الدولة العربية لفظ رنان ، رائع وجميل ، ترتاح له الأذن وتهفو إليه القلوب ، ويا ليته يتحقق فتصبح كل دولة ناطقة بالعربية جزءاً من الدولة الكبرى والعظمى ، وهي الجمهورية العربية المتحدة ، أو كما شاء لنا أن نسميها آنذاك ، إن دولة كهذه – تجمع بين خيرات السودان وتراث مصر ومميزات الخليج وثقافة لينان وغيرها من الهبات – سوف تكون دولة قوية صلبة غنية ، جميلة متنوعة ، ولسوف تقهر أعداءنا الألداء الذين نجهر بعداوتهم ، إسرائيل ومن والاهم ، لن يرعبنا البعبع الأمريكي ، ولن يجرؤ أحد على إخراج لسانه للعرب أو استفزازهم ، وستقف جميع الشعوب احتراماً لتلك الدولة العظيمة إن تحقق وجودها يوماً ما .
الوحدة العربية جميلة كلفظ و مادة للخيال ، ولكن تحقيقها ليس سهلاً كتصورها ، ووما ذلك إلا لأمر أنت تعرفه ، لأنه يسكن داخلك وداخل كل واحد منا ، وجه إلى نفسك سؤالاً واحداً هل أنت تريد حقاً أن تظهر هذه الدولة على مسرح الوجود؟
قد تكون الإجابة لأول وهلة : “نعم ، و لما لا ؟” ، ولكن بعض التفكير في هذا الأمر يقودنا إلى إدراك أن هناك ثمناً يجب أن يتم دفعه ، وهذا الثمن باهظ على النفوس .
إن رغبت في الحصول على وطن أكبر ، فينبغي عليك أن تتحرر من الوطن الأصغر ، يجب أن تذوب الحدود بين جميع الدول العربية يجب أن تضحي بجنسيتك ، وتذوب في الجنسية العربية لن تكون سودانياً أو مصرياً أو مغربياً ، بل أنت عربي فقط في تلك الأرض ، عروبتك هي جنسيتك ، وإن أراد كل مجتمع الحفاظ على قوميته وخواصه الأساسية كلها ، فلن تكون هناك وحدة عربية ، ليس المطلوب هو التخلي عن الثقافة المحلية تماماً ، بل المطلوب هو نسيان المجتمع الصغير والتفكير في المجتمع الكبير ، فهل أنت مستعد لبذل هذه التضحية؟ أما بالنسبة لي شخصياً فأنا أشعر بالفخر عندما أعبر عن انتمائي إلى السودان ، سيكون صعباً علي أن أتخلى عن فكرة كوني سودانية .
العرب يتميزون بحبهم للقومية ، وقد عاشوا من قبل كوحدات صغيرة متفرقة تحت مظلة النظام القبلي ، لم يريدوا تشكيل دولة أو الخضوع لسلطة مطلقة ، وقد جاء الإسلام ليغير بعض تلك الصفات ويجعلهم أكثر انفتاحاً ، ولكنه لم ينجح في تغييرهم تماماً ، فلا يزالون محتفظين ببعض قوميتهم التي تمنعهم من الذوبان في كتلة كبيرة ، لك أن تتخيل مجموعة مواد لا يود أحدها أن يتخلى عن خواصه الأصلية وفردانيته في سبيل تفاعل كيميائي ناجح ، هذه مشكلة مهمة تعوق تحقيق الوحدة العربية .
محررو الراكوبة 926 أبريل، 2024
