مقالات وآراء

في قمع الخنا والفجور

الطيب النقر

المقالات التي يدونها أصحاب العقل الراجح ، والفكر القادح، يجب أن تحتشد فيها مواكب هادرة من الصخب والضجيج ، الذي يلفت الإنتباه لبعد الصلة بين ماضينا التليد ، وحاضرنا الذي ناله ما ناله من نكاد الدنف ، وكامن الوصب ، الذي هزّ فينا منابت الوقار ، وبيئة أهل اليراع المولعة بتعقب العيوب ، ينبغي أن ترصد مجسات أسنتهم ما في الحياة الإجتماعية من قوة وضعف ، وتحليق واسفاف ، وأن تنأى تقاريرهم عن شوائب المصلحة ، وتخلو ألفاظهم من اللطف والرفق ، ومعانيهم من التزيد والافتراء، لقد جنح مجتمعنا عن الطريق الذي سار عليه أسلافنا ، وأجنف عن السبيل القويم، وبات العربي المغنمٌ المدخر للقيم والمأثرة الباقية للأخلاق ، لا يتمعر وجهه وهو يرى قطيع الذئاب يرتع في وداعة مع أسراب الظباء ، بل يرى الشيطان الممثل في الميديا الغربية تحتال بخديعتها ومكرها ، ولطف مسالكها ، فلا يأبه لذلك ، ليت شعري أين ذهبت النخوة التي يحتكم لمبادئها ، ويستضئ بنورها.

نظرات خاطفة ، ولمحات سريعة في أرصفة الطرق ، وأقاريز الشوارع ، تخبرك عن الباطل الذي استأسد ، والهداية التي خنست ، والدول التي زينت اسمها بهالات من المجد الكاذب ، فأين هي شريعة الإسلام بربكم والفجور فلكه دائر ، وسقفه سائر ، ورقيمه مائر ، أين هي الشريعة وجحافل العصاة قد استمرأت الوقوع في حرمات الله ، أين هي الشريعة وسماء العروبة كثر فيها الريح العاصف، والزعزع القاصف.

لقد حرص الإسلام على ترسيخ  الحياء والفضيلة فى النفوس ، وسعى لأن يكون سجية يجب أن يتحلى بها المؤمن ، فالحياء من الإيمان كما أخبرنا المعصوم عليه أفضل صلاة ، وأندى تسليم فــــــــ “عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان”.كما دعت شريعته الخالدة ، لنبذ الأفعال والألفاظ التي تخدش الحياء ، ويمجها الذوق السليم ، وإلي الإبتعاد عن كل ما يضرم الشهوات ، ويذيع الرذيلة ، ونجد أن الدين الخاتم قد طمر جميع البؤر والمنافذ التي يمكن أن يتسلل منها الشيطان إلي الأفئدة ، فنهى عن النظر الشهوان ، ونادى بكبح جماحه، لأن ذلك النظر يجعل الغلبة والإنتصار لإبليس وجيشه اللجب من الفتن والشهوات ، فبيننا وبين ابليس اللعين نزاع لا ينقطع ، وصراع لا يفتر ، ودوحة الحياء العرضى العام يجب أن يرسخ لها أصل ، ويسمق لها فرع ، فى مجتمعاتنا بحيث لا تقع أبصار الناس على ما ينافى عقائدنا المغروسة ، وتقاليدنا الموروثة ، فتخلو ردهات الجامعات ، وصالات الأعراس، من التبرج والسفور ، وفوضى الإختلاط ، وتشابك الأيادي ، فنحن نختلف عن الدول الغربية التى تدعو إلى الزنا ، وتيسر أسبابه ، وتمهد سبله وتقبل نتائجه ، فعندنا من” يحتوي زوجته فى الطريق العام يعد مرتكباً لجريمة الفعل الفاضح فى علانية ، رغم أن ما آتاه ليس جريمة فى ذاته ، وإنما هو أمر مشروع ، إلا أن المسلك الذى أتصف به فعله مؤداه إيذاء الشعور العام ، وخدشاً للحياء العرضى”. الأمر الذى يقتضى أن يعاقب عليه عقوبة تعزيرية تحجمه عن تكرار الفعل إذا سولت له نفسه فعل ذلك مرة أخرى.

ولا يخالجنى شك بأن من يقدم على هذا التصرف الذى يندب الأخلاق ، وينعى الشرف والنخوة فى حوزته من موارد الدين والقيم ما هو قمين بأن يعصمه من ذلك الزلل ، ولكن الإستلاب الغربى الذي يعانى منه ، والذي اجتمع تحت مظلته الوارفة الملايين من شباب وكهول أمتنا ، هو الذى جعله ينجرف عن جادة الصواب ، وينظر لمن هو متشبث بدينه وقيمه ، بأنه شخص يعيش فى سجية الماضى ، ونجد في تصرفات هذه الناجمة تصديقاً للحديث الذى رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنه فقد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع حتى لو أن أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم ، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه”.

حرصت الشريعة الغراء على حماية الشعور العام بالحياء ، وعرقلة كل فعل فاضح ، وإجهاضه بكل سبيل ، حتى لو كان ذلك الفعل تعبيراً عن علاقة مشروعة بين زوجين يتساقون أقداح الوداد فى قارعة الطريق ، لأن بفعلهم هذا يدركهم العار ، ويلحقهم الشنار ، ويصيبوا الصلة التى كرمتها العقيدة فى مقتل ، والتي نظمت كنه هذه العلاقة ودعت أن تؤتى في عزلة ، وتتم فى صمت ، أما من يخرج عن الموروث، ويعارض المألوف ، فيقع تحت طائلة العقوبة التي ارتضتها الشريعة الغراء قمعاً للشهوات ، ولجاماً للنزوات.

‫18 تعليقات

  1. الكوز يعظ علي وزن الشيطان يعظ !!
    من اراد ان يري الصورة الاصلية والحقيقية وشكل كوز الدمازين الطيب النقر فلينظر الي صورته في هذا الرابط لنفس هذا المقال الذي قام بنشره العام الماضي …

    https://www.almothaqaf.com//aqlam/973109-الطيب-النقر-في-قمع-الخنا-والفجور

    هذا الكوز الفاسخ الجالخ الداعي الي الفضائل كدعوة سجاد احمد “سجاد بحري” الي التخفيف من هز المؤخرات في الرقص احتراماً للذوق العام ..
    يا احفاد حاج نور اختشوا … قال عنه مثلك الاعلي من تزين صورته بروفايل صفحتكم يا الطيب في الفيسبوك قال عن حاج نور “روح طاهرة في جسد خبيث” !!
    وتسال “أين هي الشريعة وسماء العروبة كثر فيها الريح العاصف” ؟؟ وما دخلك في “العروبة” وسماءها العرب فيهم المسلم والمسيحي احرار في ملبسهم وتصرفاتهم وليسو بحاجة الي “سوداني” يطالب بتطبيق العقوبات التعزيرية عليهم لقمع لبسهم وسلوكهم العام يا جهلول !!

    وهل هناك خنا وفجور اكثر من زنا نهار رمضان وما جري في مصلاية بنك الشمال الاسلامي وصاحبكم الامنجي “الوظيفة اختصاصي اغتصاب” !!

    1. الاستاذ الخواض.
      تحياتي
      انت متاكد انه الصورة الفي الرابط هي لنفس الدعي النقر بطل العود والكفر. ام انها فوتو شوب
      جلخ جد تعيش التكنولوجيا

  2. في امر الخنا والفجور والانحلال وسقوط القيم وانهيارها
    صورة صوت ياكوز !!
    جيش الخياسة والنياصة والسكسة والسحسحة
    https://twitter.com/i/status/1772358711941410913

    جيش سناء حمد وندي “الشريف مبسوط” القلعة !!
    هذه هي ندي القلعة في نيجيريا
    https://www.facebook.com/watch/?v=3431614786948341
    وهذا هو الجيش يقوم بتكريم ندي القلعة تلك الداعية الرسالية اخت نسبية الواعظة الداعية لقمع الخنا والفجور ..
    لماذا نتوقع منهم غير ذلك … ولم التعجب والاستغراب …من الطبيعي ان يقوم عسكر كرتي بتكريم ندي “القالعة”
    https://fb.watch/roOefi5YYm/
    يا الطيب النقر اهل البيت اولي بالنصح والوعظ والارشاد وجه هذه الرسالة لجيش قونات الشعب المصلحة اولاً .. اما الدول العربية فان العرب ادري بشعاب بلادهم وشعوبها !!

  3. الحبوب الدكتور/ الطيب النقر.
     تحياتي ومودتي الطيبة لشخصك الكريم.
     رغم أن مقالاتك كلها التي نشرت في صحيفة “الراكوبة” يغلب عليها الطابع الديني الممعن في التزمت والتمسك بالسلفية والدفاع عن القديم ورفض كل ما هو جديد، وصغت المقالات بأسلوب لغة عربية رفيعة المستوى وفيها كثير من الكلمات والتعبيرات المنتقاة بشدة من بطون الكتب الادبية، بل واقول بكل صراحة ان هناك كثير من الكلمات العربية التي وردت في المقالات لم اسمع بها من قبل فلست من أهل الدراسات العربية والقرآن ، فدراستي اصلا كانت في مجال الحقوق، وتخرجت من جامعة كييف عام ١٩٧١، وسافرت بعدها الي ألمانيا الشرقية عام ١٩٨٥ مباشرة بعد انتفاضة ٦/ ابريل، ودرست في كلية الحقوق “دراسات عليا” في جامعة لايبزج وتخرجت منها بعد أن حصلت علي الدكتوراة عام ١٩٩٠، وعملت مستشار قانوني ومازلت بها حتي بعد المعاش.

     الغرض يا دكتور من ما ماهو مكتوب عني اعلاه ، انني انظر وتمعن في مقالاتك بدقة من وجهة نظر قانونية واقارن واتصفح كل كلمة وكل معني حول ما هو مكتوب في المقالات إن كان يطابق واقع القوانين العلمانية المعاصرة ام لا؟!!، وهل هذه المقالات وما فيها من كلام وبلاغة واداب ودين يساير روح العصر ولا يناقض سنة الحياة التغيير والتجديد ام لا؟!!

     ورغم أن المقالات الكثيرة فيها الكثير مما يستحق النقاش لا اميل الي النقاش والدخول في حوار وشد ومد حول الشؤون الدينية، ولكن اذا وجدت ما هو يستحق التعليق عليه لارتباطه بالقوانين عندها اناقش، وقد لفت نظري في المقال الجديد أعلاه وكتبت:
    (فنحن نختلف عن الدول الغربية التى تدعو إلى الزنا ، وتيسر أسبابه ، وتمهد سبله وتقبل نتائجه.)..ونسيت يادكتور أن كل البلاد العربية والاسلامية بدون استثناء فيها زنا ودعارة ظاهرة غير مخفيه منذ قبل نزول الأديان السماوية الي يومنا هذا، وبعض من هذه الدول لم تمانع في وجودها وسمحت بها… بل ان بعض البلاد العربية تساوت فيها علاقات الرجال بالنساء بنفس المستوى في أوروبا.

    رغم الاختلاف الكبير بيننا يادكتور في طريقة تفكير كل منا ونظرته للدنيا والحياة وما فيها من أمور، فانت متخصص في شأن الدين وآداب اللغة العربية وفنونها… وشخصي الضعيف قانوني وشيوعي، فان هذا لا يمنع أن نستفيد منكم في اشياء كثيرة غائبة عني..واناقش بكل ادب واحترام .. وأن تتقبل نقدي وتعليقاتي بروح طيبة حتي إن كنت غير مقتنع بها.

    1. يا استاذ بكري الصائغ الاغرب من اللغة الموغلة في تخلفها التاريخي الكاتب يدعو الي ما هو اكثر تخلفاً علي وجه التحديد في هذا المقال يدعو الي قمع الفجور وتطبيق العقوبات التعزيرية -تقرأ الجلد مثلا- علي المتبرجات ومن يخالفون قوانين اعتباطية لتنظيم الآداب العامة …
      ليعيدنا الي تلك الايام ..ز
      https://www.youtube.com/watch?v=wn_61qUxbq0
      جلد فتاة سودانية في مركز شرطة في الخرطوم يثير ضجة عالمية
      https://www.ammonnews.net/article/75377
      و “محاكمة الصحفية السودانية لبنى أحمد الحسين العام الماضي حين ألقت عليها شرطة النظام العام القبض عليها في أحد المطاعم الراقية بالخرطوم وتم تقديمها للمحاكمة بتهمة ارتداء الزى الفاضح حيث كانت (لبني) ترتدي بنطالا فضفاضا لحظة القبض عليها”
      مقتبس من مقالكم التوثيقي بعنوان:
      أغرب احداث سودانية وقعت في (ديسمبريات) من اعوام مضت.. المنشور في الراكوبة بتاريخ 3 ديسمبر، 2016
      فالكاتب هداه الله فيما يبدو علي الاقل من كتاباته من غلاة جماعة الاخوان الارهابية التي لن يهدأ لها بال حتي تجر البلاد من هاوية الحرب الي درك سحيق تحت ظل الامارة الاسلامية السودانية الثانية !!

      1. الحبوب، مهند الأمين مصطفي المجمر.
        ألف تحية طيبة لشخصك الكريم والف شكر علي تعقيبك الجميل وإن كان فيه حدة وغضب ظاهر مع العلم – وانت سيد العارفين – إنك لو كتبت ألف تعليق باشكل مختلفة فالدكتور/ النقر لن يغير من مبادئه ولن يبدل ماهو مقتنع به شديد، لذلك وكحل وسط ما بين المؤيدين والمعارضين في اي موضوع ( سياسي، ديني، اقتصادي، عسكري الخ الخ) أن يكون التعايش السلمي بينهم قائم والحوار هادي ورزين من أجل الحصول علي أكبر قدر من المعلومات المفيدة والخافية عن الجميع.

        الدكتور النقر لايهمني اطلاقا ما يقتنع به ويؤمن، المهم انه زميلي في الركوبة “التي فيها أعضاء من كل جنس ولون وثقافات وعادات مختلفة، “راكوبة” نستظل بظلها ولا فرق عندها أن يستظل الجميع: عربي كان او عجمي ومسلم او مسيحي وملحد وأجنبي… احترم الدكتور لانه ولا مرة لمست انه عقب علي تعليق بشيء من الصد والجفا…لذلك اواصله لاستفيد من ثقافته مقالاته حتي وإن كانت لا تجد القبول عند الكثيرين.

  4. 😎 الدكتوركوز النقر يكتب من غير ان يطرف له جفن ان ماضينا كان تليدا ، وهو هنا يقصد الماضي الاسلامي كما ارجح و كل عاقل يعرف ان ماضينا لم يكن تليدا البتة 😳

    خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 1…؟

    كامل النجار

    يردد الإسلاميون عبارات جوفاء محفوظة، تخلو من أي معني حقيقي. فكثيراً ما نسمعهم يقولون “لا تخلطوا بين الإسلام والمسلمين”، أو “لا تحسبوا أخطاء المسلمين على الإسلام”. ثم يزيدون الطين بلة بأن يحاولوا إرجاعنا إلى عصر الإسلام الذهبي، الذي لا يوجد إلا في مخيلتهم. فهل يمكن الفصل بين ما يفعله المسلمون وبين الإسلام؟
    كل التجارب العلمية يُحكم عليها بنتائجها. فإذا كانت نتيجة التجربة لا تخلص إلى ما ادعاه أو زعمه صاحب النظرية العلمية، يُحكم على تلك النظرية بالفشل، ويُلقى بها في سلة المهملات، ويبحث الباحثون عن بديل لها. فالمسلمون، منذ بدء الإسلام وحتى يومنا هذا، توارثوا القرآن والأحاديث والسيرة النبوية. وكل هذه الموروثات هي الأساس الذي يتربى عليه المسلم منذ الصغر. فإذا كان الإسلام يوصي المسلم بألا يسرق، ويظل المسلم يسرق، فهناك خللٌ في أحد أطراف المعادلة. فإما أن يكون المسلم لا يتبع تعاليم دينه، أو أن دينه غير قابل للتطبيق. فلو كان الذي يسرق شخصٌ واحد أو مائة أو ألف، وبقية المسلمين لا يسرقون، فليس هناك من شك في أن العيب في القلة الذين يسرقون. ولكن إذا كان غالبية المسلمين يسرقون، في حين أن تعاليم الإسلام تنهاهم عن السرقة، فحتماً يكون الخلل في تعاليم الإسلام التي فشل المسلمون في تطبيقها على مدى ألف وأربعمائة عام. فالإله الذي أصدر هذه التعاليم، كان لا شك يعرف الحكمة التي تقول “إذا أردت أن تُطاع، فأمر بالمستطاع”. فأي تعاليم يعجز أتباع الأديان عن إتباعها، تكون تعاليم نظرية لا فائدة تُرجى منها، ووجودها مثل عدمه. وعليه، لا يمكن الفصل بين ما يفعله المسلمون، وبين تعاليم دينهم. فأي أفعال يقوم بها المسلمون، خاصة المتدينين منهم، لا بد أنّ لها سنداً في القرآن أو السنة، وإلا لما فعلوها.
    تعاليم الأديان، التي هي من صنع الإنسان، الغرض منها شحذ همة المؤمن بها على فعل الخير والامتناع عن الأفعال المشينة. وتشترك كل الأديان في أبجديات السلوك القويم، مثل: لا تسرق، لا تقتل، لا تزني، لا تكذب، تصدق ببعض مالك للفقراء، وساعد الأيتام، وما إلى ذلك. فهل غيّرَ الإسلام في سلوكيات العرب على مدى الألف والأربعمائة عام الماضية، وهل كان المسلمون الأوائل أكثر إسلاماً من مسلمي اليوم؟ أي بمعنى آخر: هل كان في بدء الإسلام عصرٌ ذهبي، اختفى بالتدريج من حياة الأجيال اللاحقة؟ هذا السؤال طرحته عليّ السيدة الفضلى أم محمد، في تعليقها على آخر مقال لي عن المآذن، وسوف أحاول هنا الرد عليه.
    فلنبدأ من الصفر، يوم دخل محمد المدينة وبايع الأنصار وكوّن جيشه العرمرم. فماذا فعل المسلمون الأوائل بتعاليم الإسلام، بل ماذا فعل نبي الإسلام نفسه بتلك التعاليم؟
    لا تقتل: (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) (المائدة 32). وهذه الوصية وصية جميلة جداً، لا تختلف عن وصايا موسى في التوراة ويسوع في الإنجيل. ولكن هل اتبع محمد هذه الوصية، وهل اتبعها أصحابه ومن عاصرهم؟ محمد حتماً كان أول من سنّ سنة الاغتيالات السياسية في جزيرة العرب. العرب كانوا يقتلون من أجل الثأر، فجاء محمد وأدخل الاغتيالات السياسية عندما أمر أتباعة بقتل كعب بن الأشرق، وابن أبي الحقيق، والشاعرة عصماء، وابن أبي رافعة، وخالد بن سفيان بن نبيخ الهذالي وغيرهم. كل هؤلاء أغتيلوا خلسةً دون أي حق ولا فسادٍ في الأرض. كل ما فعلوه أنهم هجوا محمداً أو رفضوا أن يمجدوه، فاغتالهم محمد، وأصبح الاغتيال وسيلة معروفة في الإسلام، فاغتالوا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وهؤلاء كانوا خلفاءهم الراشدين.
    واستمرأ المسلمون القتل باسم الإسلام (سار خالد بن الوليد إلى أمغيشيا – وقيل اسمها : منيشيا – فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله لأن أهلها أعجلهم المسلمون أن ينقلوا أموالهم ، وأثاثهم ، وكراعهم وغير ذلك ، وأرسل إلى أبي بكر بالفتح . ومبلغ الغنائم ، والسبي ، وأخراب أمغيشيا، فلما بلغ ذلك أبا بكر قال : عجزت النساء أنْ يلدن مثل خالد (الكامل في التاريخ للمبرد، ج2، ص 242). وقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة من أجل أن يتزوج أرملته، والذنب الوحيد الذي قُتل به مالك هو قوله إنه لن يدفع الزكالا إلى أبي بكر، وإنما سوف يصرفها على الفقراء من قبيلته، والإسلام لا يفرض على المسلم تسليم الزكاة إلى السلطة المركزية، بل يمكنه صرفها على أهل بيته. فأي فساد في الأرض أدى إلى قتل مالك؟
    يقول ابن قيم الجوزية (وأمّا نبي الملحمة، فهو الذي بُعث بجهاد أعداء اللّه، فلم يجاهد نبي وأمته قطُّ ما جاهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأمّته، والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يُعهد مثلُها قبله، فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار،وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمّة سواهم) (زاد المعاد، ج1، ص 38). فهل كل هذه اأمم أفسدت في الأرض، أم قتلهم محمد وأصحابه دون حق ودون ي فسادٍ في الأرض، ويكون بذلك قد تنكر للآية التي أتى بها. فكل هذا القتل الذي قام ويقوم به المسلمون يرجع إلى تعاليم الإسلام، فلا يمكن أن نقول لا تلوموا الإسلام بأفعال المسلمين.
    وعندما غزا يزيد بن المهلب طبرستان، صالحه واليها وسلمه المدينة ليدخلها صلحاً (ودخل يزيد المدينة فأخذ مما كان فيها من الأموال ، والكنوز ، والسبي ما لا يحصى ، وقتل أربعة عشر الف تركي) (الكامل في التاريخ للمبرد، ج4، ص 306). ومن قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً.
    فالقتل بدأ مع الإسلام واستمر حتى الآن فأصبح قتل أي مواطن في بلد عربية حدثاً لا يحفل به أحد، كما حدث في مدينة حماة السورية وفي المقابر الجماعية العراقية، وفي التفجيرات التي نراها الآن في باكستان والعراق والصومال وبلاد أوربا العديدة. فقتل النفس التي حرّم الله ظل من أسهل الأشياء عند المسلم لأن القرآن يقول له (واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل) (البقرة 191). وعندما قتل المسلمون أغلب الكفار وأدخلوا ما تبقى منهم في اللإسلام بالسيف، بدؤوا بقتل بعضم البعض، فكانت معركة الجمل ومعركة صفين اللتين راح ضحيتهما عشرات الآلاف من المسلمين، من أجل تنازع السلطة بين معاوية وعلي بن أبي طالب. ثم قتلوا أبناء الصخابة المقربين من محمد، مثل محمد بن أبي بكر الذي قتلوه ثم وضعوه في جوف حمار وأشعلوا النار به. ثم قتلوا الحسين بن على وقطعوا رأسه وأرسلوها ليزيد. وتضاعف قتل المسلمين في الدولة العباسية ثم في الدولة العثمانية التي حكمت كل بلاد الشرق الأوسط، واستمر القتل إلى يومنا هذا. فلم يتغير أي شيء في الإسلام، فإن الإسلام بدأ دموياً وسوف يستمر دموياً (جُعل رزقي تحت رمحي).
    لا تسرق: السرقة، في رأيي، هي أخس عمل يمكن أن يقوم به الإنسان، لأن السارق، وبثضل مجهود بسيط، يستولي على جهد وعرق الشخص الذي يتعرض للسرقة، دون أن يحفل السارق بمشاعر المسروق وبما يصيبه ويصيب أسرته جراء تلك السرقة. والسرقة طبعاً قديمة قدم الحيوان على هذه الأرض. فالضبع يتحين الفرص في الغابة، ثم يسرق الفريسة التي قتلها الأسد إذا انشغل عنها الأسد لحظة، أو يجتمع عدة ضباع ويهجمون على الأسد، فيفر ويترك فريسته التي تعب في صيدها، للضباع. وفي هذه الحالة تكون الضباع قد نهبت الأسد. فالسرقة والنهب يدخلان من نفس الباب.
    فإذا بدأنا بالسرقة، فقد بدأت في الأيام الأوائل من تاريخ الإسلام. فهاهو أبو هريرة الذي أسلم عام سبع للهجرة، قد أوكله النبي على أموال الزكالا، فسرق منها (فقد ثبت في الصحيح عن النبي حديث أبي هريرة لما وكله النبي بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النبي فعل أسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول إنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال له دعني أعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي) (شذرات الذهب للدمشقي، ج1، ص 64. وكذلك تفسير القرطبي، الآية 255 من البقرة). فمحمد لا بد أنه عرف أن أبا هريرة كان يسرق ويتهم الشيطان، فلم يعاقبه. ومن وقتها انتشرت السرقة في المسلمين الأوائل.
    ففي أيام الخليفة عثمان، تشاجر عبد الله بن مسعود مع سعد بن وقاص (وسبب ذلك أنّ سعداً اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضاً فلما تقاضاه ابن مسعود لم يتيسر له قضاؤه فارتفع بينهما الكلام فقال له سعد : ما أراك إلا ستلقى شراً هل أنت إلا ابن مسعود عبدٌ من هذيل ؟ فقال : أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة ) (الكامل في التاريخ، ج2، ص 471).
    أما حمزة بن عبد الله بن الزبير، فقد ولاه أبوه على البصرة، فأخذ قدراً كبيراً من مال البصرة عندما عزله أبوه، فلما بلغ أبوه الخبر، قال لحاه الله قد أردت أن أفاخر به بني أمية فنكص. (الكامل في التاريخ، ج4، ص 71). ولا عقاب من أمير المؤمنين على ابنه.
    وحبر الأمة ابن عباس، سرق بيت مال البصرة وهرب إلى مكة، ولما طالبه ابن عمه الخليفة علي بن أبي طالب بالمال، حلف له لئن لم يكف عنه سوف يذهب بالمال إلى معاوية ليحاربه به. واشترى ابن عباس الجواري والخدم بأموال المسلمين.
    أما يزيد بن المهلب الذي كان والياً على خرسان، سرق جميع الأموال، فسمع به عمر بن عبد العزيز (لا أجد في أمرك إلا حبسك فاتق الله وأدِّ ما قبلك فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها وحبسه بحصن حلب ، وبعث الجراح بن عبدالله الحكمي فسرحه إِلى خراسان أميراً عليها ، وأقبل مخلد بن يزيد من خراسان يعطي الناس ففرق أموالاً عظيمة ، ثم قدم على عمر فقال
    له : يا أمير المؤمنين ان الله منع هذه الأمة بولايتك وقد ابتلينا بك فلا نكن نحن أشقى الناس بولايتك، علام تحبس هذا الشيخ ؟ أنا أتحمل ما عليه فصالحني على ما تسأل فقال عمر : لا إلا ان تحمل الجميع) (الكامل في التاريخ، ج4، ص 320).
    وفي خلافة عمر بن الخطاب كانت السرقة منتشرة في المدينة وفي البصرة وفي الكوفة وغيرها، وقد بنى سعد قصرا بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم فشيده وجعل فيه بيت المال وسكن ناحيته ثم إن بيت المال نُقب عليه نقبا وأُخذ من المال وكتب سعد بذلك إلى عمر ووصف له موضع الدار وبيوت المال من الصحن مما يلي ودعة الدار فكتب إليه عمر أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار واجعل الدار قبلته فإن للمسجد أهلا بالنهار وبالليل وفيهم حصن لما لهم) (تاريخ الطبري، ج2، ص 480). فعمر لم يقل لسعد ضع المصحف ببيت المال ليمنع السرقة، وإنما أمره بنقل بيت المال قبالة المسجد حتى يراقبه المصلون.
    والسرقة كانت متفشية في المدينة في خلافة عمر بن الخطاب.(فيحدثنا أهل الذكر أن عمر بن الخطاب جاء الى عبد الرحمن بن عوف في وقتٍ متأخر من الليل، فقال له عبد الرحمن: ما جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: رفقةٌ نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سُراق المدينة.) (تاريخ الطبري، ج2، ص 567). فالخليفة كان يعلم أن المدينة مليئة بالسارقين، رغم قطع الأيدي. وقد علّق عمر قطع الأيدي في عام الرمادة الذي استمر ست سنوات، لأن السرقة قد تفشت في جميع أرجاء المدينة.
    ومع السرقة كان هناك النهب، الذي بدأه محمد بالإارة على قوافل قريش. ويزعم الإسلاميون أن محمداً كان يسترد أموال المسلمين الذين هاجروا من مكة وتركوا أموالهم للكفار. وهذا دفاع لا يمسك الماء. فمن الذي هاجر من مكة إلى المدينة غير العبيد والفقراء الذين آمنوا بمحمد من أمثال عبد الله بن مسعود وبلال بن رباح. الشخصان الوحيدان اللذان كان لهما أموال بمكة هما عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وربما أبو بكر كان لديه بعض المال. وقد أخذ هؤلاء أموالهم معهم بدليل أنهم تبرعوا بالكثير لتكوين جيش محمد وقد أعطاهم محمد صكوك الغفران وبشرهم بالجنة في مقابل سخائهم. بقية المهاجرين إلى المدينة كانوا فقراء، فخاواهم محمد مع الأنصار ليطعموهم ويسكوهم. فغزواتهم محمد على قوافل مكة لم تكن إلا نهباً أباحه لنفسه وللمسلمين، في حين أن القرآن يقول من يقطع الطريق وينهب، عقابه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا في الأرض) (المائدة 33). وقد نفذ محمد هذه العقوبة في الأعراب الذين سىقوا نياقه وقتلوا الراعي. فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل عيونهم وتركهم في الشمس حتى ماتوا. لكنه أباح قطع الطريق لأصحابه فجمعوا الأموال الطائلة حتى أن طلحة بن عبيد الله الذي لم يكن يملك إلا حصاناً واحداً في المدينة، أصبح من أغنى الأغنياء (قال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، أن معاوية سأله: كم ترك أبو محمد من العين؟ قال: ترك ألف ألف ومائتي درهم، ومائتي ألف دينار، فقال: عاش سخياً حميداً، وقتل فقيداً.) (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 173). وهذا يعني أنه ترك مليون درهم ومائتي ألف دينار. أما الزبير بن العوام فيقول عنه الذهبي: (وثبت في “الصحيح” أن الزبير خلف أملاكاً بنحو أربعين ألف ألف درهم وأكثر، وما ولي إمارة قط ولا خراجاً، بل كان يتجر ويأخذ عطاءه، وقيل: إنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فربما تصدق بخراجهم) (نفس المصدر ص 166). فهذا الرجل الذي لم يتول إمارة ، ولا جمع خراج، ترك أربعين مليون درهم وأكثر من ألف مملوك ولم يكن يملك شروى نقير عندما هاجر إلى المدينة.
    وسوف نناقش في الحلقات القادمة تفشي الرشوة والمحسوبية وفساد القضاة والوزراء في صدر الإسلام وعصره الذهبي.

  5. ليس بالضرورة ان يكون الداعية مبرء من كل عيب او نقص او اثم ……. فرق بين قيم نبيلة دعت لها الشريعة الاسلامية وسلوك مسلم قد يضعف عند كثير من المغريات ……. لما التركيز على سلوك الافراد لمحاربة منهج رباني ….. الداير يحارب منهج الله عليه بالمواجهة الصريحة ……. لوداير فسوق وفجور الخواجات هم بفتحو ليك دولهم امشي ليهم ……..لكن بلاد المسلمين يجب ان يسود فيها سلوك اهل الاسلام ……… ولو انحرف فرد او جماعة هذا لا يقدح في نزاهة وطهر الشريعة وصلاحها لكل مكان وزمان ……….. لا تتخذوا من سلوك بعض المنتسبين للاسلام درية لمحاربة الاسلام لشيء في نفوسكم …….. كل المسلم خطأ وخير الخطائيين التوابين ….. الداير فوضي حرية اهل الغرب تسود في بلاد اهل الاسلام لن يفلح دين الله محمي وباقي بكيزان او بدون كيزان …… الداير احارب مباديء الاسلام اكون صريح عليه ان لا يحاربها بدعاوى انحراف اشخاص ما في انسان وصي علي الدين …….. الشريعة ليست حدود …….. الشريعة الاسلامية نظام متكامل يبدأ من اختيار الزوجة الصالحة ليكون المجتمع صالح ( اختيار فرد ) وينتهي باقامة علاقات دولية صالحة تعكس روح الاسلام لتقديم نموذج طيب عن جوهر الاسلام

    1. 😎 من تعتقد انه عكس لنا روح الاسلام و انا هنا اقصد المسلم السياسي مثلك انت الذي بلا شك تؤمن ان الاسلام هو دين و دولة 😳

      اعطنا اسم مسلم سياسي واحد عكس لنا روح الاسلام هذا المصطلح الهلامي الذي يجب ان نتفق عليه أولًا ؟😳

    2. 😎 و هل هنالك فسوق اكثر من ما سنه الاسلام عن كيفية اثبات الزنى؟😳😳😳

      نقض موضوع الزنا في الإسلام

      هيبت بافي حلبجة

      من أغرب القصص ، من أغرب الأحكام ، من أغرب القضايا ، من أغرب الإشكاليات ، من أغرب الغرائب ، هو حكم الزنا في الإسلام ، هو موضوع الزنا في الإسلام ، وبعدما إنتقدناه في حلقة ، النص الإلهي يبيح الزنا ، من الجوهري أن ننتقد فهم الإسلام عن الزنا ، فإلى المقدمات مباشرة :
      المقدمة الأولى : في شروط إثبات واقعة الزنا وإقامة الحد وأحكامها ، تقول الآية : الزانية والزاني فإجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين . سورة النور الآيات 2 و3 . والسؤال الرئيسي ، هل هذه الآية صادقة مع نفسها وصادقة مع غيرها وصادقة مع التصور الإلهي في هذا الخصوص .
      ثم يؤكد النص الإلهي : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فإستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فإمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاٌ . سورة النساء 15 .
      والذي يهمنا تحديداٌ هو هذا النص : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فإجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة أبداٌ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن الله غفور رحيم . سورة النور الآيات 4 و 5 . ما معنى هذا :
      من ناحية : إذا أتى رجل إلى داره وشاهد رجلاٌ يمارس الجنس مع زوجته ، فلابد من أن يأتي بأربعة شهود يشهدون على حدوث الواقعة .
      من ناحية : لابد من شهادة أربعة رجال عدول ، مشهود لهم بالصدق والعدالة والإستقامة ، ولاتقبل الشهادة من أية إمرأة كانت حتى لو كان عددهن بالعشرات ، ولاتقبل الشهادة من دون المسلمين ، فلاشهادة لليهودي ولا للمسيحي النصراني ولو كان مشهوداٌ له بكل الأخلاق الحميدة .
      ومن ناحية : لابد أن يشهد هؤلاء الأربعة إنهم رأوا تماماٌ إن عضوه الذكري وقد ولج في فرجها كولوج الميل في المكحلة ، كولوج المرود في المكحلة .
      ومن ناحية : إذا قدم رجل إلى منزله ورأى رجلاٌ عارياٌ تماماٌ على سريره وهو مستلقي على زوجته كإنطباق الواحد على الواحد ، وهي عارية تماماٌ ، لكن لاولوج لعضوه الذكري في فرجها ، فلاتتحقق واقعة الزنا وبالتالي يمتنع إقامة حد الزنا .
      ومن ناحية : إذا قدم رجل إلى داره وشاهد رجلاٌ يمارس الجنس التام ، أي ولوج القضيب في المهبل ، مع زوجته ، فلايجوز له أن يهيجه أو أن يحركه على حد قول الرسول ، فلابديل من أن يأتي بأربعة شهداء .
      ومن ناحية : إذا قدم رجل إلى بيته ومعه ثلاثة من أصحابه ، وشاهدوا تماماٌ إن رجلاٌ يمارس الجنس التام مع زوجته ، فلابد من شاهد رابع .
      ومن ناحية : إذا مر أربعة رجال أمام دار أو خيمة أو مكان ما وشاهدوا إن رجلاٌ يمارس الجنس التام مع إمراة ليست حليلته ، فلايتحقق الزنا ، في حال إذا لم يتعرف واحد منهم على الرجل ، أو إذا لم يتعرف واحد منهم على المرأة ، أو إذا كانت المرأة قد غطت وجهها بوشاح رغم تأكد هؤلاء الأربعة من شخصيتها من خلال هيئتها ومشيها ولباسها ، أو إذا غطى الرجل وجهه بشيء من لباسه ، كالعباءة ، رغم تأكد هؤلاء الأربعة من شخصيته .
      ومن ناحية : يرجم الشهود بثمانين جلدة إذا شهدوا ولم تتحقق واقعة الزنا ، كإن قال أحدهم لم أتعرف عليه تماماٌ في لحظة المشاهدة رغم وجود الرجل الزاني أمامهم حالياٌ .
      ومن ناحية : إذا قدم رجل إلى منزله ومعه أربعة من أصحابه ، وشاهدوا رجلاٌ عارياٌ مستلقياٌ على زوجته وهي عارية ، وشاهد ثلاثة منهم عضوه الذكري في تمام فرجها ، إلا إن الرابع حينما نظر ناحيتهما رأى عضوه الذكري خارج المهبل ، فلا تتحقق واقعة الزنا .
      ومن ناحية : إذا قدم رجل إلى داره وبصحبته أربعة من أصدقائه ، وشاهدوا زوجته عارية تماماٌ وهي مع أربعة رجال عراة تماماٌ ، وتمارس الجنس الفموي مع واحد منهم ، وتمارس الجنس الدبري ، من الدبر ، مع الثاني ، وتمارس الجنس الصدري النهدي ، مابين النهدين ، مع الثالث ، بينما يمارس الرابع الجنس من خلال إحتكاك عضوه بفرجها ، فلا تتحق واقعة الزنا .
      المقدمة الثانية : ماذا نستخلص من المقدمة الأولى ، ماذا قال الفقهاء ، فقهاء السنة والشيعة ، في هذا الصدد ، والذين يرمون المحصنات ولم يأتوا بأربعة شهود :
      من زاوية ، من المستحيل إثبات واقعة الزنا ، إستحالة عقلية ومنطقية حسب الفقهاء ، على ضوء هذا الشرط ، لإنه من خارج المعقول أن يرى شخص تمام العملية الجنسية ، كالمرود في المكحلة ، ثم يأتي شخص آخر ، وثم ثالث ورابع ، بينما يحتاج خروج الذكر من الأنثى إلى أقل من ثانية .
      ومن زاوية ، لم يتثبت الزنا بشهادة الشهود ، حسب الفقهاء ، في كل التاريخ الإسلامي من العهد الرسولي إلى يومنا هذا ولامرة واحدة . ولقد حدث إن إعترف ماعز بن المالك على نفسه بالزنى ، فحاول الرسول ثنيه عن الإعتراف إلا إنه أصر على ذلك .
      ومن زاوية ، إن المطلوب في جريمة الزنى ، حسب الفقهاء ، هو الستر وليس العقاب ، فالإله لايريد كشف هذه الجريمة لذلك تشدد في أمر إثباتها من خلال أربعة شهود يشهدوا إنهم رأوا عضوه الذكري في فرجها ، كالميل في المكحلة ، وهذا أمر خارج العقل والمنطق والتحقيق .
      المقدمة الثالثة : في موضوع لاتطرقوا النساء ليلاٌ ، وهي قاعدة رسولية ، أي من إبتكارات الرسول وقراءته لذلك الواقع البشع ، فماذا تعني :
      من زاوية ، أمر الرسول أصحابه وهم عائدون من غزوة ، و قبل دخول المدينة ، لاتطرقوا النساء ليلاٌ ، ونهى الرسول في مناسبات أخرى أن يطرق الرجل أهله ليلاٌ ، أي إذا كان الزوج قافلاٌ من سفر أو من غيبة فعليه إخبار زوجته أو زوجاته بقدومه ، ولاينبغي أن يفاجئهن كيلا يرا في منزله ما يكره ، ومايكره يعني تحديداٌ وجود رجل غريب مع الزوجة حصراٌ .
      ومن زاوية ، وإذا لم يستطع الزوج إخبار زوجته بقدومه ليلاٌ ، لأي سبب من الأسباب ، كإن لم يجد أحداٌ يرسله إليها ، أو لم يكن لديه هاتفاٌ يهاتفها ، أو لم يستطع بلوغ الجامع ، فيتوجب عليه أن ينام خارج المنزل ، ويبقى حيث هو حتى طلوع النهار .
      ومن زاوية ، وفي عين تلك الغزوة ، وقبل دخول المدينة ، أرسل الرسول رسولاٌ ليخبر زوجاتهم بقدومهم ، أرسل من يؤذن الناس إنهم قادمون ، فخالفه أثنان من الصحابة وسبقا رسول الرسول ، فرأى كل واحد منهما في منزله مايكره ، أي وجد كل واحد منهما مع إمرأته رجلاٌ عقاباٌ إلهياٌ لهما ولكل من يخالف أوامر الرسول ، ولما ذكر ذلك للرسول ، قال ألم أقل لكم ألاتطرقوا النساء ليلاٌ ، فهذا هو جزاء من يخالف طاعة أوامر الرسول ، عقوبة إلهية .
      ومن زاوية ، يؤكد الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية سابقاٌ : إن هذا من عقيدتنا وقد لايعجب بعضهم ، إن الرسول يأمرنا ، إن عدنا من سفر أو من غيبة فلابد أن نخبر بقدومنا ، لابد من الإخبار إحتراماٌ لنساء المسلمات ، ويردف : فإذا ماوجد رجل مع الزوجة إفتراضاٌ فسوف يمشي أي يذهب ( دعه يذهب ، دعه يمشي ، حسب مفرداته ) . ويسرد قصة الصحابي الذي خالف أمر الرسول فطرق أهله ليلاٌ بعد سفر ، فرأى رجلاٌ مع زوجته ، فيؤكد الشيخ علي جمعه : هذا هو الجزاء الإلهي . الأمر الذي يؤكده الشيخ الألباني : عقوبة إلهية .
      المقدمة الرابعة : في موضوع الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وهي قاعدة رسولية ، فماذا تعني :
      من زاوية ، لابد من سرد أساس هذا الموضوع ، في صحيح البخاري في كتاب البيوع عن عائشة قالت ، كان عتبة بن أبي وقاص قد عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص ، أن أبن وليدة زمعة مني ( أي مني في عمل الزنا ) فأقبضه . وقالت فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص ( أي أخذ أبن وليدة ) وقال ( إنه ) أبن أخي قد عهد إلي فيه . فقام عبد بن زمعة ، فقال ( إنه ) أخي ( أي إنه أخي وليس أبن أخيك ) وإبن وليدة أبي ، ولد على فراشه ( أي ولد على فراش أبي ) .
      فتساوقا إلى النبي . فقال سعد يارسول الله ، ( إنه ) أبن أخي كان قد عهد إلي فيه . فقال عبد بن زمعة ( إنه ) أخي وأبن وليدة أبي ، ولد على فراشه . فقال رسول الله : هو لك يا عبد بن زمعة . ثم قال النبي : الولد للفراش ، وللعاهر ( أي للزاني ) الحجر . ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي ( وهي أخت عبد بن زمعة ) : إحتجبي منه ، لما رأى من شبهه بعتبة ، فما رآها حتى لقي الله .
      ومن زاوية ، لابد من الإشارة إن هذه القاعدة ماكانت موجودة قبل ذلك ، ولقد سمعها رسول إله الإسلام لأول مرة من عبد بن زمعة ، لقد ولد على فراش أبي . فجعلها الرسول قاعدة تشريعية ، الولد للفراش ، دون أن يأخذ رأي إلهه ، ولقد فعلها في قاعدة : لاتطرقوا النساء ليلاٌ .
      ومن زاوية ، إذا زنت الزوجة مع رجل ، العاهر الزاني ، وولدت منه ولداٌ ، فإن هذا الولد ، الذي هو أبن الزنا ، لايلحق بأبيه الزاني رغم الإقرار بذلك ، إنما يلحق بزوجها ، الذي لاعلاقة له بالولد ، طالما هي في عصمته وتنام على فراشه .
      ومن زاوية ، يؤكد الفقهاء على : لو إن إمرأة قد طلقت ، ثم تزوجت من الثاني ، وبعد أشهر أنجبت ولداٌ ، فإن الولد ينسب إلى الثاني حتى لو كان من الزوج الأول ، أي حتى لو كان الزوج الأول أباه فإنه ينسب شرعاٌ للزوج الثاني عملاٌ بالقاعدة السابقة : الولد للفراش ، والتي هي من الصحابي عبد بن زمعة ، فإقتبسها منه الرسول .
      المقدمة الخامسة : في موضوع ماء الزنا ، يقسم الفقهاء ماء الرجل ، ماء الرجولة ، المني ، إلى قسمين ، ماء الزنا والماء الشرعي ، فإذا جامع الرجل زوجته ، وفقط زوجته ، فيكون ماء الذكورة ماءاٌ شرعياٌ ، وإما إذا جامع إمرأة أخرى ، سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة ، حرة أم أمة ، فيكون ماء الذكورة هو ماء الزنى . ماذا يعني هذا :
      من زاوية ، يستند الفقه في تأصيل هذه الفكرة إلى الآية 54 من سورة الفرقان ، وهو الذي خلق من الماء بشراٌ فجعله نسباٌ وصهراٌ وكان ربك قديراٌ .
      ومن زاوية ، إن ماء الزنى لايعتد به شرعاٌ ، ولا إعتبار له ولايثبت به نسب ، ولايصح به صهر ومصاهرة ، فالنسب والصهر تخصان العلاقة الحميمية في القرابة مابين آدميين ، والنسب تحديداٌ هو خلط ماء الذكر والأنثى على وجه الشرع ، أي العلاقة الزوجية دون غيرها .
      ومن زاوية ، إن المولود القادم من هذه العلاقة ، يتمتع بالنسب والصهر ، أي يطلق عليه ، إبن وبنت ، ويطلق على الزوج والزوجة ، أب وأم ، وهكذا يتمتع بصفة ، إنه يرث ويورث ، إنها ترث وتورث ، وتشملهما الآية 23 من سورة النساء ، حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم .
      ومن زاوية ، وأما إذا كان خلط ماء الرجل والمرأة عن طريق المعصية ، أي خارج الإطار الشرعي ، فكان المولود خلقاٌ مطلقاٌ ولم يكن نسباٌ محققاٌ ، أي :
      من وجه أول ، إن الخلق المطلق هو من لانسب له ولاصهر ولاإعتبار ، وهو ليس أبن لأحد ، وهي ليست إبنة لأحد ، وهو لايرث ولايورث ، وهي لاترث ولاتورث ، تماماٌ ، للتقريب وللتشبيه ، مثل نبتة نبتت في منطقة ليست لأحد .
      ومن وجه ثان ، إن الخلق المطلق لاتشمله هذه الآية ، حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ، سورة النساء الآية 23 . أي لم تعد بنت الزنا إبنة أبيها ولاإبنة أمها ، فيستطيع الأب أن يتزوج من إبنته هذه ، وكما لم يعد أبن الزنا أبن أبيه ولا أبن أمه ، فيستطيع أن يتزوج من أمه .
      ومن وجه ثالث ، لنضرب مثلاٌ على ذلك ، لو زنى رجل بإمرأة وأنجبا ذكراٌ ، ثم زنى بها بعد سنة وأنجبا أنثى ، وزنى بها مرة ثالثة وأنجبا ذكراٌ ، وثم زنى بها مرة رابعة وأنجبا أنثى ، فيحق لكل ذكر أن يتزوج شقيقته ، وأن يتزوج أمه ، وأن يتزوج زوجة أبيه لو مات ، وأن يتزوج بنت شقيقه ، وأن يجمع معاٌ مابين شقيقتيه وأمه وزوجة أبيه لو مات . وحالات أخرى أغرب من الخيال .
      ومن وجه رابع ، ماذا لو زنى أبن الزنا ، في الوجه الثالث ، بزوجة أبيه وأنجبا أنثى ، فيحق للأب ، الرجل في الوجه الثالث ، أن يتزوج هذه الأنثى ، التي تكون في الأصل ، إبنة إبنه ، وإبنة زوجته التي هي في عصمته .
      نكتفي بهذا ، ونعترض بالآتي :
      أولاٌ : بغض النظر عن مقدار الخطأ ، وبعيداٌ عن التساوق العقلي ، بعيداٌ عن محددات المنطق ، بعيداٌ عن الأخلاق ، هل يمكن لإله الكون ، وهو إله الكون ، ونبيه نبي الكون ، خاتم النبيين وسيد المرسلين ، إلا أن يقدم تشريعات أبدية ، قوانين وأحكام أبدية ،أي من الضرورة المطلقة ، وكون هذه الأحكام قد صدرت من الإله والنبي ، أن تكون أبدية حتى حدوث الساعة ، فهل تلك الأحكام الشرعية التي ذكرناها في تلك المقدمات يمكن أن تكون أبدية ، وكيف يمكن أن تكون أبدية ، ولاحتى زمنية ، وقد عارضها الكثير من الصحابة منذ نزول تلك الآية ، والذين يرمون المحصنات ولم يأتوا بأربعة شهود ، سورة النور الآيات 4 و 5 ، منذ ساعة نزولها ، مثل سعد بن عبادة ، أبو بكر الصديق ، عمر بن الخطاب . وقد قال سعد ، يارسول الله أهكذا نزلت ، أي هل أنت متأكد من إنها هكذا نزلت لإنها لايعقل أن تكون على ماهي عليه ، ويردف ، أي إذا رأيت لكاعاٌ ، أسم زوجته ، مع رجل ، أمهله و لا أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، فقال الرسول : نعم ، فقال سعد والله لعاجلته بالسيف . وقريب من الكلام يتفوه أبو بكر الصديق ، وكذلك عمر بن الخطاب . والغريب إن الرسول يسأل أبي بكر الصديق : وماذا أنت فاعل لو رأيت رجلاٌ مع أم رومان ، زوجة أبي بكر الصديق وأم عائشة ، فرد : والله لعملت به شراٌ .
      ثانياٌ : ينبغي أن نمايز مابين التستر على الجريمة وسترها ومابين عدم إدانة الجريمة أصلاٌ ، فإله الإسلام لايتستر على جريمة الزنا لإن للتستر أصول ومقدمات أخرى ، في حين إن هذه الشروط المستحيلة في بنيانها وفي منبعها تدل دلالة قطعياٌ إن إله الإسلام لايدين هذه الجريمة ، ولايريد أن يدين هذه الجريمة ، ولقد أدرك الصحابة والفقهاء ذلك رغم إنهم يستخدمون مفردة الستر ، والستر هنا حسبهم هو عدم تحقق شروطها.
      ونضرب مثالاٌ أو حالة تحققت أيام الخليفة عمر بن الخطاب ، حيث تقدم أربعة رجال تجار رأوا مشاهدة مطلقة إن الرجل وهو مغيرة أبن أشعب قد زنى ، وذلك عند مرورهم بالقربة من تلك الخيمة ، فأمر عمر بن الخطاب أن يعزل بينهم وأن يتقدم كل واحد منهم بمفرده ، فشهد الأول كما رأى ولم يستطع عمر أن يجد ثغرة في شهادته رغم إستجواب مطول ، ومن ثم شهد الثاني كما رأى ، وشهد الثالث كما رأى ، وعمر لايريد أن تكتمل شهادة الشهود وكان يقول في كل شهادة ، لاحول ولاقوة إلا بالله ، ولما تقدم الرابع وشهد كما رأى ، فقال له عمر ، هل رأيت وجهه إثناء الفعل ، فقال الرجل ، لا لم أر وجهه ، فهتف عمر : يا مغيرة أتاك الفرج من الله ، لم تتحقق شهادة الشهود ، فخذ حقك منهم ، فإجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة .
      ونضرب مثالاٌ آخراٌ للإستئناس ، يقول الشيخ بسام جرار ، لو إن إربعة رجال شاهدوا تماماٌ واقعة الزنا ، وفي البداية أرادوا أن يدلوا بشاهدتهم ، لكن وهم في طريقهم إلى الإدلاء بها ، سيقول كل واحد منهم ، ماذا لو أخطأ أحدنا ، رغم إن الواقعة صحيحة ورغم إنهم متأكدين من ولوج الذكر في فرج الأنثى كولوج المرود في المكحلة ، فإننا سوف نجلد ثمانين جلدة ، فيقول في نفسه ، ما علاقتي بهذا الموضوع فينسحب من الإدلاء بالشهادة ، وهو المطلوب ، أي إنه المطلوب شرعاٌ ، فالشرع ، الإله ، لايريد أن تثبت جريمة الزنا . والذي يحيرني في هذا الموضوع هو هذه النشوة الكلية التي تعتري الشيخ بسام جرار ، كما إعتورت قبله عمر بن الخطاب ، وكإنهما إنتصرا إنتصاراٌ تاريخياٌ .
      ثالثاٌ : الغريب ، والأغرب إن هذا طبيعي في الإسلام ، هو إن النص الإلهي ، إله الإسلام لايذكر جريمة الإغتصاب ولا بآية واحدة ، وهي غائبة عن وعيه تمام الغياب ، والسؤال هو هل إن كاتب القرآن وهو بشر، تغافل وتساكت عن أحكام هذه الجريمة أم إنه ماكان يعرفها أصلاٌ . وعند التمعن في فهمه للحياة ، في ذكورية النص الإلهي ، في موضوع تعدد الزوجات ، في ملكات اليمين وسبي النساء ، وإن إمرأة وهبت نفسها لك خالصة من دون المؤمنين ، ورؤيته في موضوع الزنا كما شاهدنا سابقاٌ ، ندرك بكل يسر إن مؤلف النص الإلهي لم يعرف أصلاٌ جريمة الإغتصاب ، وماكان الإغتصاب لديه موضوعاٌ . وهنا نود للإستئناس أن نذكرهذه الملاحظات :
      الأولى يؤكد الشيخ مصطفى العدوي إن الإغتصاب ذكر إجمالاٌ ، قال الله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداٌ أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفون من الأرض ، سورة المائدة الآية 33 . فالفساد ، حسبه ، يشمل الإغتصاب كما يشمل بقية القضايا . وهذا مايسمى حد الحراب أو حد الحرابة ، وينسى هذا الشيخ وغيره إن الفساد هنا مرتبط بجزاء من يحاربون الله ورسوله ولاعلاقة لهذا بموضوع الإغتصاب ، وإذا أصر الشيخ على ذلك ، أي أن يكون الإغتصاب حرباٌ على الله والرسول ، فلماذا لايصنف الزنا ضمن هذا الفساد ، بل لماذا لايريد إله الإسلام إثبات واقعة الزنا . ثم هل يتناسى هذا الشيخ إن الرسول نفسه قد إغتصب صفية وهي مازالت عروسة حديثة .
      والثانية يؤكد مدلس من الجدد ، إن عقوبة الإغتصاب في الإسلام هي الإعدام ، ولا أحد يسأله من أين أتيت بمنطوق هذا الحكم ، والآية 33 من سورة المائدة لاعلاقة لها بفحوى الإغتصاب ، وإلا لأحتسب الصحابة والرسول من المغتصبين سيما في موضوع سبايا أوطاس.
      والثالثة يؤكد مدلس آخر إن الإسلام ليس مضطراٌ أن يذكر حكمه في كل جريمة ، فهو ليس قانوناٌ وضعياٌ ، ويستطرد لكن عقوبة الإغتصاب مثل عقوبة القتل هي الإعدام . هذا منطق أعرج ، لإن حينها يطرح السؤال الجوهري ، فكيف قارنت مابين الجريمتين إسلامياٌ ، ثم طالما لايمكن إثبات واقعة الزنا ، لإستحالة تحقق شروطها ، حسب الفقهاء ، فكيف يمكن إثبات واقعة الإغتصاب وهي تمتلك شرطاٌ أشد من الزنا ، وهو عدم رضى المرأة ، فماهو معيار إثبات إن المرأة ماكانت تريد ، ناهيكم عن نكاح القاصرات اللاتي لم يبلغن المحيض .
      رابعاٌ : ثمت إشكالية قاتلة مابين مفهوم الولد للفراش وماء الزنا ومابين هذا الحكم الشرعي التالي ، يؤكد بعض الأئمة ، لو غاب زوج عن زوجته ، ثم أتى خبر وفاته ، وتزوجت هذه الزوجة من رجل آخر بعد إنتهاء مدة العدة ، وأنجبت منه عدة أولاد ، ثم ظهر الزوج الأول بعد هذه الفترة الطويلة ، فالحكم الشرعي هو : تطلق الزوجة من الزوج الثاني وتلحق بالأول ، وكذلك أولاد الزوج الثاني ينتفون منه ويلحقون بالزوج الأول ، أي إن أولاد الزوج الثاني يلحقون بالزوج الأول نسباٌ وصهراٌ ، وينتف نسبهم وصهرهم من أبيهم الشرعي .
      فمن زاوية ، ماذا لو طبقنا تلك القاعدة التي إبتكرها الرسول ، الولد للفراش ، فإن هؤلاء الأولاد ، أي أولاد الزوج الثاني ، ولدوا على فراش أبيهم الشرعي ، ولم يولدوا على فراش الزوج الأول .
      ومن زاوية ، إن هؤلاء الأولاد ولدوا من الماء الشرعي لأبيهم وليس من ماء الزنا ، فبأية قاعدة شرعية ينتف نسبهم من أبيهم .
      ومن زاوية ، حسب نص الحكم فإن الأولاد لم يعدوا أولاد أبيهم ، وهكذا يمكن للزوج الثاني ، الذي هو الأب الشرعي ، أن يتزوج من إبنته التي لحقت نسباٌ بالزوج الأول ، لإنها لم تعد إبنته .
      ومن زاوية ، وماذا لو غاب الزوج عن زوجته ، وأتى خبر وفاته ، ثم تزوجها رجل آخر وأنجب منها عدة أولاد ثم توفي فأرثت الزوجة والأولاد تركة أبيهم ، ثم تزوجها أخو الزوج الأول ، وأنجب منها عدة أولاد ، ثم ظهر الزوج الأول وعمره مابعد الستين ، فإنه يرث ، أو يكون من الوارثين ، لورثة الزوج الثاني لإن أولاد هذا الأخير سوف يلحقون به نسباٌ ، ثم تطلق الزوجة من زوجها الثالث ، الذي هو أخوه ، وتلحق هي وكافة أولادها بالزوج الأول .
      خامساٌ : في موضوع تأصيل هذه الإطروحات ، الولد للفراش ، لاتطرقوا النساء ليلاٌ ، إحترام الزنا والزاني والزانية ولاتهيجهما ولاتحركهما ، الإسكات المطلق عن جريمة الإغتصاب ، تداخل الأنساب ، الذكورية الكلية لهذا الدين ، يبرز السؤال التالي : هل ثمت إله يشرع لمثل هذه الإطروحات ، هل ثمت إنسان يقبل بها ، بالمقابل لننظر في سمو أخلاق هذه النقاط الثلاثة :
      النقطة الأولى ، على الجبل ، يهتف زرادشت ويخاطب أهورامزدا ، إلهي لاقيمة لجبالك وسهوبك وسهولك ووديانك ، وشمسك وضيائها ، وأمطارك وثلوجك ، إن لم ينتفع بها الإنسان .
      النقطة الثانية ، في تشريع حمورابي بموادها 282 ، عظمة فائقة الروعة لإحترام المرأة والروح الإنسانية وقيمة التجمعات البشرية .
      النقطة الثالثة ، ثمة تجمعات لدى الحيوان والطير ، أرقى وأطهر من تلك الإطروحات النتنة ، فالذئاب تحاكم الذئب الذي يزني ، والنسور تحاكم النسر الذي يزني . ناهيكم عن الغيرة لدى بعض الحيوانات والطيور إتجاه إنثاها ، فلايستطيع غيره الإقتراب منها ، وهو نفس شعور سعد بن عبادة حينما نزلت تلك الآية فقال : يارسول الله أهكذا نزلت ، هل أنت متأكد من ذلك ، هل أمهله حتى يقضي حاجته ، وأبحث عن أربعة شهود ، والله لعاجلته بالسيف .
      سادساٌ : أما في موضوع الآية ، إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداٌ ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفون من الأرض ، سورة المائدة الآية 33 . وإنها تشمل جريمة الإغتصاب ، فهذه خديعة لاتنطلي على أبسط الناس ، لإن الآية تؤكد على الذين يحاربون الله ورسوله ، أي الذين لايؤمنون بالله ورسوله ، في حين إن المسلم الذي يقترف جريمة الإغتصاب يؤمن بالله ورسوله . مع التنويه إن جريمة الزنا وأحكامها ، وغيرها من الجرائم ، تتعلق حصراٌ بالمسلم وهي غير موجهة أصلاٌ لمن لايؤمن بالإسلام ، وإلهه ورسوله . ولقد أعجبني أمرين هنا ، الأمر الأول أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وهذه عقوبة مابين الصعاليك فهل إله الإسلام يطبق عقوبتهم . الأمر الثاني أو ينفون من الأرض ، فهل إله الإسلام يريد أن ينفي مخلوقاته من الأرض ، وأين يذهب بهم . وإلى اللقاء في الحلقة الحادية والأربعين بعد المائة .

  6. الحبوب الدكتور/ الطيب النقر.
    ألف تحية طيبة، ويسعدني كثيرا أن اتواصل معك مجددا من أجل توطيد الصداقة والاستفادة من ما هو لم اعرفه من قبل في الشأن الديني واللغة العربية ، واتبادل الحوار.
    أدناه مقال من مكتبتي في صحيفة “الراكوبة” تحت عنوان:
    (المسكوت عنه “سودانيآ”: هل دخل الاسلام السودان بحد السيف؟!!.). وأمل- لو تكرمت- أن اقرأ عن رائك في قصة دخول الاسلام السودان-(بالمناسبة أنا حلفاوي من وادي حلفا- منطقة دبيرة، التي هتف سكانها في وجه عبود عندما ليقنعهم بالرحيل الي منطقة خشم القربة: “دبيرة دبيرة ولا الرفيرا”.).

    المسكوت عنه “سودانيآ”: هل دخل الاسلام السودان بحد السيف؟!!.
    المسكوت عنه “سودانياً: هل دخل الإسلام السودان بحد السيف؟!!

    ١-
    ***- قمت بعمل استفتاء (محلي صغير) شمل مائة سوداني يقيمون في المانيا استمر لااكثر من ثلاثة شهور، طرحت علي المستفتين الفكرة التي تتلخص حول ان كان الاسلام قد دخل السودان عن طريق القوة وبحد السيف، تمامآ كما دخل الي دول عربية وافريقية واسلامية كثيرة، ومثل ما دخلت المسيحية وانتشرت في اوروبا عبر حروب دامية بين شعوبها؟!!… ام دخل الي السودان بكل سلم وامان، وتقبله السودانيين بصدر رحب بلا حروب ومناوشات؟!!

    ٢-
    ***- حوي الاستفتاء علي ثلاثة اسئلة طرحت علي المستفتين، وكانت علي النحو التالي:
    ١- هل دخل الاسلام الي السودان بكل سهولة ويسر؟!!
    ٢- هل دخل الاسلام الي السودان وانتشر بعد معارك طاحنة وحروب؟!!
    ٣- لا رأي عندي في موضوع الاستفتاء.

    ٣-
    كانت نتيجة الاستفتاء:
    ***************
    (أ)-
    ٦٦% من المستفتين، اكدوا ان الاسلام قد دخل من شمال السودان بعد حرب طويلة.
    (ب)-
    ١٣% من المستفتين، اكدوا ان الاسلام قد دخل الي غرب البلاد بسلام وامن وامان، ودخل الجنوب وانتشر بلا معوقات او حروب.
    (ج)-
    ١١% من المستفتين، قالوا ان دخول الاسلام الي السودان مازال يكتنفه كثير من الغموض نسبة لعدم وجود مصادر تاريخية امينة موثوق بها، واغلبها مراجع ومخطوطات قديمة مكتوبة من قبل مؤرخين اجانب، وانها مراجع فيها كثير من اللغط والابهام -مع الاسف الشديد- لم يتم حتي اليوم مراجعتها، وتصحيح ما فيها اخطاء تاريخية.
    (د)-
    ٦% من المستفتين، ما كان عندهم رأي -(سلبآ او ايجابآ)- حول موضوع الاستفتاء، علي اعتبار انهم اثناء دراستهم في المدارس او بالجامعات، مادرسوا اثناءها في الحصص او المحاضرات كيف دخل الاسلام الي السودان وكيف انتشر؟!!، كانت علاقتهم بتاريخ الاسلام في السودان طوال فترة الدراسة -(حسب ماهو موجود في المقررات الدراسية التي وضعتها وزارة التربية والتعليم، لم يكن فيها اي معلومات وسرد حقيقي عن دخول الاسلام في لسودان).
    (هـ)-
    ٤% من المستفتين، شاركوا بتعليقات كانت بعيدة عن مضمون وجوهر الاستفتاء.

    ٤-
    ***- ان الشي الغريب الذي لمسته في اراء غالبية المستفتين -(رغم ان اغلبهم من حملة الشهادات العالية)-، انهم غير ملمين بصورة كافية بموضوع دخول الاسلام الي السودان وتضاربت معلومات حول حقيقة الدخول ، ربما يعود السبب الي ان المناهج الدراسية التي كانت تدرس بالمدارس والجامعات طوال الستين عامآ الماضية (١٩٥٦- ٢٠١٧)، قد خلت من “تاريخ السودان الاسلامي”، وان وزارة التربية والتعليم طوال هذه السنين الستين من زمن الاستقلال وحتي اليوم تعمدت مع سبق الاصرار ان لا تتضمن المناهج الدينية اي تفاصيل عن دخول الاسلام بسبب (اتفاقية البقط) المعروفة تاريخيآ، وبحكم انها اتفاقية سهلت دخول الاسلام الي البلاد رغم ارتباطها بتجارة الرقيق.

    ٥-
    ***- هل حقآ وصحيح ما يقال، ان موضوع دخول الاسلام في السودان (مسكوت عنه سودانيآ) بسبب (اتفاقية البقط) المشؤومة؟!!

    ٦-
    ماهي “اتفاقية البقـط”؟!! وماهي شروطها:
    **************************
    (أ)-
    ماذا تعني كلمة (بقط) في اللغة العربية!!
    ١-البَقَط : ما سقط من الثمر عند قطعه .
    ٢- البَقَط من البيت : سَقَطُ متاعِهِ .
    ٣- البَقَط الفِرْقة من الناس .
    المصدر: -(المعجم: المعجم الوسيط)-

    (ب)-
    معاهدة (البقط) هي معاهدة بين مملكة المقرة وحكام مصر المسلمين، استمرت نحو سبعمائة سنة، لذا تعتبر من أطول المعاهدات في التاريخ.
    عقدت المعاهدة عام 651. في تلك السنة، قاد عبد الله بن أبي السرح جيشًا بإتجاه الجنوب ضد الممالك المسيحية في النوبة. بعد معركة دنقلا، أدرك ابن أبي السرح صعوبة الاستيلاء على هذه المنطقة. لذا عقد المعاهدة التي تم التفاوض عليها بين أبي سرح وملك المقرة “كالديرات”.
    كانت المعاهدة اتفاقا شفهيا وذات بنود واضحة وهي:
    1- ألا يهاجم العرب النوبة وأن النوبيين لن يهاجموا مصر.
    لمواطني البلدين حرية التجارة والسفر بين البلدين، ويحق لهم المرور بأمان من دولة لأخرى.
    2- منع الهجرة والاستيطان لمواطني الدولتين في أراضي الدولة الأخرى.
    تسلم كل دولة العبيد المارقين من الدولة الأخرى إليها.
    3- النوبيين كانت مسؤولة عن الحفاظ على مسجد للزوار المسلمين والمقيمين.
    4- المسلمون ليسوا ملتزمين بحماية النوبيين من الهجمات من قبل أطراف ثالثة.
    5- تقدم المقرة 360 عبدًا سنويًا إلى والي مصر. على أن يكون هؤلاء العبيد صحيحي الأبدان ليسوا من العجائز أو الأطفال، ويكونوا خليطًا من الذكور والإناث. يضاف عليهم 40 عبدًا توزع على وجهاء ولاية مصر.

    ***- تناول ابن عبد الحكم أحد المؤرخين الأوائل المعاهدة، وأورد نصين مختلفتين للمعاهدة. الأول يُلزم النوبة بإرسال العبيد، مما يرمز إلى التبعية لولاية مصر، والثاني يضيف التزامًا من ولاية مصر أيضًا بإرسال البضائع من القمح والعدس للمقرة، وهذا من شأنه أن يضع البلدين على قدم المساواة.
    (ج)-
    ***- هذه المعاهدة لم يسبق له مثيل في تاريخ الفتوحات الإسلامية، وهي تشبه تحالفات الإمبراطورية البيزنطية أحيانًا مع جيرانها. كما أنها أوقفت نشر الإسلام في هذه المنطقة لمدة 700 عام، مما تسبب في بعض الجدل بين علماء الدين الإسلامي حول ما إذا كانت تنتهك واجب الجهاد.

    ***- في عام 830، غرقت مصر في فتنة خلاف الأمين والمأمون، فامتنع الملك زكريا الثالث ملك المقرة عن دفع ما ألزمته به المعاهدة. وعندما خمدت الثورة، أرسل والي مصر إلى المقرة رسولاً مطالبًا استئناف المعاهدة، ودفع المتأخرات، وبسبب عدم قدرة زكريا على دفع ذلك مرة واحدة، أرسل ابنه ووريثه جيورجيوس في رحلة طويلة إلى بغداد عام 835، للتفاوض مباشرة مع الخليفة. حققت هذه الرحلة نجاحًا كبيرًا، وألغيت المتأخرات وتم تعديل المعاهدة بحيث لا تلتزم المقرة سوى بالدفع كل ثلاث سنوات.

    ***- كانت تلك المعاهدة من أوثق العلاقات خلال الحكم الفاطمي لمصر، حيث كان حلفاء الفاطميين الشيعة قلائل في العالم العربي، لذا أصبحت النوبة حليفًا هامًا لهم. كما شكّل العبيد المرسلين من النوبة العمود الفقري للجيش الفاطمي، ثم ساءت العلاقات أثناء حكم الأيوبيين، وانتهت تقريبًا في فترة حكم المماليك. أخيرًا، انتهت المعاهدة في منتصف القرن الرابع عشر، مع الانهيار التام لمملكة المقرة.

    ٧-
    شي من تاريخ مسكوت عنه سودانيآ:
    *****************
    معاهدة البقط بين السودان والإسلام
    المصدر:- “الحوار المتمدن”
    -العدد: 2513 – 2009 / 1 / 1 – 04:28
    المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    (أ)-
    البقط‏:‏ ما يقبض من سبي النوبة في كل عام ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم فإن كانت هذه الكلمة عربية فهي إمّا من قولهم في الأرض بقط من بقل وعشب أي نبذ من مرعى فيكون معناه على هذا نبذة من المال أو يكون من قولهم إن في بني تميم بقطًا من ربيعة أي فرقة أو قطعة فيكون معناه على هذا فرقة من المال أو قطعة منه ومنه بقط الأرض فرقة منها وبقط الشيء‏:‏ فرقه‏.‏
    (ب)-
    والبقط‏:‏ أن تعطي الحبة على الثلث أو الربع والبقط أيضًا‏:‏ ما سقط من التمر إذا قطع فأخطأ المخرف فيكون معناه على هذا بعض ما في أيدي النوبة وكان يؤخذ منهم في قرية يقال لها‏:‏ القصر مسافتها من أسوان خمسة أميال فيما بين بلد بلاق وبلد النوبة وكان القصر فرضة لقوص وأوّل ما تقرّر هذا البقط على النوبة في إمارة عمرو بن العاص لما بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد فتح مصر إلى النوبة سنة عشرين وقيل‏:‏ سنة إحدى وعشرين في عشرين ألفًا فمكث بها زمانًا فكتب إليه عمرو يأمره بالرجوع إليه‏.‏
    (ج)-
    فلما مات عمرو رضي الله عنه نقض النوبة الصلح الذي جرى بينهم وبين عبد الله بن سعد وكثرت سراياهم إلى الصعيد فأخربوا وأفسدوا فغزاهم مرّة ثانية عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو على إمارة مصر في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة إحدى وثلاثين وحصرهم بمدينة دنقلة حصارًا شديدًا ورماهم بالمنجنيق ولم تكن النوبة تعرفه وخسف بهم كنيستهم بحجر فبهرهم ذلك وطلب ملكهم واسمه‏:‏ قليدوروث الصلح وخرج إلى عبد الله وأبدى ضعفًا ومسكنة وتواضعًا فتلقاه عبد الله ورفعه وقرّبه ثم قرر الصلح معه على ثلثمائة وستين رأسًا في كل سنة ووعده عبد الله بحبوب يهديها إليه لما شكا له قلة الطعام ببلده وكتب لهم كتابًا نسخته بعد البسملة‏.‏
    (د)-
    عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حدّ أرض أسوان إلى حدّ أرض علوة أنّ عبد الله ابن سعد جعل لهم أمانًا وهدنةً جارية بينهم وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من المسلمين وأهل الذمّة إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن لا نحاربكم ولا ننصب لكم حربًا ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه وعليكم حفظ من نزل بلدكم أو يطرقه من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنكما وإنّ عليكم ردّ كل آبق خرج إليكم من عبيد المسلمين حتى تردّوه إلى أرض الإسلام ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه ولا تتعرّضوا لمسلم قصده وحاوره إلى أن ينصرف عنه وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم ولا تمنعوا منه مُصليًا وعليكم كنسه وإسراجه وتكرمته وعليكم في كل سنة ثلثمائة وستون رأسًا تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلادكم غير المعيب يكون فيها ذكران وإناث ليس فيها شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم تدفعون ذلك إلى والي أسوان وليس على مسلم دفع عدوّ عرض لكم ولا منعه عنكم من حدّ أرض علوة إلى أرض أسوان فإن أنتم آويتم عبد المسلم أو قتلتم مسلمًا أو معاهدًا أو تعرّضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم أو منعتم شيئًا من الثلثمائة رأس والستين رأسًا فقد برئت منكم هذه الهدنة والأمان وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين علينا بذلك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من ذمّة المسيح وذمّة الحواريين وذمّة من تعظمونه من أهل دينكم وملتكم الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك‏.‏
    (هـ)-
    كتبه عمرو بن شرحبيل في رمضان سنة إحدى وثلاثين‏.‏
    وكانت النوبة دفعت إلى عمرو بن العاص ما صولحوا عليه من البقط قبل نكثهم وأهدوا إلى عمرو أربعين رأسًا من الرقيق فلم يقبلها وردّ الهدية إلى كبير البقط ويقال له‏:‏ سمقوس فاشترى له بذلك جهازًا وخمرًا ووجهه إليه وبعث إليهم عبد الله بن سعد ما وعدهم به من الحبوب قمحًا وشعيرًا وعدسًا وثيابًا وخيلًا ثم تطاول الرسم على ذلك فصار رسمًا يأخذونه عند دفع البقط في كل سنة وصارت الأربعون رأسًا التي أهديت إلى عمرو يأخذها والي مصر‏.‏
    (و)-
    وعن أبي خليفة حميد بن هشام البحتريّ أن الذي صولح عليه النوبة ثلثمائة وستون رأسًا لفيء المسلمين ولصاحب مصر أربعون رأسًا ويدفع إليهم ألف أردب قمحًا ولرسله ثلثمائة أردب ومن الشعير كذلك ومن الخمر ألف اقتيز للمتملك ولرسله ثلثمائة اقتيز وفرسين من نتاج خيل الإمارة ومن أصناف الثياب مائة ثوب ومن القباطيّ أربعة أثواب للمتملك ولرسله ثلاثة ومن البقطرية ثمانية أثواب ومن المعلمة خمسة أثواب وجبة مجملة للملك ومن قمص أبي بقطر عشرة أثواب ومن أحاص عشرة أثواب وهي ثياب غلاظ‏.‏
    قال أبو خليفة‏:‏ ليس في كتاب عبد الله بن وهب ولا في كتاب الواقديّ تسمية ينتهي إليها وإنما أخذت التسمية من أبي زكريا قال أبو زكريا‏:‏ سمعت والدي عمرو بن صالح يقول هذا الخبر فحفظت منه ما وقفت عليه وقال‏:‏ حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر وهو على مصر فقال‏:‏ أنت عثمان بن صالح الذي وجهنا إليك في كتاب بقط النوبة قلت‏:‏ نعم فأقبل علي محفوظ بن سليمان فقال‏:‏ ما أعجب أمر هذه البلدة وجهنا إليهم نطلب عِلْمًا من علومهم وإلى هذا الشيخ فما شقانا أحد منهم فقلت‏:‏ أصلح الله الأمير إنّ الذي طلبت من خبر النوبة عندي قد حفظه شيوخ عن الشيوخ الذين حضروا هناك والهدنة والصلح الذي جرى بين عبد الله بن سعد وبين النوبة ثم حدّثته عن أخبارهم كما سمعت فأنكر عطية الخمر فقلت‏:‏ قد أنكرها عبد العزيز بن مروان وكان هذا المجلس بفسطاط مصر سنة إحدى عشرة ومائتين بعد أن تم الصلح بينه وبين عبد الله بن السريّ بن الحكم التميميّ الأمير كان قبله قال عثمان بن صالح فوجه الأمير إلى الديوان بظهر المسجد الجامع بمصر فاستخرج منه خبر النوبة فوجده كما ذكرت فسرّه ذلك‏.‏
    (ز)-
    وعن مالك بن أنس‏:‏ أنه كان يرى أنّ أرض النوبة إلى حدّ علوة صلح وكان لا يجيز شراء رقيقهم وكان أصحابه مثل عبد الله بن عبد الحكم وعبد الله بن وهب والليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم من فقهاء مصر يرون خلاف ذلك‏.‏

    قال الليث بن سعد‏:‏ نحن أعرف بأرض النوبة من الإمام مالك بن أنس إنما صولحوا على أن لا تغزوهم ولا تمنع منهم عدوًّا فما استرقه متملكهم أو غزا بعضهم بعضًا فشراؤه جائز وما استرقه بغاة المسلمين وسرّاقهم فغير جائز وكان عند جماعة منهم جوارٍ نوبيات لفرشهم ولم يزل النوبة يؤدّون البقط في كل سنة ويدفع إليهم ما تقدّم ذكره إلى أيام أمير المؤمنين المعتصم بالله أبي إسحاق بن الرشيد وكبير النوبة يومئذٍ زكرياء بن بحنس وكانت النوبة ربما عجزت عن دفع البقط فشنت الغارة عليهم ولاة المسلمين القريبون من بلادهم ويمنع من إخراج الجهاز إليهم فأنكر فيَرْقي ولد كبيرهم زكرياء على أبيه بذله الطاعة لغيره واستعجزه فيما يدفع فقال له أبوه فما تشاء قال‏:‏ عصيانهم ومحاربتهم قال أبوه‏:‏ هذا شيء رآه السلف من آبائنا صوابًا وأخشى أن يفضي هذا الأمر إليك فتقدم على محاربة المسلمين غير أني أوجهك إلى ملكهم رسولًا فأنت ترى حالنا وحالهم فإن رأيت لنا بهم طاقة حاربناهم على خبرة وإلا سألته الإحسان إلينا فشخص فيرقى إلى بغداد وكانت البلدان تزين له ويسير على المدن وانحدر بانحداره رئيس البجة بأسبابه ولقيا المعتصم فنظرا إلى ما بهرهما من حال العراق في كثرة الجيوش وعظم العمارة مع ما شاهداه في طريقهما فقرّب المعتصم فيرقي وأدناه وأحسن إليه إحسانًا تامًّا وقبل هديته وكافأه بأضعافها وقال له‏:‏ تمنّ ما شئت فسأله في إطلاق المحبوسين فأجابه إلى ذلك وكبر في عين المعتصم ووهب له الدار التي نزلها بالعراق وأمر أن يشتري له في كل منزل من طريقه دار تكون لرسلهم فإنه امتنع من دخول دارٍ لأحد في طريقه فأخذ له بمصر‏:‏ دار بالجيزة وأخرى ببني وائل وأجرى لهم في ديوان مصر سبعمائة دينار وفرسًا وسرجًا ولجامًا وسيفًا محلَّىً وثوبًا مثقلًا وعمامة من الخز وقميص شرب ورداء شرب وثيابًا لرسله غير محدودة عند وصول البقط إلى مصر ولهم حملان وخلع على المتولي القبض البقط وعليهم رسوم معلومة لقابض البقط والمتصرّفين معه وما يهدي إليهم بعد ذلك فغير محدود وهو عندهم هدية يجازون عليها ونظر المعتصم إلى ما كان يدفعه المسلمون فوجده أكثر من البقط وأنكر عطية الخمر وأجرى الحبوب والثياب التي تقدّم ذكرها ومرّر دفع البقط بعد انقضاء كل ثلاث سنين وكتب لهم كتابًا بذلك بقي في يد النوبة وادّعى النوبيّ على قوم من أهل أسوان أنهم اشتروا أملاكًا من عبيده فأمر المعتصم بالنظر في ذلك فأحضر والي البلد والمختار للحكم فيه التابعين من النوبة وسألاهم‏:‏ عما ادّعاه صاحبهم من بيعهم فأنكروا ذلك وقالوا‏:‏ نحن رعية فزال ما ادّعاه وطلب أشياء غير ذلك من إزالة المسلحة المعروفة بالقصر عن موضعها إلى الحدّ الذي بينهم وبين المسلمين لأنّ المسلحة على أرضهم فلم يجبه إلى ذلك ولم يزل الرسم جاريًا بدفع البقط على هذا التقرير ويدفع إليهم ما أجراه المعتصم إلى أن قدمت الدولة الفاطمية إلى مصر ذكر ذلك مؤرخ النوبة‏.‏

    وقال أبو الحسن المسعوديّ‏:‏ والبقط هو ما يقبض من السبي في كل سنة ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم وهو ثلثمائة رأس وخمسة وستون رأسًا لبيت المال بشرط الهدنة بين النوبة والمسلمين وللأمير بمصر غير ما ذكرنا أربعون رأسًا ولخليفته المقيم بأسوان وهو المتولي لقبض البقط عشرون رأسًا وللحاكم المقيم بأسوان الذي يحضر مع أمير أسوان قبض البقط خمسة أرؤس ولاثني عشر شاهدًا عدول من أهل أسوان يحضرون مع الحاكم لقبض البقط اثنا عشر رأسًا من السبي على حسب ما جرى به الرسم في صدر الإسلام في بدء إيقاع الهدنة بين المسلمين والنوبة‏.‏

    وقال البلاذري في كتاب الفتوحات‏:‏ إنّ المقرّر على النوبة أربعمائة رأس يأخذون بها طعامًا أي غلة وألزمهم أمير المؤمنين المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور ثلثمائة وستين رأسًا وزراقة‏.‏

    وفي سنة أربع وسبعين وستمائة كثر خبث داود متملك النوبة وأقبل إلى أن قرب من مدينة أسوان وحرق عدة سواق بعدما أفسد بعيذاب فمضى إليه والي قوص فلم يدركه وقبض على صاحب الخيل في عدّة من النوبة وحملهم إلى السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري بقلعة الجبل فوسطهم وقدم سكندة ابن أخت متملك النوبة متظلمًا من خاله داود فجرّد السلطان معه الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني الإستادار والأمير عز الدين إيبك الأفرم وأمير جاندار في جماعة كثيرة من العسكر ومن أجناد الولايات وعربان الوجه القبليّ والزراقين والرماة ورجال الحراريق فساروا في أوّل شعبان من القاهرة حتى وصلوا إلى أرض النوبة فخرجوا إلى لقائهم على النجب بأيديهم الحراب وعليهم دكادك سود فاقتتل الفريقان قتالًا كبيرًا انهزم فيه النوبة وأغار الأفرم على قلعة الدار وقتل وسبى وأوغل الفارقاني في أرض النوبة برًّا وبحرًا يقتل ويأسر فحاز من المواشي ما لا تعدّ ونزل بجزيرة ميكائيل برأس الجنادل ونفر المراكب من الجنادل ففرّ النوبة إلى الجزائر وكتب لقمر الدولة نائب داود متملك النوبة أمانًا فحلف لسكندة على الطاعة وأحضر رجال المريس ومن فرّ وخاض الأفرم إلى برج في الماء وحصره حتى أخذه وقتل به مائتين وأسر أخًا لداود فهرب داود والعسكر في أثره مدّة ثلاثة أيام وهم يقتلون ويأسرون حتى أذعن القوم وأسرت أم داود وأخته ولم يقدر على داود فتقرّر سكندة عوضه وقرّر على نفسه القطيعة في كل سنة ثلاث فيلة وثلاث زرافات وخمس فهود من إناثها ومائة نجيب أصهب وأربعمائة رأس من البقر المنتجة على أن تكون بلاد النوبة نصفين نصفها للسلطان ونصفها لعمارة البلاد وحفظها ما خلا بلاد الجنادل فإنها كلها للسلطان لقربها من أسوان وهي نحو الربع من بلاد النوبة وأن يحمل ما بها من التمر والقطن والحقوق الجارية بها العادة من قديم الزمان وأن يقوموا بالجزية ما بقوا على النصرانية فيدفع كل بالغ منهم في السنة دينارًا عينًا وكتب نسخة يمين بذلك حلف عليها الملك سكندة‏.‏

    ونسخة يمين أخرى حلفت عليها الرعية وخرّب الأميران كنائس النوبة وأخذ ما فيها وقبض على نحو عشرين أميرًا من أمراء النوبة وأفرج عمن كان بأيدي النوبة من أهل أسوان وعيذاب من المسلمين في أسرهم وألبس سكندة تاج الملك وأقعد على سرير المملكة بعدما حلف والتزم أن يحمل جميع ما لداود ولكل من قتل وأسر من مال ودواب إلى السلطان مع البقط القديم وهو أربعمائة رأس من الرقيق في كل سنة وزرافة من ذلك ما كان للخليفة ثلثمائة وستون رأسًا ولنائبه بمصر أربعون رأسًا على أن يطلق لهم إذا وصلوا بالبقط تامًا من القمح ألف أردب لمتملكهم وثلثمائة أردب لرسله‏.‏

    ٨-
    واخيرآ،
    ***- اما ان الان الاوان ونحن في القرن الواحد وعشرين ان نكتب وقائع واحداث التاريخ الاسلامي في السودان تمامآ كما حدثت بدون حساسية او اخفاء الحقائق حتي وان كانت قاسية واليمة؟!!…الي متي تظل كثير من الاحداث التاريخية مسكوت عنها “سودانيآ” ؟!!

    ملحوظة:
    السبب الذي دعاني الي انزال المقال بالكامل أن رابط المقال لا يعمل.

  7. سلام دكتور الصائغ
    ويومك ناضر وجميل
    حديثك ومقالاتك تشير إلى طبيعة سودانية سمحة، طبيعة تفهم اختلاف الأمزجة وتقدرها، صدقني أنا أقدر حزبكم الذي تنتمي له، وأوقن بأنه كان في استطاعتنا أن نتجنب الكثير من الأزمات الداخلية، والتصدعات التي ألمت بواقعنا السياسي، فجرت علينا تلك الشرور التي نعرفها، لو أدركنا طبيعة الخلاف التي اخفقت أطيافنا في تفهمه، فمهما شجر بيننا وبين الحزب الشيوعي من خلاف، كان من المفترض أن نتقوقع على الثوابت ونكلؤها برعايتنا، فحرصنا على هذه الثوابت كان قمينا ببقاء الدستور و تداول السلطة.. من هنا نستطيع أن نذعن للتفاوت ونعقد به أوسع الآمال، صدقني دكتور أنا ممنون جدا لهذا الرقي الذي حباك الله به، فلم تعصمك هذه الدروع والأثل من أن تتجاوب مع تلك الترهات التي أنثرها في حواف هذا الموقع المقروء.
    كل المحبة والود والتقدير دكتور الصائغ.
    الطيب

  8. ما أعرفه د.الصائغ أن الإسلام قد دخل هذه الديار من غير خيل ولا ركاب كما قال البروفيسور عبد الله الطيب..دخل الإسلام السودان من غير جموح أو طموح وتتبع هذا الأمر لا يكلفنا مشقة أو عناء علينا فقط أن نطالع الكتب التي تقطع عنا الحيرة والشك والاضطراب..ولعل القول الذي يجب أن ترتفع إليه الأبصار هو هذه الحروب التي اندلعت في شمال السودان هل هي بعد أن أظهر قاطني هذه الديار حبا لهذا الدين أم قبلها فساعد الإسلام على إخماد جذوتها واطفاء نائرتها..
    أنا على يقين بأن كل حروبنا سببها الحمية والعصبية..القبلية التي قادت لأن يمرض السودان في عنف، ويقاسي في شقاء.

    1. هل قرأت ما ورد في تعليق الاستاذ بكري الصائغ اعلاه ، ام هو الكسل الكيزاني المعهود ؟؟
      اقتباس من تعليق الاستاذ بكري الصائغ :
      “فاقتتل الفريقان قتالًا كبيرًا انهزم فيه النوبة وأغار الأفرم على قلعة الدار وقتل وسبى وأوغل الفارقاني في أرض النوبة برًّا وبحرًا يقتل ويأسر فحاز من المواشي ما لا تعدّ ونزل بجزيرة ميكائيل برأس الجنادل ونفر المراكب من الجنادل ففرّ النوبة إلى الجزائر وكتب لقمر الدولة نائب داود متملك النوبة أمانًا فحلف لسكندة على الطاعة وأحضر رجال المريس ومن فرّ وخاض الأفرم إلى برج في الماء وحصره حتى أخذه وقتل به مائتين وأسر أخًا لداود فهرب داود والعسكر في أثره مدّة ثلاثة أيام وهم يقتلون ويأسرون حتى أذعن القوم وأسرت أم داود وأخته ولم يقدر على داود فتقرّر سكندة عوضه وقرّر على نفسه القطيعة في كل سنة ثلاث فيلة وثلاث زرافات وخمس فهود من إناثها ومائة نجيب أصهب وأربعمائة رأس من البقر المنتجة على أن تكون بلاد النوبة نصفين نصفها للسلطان ونصفها لعمارة البلاد وحفظها ما خلا بلاد الجنادل فإنها كلها للسلطان لقربها من أسوان وهي نحو الربع من بلاد النوبة وأن يحمل ما بها من التمر والقطن والحقوق الجارية بها العادة من قديم الزمان وأن يقوموا بالجزية ما بقوا على النصرانية فيدفع كل بالغ منهم في السنة دينارًا عينًا وكتب نسخة يمين بذلك حلف عليها الملك سكندة‏.‏

      ونسخة يمين أخرى حلفت عليها الرعية وخرّب الأميران كنائس النوبة وأخذ ما فيها وقبض على نحو عشرين أميرًا من أمراء النوبة وأفرج عمن كان بأيدي النوبة من أهل أسوان وعيذاب من المسلمين في أسرهم وألبس سكندة تاج الملك وأقعد على سرير المملكة بعدما حلف والتزم أن يحمل جميع ما لداود ولكل من قتل وأسر من مال ودواب إلى السلطان مع البقط القديم وهو أربعمائة رأس من الرقيق في كل سنة وزرافة من ذلك ما كان للخليفة ثلثمائة وستون رأسًا ولنائبه بمصر أربعون رأسًا على أن يطلق لهم إذا وصلوا بالبقط تامًا من القمح ألف أردب لمتملكهم وثلثمائة أردب لرسله‏.‏”

      قتال ومعارك واتفاقيات لا تزال مصراً علي مقولة بلا خيل او ركاب !!
      عجيب امرك اذ تأخذك العزة بالاثم ؟؟!!

    2. 😎 عبد الله الطيب لم اعرف انه كان مؤرخًا ؟

      ثم ماذا تتوقع من لغوي و فقيه مثل عبد الله الطيب ان يقول خلاف ما قال عن كيفية دخول الاسلام للسودان ؟ اليس التدليس هو اساس عمل الفقيه ؟😳

  9. لمن يريد الاستزادة عن تفاصيل معاهدة البقط

    معاهدة البقط بين السودان و الإسلام

    عبد الرحمن أرموسى

    البقط‏:‏ ما يقبض من سبي النوبة في كل عام ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم فإن كانت هذه الكلمة عربية فهي إمّا من قولهم في الأرض بقط من بقل وعشب أي نبذ من مرعى فيكون معناه على هذا نبذة من المال أو يكون من قولهم إن في بني تميم بقطًا من ربيعة أي فرقة أو قطعة فيكون معناه على هذا فرقة من المال أو قطعة منه ومنه بقط الأرض فرقة منها وبقط الشيء‏:‏ فرقه‏.‏
    والبقط‏:‏ أن تعطي الحبة على الثلث أو الربع والبقط أيضًا‏:‏ ما سقط من التمر إذا قطع فأخطأ المخرف فيكون معناه على هذا بعض ما في أيدي النوبة وكان يؤخذ منهم في قرية يقال لها‏:‏ القصر مسافتها من أسوان خمسة أميال فيما بين بلد بلاق وبلد النوبة وكان القصر فرضة لقوص وأوّل ما تقرّر هذا البقط على النوبة في إمارة عمرو بن العاص لما بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد فتح مصر إلى النوبة سنة عشرين وقيل‏:‏ سنة إحدى وعشرين في عشرين ألفًا فمكث بها زمانًا فكتب إليه عمرو يأمره بالرجوع إليه‏.‏
    فلما مات عمرو رضي الله عنه نقض النوبة الصلح الذي جرى بينهم وبين عبد الله بن سعد وكثرت سراياهم إلى الصعيد فأخربوا وأفسدوا فغزاهم مرّة ثانية عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو على إمارة مصر في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة إحدى وثلاثين وحصرهم بمدينة دنقلة حصارًا شديدًا ورماهم بالمنجنيق ولم تكن النوبة تعرفه وخسف بهم كنيستهم بحجر فبهرهم ذلك وطلب ملكهم واسمه‏:‏ قليدوروث الصلح وخرج إلى عبد الله وأبدى ضعفًا ومسكنة وتواضعًا فتلقاه عبد الله ورفعه وقرّبه ثم قرر الصلح معه على ثلثمائة وستين رأسًا في كل سنة ووعده عبد الله بحبوب يهديها إليه لما شكا له قلة الطعام ببلده وكتب لهم كتابًا نسخته بعد البسملة‏.‏
    عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حدّ أرض أسوان إلى حدّ أرض علوة أنّ عبد الله ابن سعد جعل لهم أمانًا وهدنةً جارية بينهم وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من المسلمين وأهل الذمّة إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن لا نحاربكم ولا ننصب لكم حربًا ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه وعليكم حفظ من نزل بلدكم أو يطرقه من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنكما وإنّ عليكم ردّ كل آبق خرج إليكم من عبيد المسلمين حتى تردّوه إلى أرض الإسلام ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه ولا تتعرّضوا لمسلم قصده وحاوره إلى أن ينصرف عنه وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم ولا تمنعوا منه مُصليًا وعليكم كنسه وإسراجه وتكرمته وعليكم في كل سنة ثلثمائة وستون رأسًا تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلادكم غير المعيب يكون فيها ذكران وإناث ليس فيها شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم تدفعون ذلك إلى والي أسوان وليس على مسلم دفع عدوّ عرض لكم ولا منعه عنكم من حدّ أرض علوة إلى أرض أسوان فإن أنتم آويتم عبد المسلم أو قتلتم مسلمًا أو معاهدًا أو تعرّضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم أو منعتم شيئًا من الثلثمائة رأس والستين رأسًا فقد برئت منكم هذه الهدنة والأمان وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين علينا بذلك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من ذمّة المسيح وذمّة الحواريين وذمّة من تعظمونه من أهل دينكم وملتكم الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك‏.‏
    كتبه عمرو بن شرحبيل في رمضان سنة إحدى وثلاثين‏.‏
    وكانت النوبة دفعت إلى عمرو بن العاص ما صولحوا عليه من البقط قبل نكثهم وأهدوا إلى عمرو أربعين رأسًا من الرقيق فلم يقبلها وردّ الهدية إلى كبير البقط ويقال له‏:‏ سمقوس فاشترى له بذلك جهازًا وخمرًا ووجهه إليه وبعث إليهم عبد الله بن سعد ما وعدهم به من الحبوب قمحًا وشعيرًا وعدسًا وثيابًا وخيلًا ثم تطاول الرسم على ذلك فصار رسمًا يأخذونه عند دفع البقط في كل سنة وصارت الأربعون رأسًا التي أهديت إلى عمرو يأخذها والي مصر‏.‏
    وعن أبي خليفة حميد بن هشام البحتريّ أن الذي صولح عليه النوبة ثلثمائة وستون رأسًا لفيء المسلمين ولصاحب مصر أربعون رأسًا ويدفع إليهم ألف أردب قمحًا ولرسله ثلثمائة أردب ومن الشعير كذلك ومن الخمر ألف اقتيز للمتملك ولرسله ثلثمائة اقتيز وفرسين من نتاج خيل الإمارة ومن أصناف الثياب مائة ثوب ومن القباطيّ أربعة أثواب للمتملك ولرسله ثلاثة ومن البقطرية ثمانية أثواب ومن المعلمة خمسة أثواب وجبة مجملة للملك ومن قمص أبي بقطر عشرة أثواب ومن أحاص عشرة أثواب وهي ثياب غلاظ‏.‏
    قال أبو خليفة‏:‏ ليس في كتاب عبد الله بن وهب ولا في كتاب الواقديّ تسمية ينتهي إليها وإنما أخذت التسمية من أبي زكريا قال أبو زكريا‏:‏ سمعت والدي عمرو بن صالح يقول هذا الخبر فحفظت منه ما وقفت عليه وقال‏:‏ حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر وهو على مصر فقال‏:‏ أنت عثمان بن صالح الذي وجهنا إليك في كتاب بقط النوبة قلت‏:‏ نعم فأقبل علي محفوظ بن سليمان فقال‏:‏ ما أعجب أمر هذه البلدة وجهنا إليهم نطلب عِلْمًا من علومهم وإلى هذا الشيخ فما شقانا أحد منهم فقلت‏:‏ أصلح الله الأمير إنّ الذي طلبت من خبر النوبة عندي قد حفظه شيوخ عن الشيوخ الذين حضروا هناك والهدنة والصلح الذي جرى بين عبد الله بن سعد وبين النوبة ثم حدّثته عن أخبارهم كما سمعت فأنكر عطية الخمر فقلت‏:‏ قد أنكرها عبد العزيز بن مروان وكان هذا المجلس بفسطاط مصر سنة إحدى عشرة ومائتين بعد أن تم الصلح بينه وبين عبد الله بن السريّ بن الحكم التميميّ الأمير كان قبله قال عثمان بن صالح فوجه الأمير إلى الديوان بظهر المسجد الجامع بمصر فاستخرج منه خبر النوبة فوجده كما ذكرت فسرّه ذلك‏.‏
    وعن مالك بن أنس‏:‏ أنه كان يرى أنّ أرض النوبة إلى حدّ علوة صلح وكان لا يجيز شراء رقيقهم وكان أصحابه مثل عبد الله بن عبد الحكم وعبد الله بن وهب والليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم من فقهاء مصر يرون خلاف ذلك‏.‏
    قال الليث بن سعد‏:‏ نحن أعرف بأرض النوبة من الإمام مالك بن أنس إنما صولحوا على أن لا تغزوهم ولا تمنع منهم عدوًّا فما استرقه متملكهم أو غزا بعضهم بعضًا فشراؤه جائز وما استرقه بغاة المسلمين وسرّاقهم فغير جائز وكان عند جماعة منهم جوارٍ نوبيات لفرشهم ولم يزل النوبة يؤدّون البقط في كل سنة ويدفع إليهم ما تقدّم ذكره إلى أيام أمير المؤمنين المعتصم بالله أبي إسحاق بن الرشيد وكبير النوبة يومئذٍ زكرياء بن بحنس وكانت النوبة ربما عجزت عن دفع البقط فشنت الغارة عليهم ولاة المسلمين القريبون من بلادهم ويمنع من إخراج الجهاز إليهم فأنكر فيَرْقي ولد كبيرهم زكرياء على أبيه بذله الطاعة لغيره واستعجزه فيما يدفع فقال له أبوه فما تشاء قال‏:‏ عصيانهم ومحاربتهم قال أبوه‏:‏ هذا شيء رآه السلف من آبائنا صوابًا وأخشى أن يفضي هذا الأمر إليك فتقدم على محاربة المسلمين غير أني أوجهك إلى ملكهم رسولًا فأنت ترى حالنا وحالهم فإن رأيت لنا بهم طاقة حاربناهم على خبرة وإلا سألته الإحسان إلينا فشخص فيرقى إلى بغداد وكانت البلدان تزين له ويسير على المدن وانحدر بانحداره رئيس البجة بأسبابه ولقيا المعتصم فنظرا إلى ما بهرهما من حال العراق في كثرة الجيوش وعظم العمارة مع ما شاهداه في طريقهما فقرّب المعتصم فيرقي وأدناه وأحسن إليه إحسانًا تامًّا وقبل هديته وكافأه بأضعافها وقال له‏:‏ تمنّ ما شئت فسأله في إطلاق المحبوسين فأجابه إلى ذلك وكبر في عين المعتصم ووهب له الدار التي نزلها بالعراق وأمر أن يشتري له في كل منزل من طريقه دار تكون لرسلهم فإنه امتنع من دخول دارٍ لأحد في طريقه فأخذ له بمصر‏:‏ دار بالجيزة وأخرى ببني وائل وأجرى لهم في ديوان مصر سبعمائة دينار وفرسًا وسرجًا ولجامًا وسيفًا محلَّىً وثوبًا مثقلًا وعمامة من الخز وقميص شرب ورداء شرب وثيابًا لرسله غير محدودة عند وصول البقط إلى مصر ولهم حملان وخلع على المتولي القبض البقط وعليهم رسوم معلومة لقابض البقط والمتصرّفين معه وما يهدي إليهم بعد ذلك فغير محدود وهو عندهم هدية يجازون عليها ونظر المعتصم إلى ما كان يدفعه المسلمون فوجده أكثر من البقط وأنكر عطية الخمر وأجرى الحبوب والثياب التي تقدّم ذكرها ومرّر دفع البقط بعد انقضاء كل ثلاث سنين وكتب لهم كتابًا بذلك بقي في يد النوبة وادّعى النوبيّ على قوم من أهل أسوان أنهم اشتروا أملاكًا من عبيده فأمر المعتصم بالنظر في ذلك فأحضر والي البلد والمختار للحكم فيه التابعين من النوبة وسألاهم‏:‏ عما ادّعاه صاحبهم من بيعهم فأنكروا ذلك وقالوا‏:‏ نحن رعية فزال ما ادّعاه وطلب أشياء غير ذلك من إزالة المسلحة المعروفة بالقصر عن موضعها إلى الحدّ الذي بينهم وبين المسلمين لأنّ المسلحة على أرضهم فلم يجبه إلى ذلك ولم يزل الرسم جاريًا بدفع البقط على هذا التقرير ويدفع إليهم ما أجراه المعتصم إلى أن قدمت الدولة الفاطمية إلى مصر ذكر ذلك مؤرخ النوبة‏.‏
    وقال أبو الحسن المسعوديّ‏:‏ والبقط هو ما يقبض من السبي في كل سنة ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم وهو ثلثمائة رأس وخمسة وستون رأسًا لبيت المال بشرط الهدنة بين النوبة والمسلمين وللأمير بمصر غير ما ذكرنا أربعون رأسًا ولخليفته المقيم بأسوان وهو المتولي لقبض البقط عشرون رأسًا وللحاكم المقيم بأسوان الذي يحضر مع أمير أسوان قبض البقط خمسة أرؤس ولاثني عشر شاهدًا عدول من أهل أسوان يحضرون مع الحاكم لقبض البقط اثنا عشر رأسًا من السبي على حسب ما جرى به الرسم في صدر الإسلام في بدء إيقاع الهدنة بين المسلمين والنوبة‏.‏
    وقال البلاذري في كتاب الفتوحات‏:‏ إنّ المقرّر على النوبة أربعمائة رأس يأخذون بها طعامًا أي غلة وألزمهم أمير المؤمنين المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور ثلثمائة وستين رأسًا وزراقة‏.‏
    وفي سنة أربع وسبعين وستمائة كثر خبث داود متملك النوبة وأقبل إلى أن قرب من مدينة أسوان وحرق عدة سواق بعدما أفسد بعيذاب فمضى إليه والي قوص فلم يدركه وقبض على صاحب الخيل في عدّة من النوبة وحملهم إلى السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري بقلعة الجبل فوسطهم وقدم سكندة ابن أخت متملك النوبة متظلمًا من خاله داود فجرّد السلطان معه الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني الإستادار والأمير عز الدين إيبك الأفرم وأمير جاندار في جماعة كثيرة من العسكر ومن أجناد الولايات وعربان الوجه القبليّ والزراقين والرماة ورجال الحراريق فساروا في أوّل شعبان من القاهرة حتى وصلوا إلى أرض النوبة فخرجوا إلى لقائهم على النجب بأيديهم الحراب وعليهم دكادك سود فاقتتل الفريقان قتالًا كبيرًا انهزم فيه النوبة وأغار الأفرم على قلعة الدار وقتل وسبى وأوغل الفارقاني في أرض النوبة برًّا وبحرًا يقتل ويأسر فحاز من المواشي ما لا تعدّ ونزل بجزيرة ميكائيل برأس الجنادل ونفر المراكب من الجنادل ففرّ النوبة إلى الجزائر وكتب لقمر الدولة نائب داود متملك النوبة أمانًا فحلف لسكندة على الطاعة وأحضر رجال المريس ومن فرّ وخاض الأفرم إلى برج في الماء وحصره حتى أخذه وقتل به مائتين وأسر أخًا لداود فهرب داود والعسكر في أثره مدّة ثلاثة أيام وهم يقتلون ويأسرون حتى أذعن القوم وأسرت أم داود وأخته ولم يقدر على داود فتقرّر سكندة عوضه وقرّر على نفسه القطيعة في كل سنة ثلاث فيلة وثلاث زرافات وخمس فهود من إناثها ومائة نجيب أصهب وأربعمائة رأس من البقر المنتجة على أن تكون بلاد النوبة نصفين نصفها للسلطان ونصفها لعمارة البلاد وحفظها ما خلا بلاد الجنادل فإنها كلها للسلطان لقربها من أسوان وهي نحو الربع من بلاد النوبة وأن يحمل ما بها من التمر والقطن والحقوق الجارية بها العادة من قديم الزمان وأن يقوموا بالجزية ما بقوا على النصرانية فيدفع كل بالغ منهم في السنة دينارًا عينًا وكتب نسخة يمين بذلك حلف عليها الملك سكندة‏.‏
    ونسخة يمين أخرى حلفت عليها الرعية وخرّب الأميران كنائس النوبة وأخذ ما فيها وقبض على نحو عشرين أميرًا من أمراء النوبة وأفرج عمن كان بأيدي النوبة من أهل أسوان وعيذاب من المسلمين في أسرهم وألبس سكندة تاج الملك وأقعد على سرير المملكة بعدما حلف والتزم أن يحمل جميع ما لداود ولكل من قتل وأسر من مال ودواب إلى السلطان مع البقط القديم وهو أربعمائة رأس من الرقيق في كل سنة وزرافة من ذلك ما كان للخليفة ثلثمائة وستون رأسًا ولنائبه بمصر أربعون رأسًا على أن يطلق لهم إذا وصلوا بالبقط تامًا من القمح ألف أردب لمتملكهم وثلثمائة أردب لرسله‏.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..