مقالات وآراء سياسية

نقوش على جِدار الحرب السودانية ٢ : متى تنتهي الحرب؟

د. مقبول التجاني
       سأقول في التحقيق : إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل ، وأقول في التحقيق : إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول ..
وأقول : أن حكاية الإشعاع ، أسخف نكتةٍ قيلت .. فنحن قبيلةٌ بين القبائل ، هذا هو التاريخ . . يا بلقيس .. كيف يفرق الإنسان .. ما بين الحدائق والمزابل ، بلقيس .. أيتها الشهيدة .. والقصيدة .. والمطهرة النقية .. سبـأٌ تفتش عن مليكتها ، فردي للجماهير التحية ..
إذا كانت بيروت ، والحرب الأهلية اللبنانية ، التي إندلعت ما بين عامي ١٩٧٥م و ١٩٩٠م ، قد قتلت بِلقِيس واحدة ، على وصف الشاعر السوري نِزار قباني ، فقد قتلت نظيرتها الخُرطوم ، والحرب الأهلية السودانية ، أكثر مِن ألف بلقيس وشردتها ، وإغتصبتها وأهانت كرامتها ، ومرغت أنفها أكثر مِن مرة فِي التُّراب.
وللمُصادفة ، فقد إندلعت الحرب اللبنانية ، يوم ١٣ أبريل ، وأسفرت عن مقتل ، ما يُقدر بأكثر مِن ١٢٠ ألف شخص ، وهجَّرت وشردت الآلاف ، ولا زالت تداعياتها السياسية السلبية ، مُستمرة إلى الآن.
إن مُحاولة الإجابة على سؤال : متى تنتهي الحرب؟ يُعتبر أهم سؤال للمواطن العادي البسيط ، لأنه يتطابق تماماً مع سؤال : متى ينتهي البؤس والشقاء ، ومتى تنتهي المعاناة؟ بينما يُعتبر سؤال : كيف تنتهي الحرب؟ مِن الأسئلة الثانوية لديه ، ومعنية بِه فقط ، تِلك النُخب السياسية الفوقية ، لأنه يرتبط بحسابات الربح والخسارة.
إلا أنه بالنسبة للمراقب الحصيف ، و الباحث المُستقل ، فإنه يصعب الإجابة على سؤال متى تنتهي الحرب ، الأساسي ، والجوهري المُهم ، بدون الغوص في سيناريوهات الإنتهاء ، إبتداءً ، ومُحاولة إيجاد أجوبة تخيلية ، لسؤال الكيف ، الثانوي ، إنتهاءً.
الساحة السياسية السودانية ، الآن ، مُصابة بِقصر النظر التحليلي ، وبالعمى السياسي ، والذى يجوز لي تسميته هُنا بِ”عمى الصراع”، وهو ناتج عن حالة الصدمة النفسية ، والهِزة الوجدانية العميقة ، و إرتباطاتهما بالمشاكل الذهنية العميقة ، الموجودة أصلاً في بنية العقل السودانية ، المأزومة.
كما أن النُخب السياسية السودانية مُصابة أيضاَ بحالات مِن “الصمم الإبداعي”، و “البُكم الأخلاقي”، وأصبح الغالبية لا يبصرون.
الحرب اليمينة قاربت على العشرة أعوام ، وكذلك الحرب الليبية دخلت عامها العاشر، وأوشكت كذلك الحرب السورية على دخول العام الثالث عشر ، والعراق لم يستقِر له ، على حال ، ودولة ، مُنذ الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٢م فما الذي يجعل الحرب السودانية إستثناءً مُفارِقاً؟ ويجعلها تنتهي في عام أو عامين فقط؟ إذا أبعدنا التحليلات الرغائبية ، والغرائز الفطرية! .
تتشابه التقاطعات الإقليمية ، والدولية في كل تِلك الحالات السابقة ، مع الحالة السودانية المُستعصية ، إلا أن الوضع الجيوسياسي الخارجي للسودان ، يُعتبر أقل تعقيداً من أوضاعها مُجتمعة ، ولكن يتفوق السودان عليها جميعاً بتعقيداته السياسية الداخلية ، وأزماته البنيوية المُتعددة.
بلقيس :
إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عربٌ .. ويأكل لحمنا عربٌ ..
ويبقر بطننا عربٌ .. ويفتح قبرنا عربٌ .. فكيف نفر من هذا القضاء ؟ فالخنجر العربي .. ليس يقيم فرقاً ، بين أعناق الرجال .. وبين أعناق النساء ..
إنتهت الحرب اللبنانية ، بإتفاق الطائف ، وهو الإسم الذي تُعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني ، والتي وُضعت بين الأطراف المُتنازعة في لبنان ، وذلك بوساطة سورية – سعودية ، في ٣٠ سبتمبر ١٩٨٩م.
تُعتبر مُفاوضات مِنبر جِدة ، الجارية الآن ، والخاصة بالحالة السودانية ، مُحاولة مُعاصرة ، لإعادة إستتساخ إتفاق الطائف اللبناني ، برعاية سعودية – أمريكية.
إلا أن مُفاوضات جِدة ، تتأثر بِشكل عميق ، وترتبط إرتباطاً وثيقاً ومباشراً ، بتطورات العمليات العسكرية اليومية ، والأحداث السياسية المُختلفة، على أرض الواقع السوداني المُتحرك ، مثل تحرك رِمال الصحراء.
لذلك ، فإن قدرة مِنبر جِدة ، على إحداث إختراق سياسي سريع وكبير ، ترتبط بعدة عوامل كثيرة ومُعقدة ، ولا يُمكن التنؤ بها ، وقد تستمر المفاوضات بِالمنبر ، لِمدة ثلاثة أعوام أخرى قادمة ، قبل أن تؤدي في النهاية ، إلى إيقاف الحرب بصورة كامِلة.
إن أقصى نصر عسكري ، يُمكِن أن يُحقِقه الجيش السوداني ، هو إخراج الدعم السريع مِن ولاية الخرطوم ، وولاية الجزيرة ، وهو ما قد يستغرق فترة طوية جِداً ، قد تمتد إلي مُدة خمسة أعوام قادمة.
لكن ولايات دارفور جميعها ، وأجزاء واسعة مِن ولايات كردفان ، فستكون تحت قبضة قوات الدعم السريع ، وحواضنها الإجتماعية ، ولو إستمرت الحرب السودانية ، لِمدة ثلاثين عاماً قادمة. لذلك ، فإن الحديث عن مُستقبل إقليم دارفور ، ودولته المُرتقبة ، منذ الآن ، يحمل صفة أكثر مِن منطقية.
أقصى نصر عسكري يُمكِن أن يُحققه الدعم السريع ، هو تمدده نحو القضارف ، وكسلا ، ومُدن ولاية نهر النيل. أما ساحل البحر الأحمر ، فيعتبر خط أحمر للمملكة الشقيقة والقِوى الغربية ، وكذلك تُعتبر الولاية الشمالية ، خط إحمر أيضاً، بالنسبة للجارة المِصرية.
لكن حتى لو سيطر الدعم السريع ، على منطِقة حوض النيل، لِمدة ستة عشر عاماً قادمة ، كما فعلت الدولة المهدية ، وخليفتها التعايشي، فسيتم إخراجه مِنها بالقوة ، في النهاية ، لتهديده للمصالح الرأسمالية التأريخية ، الموجودة هناك ، ولفشله السياسي الواضح ، فِي التعاطي الإيجابي مع المُجتمعات المحلية.
لو إستمرت هذه الحرب لِمدة ستة أعوام قادمة ، فستنهار الدولة السودانية تماماً ، ويتحلل جيشها بالكاِمل ، وكذلك بقية مؤسساتها الأخرى ، ويتحول السودان فِي النهاية إلى إقطاعيات فقيرة ، وإلى جُزر صغيرة مُنعزلة ، ودولة لأمراء الحرب وعندئذٍ ستتقاسمها وتقتطعها الدول الإقليمية ، والغربية، وتقوم بنهب مواردها.
إن تنسيقية القِوى المدنية “تقدم”، لا تُعتبر طرفاً مُباشراً فِي الحرب الدائرة الآن ، ولكنها طرف ثالث أصيل فِي الصراع السياسي ، ولا يجوز إلحاقها إعتباطاً بالدعم السري ، لأنها تمتلك أجندتها السياسية الذاتية ، ورؤيتها المنهجية الخاصة بها ، داخل حدود الأزمة السودانية. لذلك ، فإن عدم إستصحاب القِوي المدنية ، فِي خطوات الحل السياسي القادِم ، سيعقد الأزمة أكثر وأكثر ، ويطيل مِن أمد الحرب السودانية.
كذلك الإسلاميين ، فهم طرف رابع أصيل ، فِي الحرب والصراع السياسي معاً ، ويجب وضع رؤية تفصيلية مُتكاملة ، للتعامل معهم مستقبلاً.
وأتساءل فِي النهاية عن ما هو شكل التسوية! المقبول لدى الإسلاميين؟ .

‫2 تعليقات

  1. تسلم كتير د مقبول … تحليل منطقي و قراءة جميلة للمستقبل القريب..
    هل انت د مقبول طبيب الامتياز في مستشفى القضارف ؟

  2. انت يا دكتور ما عارف شكل التسوية العاوزنها الكيزان! عاوزين يحكمونا براهم عشان يكون النهب المصلح ليهم براهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..