
بعد اندلاع حرب 15 أبريل التي تُعد واحدة من أخطر الحروب في تاريخ السودان ، ومع قرار قائد قوات الدعم السريع الصادر في 13 أغسطس بإنشاء الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية ، ثم قرار إلغاء مهام مفوضية العون الإنساني في مناطق سيطرة الدعم السريع بتاريخ 19 أبريل 2024م ، بدأت التساؤلات تظهر حول طبيعة عمل الوكالة وتأثيرها على وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في هذه المناطق. من المهم فهم هذه التطورات بعمق لنرى كيف يمكن لهذه الوكالة الجديدة أن تكون أداة فعالة لتسهيل عمليات الإغاثة وتعزيزها ، بدلاً من أن تتحول إلى مجرد تكرار لمفوضية العون الإنساني، التي كانت لها إيجابيات وسلبيات.
هل ستتمكن الوكالة من تلبية احتياجات السكان المتضررين بشكل أفضل؟ هل ستسهم في تحسين فعالية توزيع المساعدات الإنسانية ، أم ستواجه تحديات مشابهة لما واجهته مفوضية العون الإنساني؟ هذه أسئلة مهمة تستحق البحث والتحليل لفهم الدور الذي ستلعبه الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية في المرحلة المقبلة.
مستصحبين معاناة عمال الإغاثة والمنظمات الإنسانيةومخاوفهم المتزايدة بسبب خطابات التهديد والابتزاز التي قد تستهدف نشاطاتهم في مناطق سيطرة الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية فضلاً عن الحملات الإعلامية المضللة التي تنتشر عبر وسائل الإعلام المختلفة. إن هذه التهديدات والحملات لا تقتصر أضرارها على عمال الإغاثة فحسب ، بل تؤثر أيضًا بشكل مباشر على المستفيدين من المساعدات الإنسانية ، خاصة أولئك الذين يعانون من النزاعات وفقدان الأمان. في هذا السياق ، تصبح المجتمعات المتأثرة أكثر هشاشة ، حيث يجد الأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة صعوبة كبيرة في الحصول على ضروريات الحياة من غذاء وماء وأدوية. ونتيجة لهذه التهديدات ، قد تتردد المنظمات في تقديم الدعم اللازم أو تُضطر لتقليص عملياتها ، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني ويزيد من معاناة هؤلاء الأشخاص. لضمان وصول المساعدات إلى المستحقين ، يجب أن تكون هناك جهود مجتمعية ودولية لوقف التهديدات وتوفير بيئة آمنة لعمال الإغاثة ، حتى يتمكنوا من تقديم المساعدة دون خوف من التعرض للأذى أو التضليل.
من الملاحظ أن هناك حملات تخوين واتهامات بالعمالة تستهدف كل من يحاول تقديم المساعدة الإنسانية في ظل ظروف سياسية وأمنية بالغة التعقيد في ظل هذه الحرب العبثية التي اختلت فيها كل المعايير الموضوعية. هذه الاتهامات وتوزيع “صكوك الوطنية” بهذه الطريقة غير الأخلاقية وغير المهنية تتعارض مع أخلاقيات ومبادئ العمل الإنساني ، وتعتبر سلاحًا آخر لقتل المتأثرين وتحويل القضية الإنسانية إلى أداة لتكريس المعاناة واتساع رقعة الموت بسبب نقص المساعدات. إن استخدام العمل الإنساني كورقة ضغط سياسية أو وسيلة لتبرير أعمال العنف يخلق بيئة خطرة ويعيق وصول الدعم لمن يحتاجه بشدة. لذلك ، يجب أن نعمل على مواجهة هذه الحملات وتوعية المجتمع بأهمية الدور الإنساني بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية ، وذلك لضمان عدم استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح لاستمرار الصراع وزيادة معاناة المستضعفين.
بالضرورة التأكيد على أنها ليست التجربة الأولى في تاريخ السودان. ففي مناطق الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو ، تعمل وكالة الحركة منذ سنوات طويلة بشكل مستقل عن مفوضية الخرطوم. هذا المثال يظهر كيف يمكن لوكالة إنسانية أن تعمل بفعالية حتى في ظروف غير تقليدية، مما يعطي الأمل في أن الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية يمكن أن تكون فرصة حقيقية لتعزيز الجهود الإنسانية ، خاصة مع التزايد المستمر في الاحتياجات داخل السودان.
يمكن لهذه الوكالة أن تصبح بداية لإيجاد طريقة تساعد في التغلب على العقبات التي أعاقت تقديم المساعدات الإنسانية في الماضي. ومن خلال التركيز على تسهيل الإجراءات وتقديم الدعم لمؤسسات المجتمع المدني ، سواء الدولية أو السودانية ، وهل يمكن أن تلعب هذه الوكالة دورًا إيجابيًا في تحسين عملية تقديم المساعدات. وهذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة من خلال الاختبارات العملية وليست النظرية.
ونظرًا للظروف الأمنية الصعبة ، يمكن للوكالة أن تتبنى نهجًا يركز على المجتمع المحلي ، مما يمكن أن يسهم في تعزيز التعاون بين مختلف الجهات لتحقيق أهداف إنسانية مشتركة. من خلال هذا النهج ، يمكن للوكالة أن تكون عاملًا مهمًا في تسهيل وصول المساعدات إلى المحتاجين بشكل فعال وآمن ، مع الحفاظ على مرونة العمل في ظل الظروف المحيطة.
في هذا السياق ، يجب تجنب الصراعات السياسية وعمليات التخويف التي قد تسبب عدم استقرار في المجتمع وتعرقل الجهود الإنسانية. بدلاً من ذلك ، يجب أن نركز على دعم الوكالة بالطرق الممكنة لتحقيق هدفها في تقديم الخدمات للمواطنين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها ، مع الحفاظ على كرامة المستفيدين من المساعدات.
نجاح الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية مرهون بمدى تفهمها لرسالتها وتحملها المسؤولية بشكل واضح ودون لبس. يتطلب ذلك اعتماد نهج يسهم في تعزيز حماية عمال ومؤسسات العمل الإنساني ، سواء العالمية أو السودانية بالإضافة إلى دعم المبادرات الأهلية التي تسعى إلى تقديم المساعدات. لتحقيق ذلك ، يجب على الوكالة أن تفتح قنوات تواصل فعالة تتيح لها بناء قدراتها بشكل مستمر ، بما يعزز من فرص وصولها إلى أكبر قطاع ممكن من المتأثرين بالحرب.
بالإضافة إلى ذلك ، من المهم أن تشارك الوكالة بفعالية في حلقات نقاشية وحوارية مع المنظمات الإنسانية الأخرى لتبادل النصح والمشورة الموضوعية حول كيفية تعزيز فرص النجاح المشترك. هذا التفاعل الإيجابي يمكن أن يسهم في توفير بيئة عمل آمنة وفعالة ، حيث يمكن للوكالة أن تتعلم من التجارب السابقة وتبتكر حلولًا جديدة لتحسين عمليات الإغاثة. في النهاية ، من خلال هذه المقاربات ، يمكن للوكالة أن تضمن وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وفعال إلى المحتاجين ، مما يعزز من قدرتها على تحقيق رسالتها الإنسانية.
إذا تمكنت الوكالة من بناء علاقات إيجابية وشفافة مع المجتمع الدولي والمحلي ، فإنها قد تصبح مثالًا إيجابيًا يمكن الاعتماد عليه. علاوة على ذلك ، إذا ركزت على دورها الإنساني وتجنب الدور الأمني الذي قد يقيد عملها ، فإنها ستكون قادرة على الاستجابة بشكل فعال لحالات الطوارئ الإنسانية ، خاصة في ظل تنامي احتمالات المجاعة في البلاد.
في ختام هذا المقال ، يتبين أن مستقبل الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية يتوقف على قدرتها في مواجهة التعقيدات الأمنية والعسكرية والسياسية. لتحقيق النجاح ، يجب على الوكالة أن تركز بوضوح على رسالتها الإنسانية ، وتتجنب الانغماس في الأجندات السياسية أو الأدوار الأمنية التي قد تعرقل عملها.
الشفافية وبناء علاقات إيجابية مع المجتمعين المحلي والدولي هما مفتاح النجاح. ومن المهم أيضًا أن توفر الوكالة دعماً وحماية لعمال الإغاثة ، لضمان أداء مهامهم دون خوف من التهديدات أو الابتزاز. كذلك ، يتوجب على الوكالة توفير بيئة آمنة لعمليات الإغاثة ، ما يضمن وصول المساعدات إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها.
إذا نجحت الوكالة في الالتزام بهذه المبادئ وتطوير استراتيجيات عمل فعالة ، يمكنها أن تلعب دورًا محوريًا في تحسين الوضع الإنساني في السودان ، خاصة مع التزايد المستمر في الحاجة للمساعدات في ظل الظروف المعقدة. مثل هذا التوجه قد يكون بمثابة شعاع أمل للمتأثرين بالنزاعات، يساعد في تخفيف معاناتهم وتحقيق الاستقرار في المناطق المتضررة.
في النهاية ، تبقى الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية جهد إنساني ومشروعًا يتطلب الدعم والتوجيه والتطوير، وإذا استُخدم بحكمة ، يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تخفيف معاناة الكثيرين وتحقيق الاستقرار في المناطق المتأثرة. دعونا نعطي هذا المشروع فرصة للنجاح ، ونشجع على تعاون الجميع لتحقيق هذا الهدف الإنساني.
