المتحضرة لنبقى نحن أسيادا على المسكونة دون أن تحقق هذه الدعوات سوى مزيد من الخسائر والتخلف في الواقع) انتهى.
فمن أين أتى شيوخ الإسلام بهذه الأدعية على اليهود والنصارى؟ ألم ترد في القرآن (وقال نوح ربِ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا) (نوح 26، 27). فكل شيء يقوله رجال الدين الإسلامي يأتي من الكتاب والسنة.
يؤسفني أن أختلف مع الدكتور سيد القمني في هذا المقال، وأرجو أن يتقبل اختلافي معه بروح النقد الذي لا يعلو عليه أحد أو نص.