
١مايو ٢٠٢٤م
بعيدا عن الحرب ومآسيها وما آلت إليه الأوضاع من دمار وخراب. نخرج قليلا عن المألوف ونكتب عن مظهر من مظاهر التعاون في مجتمعاتنا التي تعيش في الارياف ونستعرض بعضا من الطقوس في مناسبات الافراح ، عندما كان انسانها ينعم بالامن والسلام وصفاء الضمير ومحبا للخير
لعن الله الحروب ومن تسبب في اشعالهافعلا او تحريضا ، فقد ازهقت هذه الحرب الارواح والانفس وهتكت نسيج المجتمعات التي كانت تربطها وشائج قربي ومصاهره ، وساهمت في إخراج الكلمات والجُمل عن صياغاتها المليئة بالجَمال ، وابعدتها عن مضامينها المفعمة بالحيوية الراشدة الي محامد السلوك القويم للمجتمع ، خاصة مجتمع الريف والبوادي
فبفعل هذه الحروب التي استمرت لسنين طويلة منذ ماقبل الاستقلال ومازالت مستمرة ، قد اخرجت بعض الكلمات عن صياغها ودلالاتها اللفظية والمعنوية فكلمة
(دق العيش) هي في الاصل لها معنيين . الاولي يستخدمها المزارعون في وقت الحصاد. وهي دق العيش (الدخن) او الذرة (الماريق)…. دق العيش بالمدقاقه في المدق!!
دق : تعني الضرب .
المدقاقة : وهي تعني الألة التي يضرب بها الدخن او الماريق.
المدق : وهي تعني المكان الذي يوضع فيه سنابل الدخن او الماريق علي الارض.
اما المعني الثاني لكلمة دق العيش وهو مااعنيه في هذا المقال ، وهي عبارة عن مناسبة اجتماعية تتعلق بالزواج او الختان ، يدعي لها بنات القرية او الحي قبل اسبوع من ميعاد الزواج او الختان حيث يقمن بتنظيف الدخن الخاص بوليمة الزواج تحت ظل اقرب شجرة لمنزل المناسبة. وتتخلل دق العيش هذا بعض الطقوس التي تعضد رسوخ مفهوم التعاون بين هذه المجتمعات.
ففي هذه المناسبة اي (دق العيش) تجد البنات يربطن كل الشوارع القريبة من مكان جمعهن للقبض علي الماره من الرجال لاغراض المساهمة بالمال ، واذا لم يكن في جيبك نقودا في لحظة القبض عليك فسوف تتم مصادرة ماترتدي من مقتنيات خاصة اذا كنت ترتدي عمامة او ساعة يد او حتي الجلابية ، وإذا حاول الرجل الهرب من بين يدي الفتيات سوف تلطخ ملابسة بخلطة خاصة تصنع خصيصا لهذه الحالات وهي: خليط الكنفوت
(الرده) يضاف اليه قليلا من الماء والعطرون فيصبح خليط اصفر اللون ربما يحدث تشوه كاملا للملابس البيضاء ، فاذا صودرت احدي مقنياتك فسوف تدفع مبلغا مضاعفا وبكل رضي مقابل استلام تلك المقتنيات. هذه الاموال التي تجمع في ذلك اليوم قليلة كانت أم كثيرة ، لاحقا سوف تقام لها وليمة تدعي لها نساء الحي وهي في الغالب تكون قعدة (جلسة لاحتساء القهوة او الشاي) واحيانا يذبح لها البلدو بلدو (العتوت).
اما الكلمة في هذه الايام قد اخذت معنا اخر واخرجت عن صياغها واستعملت في غير معناها الجميل
(فلان دقو دق العيش) .
