مقالات وآراء سياسية

إنكفاء النخبة السودانية جعلها متأخرة فكريا بنصف قرن

طاهر عمر

للنخب السودانية مكنزمات دفاع لا تقل في وصفها بأن تجعل من المثقف السوداني كالسلحفاة بدرقتها تستطيع أن تحمي نفسها بالإنكفاء على نفسها

و الإنكفاء على النفس له إنعكاسات سلبية كبيرة على أقل تقدير تمنع الإنفتاح على أفق تطور البشرية و الإستفادة من ظاهرة المجتمع البشري في مجابهته للمصاعب التي تواجهه و كيفية تنظيم إجزاءه الى أن وصل لمفاهيم تكاد تكون مشتركة يجابه بها ظاهرة مجتمع بشري في أي مكان و أي زمان و بالتالي أصبحت معادلة الحرية و العدالة هي إيقاع ينظم صراع الفرد مع مجتمعه و عليه تكون مسيرتها بحث عن نقطة التوازن.

إنكفاء النخب السودانية على أنفسهم يتجسد في إرتكازهم على نقاط ضعف إلا أنها أقرب للعقل الجمعي الكاسد و نسبة لغياب الشخصيات التاريخية و هي التي تتحدى تاريخ الخوف و تفتح باب تاريخ الذهنيات و تستطيع أن تحدث قطيعة مع التراث مثلما حدث نتيجة لفكرة الإصلاح الديني و لذلك يعتبر مارتن لوثر شخصية تاريخية. طريقة تفكيره جعلته يفارق مزاج مجتمع تقليدي و يفتح طريق جديد و يؤسس للقطيعة مع التراث و لحسن حظه أي مارتن لوثر كانت رغبة البرجوازية الصغيرة في زمنه صادفت بأنها تريد أن تنفك من التراث القديم وهذا ما جعل مسيرة الإصلاح الديني في زمن مارتن لوثر يبدأ مسيرته الى أن وصل الى التحول في المفاهيم فيما يتعلق اليوم بفكرة الدولة وفكرة ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية.

وحتى نربط ما ذكرته أي التطور الذي حدث منذ الإصلاح الديني وكيف بذر بذور النزعة الإنسانية أي ثقة الإنسان في مقدرات عقله البشري والإبتعاد عن فكرة دولة الإرادة الإلهية وهنا نقطة ضعف النخب السودانية وفي نفس الوقت مهارتها في الإحتفاظ بنقطة الضعف هذه أي أن النخب السودانية بمجرد أن تطلب منها أن تنزع نزعة إنسانية نتج عنها مجد العقلانية وإبداع العقل البشري ومجابهته للمشكل الذي يواجه الإنسان في ظاهرة المجتمع البشري وفقا لقدرته كعقل بشري سرعان ما تتجه بكل نشاط وسرعة وأقصد النخب السودانية الى درعها أي درقة السلحفاة لا لكي تحارب بل لكي تنكفي على نفسها متعللة بأن تاريخ أوروبا تاريخ خاص بها ولا ينطبق على تاريخنا الخاص بنا متناسين أن تاريخ أوروبا قد أصبح مختصر تاريخ الإنسانية أي قد أصبح ممر إلزامي وها هي الصين تلحق بتاريخ أوروبا ويستوعب رئيسها عام 1978م بأن نمط الإنتاج الرأسمالي هو أسرع إنقاذ لحالة الصين.

ويقال أنه في شبابه كان من ضمن وفد قد ذهب الى فرنسا وعندما سأله والده عشية مغادرته الى فرنسا ماذا تريد من ذهابك لفرنسا فكانت إجابته لكي نتعلم الحكمة والمعرفة من أجل إنقاذ الصين وقبله فعلت النمور الأسيوية مستفيدة من فكرة الإقتصاد والمجتمع المستفادة من تطور الفكر الاوروبي. إنكفاء النخب السودانية على نفسها جعلها متأخرة فكريا بنصف قرن من الزمن و بالتالي عجز ميزان فكر النخب السودانية ظاهر في أنها قد أصبحت لاحقة للأحداث خلال القرن الأخير.

عندما نقول نخب سودانية لاحقة للأحداث خلال قرن يمكن أن نقول قد بدأ مع ضعف إدراك النخب السودانية بسبب منهج ضعيف نالوا عبره تعليم يؤهلهم لوظائف دنيا أيام الإستعمار و لم يؤهلهم لتحليل ظاهرة المجتمع البشري كما نجده في فكر ماكس فيبر وفكرة عقلانية الرأسمالية ودوره في توازن المجتمع عبر الإقتصاد وفكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد وعليه تصبح فكرة الدولة ومواثيق حقوق الإنسان نهاية واضحة للفكر الديني وهذا ما عجز عن إدراكه عقل النخب السودانية خلال القرن الأخير أي قبل قيام مؤتمر الخريجيين بأكثر من عقد من الزمن.

في حقبة مؤتمر الخريجيين لم تكن النخب السودانية أحسن حال فكري مما سبقهم لأنهم أيضا كانوا لاحقيين للأحداث. مثلا لم يدرك أتباع مؤتمر الخريجيين بأن حقبتهم كانت لحظة إضطراب فكري وأرجحة بين نهاية ليبرالية تقليدية وبداية ليبرالية حديثة إحتاجت الى فلسفة تاريخ حديثة ما زالت حلقة مفقودة في الفكر السوداني الى اليوم مثل الحلقة المفقودة لدارون وهذه الحلقة المفقودة وسط الفكر السوداني تظهر في تخبط النخب السودانية في كتاباتهم وضعفها على صعيدي الفلسفة السياسية والفلسفة الإقتصادية. نلمسه في إعتقاد أغلب النخب السودانية في الإشتراكية حتى غير أتباع اليسار السوداني وهذا سببه ضعفهم في إدراك فلسفة التاريخ الحديثة ومعادلة الحرية والعدالة وفيها قد أصبح الفكر الليبرالي الديمقراطي أقرب الطرق لإزدهار المجتمعات الحديثة إقتصاديا وأقربها الى توسيع الطبقة الوسطى وتوسيع دائرة الإزدهار المادي.

و لكن على العكس نجد أن أغلب النخب السودانية أقرب الى تصديق فكرة نهاية التاريخ ونهاية الصراع الطبقي كفكرة لاهوتية سببها أن العقل السوداني لا يعرف غير مرتع الفكر اللاهوتي الديني وبالتالي أقرب لتصديق الفكر المطلق سواء في الفكر الديني الإسلامي أو في فكر الشيوعية كدين بشري وأبعد عن إدراك النسبي والعقلاني وبالتالي نجد الفكر السوداني مطمئن للوثوقيات والحتميات ومحاط بالخوف من النقد والشك وهذا يجعل أغلب النخب السودانية ترجع الى درقة السلحفاة وبأننا لنا تاريخنا الخاص بنا ولا يستوعب المثقف التقليدي السوداني لماذا إستوعبت الصين أهمية نمط الإنتاج الرأسمالي ولقّحت به إقتصادها وفتح على إزدهار الصين الإقتصادي الآن.
بعد إنهيار مؤتمر الخريجيين قامت الأحزاب السودانية من أقصاء يسارها الرث الى أقصى يمينها الغائص في وحل الفكر الديني وأيضا كانت لاحقة للأحداث. قيام الأحزاب السودانية تزامن مع نهاية الحرب العالمية الثانية وأغلب أتباعها أي أتباع المرشد والامام والختم في سياجاتهم الدوغمائية وهي أبعد ما تكون عن مفهوم الدولة كمفهوم حديث علاقة الفرد فيها بالدولة مباشرة ومنتصرة للعقل والفرد والحرية والفرد فيها متوشح بفكر عقل الأنوار ولا يرضى أن يفكر بدلا عنه الامام ولا يفكر بدلا عنه المرشد أو الختم وكذلك لا تفكر بدلا عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ولهذا الى اللحظة نجد أحزابنا السودانية لاحقة للاحداث ولم تستوعب التحول في المفاهيم بعد إنتشار أفكار فلسفة التاريخ الحديثة نتاج سؤال ما التنوير؟ .

في الإستقلال 1956م جاءت النخب السودانية بنفس عجز ميزان مدفوعاتها الفكري لكي تجابه ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وظهر عجز ميزان مدفوعاتها الفكري في أنها الى الآن يتحدثون عن دولة ما بعد الإستعمار بفكر نخب لم يشغلهم غير عقل الهووي الصاخب وبالتالي ساد فكر الهويات وغاب فكر الحريات الى اليوم في وقت في العالم المتقدم يعالج مشاكل مجتمع ما بعد الثورة الصناعية وليس مجتمع ما بعد الإستعمار وبه تعلل النخب السودانية ضعفها الفكري بأنها ضحية إقتصاد التبعية وكله تبرير للعجز وترسيخ لعجز ريادات وطنية غير واعية.

وبالمناسبة من أكبر معوقات التنمية الإقتصادية والإجتماعية سيطرة الريادات الوطنية غير الواعية على دفة الأمور ولا ينتج عنها إلا فكر يسد كل منافذ الخروج من الأزمات كطرح الحزب الشيوعي السوداني اليوم أي التغيير الجذري وحقيقة يوضح طرحهم أوهام المثقف التراجيدي كما تحدث عنه عالم الإجتماع التونسي الطاهر لبيب بأن المثقف التراجيدي يطرح فكرة هو ذاته نفسه يدرك إستحالة إنزالها على أرض الواقع ومن أراد التحقق عليه أن يتمعن في طرح الشيوعي السوداني ومحاولة إعطاء نفسه الشرعية للقيادة بسبب سجون أتباعه او قتل قياداته في محاولاتهم الإنقلابية الفاشلة أو نزولهم تحت الأرض أو تشريدهم في المنافي.

المهم في الأمر الحرب العبثية الآن بين الجيش الكيزاني وصنيعته الدعم السريع كأداة موت وطرح الشيوعي السوداني التعجيزي في تغييره الجذري ولا مبالاته بعذابات السودانيين كلها مؤشرات تدل على أن المجتمع السوداني القديم وفكره في طريقه للإندثار وقد تطول معاناة الشعب السوداني أو تقصر أي قد تطول أزمنة الحرب أو تقصر ولكن كلها لا تفتح إلا على شئ واحد بعد المعناة ودفع الدم والعرق والدموع أن لا حل غير عقلنة الفكر وعلمنة المجتمع وهذا يفتح باب نهاية وثوقيات وحتميات النخب السودانية في نومها العميق في سياجاتها الدوغمائية سواء كانت في يسار الفكر السوداني الرث أو يمينه الغارق في وحل الفكر الديني.

كما ذكرت في عنوان المقال أن النخب السودانية متأخرة بنصف قرن ونوضحه لك أيها القارئ عندما أيقنت الصين عام 1978م من نمط الإنتاج الرأسمالي وأدخلته لإنعاش إقتصادها كان العالم يعيش آخر خيوط أشعة ديناميكية الكينزية وكانت أفكار النيوليبرالية على الأبواب بسبب إنتخاب تاتشر وريغان أما في العالم العربي والإسلامي التقليدي فكان هناك إستعداد لإستقبال الخمينية وكانت الطامة الكبرى ولا تذكّر إلا بذكرى تأسيس جماعة الأخوان المسلميين عام 1929م أيام الكساد الإقتصادي العظيم ولك أن تتخيل كيف يفكر العالم المتقدم في التغيير الذي يفضي الى الإزدهار المادي؟ والعالم العربي والإسلامي يفكر في دولة الإرادة الإلهية وما بين قيام وتأسيس جماعة الأخوان المسلميين والخمينية نصف قرن بالتمام والكمال.

المضحك لو قارنا تأخر الشيوعي السوداني عن الصين في فهمها لأهمية نمط الإنتاج الرأسمالي وإصرار الشيوعي السوداني على شيوعية تقليدية لا يتبعها إلا شيوعيي العالم الثالث تجد من يقول لك أن الحزب الشيوعي السوداني حزب له تجربة سياسية وعليه يستحق أن يترك في إيمانه بنسخته المتكلسة لا لسبب إلا لأنه له تاريخ سياسي أفقده قياداته سواء بالقتل او النزول تحت الارض أو السجون أو تشريدهم في المنافي ونحن نقول لهم كانت الكنيسة حاكمة لأوروبا لالف عام هل تترك لترجع من جديد بحروبها الطائفية؟ لذلك لا يترك الحزب الشيوعي السوداني على هواه حتى لا يورطنا في شمولية بغيضة.

لذلك أن السجون والتشريد والنزول تحت الارض والقتل لقيادات الحزب الشيوعي السوداني لا تعطيه شرعية قيادة الشعب السوداني لأنه أي الحزب الشيوعي السوداني نائم نوم عميق في سياجاته الدوغمائية وكالسائر في نومه بتوهمه أنه قد دفع فاتورة التضحية وما على الشعب إلا الإنصياع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني لتفكر بدلا عنه ويأتي السؤال ما الفرق بين تفكير اللجنة المركزية للحزب الشوعي السوداني بدلا عن الشعب وبين تفكير الفقية الولي بدلا عن الامة؟ ومن هنا يجب الحذر من الاحزاب التي لا تنتج غير نظم شمولية وما أبغض الشيوعية كنظام شمولي لا تقل بشاعته عن النازية والفاشية ولمن يريد المزيد عن شمولية الشيوعية والنازية والفاشية عليه بقراءة كتب حنا أرنت.

[email protected]

‫6 تعليقات

  1. تحليل رائع وشرح دقيق لازمه العقل السوداني والمسلم عامه وكيفيه خروجنا من أزمتنا

  2. نخب السودان هم نخب الزبيبة و ترى بروفيسورهم و دكتورهم و شيوعيهم بزبايب لا تخطئها العين فكيف تريد ان تزعل في أدمغتهم العقلنة و العلمنة ؟

    انه المستحيل بعينه 😳

  3. هاكم ما خطت يد الدكتور السوداني الذي انتمى في احدى مراحل حياته للإسلام السياسي ثم بعد حين استطاع ان يسترجع عقله فصار كامل النجار الذي غرفت من ثمرات عقله الراجح 😳

    وأد العقل المسلم

    كامل النجار

    وأد العقل المسلم
    جذب انتباهي إعلان بإحدى الصحف السودانية من محام يعلن أنه سوف يكتب مقالاً عن “العقل في القرءان والفكر القرءاني يشكلان أخصب تربة لاستيعاب وانتاج فكر الحداثة”. ويالها من حداثة نراها ماثلة أمام أبصارنا منذ ظهور القرآن.
    يسأل القرآن فيقول (وإذا الموءودة سُئلت بأي ذنب قُتلت) وكان يجب أن يقول (وإذا الموءود سُئل بأي ذنب قُتل) لأن فقهاء الإسلام قد وأدوا العقل المسلم منذ بداية الدعوة، ومحمد نفسه قد بدأ وأد العقل عندما منع أتباعه من استعمال عقولهم وسؤاله عن رسالته ومصدرها، فقال لهم (لا تسألوا عن أشياء إن تُبدى لكم تسؤكم). وقد عرف محمد أن التفكر فيما يقول يقود إلى الشك وبالتالي إلى زعزعة الإيمان، ولذلك سمى العقل أو التفكر شيطاناً وحث أتباعه على التعوذ من الشيطان الرجيم، أي التعوذ من التفكير. وقد عرف محمد أن أتباعه يساورهم الشك أحياناً فقال لهم ” إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم (فتاوى بن باز، ج 7، ص 51). فالذي يحدث الأخرين بشكوكه لا يغفر الله له.
    استأنس فقهاء الإسلام بمثل هذه الأحاديث وزادوا عليها ليقتلوا ملكة التفكير عند المسلم حتى لا يتمرد عليهم. فنجد الغزالي مثلاً عندما تحدث عن الأمور الفلسفية، يقول ” فيجب كف الناس عن البحث عنها وردهم إلى ما نطق به الشرع ففي ذلك مقنع للموفق فكم من شخص خاض في العلوم واستضر بها ولو لم يخض فيها لكان حاله أحسن في الدين مما صار إليه. ولا ينكر كون العلم ضارا لبعض الناس كما يضر لحم الطير وأنواع الحلوى اللطيفة بالصبي الرضيع، بل رب شخص ينفعه الجهل ببعض الأمور” (إحياء علوم الدين، ربع العبادات، ج1، ص 19). فالإمام الغزالي، حُجة الإسلام، يفضل الجهل في الناس حتى لا يراودهم الشك فيما أتى به محمد.
    وأبو الحسن الأشعري لا يقل تتفيهاً للعقل عن الغزالي، فنجده يقول “إن الكذب شر لأن الله حرّمه، ولكن لو حلله الله فسوف يصبح الكذب خيراً” (The Closing of the Muslim Mind, Robert Reilly, p.70). ويقول كذلك “يجب على المسلم أن يوقن أن الله يجلس على العرش بدون السؤال عن كيف” History of God, Karen Armstrong, p. 195
    أما الإمام الشافعي فيقول “حديث ضعيف أفضل من القياس” (عمدة السالك وعدة الناسك، الشيخ أحمد بن نجيب المصري). الإمام الشافعي لا يحب القياس لأنه مبني على العقل الذي يقود إلى الشك. أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول ” فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفى باطله بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه” (ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص29). وكذلك يقول في صفحة 31 من نفس الكتاب ” ولهذا اتفق علماء المسلمين على أن الإنسان لو قال والله لأفعلن كذا وكذا إن شاء الله، ثم لم يفعله، أنه لا يحنث لأنه لما لم يفعله علم أن الله لم يشأه إذ لو شاءه لفعله العبد. فلما لم يفعله علم أن الله لم يشأه”. منتهى الاتكالية على الله وتهميش دور العقل. أي مسلم إذا كُلف بعمل شئ ما ولم يفعله يقول إن الله لم يشأه.
    ويستمر ابن تيمية في المجلد الثاني من كتاب درء تعارض العقل والنقل ” وقال ابو محمد حرب بن اسماعيل الكرماني في مسائله المعروفة التي نقلها عن احمد واسحاق وغيرهما وذكر معها من الاثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وغيرهم ما ذكر، وهو كتاب كبير صنفه على طريقة الموطأ ونحو من المصنفات. قال في اخره في الجامع باب القول في المذهب: هذا مذهب ائمة العلم واصحاب الاثر واهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وادركتُ من ادركتُ من علماء اهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب او طعن فيها او عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب احمد واسحاق بن ابراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا واخذنا عنهم العلم.” انتهى. فالذي يستعمل عقله ويشكك في أي شئ قاله أهل المذاهب المذكورون أعلاه فقد ضل وفارق الجماعة ولذا يمكن أن يُستباح دمه.
    أما ابن قيم الجوزية، تلميذ ابن تيمية فيقول ” فإذا تعارض النقل وهذه العقول، أخذ بالنقل الصحيح، ورمي بهذه العقول تحت الأقدام، وحُطت حيث حطها الله وأصحابها” [مختصر الصواعق المرسلة ص82-83 اختصار الموصلي ]. فهنيئاً للمسلمين بتلك العقول التي يُرمى بها تحت الأقدام لتعارض أفكارها مع المنقول من أقوال السلف الصالح.
    ويستمر ابن قيم الجوزية فيقول في كتابه “الفصل في الملل والأهواء والنِحل” ‏( وإذا الوحوش حشرت) ‏”فنحن موقنون الوحوش كلها وجميع الدواب والطير تحشر كلها يوم القيامة كما شاء الله تعالى ولما شاء عز وجل و أما نحن فلا ندري لماذا والله أعلم بكل شيء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنه يقتص يومئذ للشاة الجماء من الشاة القرناء” فنحن نقر بهذا وبأنه يقتص يومئذ للشاة الجماء من الشاة القرناء ولا ندري ما يفعل الله بهما بعد ذلك إلا أنا ندري يقيناً أنها لا تعذب بالنار لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏”‏ لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ‏”‏ وبيقين ندري أن هذه الصفة ليست إلا في الجن والإنس خاصة ولا علم لنا إلا ما علمنا الله تعالى. وقد أيقنا ان سائر الحيوان الذي في هذا العالم ما عدا الملائكة والحور والإنس والجن فإنه غير متعبد بشريعته” (ج2، ص 64). فهل يصدق إنسان ذو عقل أن الله سوف يحشر مليارات الفراخ التي يذبحها كنتكي جكن وغيره من مزارع الفراخ ليقتص لدجاجة من دجاجة أخرى قد تكون طعنتها بمنقارها؟ وماذا عن ملايين الخراف التي يذبحها الحجيج كل عام في مكة والمدينة في عيد الأضحى، مع العلم أن هذه الخراف يأكلها المسلمون وتدخل بروتيناتها في بروتينات البشر الذين أكلوها وتصبح جزءاً من عضلاتهم. فهل يُحشر كل شخص مع الخراف التي أكلها وأصبحت جزءاً من جسمه؟
    ويروي الغزالي عن الأعمش عندما دخل مسجداً بالبصرة ووجد شيخاً من أهل الحديث يقول: وحدثنا الأعمش أنه قال. فوقف الأعمش في منتصف تلك المجموعة وأخذ ينتف شعر إبطه، فقال له الشيخ “ألا تستحي يا رجل وأنت في المسجد” فقال له الأعمش” لِمَ؟ أنا في سُنة وأنت في كذب. أنا الأعمش وما حدثتك”. (إحياء علوم الدين، ربع العبادات، لابي حامد الغزالي، ج1، ص21). ومع هذا يصم أذاننا شيوخ الإسلام في المساجد بترهات مثل: حدثنا فلان عن أبي هريرة أنه قال. ربما يقول لهم يوم القيامة صاحبهم أبو هريرة: أنا أبو هريرة ولم أحدثكم.
    وقال – عبد الرحمن الوكيل- خريج الأزهر، (ت 1971) : ( والداعون إلى تمجيد العقل، إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنم سموه عقلاً، وما كان العقل وحده كافياً في الهداية والإرشاد، وإلا لما أرسل الله الرسل ) [مقدمة كتاب: موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول (1/21) ].
    أما الشيخ السعودي المعاصر فؤاد بن عبد العزيز الشهلوب فيقول ” وكثير من أئمة الدين المرضيين عند الموافق والمخالف لا يقدمون عقولهم على كلام نبيهم كأمثال الإمام مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وابن عيينة، والدارمي، وغيرهم كثير يصعب حصرهم (المشابهة بين المعتزلة الأوائل والمعتزلة الجدد) فؤاد بن عبد الغزيز الشهلوب، ص 12. فكل هؤلاء الأئمة المذكورين والذين يستحوذون على عقول المسلمين لا يقدمون عقولهم على قول نبيهم. ومع ذلك لا يمر يوم إلا ونسمع، مئات المرات، أن الإسلام يدعو إلى التفكر واستعمال العقل.
    المؤسسة الدينية الإسلامية لم ولن تسمح للمسلم باستعمال عقله في نقد الدين. وقد كان ولا يزال هذا منوالها منذ بدء الإسلام. فمثلاً عندما قال أبو يعقوب الكندي، في أيام خلافة المتوكل: “إن النبوة تعلو على الفلسفة في بعض الأشياء ولكن محتوى الاثنين لا يختلف كثيراً”، نفاه المتوكل من بغداد وصادر كتبه.
    ومهما تعلم المسلم وارتقى درجات السلم الوظيفي يظل عقله مرهوناً لرجال الدين. فهاهو السيد راشد العنزي، استاذ القانون بجامعة الكويت، يقول “يجب إلغاء المادة 18 من قوانين حقوق الإنسان في الكتب المدرسية لأنها تقول بحرية الاعتقاد وهذا يخالف شرعنا الإسلامي.” ويا بخت كلية القانون بالكويت لأن بها مثل هذه العقول.
    مهما بلغت سخافة الروايات الإسلامية، فإن المسلم لا يخامره الشك في صحتها، فمثلاً روى ابن الجوزي في كتابه “المنتظم في التاريخ، ج3، ص 21: ” أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن علي بن حسين قال‏:‏ كانت امرأة من بني النجار يقال لها فاطمة بنت النعمان لها تابعٌ من الجن فكان يأتيها (أي يجامعها) وحين هاجر النبي إلى المدينة انقض (الجن) على الحائط فقالت‏:‏ مالك لم تأت كما كنت؟ فقال‏:‏ قد جاء النبي الذي حرم الزَنا والخمر‏.‏
    ولهذه الأسباب وضع المسلم، حتى أساتذة الجامعات الذين عهدنا إليهم بتربية النشء، عقولهم في برادات واستسلموا لهذه الخزعبلات. يمتلئ بريدي بمراسلات من أساتذة جامعة سودانية بأدعية كل صباح ويطلبوا مني أن أرسلها لكل معارفي حتى أكسب أجراً. وعندما حاول شخص معتوه أن يحرق الكعبة قبل عدة أسابيع وصلتني رسالة من أستاذ تقول “اللهم أرنا فيه قدرتك وأخسف به الأرض كما خسفتها بقارون). ولم يسأل هذا الاستاذ نفسه لماذا لم يخسف الله الأرض بالحجاج بن يوسف الذي رمى الكعبة بالمنجنيق، ولا بالبرامكة الذين حطموا الكعبة وأخذوا حجرها الأسود إلى البحرين واحتجزوه لمدة ثلاث وعشرين سنةً.
    أستاذ جامعي أرسل لي هذه الرسال: “جاء في فضل قراءة سورة الملك (تبارك الذي بيده الملك) عموماً وقبل النوم خصوصاً، ما رواه الترمزي وأحمد في مسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن سورة من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غُفر له، وهي سورة تبارك الذي بيد الملك) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمزي ومن يقرأ هذه السورة قبل التوم كل يوم تُغفر له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” انتهى. هذا الاستاذ الجامعي لا يدري أنه قد وصف إلهه بأنه كيان يعاني من الميقالومينيا، أي حب العظمة. هذا الإله الذي يحشر الخراف والطيور والوحوش ليقتص للشاة العجماء من القرناء، مستعد لأن يغفر للمسلم الذي قتل وزنى وسرق لأنه مجّد هذا الإله المجنون بجنون العظمة .
    بعكس المثقفين المسلمين نجد المثقف الغربي يقول بارتقاء العقل على كل شئ أخر. فمثلاً نجد مقولة ” العقل هو العدو اللدود للعقيدة لأنه في أغلب الأحيان يصطف مع المنطق ضد الكهنوت السماوي” Sam Harris, The End of Faith, p 8

    1. شكرا حريلا علي هذا المقال المستفز 🙏🏾
      فنحن في اشد الحوجه لكي نستفز فقهيا وفكريا عسي ولعلي ياتي الفقهاء ب مذهب خامس يعيد تناسق وتماهي التفسير والفقه الإسلامي مع حاضرنا وروعه وحلاوه واتساع القراءن الكريم ..فالمذاهب الاربعه انتهت صلاحيتها expired وما حال المسلمين الا دليلا

      1. دعوه مثل هذه التي دعوت لها ستكون سبباً كافيا لتكفيرك و تبديعك و تفسيقك و إباحة دمك و عرضك يا سعادتك

        اللا تعرف ان تاريخ العقيدة الإسلامية مترادفة مع تاريخ التكفير ؟

        اللا تعرف ان العقيدة الاسلامية هي الوحيدة على سطح الارض دونّ العقائد الاخرى التي تستخدم مصطلح التكفير بحمولته اللغوية و الدينية و الاجتماعية ؟

        عجيب امر المسلم الطقوسي الذي يرمي الكلام على عواهنه من دون بحث و تقصي 😳

  4. المحترم طاهر
    يجب حساب انكفاء النخب السودانية و هذا مصطلح يجب ان نعرفه او نتفق على تعريفه و لسنا هنا بصدد ذلك انكفاء هذه النخب يجب ان يحسب من العام 1445 ميلادية حين اصدر خليفة المسلمين من الاستانه فرمانا يمنع فيه دخول المطبعة لكل بلاد الاسلام !!!😳

    لماذا تخلف المسلمون — الحلقة الخامسة

    محمد علي العامري

    لماذا تخلف المسلمون – الحلقة الخامسة
    محمد علي العامري
    الفرد الذي يعيش طيلة حياته في بيئة مغلقة ، يظل خاضعاً للتنويم الإجتماعي في كِبَره الى مماته ( لمحات إجتماعية – د. علي الوردي )
    التخلف الفكري
    كما وضحنا في الحلقات السابقة أن الحقبة العثمانية هي نواة بداية التخلف والإنحطاط الإسلامي بعد إن كان رائداً خلال حكم الدولة العباسية . والسبب هنا يعود الى تغلغل الموروث الإسلامي الآسيوي الرعوي (الإسلامبدوي) بقيم التخلف الإقتصادي والفكري والقانوني ، الذي إعتمدت على خلط العلوم الطبيعية بالفكر الديني . فقد أصبح علماء الطبيعة في الطب والرياضيات والكيمياء والفيزياء وحتى علماء الإجتماع خاضعين بكل نتاجاتهم العلمية والفكرية والعقلية لرجال الدين وقضاتهم ووعاظ سلاطينهم . وظل المسلم أسير هذا الكهنوت وخاضع لسطوته وجبروته ، فأصبح عاجزاً عن تفكيك وإزالة بنية العقل المحافظ الذي أدى به الى التخلف الفكري .
    في القرن الخامس عشر الميلادي ، أخترع العالم الألماني غوتنبيرج أول آلة كاتبة ، وكان الإنجيل أول كتاب يتم طباعته عام 1455 م . وبعد حوالي ثلاثين عاماً من إنتشارها في أوروبا ، أصدر سلطان المسلمين وخليفتهم في اسطنبول فرماناً ( قراراً ) رسمياً يمنع إستخدام المسلمين للآلة الكاتبة ، خوفا على طلاب العلم من ترك النَسْخ بإيديهم الذي يستفيدون منه في الإستذكار والقراءة والحفظ ، وخوفاً على القرآن من التحريف ، وبعد هذا الفرمان ، قام مفتي الدولة العثمانية بإصدار فتوى بتحريم إستعمال الآلة الكاتبة الجديدة ، وتكفير من يقدم على الطباعة . فتأخرت الطباعة بسبب هذا القرار والفتوى التي لحقته عن العالم الإسلامي لمدة تزيد عن المئتين سنة ( أكثر من قرنين ) .
    وفي بداية القرن العشرين عام 1914 كان مجلس ( المبعوثان ) العثماني يريد أن يناقش جباية الضرائب ، وكان جزء منها خصص للأئمة الذين يقرأون كتاب البخاري للأحاديث النبوية في البواخر ، فنهض الشاعر العراقي الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي وكان حينها نائباً عن بغداد ، صارخاً : { إننا نعرف أن البواخر تسير بالبخار لا بالبخاري ، فلماذا لا تُنفق تلك الواردات على نشر التعليم ليتقن الناس إستعمال البخار ما دام هو الذي يسيّر البواخر ، بدل أن ننفقها على قراءة كتاب البخاري الذي ليس له في تسييرها منفعة } وبعد ان إنتهى من كلامه ” ضج المجلس وكال له المتدينون ألفاظ الكفر والإلحاد ، وهجم بعضهم عليه يريدون ضربه ” (1) . أنا جئت بهذين المثالين كدليل على خوف المسلمين وخشيتهم من أي جديد ، سواء كان أختراعاً أو أكتشافاً أو نظرياً أو فكرياً .
    فالجمود الفكري يتفشى في المجتمعات التي يهيمن عليها فكر المقدس النابع من تقاليد الميت والموروث الماضوي ذو العقلية البدوية الرعوية الذي سيطر على الفكر الديني ، هذا الفكر أصبح بمرور السنين أن يكون هو دين الإسلام ، وتتفرع منه شرائعه المختلفة ، وما على المسلمين إلاّ الطاعة والجهاد في سبيله والفوز بيوم الآخر ، وما الدنيا إلاّ ” عفطة عنز ” . وهنا على المسلم أن يلغي عقله الدنيوي المتنوّر للحياة ، ويبدله بعقل آخر ليس عقله بل أتى به غيره ليمارس الوصاية عليه، ويتحكم به كيفما يشاء ، ويوجهه حيثما يشاء نحو عالم الغيب والقضاء والقدر ، وعلوم القبور والجن والشياطين وما يحدث في الظلام والكهوف ، ليطير بمخيلته الى (السماء السابعة) تاركاً وراءه الحياة الدينا بكل ما فيها من علوم وملذات ومتعة وقلق .
    فبقيت حياة المسلمين ثابتة لا تتغيّر من قديم الزمان الى الآن ” لأن العقل الفقهي الإسلامي لا يزال يرى ذاته مالكة للحقيقة المطلقة المتعلقة بالمقدّس ، وتصدر عنه في قضايا الشرح والتأويل ” (2) لما يخص كل مفاصل الحياة ( الروحية ) التي تحدد مصير المسلم يوم الآخر ( القيامة ) ، والويل والثبور لكل من يحاول مخالفته أو نقده أو المساس به ، لأن الإختلاف في نظر هؤلاء الفقهاء هو جسم غريب في جسد المقدّس يستدعي التحريم والتجريم فالتكفير وينتهي بهدر الدم . ولا ثمة رأي هنا يحمي رجال الدين المتنورين والعقلانيين الذين يحاولون كسر الحواجز والأسوار والسدود الفولاذية التي طوقت العقل وكتبلته ، وألغته بالكامل ، فتحول الإنسان المسلم الى مقلِّد تابع مطيع ، يمشي كفرد من أفراد القطيع الى حيث لا يدري ، ولا يرى أمامه سوى عتمة القبور وأنواع التعذيب فيها ، وإفلام الرعب لقصص ( كتاب الكبائر ) لمخرجين ذوي عمائم متعددة الألوان ، كفوئين يجيدون الإخراج والسيناريوهات ، عجزت (هولي وود) عن إنتاج أفلام تضاهي ما أنتجته عمائم المسلمين من أفلام الرعب التي تم تصويرها داخل القبور ، كأفلام وثائقية يرعبون بها المشاهد المسلم ، وتصور له حالة الهلع بين الموتى من قسوة التعذيب والعذاب ، من دخول القبر الى يوم الحساب .
    مما قدمناه ، ومن جراء الصور المرعبة التي أنتجتها مراكز الفقه الإسلامي بالتعاون مع السلطات الحاكمة التي على ضوئها كُبِّل العقل وألغي دوره ، نتج عنها التخلف الفكري والجمود العقائدي . وإلاّ ، ما تفسير أن هناك أمة إسلامية عظيمة في وزنها الرقمي العددي ، يزيد تعدادها عن المليار إنسان ، ولكن لا قيمة لهذا الوزن ولا يساوي شيئاً أمام الشعوب المتقدمة علمياً وتكنولوجياً وحضارياً . فالتخلف الفكري هو السبب الأرأس في التخلف الإجتماعي والإقتصادي والسياسي . ولا يمكن لأية أمة مهما كبر عددها أن ترى النور ، إذا لم تتخلص وتقضي على أسباب التخلف الفكري .
    والقضاء على التخلف الفكري ، لابد أن يكون بالتنوير والرجوع الى العقل والتجربة والشك والإنفتاح الى العالم الأوسع والرحب ، ولكن كيف يتم ذلك ، والمسلمون يصطدمون بمشكلة في مفهوم النور والتنوير ، لأن المفكرين الإسلاميون وفقهاء الإسلام عندما يتكلمون عن مفهوم التنوير ” يذهبون مباشرة الى أنوار الإيمان وهدايات الإسلام ، ولا يعترفون بالتنوير بمفهومه الحداثوي العصري ، ويرفضونه على الأغلب بحجة أنه مفهوم أوروبي ويشكل خطراً على الإسلام ، ولا يبعدون شبهة التآمر على الأمة الإسلامية ، وتسميم عقول المسلمين” (3) .
    وكأن الله كتب على المسلمين أن يحافظوا على تخلفهم الى يوم الدين .. فلماذ كل هذا الخوف والتخوف من كل جديد يأتي من خارج الإطار الإسلامي ، وما الذي جعل المسلمين يعيشون في تردد وهلع وخشية من التقارب مع الشعوب الأخرى التي سبقتهم بمئات السنين من التطور العلمي والتكنولوجي ؟ فالجواب هنا ،لأنهم يخشون التجديد في الأفكار ، ويفضلون الطوباوية في التفكير ، ليحلّقوا بعيداً الى السماوات ، وينشئون في مخيلتهم مُثُلاً ، ويسعون لتحقيقها وهي بعيدة المنال أو بعيدة جداً عن الواقع الذي يعشون فيه.
    فالانحطاط لا يزال قائماً، ثم جاءت له الموجة الجديدة بتعزيز التخلف عبر التدين الجاهل والتقليد ألأعمى ، أو بسبب الاستنزاف المميت، لثقافة سطحية وانقسامات مذهبية طائفية ذات صراعات همجية، يغذّيها الاستبداد أو جهل المسلمين ، ما أدى الى غياب صناعة الفكر الجديد نتيجة لحجم الفراغ والأزمة، التي يعيشها العقل المسلم . أي أن التنظيم الاجتماعي الإسلامي الرعوي الخاضع لمعايير التقاليد القبلية البدوية يكون في العادة أكثر تأخراً من الناحية العلمية والتكنولوجية ، وأكثر إنغلاقاً على العالم الخارجي، وأقل إنغماسا في قضايا التعليم ، وأقل واقعية في التفكير . وقد إختصرها الدكتور علي الوردي : الحياة البدائية المحافظة يسودها التقليد ، بينما نرى الإبداع يسود حياة المدنية .
    فالدين الإسلامبدوي يؤسس مجتمع محافظ لا يستطيع أن ينتج المدنية ، وإنما ينتج مجتمعاً متخلفاً ، لأن هكذا مجتمع قد تعود على الكسل والبلادة والترهل ، والقَدَر يُسيّر شؤون حياته اليومية ، على مبدأ ألإمام الشافعي الذي يقول :
    دع الأيـام تفعـل مـا تشــاءُ ……. وطـب نفسـاً إذا حَكـمَ القضــاءُ
    الهوامش :
    1 – البواخر تسير بالبخار لا بالبخاري – مقال للباحث رشيد الخيون
    2 – الإسلام كبديل …. الدكتور مراد هوفمان ( الماني صار مسلماً )
    3 – سبب انحطاط المسلمين وتخلفهم …. المفكر الإسلامي د. شكيب أرسلان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..